أوتشا: أقل من 18% من غزة مسموح فيها بتواجد مدنيين    إيران تطالب ب ضمانات من الولايات المتحدة بشأن رفع العقوبات    إنتر ميلان يضع مدرب فولهام ضمن قائمة المرشحين لخلافة إنزاجي    بعد تصوير سيلفي بجوار الضحية.. ضبط المتهم الثاني في واقعة قتل شاب والتمثيل بجثته بالإسكندرية    البنك المركزى يعلن عطلة البنوك لعيد الأضحى تبدأ الخميس وتنتهى الإثنين.. فيديو    محافظ القليوبية يكلف رؤساء المدن برفع درجة الطوارئ خلال إجازة عيد الأضحى    استعدادا للعيد.. تعقيم المجازر ورش وتجريع الماشية في المنيا    نقيب المحامين يقرر صرف 500 جنيه منحة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    حبس سنة وغرامة 10 آلاف جنيه.. عقوبات ذبح الأضاحي خارج المجازر    محافظ المنوفية يأمر بصرف مساعدات مالية ومواد غذائية لحالات إنسانية    "غصب عن الرابطة".. مدرب بيراميدز يوجه رسالة نارية بعد التتويج الأفريقي    تقارير: النصر يعرض خطته على رونالدو لإقناعه بالتجديد    تقارير: ليفركوزن يرفض العرض الثاني من ليفربول لضم فيرتز    رئيس "العربية للتصنيع": نتطلع لتصنيع قطع الغيار بطريقة رقمية    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    وزيرة التنمية المحلية توجه بتوفير اللحوم بأسعار مخفضة في عيد الأضحى    السجن المؤبد ل4 أشخاص بتهمة قتل مواطن في المنيا    المراجعة النهائية في مادة الكيمياء للثانوية العامة .. لن يخرج عنها الامتحان    الكشف عن موعد عرض مسلسل "فات الميعاد"    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    أحدث ظهور ل نادين نسيب نجيم بإطلالة جريئة والجمهور يعلق (صور)    الصحة: خفّض معدلات انتشار فيروس "بي" بين الأطفال لأقل من 0.1%    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو    إدارة ترامب تواجه انتقادات قضائية بسبب تضليل في ملف الهجرة علنًا    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    مهندس صفقة شاليط: مواقف إسرائيل وحماس متباعدة ويصعب التوصل لاتفاق    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    منافس الأهلي.. بالميراس يفرط في صدارة الدوري البرازيلي    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    إرتفاع أسعار النفط بعد قرار «أوبك+» زيادة الإنتاج في يوليو    الإسكان : مد فترة حجز وحدات "سكن لكل المصريين 7" لمتوسطى الدخل حتى 18 يونيو    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    ختام دوري حزب حماة الوطن لعمال الشركات الموسم الثاني    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    أشرف نصار: نسعى للتتويج بكأس عاصمة مصر.. وطارق مصطفى مستمر معنا في الموسم الجديد    أحفاد نوال الدجوي يتفقون على تسوية الخلافات ويتبادلون العزاء    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة.. 10 كلمات تفتح أبواب الرزق (ردده الآن)    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    رئيس قسم النحل بمركز البحوث الزراعية ينفي تداول منتجات مغشوشة: العسل المصري بخير    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    «قولت هاقعد بربع الفلوس ولكن!».. أكرم توفيق يكشف مفاجأة بشأن عرض الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وليد محمود عبدالناصر يكتب: الثقافة العربية في بلاد المهجر
نشر في الوفد يوم 22 - 05 - 2015

