حرق عشرات الكتب الإسلامية في فناء إحدى مدارس الجيزة، ليست إلا واقعة جديدة لوقائع عدة على مدار التاريخ تعكس جمود الفكر في التعامل مع نظرات التحرر أو الاختلاف في القناعات.. فما بين أمر الخليفة سليمان بن عبد الملك بحرق نسخ مكتوبة ورد فيها ذكر الأنصار بغزوة بدر، وبين ما قامت به وكيلة وزارة التعليم بالجيزة، العشرات والعشرات من الحوادث التي تحولت فيها الكتب إلى رماد.. في أحدث هذه الوقائع قامت لجنة من وزارة التربية والتعليم بحرق عشرات الكتب الإسلامية في فناء إحدى المدراس، بزعم أنها تحض على العنف والتطرف وتخرب عقول الطلاب. وقالت بثينة كشك، وكيل وزارة التعليم بالجيزة، إن لجنة "إعدام الكتب في المدارس" قامت الأسبوع الماضي بحرق أكثر من 80 كتابا، ممنوع تداولها في مصر داخل مدرسة "فضل" الخاصة بمحافظة الجيزة. وأوضحت كشك في تصريحات صحفية أن من بين هذه الكتب التي تم اكتشافها في مكتبة المدرسة، كتب لسيد قطب وغيره من مفكري الإخوان، بجانب مجموعة كتب من قطر، مضيفة أن هذه المدرسة تابعة للإخوان وتستخدمها الجماعة لحسابها الخاص، وتم التحفظ عليها. الخليفة سليمان بين عبد الملك يحرق كتب الأنصار في سنة 82 ه أمر الخليفة سليمان بن عبدالملك بحرق نسخ مكتوبة ورد فيها ذكر الأنصار في غزوة بدر فأمر الخليفة بتقطيع الكتب وذلك بعد أن قتلهم وصلبهم وكانوا من المسلمين. حرق الكتب بسبب "هاجس" الزندقة والإلحاد كان حرق الكتب سائدا بحجج الزندقة باعتناق الموروث المانوي في الثقافة الفارسية والالحاد وقد عرض الكتاب بعضا منها موقف الخليفة العباسي المهدي الشديد التعصب نحو المانويين، اتهمهم بالزنادقة فقتلهم وأتلف كتبهم، ولم يقبل منهم التوبة، من ذلك ما وقع على (ابن المقفع) من حرق كتبه وقتله قيل إنه زنديق، والزندقة كانت صفة ألصقت به لتبرير قتل المناهضين للخليفة! اتهمه الخليفة بالزندقة فأمر بقتله من جملة من اتهمهم بالزندقة فقتلهم وحرق كتبهم. محارق النازيين وكتب الهراطقة وابن رشد يذكر التاريخ أمثلة عديدة منها حرق الكتب والعلماء في عهد أسرة تشين الصينية وتدمير الإسبان لمخطوطات المايا وحرق كتب ابن رشد من قبل المسلمين بعد أن اتهمه الخليفة بالكفر، وحرق النازيين للكتب. ويعتبر الحرق أحيانا انتصارا للحق كما في إشادة النحات الإيطالي جيفاني مايني بحرق كتب الهراطقة في واجهة كنيسة في روما، وقد شهد عهد النازيين أعمال وجهود عظيمة في حرق الكت ففي سنة 1933 بدأ جوزف جوبلس الوزير النازي للتنوير العام والدعاية في رسم برنامج التناغم الثقافي حيث أصبحت الفنون في خدمة الأهداف النازية واتهمت الحكومة المنظمات الثقافية اليهودية وأخرى بكونها معارضة فنياً وسياسياً. في 6 أبريل 1933 أعلنت الجمعية الطلابية للإعلام والدعاية حملة شملت كامل البلاد ضد "الروح الغير ألمانية" وبلوغ أقصاها بأتم معنى كلمة "التنظيف"، وفي عملية مهمة ورمزية في 10 مايو أحرق الطلبة 25,000 مجلد من الكتب المسمات "غير ألمانية" معلنين بذلك حقبة من مراقبة وحضر الثقافة من قبل الدولة. ولم يتم حرق كامل الكتب في 10 مايو كما كانت جمعية الطلبة الألمانية قد قررت، فبعضها وقع تأجيلها ببضعة أيام سبب الأمطار، وبعضها الآخر تم حرقها في 21 يونيو أول يوم في الصيف، تاريخ الاحتفال التقليدي، وفي 34 جامعة داخل ألمانيا كانت "الحركة ضد الروح الغير ألمانية" قد لقيت نجاحاً مما أدى إلى انتشار مقالات عن هذا