اسم تقليدى ومباشر يوحى بقصة تقليدية متوقعة، وبطلان جديدان لم يثبتا بعد قدرتهما وحدهما على تحمل مسئولية فيلم، مع عدم وجود أسماء كثيرة لممثلين مساعدين كبار، كانت كلها أسباب لتخفيض سقف توقعاتى وأنا مقدم على مشاهدة فيلم «قصة حب»، ولكن الغريب أن هذه التوقعات المنخفضة ربما كانت من أسباب خروجى من الفيلم وأنا راض عنه بشكل كبير، فهو على الأقل تجاوز كثيرا هذه التوقعات. ........................ صحيح أن المخرج عثمان أبو لبن صاحب تجربة مقبولة سينمائيا وتليفزيونيا، ولكنها ليست التجربة التى تثير الحماس الكافى لاتخاذ قرار مشاهدة هذه النوعية من الأفلام، ولذا أعتقد أن هذا الفيلم هو الأفضل بين أفلامه من حيث وضوح الرؤية الإخراجية ومعرفة ما يريد توصيله من خلال الفيلم، باستثناء تغاضيه عن العديد من التفاصيل المهمة التى كان يحتاجها الفيلم ليصبح أكثر تماسكا وإقناعا، وسيتم الحديث عنها لاحقا. الفيلم يدور حول قصة حب تنشأ بين شاب فقد بصره نتيجة حادث، وفتاة سنكتشف لاحقا أنها مصابة بمرض خطير، أى أن الموضوع من بدايته لنهايته ميلودرامى بحت، وأفلام الميلودراما بالطبع موجودة ولها تاريخ طويل فى العالم كله ويحبها الجمهور المصرى بشكل خاص; لأنه اعتاد عليها من أيام سينما حسن الإمام ومن خلفه من مخرجين اعتمدوا على المبالغة وتضخيم المأساة لتحقيق التعاطف مع الفيلم الذى يقدمونه، وأنا شخصيا لا أفضل هذه النوعية من الأفلام، ولكنى كذلك لست ضدها مادام اهتمام صناعها منصبا على تقديم فيلم جيد فنيا لا على استدرار أكبر قدر من الدموع وابتزاز مشاعر الجمهور بكل الطرق، والحقيقة أن سيناريو الفيلم الذى كتبته أمانى التونسى عن قصة لمنتج الفيلم ياسر صلاح نجح إلى حد كبير فى الهروب من هذه الميلودراما التقليدية الفجة، بمنع الجمهور من الاندماج الكامل مع المواقف الميلودرامية المختلفة وكسر هذه الحالة -أو فلنقل تخفيفها- بحلول غير تقليدية تدفع فى الغالب إلى الاتجاه المضاد تماما وهو الضحك دون ابتذال، على طريقة الأفلام الرائدة فى هذا المجال مثل «الشموع السوداء» و«الخطايا» اللذين تم تخفيف مأساوية أحداثهما بخط كوميدى قاده فؤاد المهندس بخفة دمه المعهودة فى الفيلم الأول، وفى الثانى تولت الأغانى العاطفية وخفة دم حسن يوسف هذه المهمة، دون أن نغفل أن الفيلمين السابقين انتهيا نهاية سعيدة طيبت خاطر المشاهدين الذين تحملوا ميلودراميتهما، وهو ما لم يحدث فى فيلمنا «قصة حب» فسقط فى فخ النهاية السوداء؛ ففى الوقت الذى يكون تعاطف الجمهور مع قصة الحب قد بلغ ذروته، ويتمسك إلى آخر لحظة بأمل وجود نهاية سعيدة لهذه القصة التى تصاعدت مأساويتها فجأة على حساب الخط الرومانسى، أو حتى ترك النهاية مفتوحة. وعموما نهايات الأفلام لا تكتبها رغبات الجماهير وإنما رؤى المخرجين والكتاب. المخرج عثمان أبو لبن مشغول بفكرة الحب والرومانسية التى قدمها فى فيلمه الأول «أحلام عمرنا» فى 2005، قبل أن تشده التجربة إلى أفلام الحركة والتشويق التى لا تخلو من الرومانسية كذلك، ولكنها تجارب لم تحقق نجاحات كبيرة وخصوصا على مستوى الإيرادات مثل «فتح عينيك» و«عمليات خاصة» و«المركب» وأخيرا «بترا: بوابة الزمن» الذى أعاده للإخراج السينمائى بعد عدة تجارب تليفزيونية، ولهذا فإن الحكم على أن «قصة حب» أفضل تجاربه ليس فقط على أساس مستوى أدائه كمخرج من حيث التحكم فى الإيقاع والإبقاء