فى كل مكان, المكتبة مكان من الجنة وتمثيل لروح الأمة وقلبها النابض ودليل عظمة وتسجيل لتاريخها وحضارتها خاصة وللحضارة الإنسانية واستدامتها بصفة عامة. الحمد لله على مكتبة الإسكندرية التى أصبحت منارة حديثة لمصر وللعالم, لدرجة أن العالم كله يحتفى بها لارتباطها بمكتبة الإسكندرية القديمة التى كانت أعظم مكتبة فى العالم القديم وإحدى عجائبه السبع, وأنه يمكن تشخيصها بأنها كانت مثل مكتبة الكونجرس بالنسبة للعالم القديم. المكتبة الجديدة تسير على خطى المكتبة القديمة وتقتدى بها. المكتبة الحديثة تحتل مكانا عليا فى التصنيفات العالمية للمكتبات والتى تجرى دوريا مثلما تجرى تصنيفات كل المؤسسات العالمية من جامعات ومراكز أبحاث تتسابق فيها الأمم لنيل قصد السبق والريادة. ورغم ضعف ميزانية مكتبة الإسكندرية مقارنة بقريناتها الكبار فى العالم مثل مكتبة الكونجرس والمكتبة البريطانية والمكتبة الوطنية الفرنسية ومكتبة الصين ومكتبة نيويورك المعروفة وبقية المكتبات الوطنية فى العالم كله والتى لا تحصى ولا تعد, ومكتبات الجامعات العملاقة المعروفة مثل مكتبة جامعة هارفارد التى تضم 14 مليون كتاب وأوكسفورد وكمبريدج وبيركلى وبرنستون وغيرها كثير, فهى تحتل مركزا مرموقا متقدما فى تصنيف مكتبات العالم قاطبة, رغم المنافسة الشرسة ورغم أن العالم يعج بالمكتبات العظيمة, وينفق بسخاء على تلك المكتبات وتخصص لها ميزانيات ضخمة لأنها أهم دليل للقوة الناعمة لأى دولة, حيث إنها تحوى تراكمات ثقافة تلك الدولة فى العلم والآداب والفنون والتاريخ والسياسة ومساهمات الجنس البشرى كله. لا يوجد إحصائية عن عدد المكتبات الدولية والجامعية, ولكن الرقم يفوق عدد جامعات الدنيا ومراكز الأبحاث مجتمعة لو تم حصرهما قد تفوق المئة ألف مكتبة. السبب أنه توجد مكتبة بكل جامعة وبكل مركز أبحاث وبكل مدينة صغيرة وكبيرة ومكتبة قومية لغالبية دول العالم. من هنا فإن إحراز تصنيف متقدم ضمن تلك النخبة يدل على أن المكتبة مدعاة للفخر لمصر والعرب, وأن هذا المركز لم تحظ به أى مؤسسة عربية من قبل ومن بعد فى أى مجال. فى تصنيف أهم عشر مكتبات فى العالم الصادر فى 24 فبراير 2015, احتلت مكتبة الإسكندرية المركز الثانى بعد مكتبة نيويورك العامة والتى تحوى 53 مليون كتاب. كما إحتلت المكتبة المركز الثانى عشر فى أجمل المكتبات فى العالم. ذكر كل من التصنيفيين أن حيثيات وجود مكتبة الإسكندرية فى تلك المراكز المتقدمة مرده أنها قرينة مكتبة الإسكندرية الأولى والتى كانت أكبر مركز إشعاع فى العالم , وأنها كانت ملجأ أعظم عقول الدنيا حينها, وأن المكتبة الجديدة إعادة بناء لتلك المكتبة تم عام 2002 وكلف 220 مليون دولار, وأن تصميمها فريد, وأنها ليست مجرد مكتبة تحوى عددا ضخما من الكتب, بل تشمل قبة سماوية ومتحفا ومعارض فنية أصيلة كثيرة لفنانين مصريين مرموقين. كما تضم معملا لترميم المخطوطات ومركزا كبيرا للمؤتمرات يمكنه استيعاب عدة