من المنظور التاريخي، كان للثقافة العربية، ليس فقط وجود، بل مصادر عطاء وإثراء، خارج الوطن العربي، وفي شكل أكثر خصوصية في البلدان التي استقرت فيها منذ فترات مبكرة جاليات عربية بأعداد كبيرة ولفترات ممتدة ومتواصلة زمنياً، بل أتى الكثير من رموز الثقافة والفكر العربيين، بخاصة منذ القرن التاسع عشر، من صفوف الجاليات العربية المقيمة في بلدان المهجر.
وكانت لهذا الأمر أسباب وجيهة في بدايات حدوث هذه الظاهرة في القرن التاسع عشر، حيث تضمنت تلك الأسباب ارتباط الهجرة من الوطن العربي بالرغبة في الفرار من الاضطهاد الذي تعرضت له أقليات غير مسلمة في الوطن العربي خلال خضوع غالبية أرجاء الوطن العربي لسيطرة الدولة العثمانية، خصوصاً في الإقليم الجغرافي الذي كان يعرف تقليدياً ببلاد الشام، وبالتالي تضمنت صفوف المهاجرين أعداداً لا بأس بها ممن ينتمون إلى ما يمكن تسميته النخبة الثقافية في المجتمعات العربية الأصلية التي هاجر منها هؤلاء. وكانوا قد أبدعوا في مجتمعاتهم الأصلية، كما تجلى جزء من إبداعهم في المجتمعات التي هاجروا إليها، وتأثرت هذه الإبداعات الأخيرة أيضاً بالبيئات الاجتماعية والثقافية المحيطة بهم في مجتمعاتهم الجديدة وما أفرزته من معطيات فكرية واتجاهات ثقافية وفنية.

وفي الأزمنة المعاصرة، بخاصة على مدار العقود الخمسة الأخيرة، ازداد ما يمكن أن نطلق عليه، إذا جاز لنا أن نستعير بعض مصطلحات لغة الاقتصاد، مع الإقرار المسبق بالاختلاف بين طبيعة وبنية الاقتصاد والثقافة، «الطلب» في أوساط الجاليات العربية في بلدان المهجر، بخاصة في البلدان الأوروبية والأميركية، على المنتجات المتنوعة للثقافة والفنون العربية التي تخرج من المجتمعات العربية على خلفية الرغبة في تحقيق فهم أعمق بهذه الثقافة من جانب عرب المهجر بأجيالهم المتتالية من جهة، كما تعاظمت مساهمة تلك الجاليات وتأثيرها في تطور الثقافة العربية من حيث الشكل والمضمون، وذلك من خلال مداخلات أدبية وشعرية ونقدية وفنية متنوعة من جانب عرب المهجر، مثلت من دون شك إضافة على الصعيد النوعي، وليس الكمي فقط، لمخرجات الثقافة العربية من جهة أخرى.

ولا تعتبر الثقافة العربية أحد الروابط بين عرب المهجر، بخاصة الأجيال التالية لمن هاجروا، وبين أوطانهم الأصلية فقط، بل إن لها دوراً لا يمكن تجاهله في الحفاظ على اللغة العربية بين أبناء العروبة في بلدان المهجر من ناحية، وتعريف عرب المهجر بما يحدث في مجتمعاتهم الأصلية من تطورات تعكسها الأشكال المختلفة للتعبير الثقافي والفني من ناحية أخرى. إضافة إلى هاتين الوظيفتين، توفر الثقافة العربية لعرب المهجر قنوات للتعبير، بلغتهم الأم، عن إبداعاتهم الفكرية والثقافية الناتجة عن مزيج ثري من تفاعلهم مع حياتهم الجديدة في مجتمعات بلدان المهجر وذكرياتهم القديمة في أوطانهم الأصلية، أو على أقل تقدير توافر الفرصة لترجمة هذه الإبداعات إلى اللغة العربية ونشرها بمختلف الوسائل المتاحة داخل بلدانهم الأصلية والوطن العربي الكبير.