على حالة المفاجأة بشكل مشوّق طوال الوقت، وفى أسلوب كسر الإيهام أو منع الاندماج الكامل بالخط الكوميدى، وفى المحافظة على حركة رشيقة للكاميرا فى مشاهد كثيرة كانت ممتعة بصريا، وساعده على ذلك بالطبع تميز مدير التصوير أحمد يعقوب، وإنما أيضا على مستوى الجماهيرية والإيرادات التى وصلت إلى مليونى جنيه تقريبا فى الأسبوع الأول لعرضه بالرغم من عرض الفيلم بعد انتهاء إجازة نصف العام وخارج المواسم السينمائية التقليدية. الفيلم فى رأيى يمثل تجربة جيدة ويستحق المشاهدة ويحسب بشكل إيجابى لمنتجه ياسر صلاح الذى راهن على تقديم فيلم مختلف بأبطال جدد حتى وإن كان الحماس من أسبابه أنه صاحب القصة، ولكنها مغامرة فى كل الأحوال خاضها بشجاعة، وساعدته بكل تأكيد خبرة المخرج عثمان أبو لبن الذى راهن بدوره على ممثلين وإن لم يكونوا الأشهر أو الأعلى سعرا فى السوق ولكنهم جميعا متميزين، وقبل ذلك هو نفسه يحب العمل معهم وجمعته بأغلبهم أعمال سابقة مثل أحمد حاتم وفرح يوسف وأحمد سعد (ميشو) الذين قدمهم من قبل أبطالا لفيلم «المركب»، وكذلك ياسر الطوبجى الذى عمل معه من قبل فى مسلسل «صديق العمر»، وقد ربح رهانه عليهم، فصدقنا أحمد حاتم وهنا الزاهد وأقنعانا معا على الشاشة بقدرتهما على تحمل مسئولية البطولة رغم مأساوية الطرح، كما نجح تماما ياسر الطوبجى فى دور صديق البطل ذى الدم الخفيف واستطاع بجدارة قيادة خط الفيلم الكوميدى ورسم البسمة على وجوه الجمهور الذى كان ينتظر ظهوره مع زوجته فى الفيلم التى قدمتها علا رشدى لكسر حالة الحزن أحيانا أو حتى الرومانسية فى أحيان أخرى. أما القديرة حنان سليمان فصارت بما تملكه من خبرة كبيرة وقدرات أكبر إضافة مهمة لأى عمل تشارك فيه. والأمر نفسه مع مؤمن نور وميشو وهاجر أحمد والممثل الشاب الذى أدى دور البواب. وتبقى عدة ملحوظات على الفيلم بشكل عام لا يمكن التغاضى عنها حتى وإن كان الفيلم خياليا وليس فقط ميلودراميا أو رومانسيا، كالحفاظ على شكل البطل المهندم الوسيم الأنيق إلى أقصى درجة الذى يحافظ على شعر رأسه وذقنه بحالة الكوافير على الرغم من أن الفيلم نفسه يعيد التأكيد مرارا على حالة الفوضى الشديدة التى يعيشها هذا البطل نفسه فى بيته لعدم قدرته على الاعتناء بنفسه بأى شكل حتى إن إعداد الطعام لنفسه أو للكلب الذى أحضره له صديقه يتحول إلى كارثة، وتظهر الشقة باستمرار فى حالة مأساوية حتى تظهر الحبيبة التى ستعتنى بترتيب كل شىء، فكيف كان يقوم هذا البطل بهندمة هيئته، وكيف كان يقوم باختيار ملابسه بألوانها المتناسقة؟ ولن أسأل كيف كان يقوم بغسلها وكيها فى ظل فشله فى إعداد طبق من البيض المقلى، أو حتى فرد العصا التى تساعده على السير فى الشارع. أسرف المخرج كذلك فى استخدام الكاميرا الطائرة (الدرون) بداع وبغير داع، فكأنما أصبح استخدامها غاية فى حد ذاتها، ففى حين أنها كانت معبرة بشكل جيد حين يريد المخرج التعبير عن حالة النشوة لروحى الحبيبين الطائرتين حين يلتقيان، تحوّلت مع كثرة استخدامها إلى مجرد وسيلة للانتقال من مشهد إلى آخر، أو من فصل إلى آخر بشكل لا يحتمله موضوع الفيلم أو طبيعة كل المشاهد التى يتم تصويرها، مع الاعتراف بالمهارة الشديدة لقائد هذه الكاميرا، وبأن مشاهد القاهرة التى تم تصويرها فى هذا الفيلم ستتحول إلى وثائق أو نوستالجيا فى المستقبل لمن سيشاهد هذا الفيلم بعد سنوات كثيرة.