عندما أُعلنت نتيجة جائزة الشارقة للإبداع العربى فى دورتها الثانية والعشرين، وفاز أحمد جمال صادق بجائزة الإصدار الأول فى مجال القصة القصيرة عن مجموعته «إلتقاط الغياب»، كان الأمر مختلفًا بالنسبة لنا، لأن هذا المبدع الصغير هو أحد اكتشافات صفحة «إبداع» بالأهرام، حيث اكتشفت الصفحة موهبته قبل عدة سنوات، وشَجَّعته بنشر عدة قصص وقَّعها باسم الشهرة «أحمد أبو دياب». وأبو دياب ، 24 سنة، من مدينة نقادة فى قنا، تخرج فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة جنوب الوادى، ثم حصل على الدبلوم العام فى التربية من كلية التربية بالأقصر التابعة لجامعة الأزهر. فزت بالجائزة فى سن صغيرة، هل يمكن أن يؤثر هذا «الفوز المبكر» على مستقبلك الإبداعى؟ الفوز بجائزة الشارقة، على قدر روعته، أمر مقلق، كونى أفوز بمثل هذه الجائزة المهمة فى سنى الصغيرة تلك، فالأمر تكليف أكثر من كونه تشريفًا، ربما لو لم أفز بالجائزة لما حظيت بكل هذا الاهتمام والضوء، ولا تأهلت لدرجة إجراء هذا الحوار مع جريدة عريقة بحجم الأهرام، أيضًا عملى الأول سيكون محط الأنظار، وسيمثل عملى التالى تحديًا أكبر، فأنا مطالب مثلما حصلت على الجائزة بأن أتخطاها لما هو أكبر وأهم، ومثلما كتبت «إلتقاط الغياب»، أحتاج لأن أكتب ما هو أفضل، وهذا هو الصعب فى الأمر. أنت أحد اكتشافات «صفحة إبداع» بالأهرام، حيث نشرت لك عدة مرات فى فترة مبكرة، كيف أسهم «الأهرام» فى نجاحك الإبداعى؟ كنت فى مراحلى التعليمية الأولى من الابتدائية حتى الثانوية أنفق الجزء الأكبر من مصروفى الشخصي، إن لم يكن كلّه، فى شراء الجرائد والمجلات، فكنت أتابع جريدة الأهرام بشكل منتظم، وكان لأهرام الجمعة مذاق خاص بما تحويه من قصص وحكايات فى صفحة بريد الجمعة، كنت وما زلت شغوفًا بها، قراءة جريدة الأهرام طوال تلك الفترات كان متعة وفائدة وثقافة ووعى مبكر بالنسبة لي، حلمت أن أرى اسمى يومًا ما فى جريدة الأهرام تحت مقالة أو عمل أدبي، لكن الأمر لم يتعد كونه حلمًا عابرًا لم أتوقع أن يتحقق.. أول مرة أنشر فى الأهرام كان يوم 20 أكتوبر 2016م، أحفظ هذا التاريخ جيدًا، لأنه كان بمنزلة نقطة تحول فى حياتى، حيث نشرت أول مرة قصة بعنوان «قبل الحياة بدقائق»، جاء الأمر بترتيب قدرى بحت، عندما اقترح علىَّ أحد الأصدقاء أن أنشر تلك القصة فى الأهرام، فأجبته أن ذلك صعب على خصوصًا أنى لست معروفًا، واسمى لم يحقق شهرة كى تنشر لى الأهرام، دلّنى على صحفى محترم يعمل هناك، تواصلت معه وعرضت عليه عملى، وعدنى بالقراءة ونشره فى حالة كونه يستحق، وبعد أيام قليلة أعلمنى بإجازة عملى للنشر، وأنه عرض القصة على الأستاذ بهاء جاهين، المشرف على الصفحة وقتها، فنالت إعجابه وقرر نشرها دون أن يعرفنى، ووعدنى بنشر أى عمل جيد أكتبه، وأكد لى أنه يتوقع لى مستقبلًا كبيرًا، ومن هنا بدأت رحلتى مع الأهرام. لا يمكن أن أصف سعادتى وقتها، وأنا بعد فى الثانية والعشرين من عمرى، واسمى يذيّل قصة قصيرة فى جريدة الأهرام، كان انتصارًا كبيرًا ودعمًا شدّنى لأعلى، ومن الطريف أننى يومها اشتريت كل النسخ التى كانت متاحة للبيع عند بائع الجريدة فى بلدتنا الصغيرة، فتعجب الرجل من ذلك الفتى الذى جاء واشترى كل نسخ الأهرام مرّة واحدة بهذا الشكل. وبالمناسبة استغل الحوار والموقف وأقولها من قلبى: شكرًا لجريدة الأهرام، وشكرًا لهذا الصحفى المحترم الخلوق الذى لولاه لظلّت الأهرام بالنسبة لى فكرة صعبة، وأتمنى أن تعود صفحة إبداع للصدور، لأنها يمكن أن تكتشف مبدعين كثيرين غيرى. أنت أحد أدباء الأقاليم، ودائمًا يرى أدباء الأقاليم أنهم مظلومون، خاصة فى حركة النشر، فكيف ترى ذلك؟ أرى ما يراه الجميع أننا مظلومون بالفعل، وبعدنا عن المركزية يفوّت علينا الكثير من الفرص، ربما يكون الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى والطفرة التكنولوجية قد أسهمت فى تقليص الفوارق الجغرافية بعض الشيء، لكن يبقى الصعيد مغلقًا على من فيه، وأذكر ما قاله عنى صديقى الصحفى: «ده بينحت فى الصخر»، فمن يفلت من حصار الصعيد ويخرج من القوقعة ويصنع فارقًا، سواء كنت أنا أو غيرى، فبالفعل ينحت فى الصخر ويلعب بالنار. وأرجو أن تشملنا وزارة الثقافة برعاية حقيقية، فنحن لا يصلنا إلّا الفتات من كل شىء. هل ستستمر تجربتك مع القصة القصيرة أم هى مجرد بوابة لدخول عالم الرواية؟ نعم أنتوى أن أسير فى طريق كتابة الرواية جنبا إلى جنب مع القصة القصيرة، لكن الأمر لا يتعدى كونه فكرة لم أشرع فيها، وإن فعلتها فلن تكون قريبًا. فقد استهوانى القص ودخلت فخه الوعر بإرادتى، ولا أفكر فى الخروج فى الوقت الحالي، بل سأترك نفسى كى يتمكن منى الفخ أكثر وأكثر، فتأسرنى تضاريسه وتفاصيله بالمزيد. عنوان مجموعتك الفائزة «إلتقاط الغياب»، فيه الكثير من الغموض، فهل هناك رسالة معينة أردت أن توجهها به؟ قد أفسد على القارئ متعته بالمجموعة لو تحدثت عن مقاصدى من العنوان أو القصص، والأفضل أن يخوض كل متلق هذه التجربة مع المجموعة، ويبحر كلٌ بحجم شراعه، أكتفى بالقول سريعًا إن المجموعة تمثل مشروعًا يدور حول فكرة الغياب، تتكون من خمسة وعشرين قصة وتضم خمسة أقسام ترصد حالات غياب متعددة تدور فى مدارات «البشر، الحيوانات، الأشياء، الفانتازيا، الصوفية». ماذا عن مثلك الأعلى على المستوى الإبداعى؟ كل تجربة حقيقية أنحنى أمامها، وكل كاتب صادق حقيقى هو مثل لى، وفى النهاية أريد أن أكون أنا، لا أحد آخر مهما بلغت عظمته، وعلا شأنه فى الكتابة. رغم أن هناك الكثير ممن يستحقون الشكر لأنهم أسهموا فى تكوين تجربتى من الأدباء المحدثين والقدامى، سأذكر أديبًا أشكره على الملأ لأنى أحبه مبدعًا وإنسانًا، إنه الروائى والقاص سعيد نوح صاحب رائعة «كلما رأيت بنتًا حلوة أقول يا سعاد». لماذا ترفض مصطلح «الأدباء الشبان»؟ الإبداع لا يعترف بالسنوات، ربما تجد ابن العشرين أكثر حكمة من الكهل، والمبدع الشاب قد يفوق من هم أكبر منه ويتخطاهم فى كتاباته ونضجه، الموضوع عبثى تمامًا ولا تحكمه قاعدة سوى التجربة، التجربة ولا شيء سواها هى من يحدد ملامح التجربة الإبداعية للواحد منا، وإنتاجك هو المفترض أن يضعك على الطريق الصحيح.