وقد أثبتت تجارب الماضي البعيد والقريب وجود حاجة ملحة لقيام المؤسسات القائمة على أمور الثقافة والفنون في البلدان العربية، سواء كانت حكومية أو مجتمعية، وسواء كانت داخل دولة عربية واحدة أو جزءاً من تجمع مؤسسي عربي، بتقديم أشكالٍ من الدعم للمؤسسات الطوعية المعنية بالحفاظ على الثقافة والفنون العربية والترويج لها، هي التي تقيمها الجاليات العربية في بلدان المهجر، وذلك بعد التشاور المسبق مع هذه الجاليات حول الصور الملائمة والمطلوبة والفعالة لهذا الدعم، وذلك حتى لا يبدو الأمر كأنه تدخل في شأن داخلي لهذه الجاليات أو في شأن داخلي للمجتمعات التي تقيم فيها، وعلى أن يصب هذا الدعم أيضاً في مصلحة تعزيز التفاهم المتبادل بين الجاليات العربية وشعوب البلدان التي يقيمون فيها ويحقق فهماً أفضل لدى هذه الشعوب لمكونات الثقافة العربية في أطوارها المختلفة، ولعطاء تلك الثقافة في الحقب التاريخية المتعاقبة لمصلحة الحضارة الإنسانية بوجهٍ عام. ومع تصاعد بعض الاتجاهات المعادية للعرب والمسلمين في عدد من المجتمعات التي تقيم فيها جاليات عربية كبيرة، بخاصة على مدار العقود الثلاثة الماضية، بدا الاهتمام بوجود الثقافة العربية في بلدان المهجر واستيعابها للعطاء الفكري لعرب المهجر مهمة أكثر ضرورة وإلحاحاً. وكان من مظاهر هذا الاهتمام والتفاعل هو المشاركات العربية في معارض الكتب العالمية التي تقام في عواصم أو مدن مهمة في العالم غير العربي، ليس فقط بغرض عرض الإنتاج الفكري للثقافة العربية في صورة كتب ومطبوعات، ولكن أيضاً، وبالدرجة نفسها من الأهمية، نظراً إلى ما يصاحب هذه المعارض عادة من فاعليات ثقافية مثل الندوات والحلقات النقاشية وحفلات توقيع الكتب من جانب مؤلفيها، إضافة إلى تظاهرات فنية مصاحبة لهذه المعارض، وهو الأمر الذي يجعل من هذه المناسبات عرساً ثقافياً حقيقياً وفرصة لا يجب تفويتها أمام الثقافة العربية وإنتاجها، ليس فقط للتواصل مع عرب المهجر، بل أيضاً للتفاعل مع الثقافات الأخرى التي تعرض إنتاجاتها في تلك المعارض.

ومن المعارض الدولية المهمة للكتاب في القارة الأوروبية معرض جنيف الدولي، والذي انتهت دورته الأخيرة منذ أيام بمدينة جنيف. وما يعنينا هنا أن هذا المعرض تميز بأنه شهد للعام الثاني على التوالي جناحاً كبيراً مستقلاً داخل جدرانه باسم «جناح الثقافة العربية»، وكان أكبر مساحة وأكثر زخماً من الجناح الذي كان موجوداً في المعرض نفسه في العام الماضي. ولم يكن هذا الجناح في أي مرحلة مكاناً لتجميع أجنحة مختلف الدول العربية المشاركة في المعرض، بل إنه لم يأت أصلاً بناء على أو تلبية لمبادرة أو طلب من دولة عربية أو مجموعة من الدول. فقد نشأت فكرة الجناح من جانب عدد من الفاعليات الثقافية العربية الموجودة في سويسرا، وفي شكل أكثر تحديداً في مدينة جنيف، وكذلك بالتعاون البنّاء ورد الفعل الإيجابي من جانب حكومة كانتون جنيف، ومن بين تلك الجهات العربية غير الحكومية المتبنية فكرة «جناح الثقافة العربية» بمعرض جنيف الدولي للكتاب، كان معهد الدراسات العربية والمتوسطية والمكتبة العربية وغيرهما من هيئات نشأت في مراحل تاريخية مختلفة داخل إطار الجالية العربية في سويسرا وبجهود ذاتية لأبناء هذه الجالية، وعبر تعاطف معنوي، بل وأحياناً تعاون تنظيمي ودعم مادي، من جانب قوى من المجتمع المدني السويسري ترى في تعزيز وتمكين التعددية الثقافية واللغوية مصدر ثراء وقوة، وليس سبباً للخوف أو القلق. بينما على الجانب الآخر، يكاد يكون الدعم المقبل من داخل الوطن العربي لهذه الهيئات والمبادرات التي تخرج عنها، مثل «جناح الثقافة العربية» بمعرض جنيف الدولي للكتاب، محدوداً في بعض الأحيان وغائباً في أحيان أخرى.

