تحتفى مكتبة «لوليفييه» أو الزيتونة العربية وصاحبها منير آلان بيطار الذى بدأ مشروعه الطموح عام 1979 فى مايو المقبل فى صالون جنيف للكتاب بأربعين عامًا من نشر الثقافة العربية وتنظيم الأنشطة الثقافية بهدف التبادل المعرفى بين المنطقة العربية وسويسرا، وتعد المكتبة بوابة لكل منتج ثقافى عربى من المحيط إلى الخليج، وجسرًا لنقل آداب وفنون الثقافات العربية والمتوسطية إلى أوروبا؛ كونها المكتبة العربية الوحيدة فى«جنيف» عاصمة القطاع الفرانكفونى السويسري، وواحدة من أقدم الملتقيات الثقافية العربية فى القارة الأوروبية أيضًا. البدايات يقول «منيرآلان بيطار» ذو الجذور الشامية من جدين عربيّين مسيحيين كاثوليكيين، أحدهما من حلب والآخر من جنوبلبنان، هاجرا فى نهاية القرن التاسع عشر إلى مصر، قبل أن يتوجها للعمل فى العاصمة السودانية الخرطوم، التى تزوج فيها والداه وشهدت القاهرة ميلاده عام 1953، قبل أن يعود منها إلى الخرطوم ليقضى سنوات العمر الأولى قبل الخروج منها بجواز سفره السودانى للالتحاق بمدرسة ابتدائية داخلية فى سويسرا اتباعا لأمر والده التاجر باعتبارها خطوة فى طريق الخروج والرحيل عن العالم العربي، قبل أن تلحق به الأسرة وإخوته الخمسة لمرض ألمّ بأبيه يقول: «أسهم» كل ما سبق فى تشكيل وعيى كمواطن عالمى ذى توجه إنسانى حفرته عملية تثقيف سياسى يسارى تمت فى سويسرا التى انتميت لفرانكفونيتها ولم أكن أعرف غيرها وطنًا. وببلوغى السابعة عشرة، كانت الصدمة فى رفض منحى الجنسية على خلفية طردى من المدرسة نتيجة انخراطى فى أنشطة كشفية تدعم حركات التحرير فى أمريكا اللاتينية. قررت وقتئذ، السفر مع صديقة سويسرية للبحث عن جذورى من الجزائر إلى سوريا مرورا بمصر ولبنان بطريقة «أوتوستوب» التى انتشرت وقتئذ، ولكننى شعرت فى وسط أفراد عائلتى فى جنوبلبنان بالغربة عن اللغة والثقافة. وتزامن ذلك مع تساؤلات حول الشتات الفلسطيني، مع ما وجدته من تشابه مع أفراده فى بحثنا عن هوية، وهو ما دفعنى للتواصل مع فلسطينيى باريس ما بعد ثورة الشباب فى 1968، وانضممت لتنظيم الجبهة الشعبية اليسارى (حواتمة). وارتحلت فى الثانية والعشرين إلى لبنان فى بداية الحرب الأهلية، حيث عشت عامين وتعلمت اللغة العربية فى المخيمات قبل عودتى ثانية إلى سويسرا، على أن استمر فى دعم المقاومة. كانت البداية بإقامة معارض لبيع قطع التطريز من إنتاج نساء المخيمات، ثم بدأت فكرة المكتبة تتبلور بدعم من إمام مسجد جنيف وأقدم اللاجئين العرب وقتئذ العلامة د.محمود بوزوزو، مؤسس كشافة الجزائر فى حرب التحرير، حيث واظب على زيارتى يوميًا لتصفح قوائم الكتب والاختيار من بينها دينية كانت أو علمانية - مبادرًا بحجز نسخة لمكتبة المؤسسة الإسلامية، ومصرًا فى الوقت نفسه على الدفاع عن المكان لدرجة الدفاع عن وجود كلبى الذى اعتدت اصطحابه للمكتبة، مبررًا كونه للحراسة وليس للترفيه. التوهج على امتداد السنوات السابقة، ضمت المكتبة رويدا رويدا آلاف الكتب سواء من الأمهات التراثية أو المعاصرة الحديثة، فضلًا عن وسائط بصرية للأفلام