مؤتمرات عالمية فى الوقت نفسه, وأنها دائما تعج بالحيوية والحياة. يجب على الدولة المصرية ضمان استمرار استدامة وجود مكتبة الإسكندرية فى هذا الركب الفريد الممتاز السريع الخطي, لأن وجودها فيه يعنى وجود مصر مع تلك النخبة. لكى يتحقق ذلك لا بد من تخصيص ميزانية كبيرة مقارنة مع ميزانية المكتبات الكبري. مثلا كانت ميزانية مكتبة الكونجرس 684 مليون دولار عام 2018 وميزانية المكتبة الوطنية الفرنسية 254 مليون يورو والمكتبة البريطانية 142 مليون جنيه إسترليني. هذه الميزانيات هى التى تمكن المكتبات الكبرى من دوام الإضافات وشراء الكتب والخرائط النادرة واقتناء المخطوطات والمشاركة فى المزادات العالمية وإقناء مكتبات كبار الدولة الذين يبيعون مكتباتهم أو يتبرعون بها للمكتبة. على سبيل المثال اشترت مكتبة الكونجرس خريطة دفعت فيها عشرة ملايين دولار. مكتبة الإسكندرية تتسابق مع مكتبة الكونجرس مثلا, والتى هى حاليا أكبر مكتبة فى العالم. فى القرن التاسع عشر كانت المكتبة الفرنسية الملكية هى الكبرى فى العالم, ثم سبقتها المكتبة البريطانية ثم سادت مكتبة الكونجرس فى القرن العشرين. تأسست هذه المكتبة عام 1800. هى أقدم مؤسسة أمريكية فيدرالية. حرقها الإنجليز عام 1814. كانت تحوى قبل حرقها ثلاثة آلاف كتاب. بعد حرقها وافق الكونجرس على شراء مكتبة توماس جيفرسون عام 1815, وعلى دفع مبلغ قدره 23950 دولارا ثمنا لها. كانت هذه المكتبة تحوى 6487 كتابا تمثل نواة تبلورت عليها مكتبة الكونجرس الحالية. يزورها نحو مليونى زائر سنويا, ويبلغ عدد موظفيها 3200 موظف. هى حاليا أكبر مكتبة فى العالم لو أفردت أرفف كتبها سيبلغ طولها 838 ميلا تحوى قرابة 70 مليون كتاب وتضم 3.6 مليون إسطوانة مسجلة, 14 مليون صورة و5.5 مليون خريطة و8.1 مليون ورقة موسيقية و70 مليون خريطة تاريخية وكل يوم يضاف إليها 15000 ألف إضافة. المكتبة بها 600 ألف كتاب بلغات شرق أوسطية وإفريقية وعشرة ملايين لغة إسبانية وبقية لغات أمريكا الجنوبية و750000 كتاب بلغة روسية. تحوى المكتبة أيضا نحو 3 ملايين كتاب أمور قانون وبها أكثر من 700 ألف كتاب نادر. المكتبة لها مكاتب فى الهند ومصر وجاكرتا ونيروبى وريو جانيرو وإسلام آباد وتستقبل مطبوعات من 60 دولة. المكتبة تتعاون مع مؤسسات العالم ومنهم مكتبة الإسكندرية لتوفير عمل ما يسمى مكتبة العالم الرقمية. توجد بمكتبة الكونجرس لوحة معبرة تقول:» التعليم الممتاز حق للشباب على كل أمة. أوردت هذه المعلومات عن مكتبة الكونجرس, ليدرك القارئ أن المنافسة العالمية فى تصنيف المكتبات صعبة وتكاد تكون مستحيلة, وأنه لا توجد غير مكتبة الإسكندرية فى التصنيفات المتقدمة من بين كل دول العالم الثانى والثالث, وأن الأمر يعدل وجود جامعة مصرية فى المركز الثانى على جامعات العالم, وهو أمر صعب المنال. مكتبة الإسكندرية هى مصر فى صحبة العمالقة. لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة