ثلاث جبهات رئيسية لكن قواعد الاشتباك مختلفة. فما بين فنزويلاوإيرانوكوريا الشمالية، يبدى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الكثير من سعة الصدر إزاء بيونج يانج ولا يبدى مثيلتها مع طهران وكراكاس. وذلك لا يعنى أن الأولى أكثر التزاما بإملاءات واشنطن، بل هى أبعد ما تكون عن ذلك، وأهل واشنطن أول المدركين. تواطؤ إذن؟ ليس تماما. لكن لاختلاف قواعد الاشتباك الترامبية أسباب وجيهة يمكن شرحها. مبدئيا، هناك ذلك التصريح الأمريكى المتكرر بأن أحوال التجربة النووية لكل من كوريا الشماليةوإيران مختلفة. فمثلا خرج وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو بتاريخ 13 فبراير الحالي، لتوضيح الفروق بين الحالتين، فقال: « كوريا الشمالية تتعامل بشكل مختلف، فهى لا تقوم بزعزعة الاستقرار فى اليمن، أو فى سوريا. ولا تقوم بحملات اغتيال كبرى. الدولتان تتعاملان بشكل مختلف». تقييم غير دقيق. فمجلة « فورين بوليسي» كشفت عن تسريبات من تقرير سرى لخبراء الأممالمتحدة، يتهم كوريا الشمالية باستخدام سوريا ك «قناة» لتجارتها المزدهرة جدا فى المعدات العسكرية والمواد النووية والكيميائية. وأوضح التقرير الذى جاء فى 350 صفحة، أن بيونج يانج تستخدم شبكة من الوسطاء فى سوريا لتوزيع بضائعها فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، دون تفويت أسواق مثل اليمن وليبيا وغيرهما. ووفقا لبروس بيكتور، ضابط المخابرات الأمريكية السابق، فإن هناك تعاونا بين بيونج يانجوطهران فيما يخص البرنامج الصاروخى للأخيرة، وأن بعض الأسلحة التى حصلت عليها إيران من الحليف الكورى تم تمريرها إلى وكلاء طهران بالنزاعات المشتعلة عبر المنطقة. كما أن كوريا الشمالية ليست بريئة تماما من مسألة الاغتيالات، والتى تحاكى إلى حد كبير مطاردات إيران لأهدافها فى عواصم أوروبا. ويزيد على ذلك خبراء الأممالمتحدة بالتأكيد أن لبيونج يانج بصمة فى حملات القرصنة الإلكترونية التى فى العادة ما يتم ربطها بوكلاء روسيا أو الصين أو إيران. هناك بالطبع «عامل أوباما»، فترامب يريد أن ينقلب على الإنجاز الرئيسى لسلفه وهو الاتفاق النووى الإيراني، والذى طالما وصفه ترامب ب «الأغبى على الإطلاق» و«كارثة». وهناك أيضا موقف القوى الإقليمية المعنية مثل الصين وكوريا الجنوبية والتى تميل إلى الحل السلمى بديلا عن مواجهة عسكرية ستضر الجميع، وذلك مقابل الموقف المعادى لإيران فى نطاقها الإقليمي. وهناك الأهم، وهو حضور الدافع الأيديولوجى وراء أنشطة إيران، مقابل التوجه النفعى لكوريا الشمالية التى تهدف لتحقيق مكاسب مادية تبدد عزلة نظامها وأسواقها. ما يعنى أنه بإيجاد فرص بديلة وشرعية لتحقيق هذه المكاسب، يزيد احتمال تراجع النشاط غير الشرعى لكوريا الشمالية. وذلك لا ينطبق على الحالة الإيرانية التى يحركها موجه أيديولوجى بغرض التأثير وتغيير الواقع الإقليمى والعالمي. يضاف لذلك تطابق هذا الموجه مع أكبر التهديدات الأمنية وفقا لتقييم الأجهزة الأمريكية والغربية، وهو الفكر المتطرف والإرهاب المحسوب على الدين الإسلامي. والعامل الأخير ينطبق إلى حد كبير على فنزويلا. فالاشتراكية التى يتبعها الرئيس نيكولاس مادورو فى فنزويلا جعلتها أكثر عداء لأمريكا. ومع تراكم عوارض الأزمة السياسية والاقتصادية هناك، باتت تهديدا أكبر كبؤرة عدم استقرار عند أعتاب الباب الأمريكي. وهناك طبعا موقف العناصر المتشددة داخل إدارة ترامب والتى ترى فى نموذج « الاشتراكية المنهارة» بفنزويلا إنجازا أيديولوجيا مواتيا ولا يمكن التقاعس عن انتهاز فرصة تحقيقه. وفى جميع الحالات هناك عامل الانتخابات الذى تدور حوله سياسات ترامب منذ بداية عهده وحتى اليوم. فتحقيق اتفاق سلام فعلى مع كوريا الشمالية سيكون الخاتمة التاريخية للحرب الكورية التى توقفت عام 1923 ولكن بدون اتفاق سلام. كما أن تغيير نظام الحكم فى فنزويلا سيؤكد انتصار النموذج الأمريكي، ويرضى الفئات الفنزويلية واللاتينية بين ناخبى ترامب. وكذلك الحال مع استمرار معادة إيران التى يراها أهل اليمين المناصرين لترامب «شيطان أكبر».