الحدث في جل الصحف. وفي بعض الأماكن وخاصة في برلين نقلت محطات الراديو خطابات وأغاني الاحتفالية مباشرة إلى المستمعين الألمان. أعمال الكتاب الألمان مثل بيرتولد بريخت وليون فويشتفانجر وألفريد كير تم حرقها في احتفال برلين، فحملة الثقافة الآرية وإلغاء الإنتاجات الثقافية الأخرى كان شكل آخر من أشكال المجهودات الألمانية ل "تنقية" ألمانيا، وُضع الكاتبان الأمريكيان مثل أرنيست هامينجواي وهيلن كيلر في "قائمة سوداء". محارق مكتبة الإسكندرية ومكتبات أوروبا أولى هذه المكتبات والتى تعرضت لدمار شامل هى المكتبة البولندية، التى أنشئت عام 1928 وفتحت أبوابها عام 1930 وتم تدميرها بالكامل فى الحرب العالمية الثانية عن طريق قصفها بالطائرات ليحترق فيها أكثر من 14 مليون كتاب ومخطوط. مكتبة البوسنة والهرسك، التى أنشئت عام 1945 وتم تدميرها عام 1992 على يد القوات الصربية. مكتبة الإسكندرية الملَكية، أول وأعظم مكتبة عرفت فى التاريخ وظلت أكبر مكتبات عصرها، أنشئت مكتبة الإسكندرية على يد خلفاء الإسكندر الأكبر منذ أكثر من ألفى عام لتضم أكبر مجموعة من الكتب فى العالم القديم، والتى وصل عددها آنذاك إلى 700 ألف مجلد بما فى ذلك أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو. أمر بطليموس الأول بإنشائها 330 قبل الميلاد وتم الإنفاق عليها ببذخ فى عهد بطليموس الثاني، حيث قام بتوسعتها وإضافة ملحقات لها، احتوت المكتبة على عدد هائل من الكتب. وفى عام 48 ق.م قام يوليوس قيصر بحرق 101 سفينة كانت موجودة على شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية وامتدت نيران حرق السفن إلى مكتبة الإسكندرية فأحرقتها، حيث يعتقد بعض المؤرخين أنها دمرت. مكتبة جافنا: الواقعة بمدينة جافنا بسريلانكا وهى مبنية وفق طراز معمارى مغولي. كانت تعتبر من أغنى مكتبات جنوب آسيا، قبل أن يتم إحراقها سنة 1981، إثر أعمال شغب ولكن أعيد افتتاحها سنة 2004. مخطوطات المايا: ظهرت حضارة المايا فى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد، وانتشرت من جنوب شرق المكسيك إلى غرب هندوراس والسلفادور. وبلغت ذروتها بين القرنين السادس والتاسع بعد الميلاد قبل أن تبدأ بالاندثار فى القرن السادس عشر بعد الغزو الإسباني، حيث احترقت مخطوطات المايا عام 1562. مكتبة سراييفو: المكتبة الوطنية أو "جبل المعرفة" باللغة المحلية، كانت رمزا من رموز سراييفو وأحد مفاخرها، ومن أجمل المباني، احترقت بالكامل فى 25 أغسطس 1992، وذلك عندما أقدم الصرب على حرق المكتبة الوطنية فى سراييفو، وإحالة مليونى كتاب و300 مخطوط من أنفس المخطوطات العالمية التى لا تقدر بثمن، فى مختلف مصادر الثقافة والمعرفة، إلى أكوام من رماد، بين أطلال مكتبة كانت زاخرة بالحياة. المكتبة الألمانية: مكتبات البحث العلمى ولها موقعان رئيسيان، تحتوى المكتبة على نحو عشرة ملايين كتاب والآلاف من المخطوطات الغربية والشرقية، وفى العاشر من مايو أشعل النازيون النيران فى قرابة عشرين ألف كتاب من الموجودين فيها قبل أن يتم إحراقها إبان الحرب العالمية الثانية، لينتهى معها مصير 800 ألف وثيقة وموسوعة وكتاب مابين الحرق والفقد والسرقة. مكتبة الكونجرس: فى عام 1851، تعرضت المكتبة لحريق كبير ودمرت النيران ما يقرب من 35 ألف كتاب، من إجمالى 55 ألف كتاب من الذى كانت تقتنيه المكتبة. المكتبة الوطنية فى صربيا: تم إنشاؤها