وإلى جانب عرض الكتب العربية وتلك المترجمة عن العربية إلى لغات أخرى، بخاصة اللغة الفرنسية، وتلك الصادرة عن كتاب عرب بلغات غير عربية، حافظ «جناح الثقافة العربية» للعام الثاني على التوالي على ميزة وجود برنامج ثري ومتكامل للندوات والحلقات النقاشية واحتفاليات توقيع الكتب الجديدة مع الكتاب والأدباء والشعراء العرب المقبلين خصيصاً لهذا المعرض من مختلف مناطق الوطن العربي أو من العرب المقيمين في بلدان المهجر، مع وجود ترجمة فورية لهذه اللقاءات باللغة الفرنسية بما يشكل عنصر جذب للزائرين السويسريين والأجانب، إلى جانب الزائرين من أبناء الجاليات العربية بسويسرا وفرنسا بطبيعة الحال.

إضافة إلى كون «جناح الثقافة العربية» بمعرض جنيف الدولي للكتاب يمثل عنصر جذب للمقيمين أو الزائرين العرب والأجانب للمدينة السويسرية وما يجاورها من مدن سويسرية أو فرنسية، فإنه عبر نجاح منظميه في الحفاظ على وجوده للعام الثاني على التوالي، يؤسس لكي يكون معلماً رئيسياً وثابتاً من معالم المعرض، يعتاد على وجوده الناشرون الآخرون والزوار، سواء من العرب أو السويسريين أو من الجنسيات الأخرى. ولهذه الاستمرارية انعكاساتها الإيجابية على مجمل الحالة الثقافية العربية بسويسرا، وعلى وضعية الجالية العربية فيها، وكذلك لها تداعياتها المشجعة بالنسبة لأنشطة ثقافية وفنية عربية أخرى ذات طابع ترويجي، مثل المهرجان السنوي للأفلام الشرقية بمدينتي جنيف ولوزان، والذي تكون عادة معظم الأفلام المعروضة فيه من الأفلام العربية وتكون معظم الشخصيات المدعوة من المخرجين والفنانين والمنتجين من البلدان العربية، وينظمه أساساً مركز «جروتلي» السويسري، المعني بإبراز التنوع الثقافي والفني، إضافة إلى المهرجان السنوي للفنون الشعبية العربية والأفريقية، والذي تنظمه جمعية سويسرية غير حكومية تحمل الاسم نفسه، ويجتذب، إلى جانب العرب، آلاف السويسريين وغير العرب حيث يقدم صورة إيجابية عن تلك الفنون في البلدان العربية.

هكذا تبدو صورة الثقافة والفنون العربية في المهجر، وكما تتضح في الحالة السويسرية، مليئة بالزخم والمبادرات البناءة والإيجابية، ويبقى الأمر في حاجة إلى تنسيق الجهود في ما بين الجاليات العربية داخل بلدان المهجر من جهة، وبين هذه الجاليات ومؤسساتها الثقافية والفنية وبين المؤسسات القائمة على أمور الثقافة والفنون داخل الوطن العربي ودوله من جهة أخرى، بغرض الوصول إلى الصيغة المثلى للترويج للثقافة والفنون العربية بين عرب المهجر وبين شعوب العالم الأخرى من ناحية ولتعزيز العطاء الثقافي والفني العربي في السياق العام لمسيرة الحضارة الإنسانية من ناحية أخرى.

نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.