والموسيقى بكل المقامات واللهجات العربية من إفريقيا إلى آسيا، بالإضافة إلى أجندة الأنشطة الثقافية الدورية على مدى العام التى تقدم معارض الفن التشكيلى العربي، وورش تعليم خصوصيات المطبخ العربي، ودورات تعليم جماليات الخط العربى أو اللغة العربية للكبار والصغار، وكذلك العروض الفنية لفنانين عرب مخضرمين وشبان، فضلًا عن استضافة نجوم الساحة الثقافية العربية، منهم على سبيل المثال: الشيخ إمام، ومارسيل خليفة، وجمال الغيطاني، وصنع الله إبراهيم، ومحمد منير، ونصير شمة، وغيرهم حيث شهدت المكتبة فترة توهج حقيقية مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات حيث تحولت إلى قبلة للسائحين والموظفين العرب من الدبلوماسيين والدوليين لتزويد أسرهم بالأفلام العربية والكارتون والكاسيت قبل ظهور الفضائيات. طموح وتحديات مع بداية الألفية الثالثة، حصلت من حكومة جنيف عام 2005 على وسام الشرف تقديرا لجهودنا فى التقارب بين الثقافات - وللمفارقة لم أحصل على الجنسية السويسرية، وإن كنت مواطنًا يحمل الجنسية الفرنسية نتيجة للزواج - ومع هبوب رياح العولمة وانتشار الإنترنت، بدا جليا انحسار دور المكتبات والمؤسسات الثقافية، وتزامن ذلك مع خفوت الحركة التجارية فى المكتبة، وتقلص ما ورثته عن عائلتى من أموال ذهب أغلبها لتأسيس ودعم صمود المكتبة، مع حرصى على عدم طلب الدعم من أية جهات عربية حكومية حتى لا اضطر لقبول اشتراطات على نوعية ما يقدمه المكان. واتجهت للتفكير فى مشروعات ثقافية موازية، حيث عملت على تأسيس وإدارة النسخة العربية من «اللوموند ديبلوماتيك»، وذلك قبل تحويل المكتبة إلى معهد للثقافات العربية والمتوسطية عام 2013، والبدء منذ ذلك الحين فى تنظيم مهرجان الزيتونة السنوى للموسيقى العربية. احتفالات الزيتونة على امتداد العام 2019، تتوالى احتفالاتنا بالعيد الأربعين لميلاد «الزيتونة» باستضافة معارض فنية وتصوير فوتوغرافى ونقاشات حول كتب وتنظيم حفلات وقائمة مطولة من الأنشطة من خلال مشاركتنا السنوية المعتادة فى صالون جنيف للكتاب فى دورته الثانية والثلاثين التى ستعقد فى مطلع مايو المقبل ولمدة خمسة أيام، حيث نقدم عددًا من الفعاليات التى يشارك فيها نخبة من المثقفين والفنانين العرب، بدعوة من الزيتونة التى تشرف على تنفيذ وتنظيم رواق الثقافات العربية، الذى يعد ساحة سنوية ثابتة فى الصالون لاستعراض ثراء ثقافات وآداب العالم العربي، فضلًا عن تنظيم مهرجان الزيتونة لمدة ثلاثة أيام على التوالي. من جهة أخري، تشاركنى ابنتى العمل حيث تشرف من وجهة نظر تسويقية على تحويل المكتبة لتكون ملتقى للأمهات والصغار وتنظيم جلسات حكى وورش عمل فى الخط العربى والطهو والغناء والعزف، فضلًا عن متابعة أنشطة جمعية تعليم اللغة العربية للأطفال (إيلاب) التى توصلت لاتفاق مع مقاطعة جنيف يتيح للأطفال من اصول عربية بين سن 5و 12، تلقى دروس لغة عربية بصفة دورية ضمن إطار الدراسة الرسمية السويسرية، وذلك دعمًا للحفاظ على اللغة العربية كوسيط ثقافى مهم بين أبناء الأجيال الجديدة من المهاجرين.