أول مرة عام 1832 ولكن تم قصفها بالقنابل عام 1941 على يد النازى، حيث تم تدمير مئات آلالاف من الكتب التى كانت تحويها المكتبة والتى كانت تبلغ 2.6 مليون كتاب. مكتبة القسطنطينية: أخر المكتبات الكبيرة فى العالم القديم، كانت تقبع فى عاصمة الامبراطورية البيزنطية، قامت بحفظ المعرفة القديمة لليونان والإغريق لأكثر من ألف عام حتى أصابها الدمار عام 473 إبان الحروب الدائرة آنذاك. مكتبة ناصر خسرو: واحدة من أفضل المكتبات العامة فى أفغانستان إن لم تكن الأجمل، فهى تحتوى على 55 ألف مطبوعة ما بين الكتب والوثائق والمخطوطات النادرة. أحرقتها جماعة طالبان بأكملها فى 12 أغسطس 1998. مكتبة آشور بانيبال الملكية: تأسست فى القرن السابع قبل الميلاد، وسميت نسبة إلى آشوربانيبال آخر أشهر ملوك الإمبراطورية الآشورية الحديثة، احتوت مجموعتها على آلاف ألواح الطين وبقايا نصوص نسبة كبيرة منها باللغة الأكدية احتوت على موضوعات مختلفة تعود للقرن السابع قبل الميلاد. بعد سقوط الأندلس غداة انهيار الدولة الاندلسية لم تنج الكتب من المحارق، فأمر الكاردينال سيسنيروس عام 1501 بحرق مكتبة "مدينة الزهراء" التي كان بها ما ينوف على 600000 مخطوط في مكان يسمّى "باب الرملة" في غرناطة، فاختفت العديد من المخطوطات وأمّهات الكتب النفيسة. الحملة الصليبية تؤكد المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب": "وهكذا حرقت يد التعصب مليوناً وخمسة آلاف من المجلدات، هي مجهود العرب في الأندلس وثمرة نهضتهم في ثمانية قرون". ورافقت موجة حرق الكتب الحملة الصليبية، وتروي المصادر التاريخية أن مكتبة بني عمار في القرن العاشر الميلادي في طرابلس أحرقت. ويعود سبب حرقها إلى توهم الصليبيين أن جميع محتويات المكتبة هي نسخ من القرآن الكريم. فعند احتلال طرابلس كان يرافق الحملة الصليبية أحد القساوسة الذي تجول في القاعة المخصصة للقرآن الكريم، فاعتقد أن المكتبة بجميع قاعاتها مخصصة للقرآن الكريم، فأعطى أوامره بحرقها. ووثق المؤرخ ابن أياس الذي عاصر الفتح العثماني الكثير من أحداث التخريب والتدمير وحرق الكتب. وقد نهبت مكتبة السلطان حسن، وأحرقت مكتبة جامع الأمير شيخو عن بكرة أبيها، وغيرها من المكتبات، ونقلت الألوف من المخطوطات العربية إلى إسطنبول. التتار وومكتبة بغداد اتجه فريق من التتار لعمل إجرامي بشع، وهو تدمير وإحراق مكتبة بغداد العظيمة، وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن.. وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من ستمائة عام.. جمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون.. من علوم شرعية كتفسير القرآن والحديث والفقه والعقيدة والأخلاق، ومن علوم حياتية كالطب والفلك والهندسة والكيمياء والفيزياء والجغرافيا وعلوم الأرض، ومن علوم إنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب والتاريخ والفلسفة وغير ذلك.. هذا كله بالإضافة إلى ملايين الأبيات من الشعر، وعشرات الآلاف من القصص والنثر.. فإن أضفت إلى كل ما سبق الترجمات المختلفة لكل العلوم، الأجنبية سواء اليونانية أو الفارسية أو الهندية أو غير ذلك علمت أنك تتحدث عن معجزة حقيقية من معجزات ذلك الزمان. داعش يعيد صناعة التاريخ بوجهه القبيح قام مسلحو تنظيم "داعش" الإرهابي بإحراق أكثر من 8 آلاف كتاب ومخطوطات نادرة في مكتبة الموصل المركزية وسط المدينة.