حسن النجار: الشللية تفقد الصفحات بريقها ومصداقيتها - إبراهيم حمزة: المشرفون على الصفحات الأدبية تغيرأسلوب عملهم بعد استخدام الإنترنت - سعيد الكفراوى: المبدع الموهوب أقدر على تقديم مادة إبداعية جيدة عن غيره من أهل المهنة - محمود خير الله: حالات صارخة للتجاوزات فى النشر فى كثير من الصحف - سعيد شحاتة: من أشرفوا على هذه الصحف همشوا الكثيرين لمجاملة القلّة القليلة - سهير المصادفة: كُتاب صغار يحصدون الشهرة والجوائز وأعمال لكُتاب كبار يتم دفنها مع سبق الإصرار والترصد - عمر شهريار: وجود المبدع على رأس صفحة سلاح ذو حدين
ربما يكون الوسط الثقافي من أكثر الدوائر والأوساط التي ينتشر فيها مفهوم الشللية بشكل لافت للنظر، خصوصا في ظل وجود مبدعين يعملون بالمجال الصحفي، بل يترأسون أقساما ثقافية في الصحف والمجلات، ليصبح الإبداع مقصورا علي فئة بعينها تتصدر الجرائد والمجلات، كل منهم يخدم مصالح الآخر، لتدور الثقافة في حلقة مفرغة،أما المبدعون الآخرون فليس لهم مكان في هذا الوسط، يظلون قابعين في أماكنهم متوارين عن الأنظار حتي يصادفهم القدر. «الأهرام العربي» توجهت بالسؤال إلى المسئولين عن الصفحات الثقافية والمثقفين، هل عندما يكون المبدع مسئولا عن صفحات ثقافية يخدم منتجه ويروج لإنتاج أقرانه، ما يرسخ لمفهوم الشللية. يقول القاص سعيد الكفراوي، ليس بالضرورة أن يكون المبدع الذي يترأس صفحة ثقافية يخدم علي إنتاج أصحابه، فهذا السلوك يرتبط بأخلاق من يدير تلك الصفحات، لافتا للنظر إلي أن تاريخ الأدب شاهد على وجود أناس كثر كانوا يشرفون علي الصفحات الثقافية أمثال لويس عوض الذي كان يرفع شعار الموضوعية والجودة، وكذلك عبد القادر القط، فهناك الكثير من الملاحق الثقافية في جرائد الحياة والسفير تعمل بكفاءة عالية. ويشير أن محاولة خلط الأوراق في قضايا تافهة مسئولية المحرر، ويعتقد أن تلك الصيغ في هذه الأيام تفرض نفسها، لسوء المناخ وغياب القضايا الحقيقية وتراجع ثقافتنا العربية عن ذي قبل، ويرى أن المبدع الموهوب أقدر علي الفرز وتقديم مادة إبداعية جيدة عن غيره من أهل المهنة، ويعترف بأنه دائما يفضل أن يكون المبدع مسئولا عن صفحات ثقافية، لأنه يكون ملما بتفاصيل وأحوال ما يجري في واقعه الثقافي العربي والعالمي. بينما يحكي الناقد إبراهيم حمزة، عن واقعة شهد عليها قائلا: أمسك صاحبى بهاتفه، مقربا شاشته من وجهى قائلا: انظر.. أربعون مكالمة من شخص واحد فى يوم واحد.. هل تصدق؟ فسألته عن السبب فقال: أرسل لى قصيدة، ويريد الاطمئنان على وصولها، وتاريخ النشر، والمساحة، ومن يرسم اللوحة المصاحبة.. ضحكت وقلت لصديقى المشرف على الصفحة الأدبية بجريدة أسبوعية: بالك طويل وقلبك طيب.. ولكن ماذا بعد؟ قال: أنشرها مهما كان مستواها لأرحم نفسى من مطارداته. ويضيف: ذكرتنى الواقعة بواقعة أخرى حكاها الراحل سليمان فياض فى كتابه «نبلاء وأوباش» عن أديب هدد يحيى حقى بأنه سينتحر إن لم تنشر له قصة فى المجلة التى يشرف عليها، فرد عليه يحيى حقى: بشرط أن تكون أول وآخر قصة تطلب نشرها، فوافق المنتحر وعدل عن قراره. ويرى حمزة أن المشرفين على الصفحات الأدبية من أدبائنا تغيرت عقائدهم وأسلوب عملهم بشكل كبير بعد استخدام الإنترنت، إذ صار التواصل أيسر، والمواد جاهزة لا تحتاج إلى كتابة، لكن المشكلة الأخطر فى كيفية الاختيار، ومعاييره، والحق أن الأغلب منهم يستحق التقدير. ويشير أن التعامل مع شخصية بحجم محمد جبريل –شفاه الله وعافاه –تمنحك قيمة البساطة التى افتقدناها من عصر يحيى حقى، مع الاهتمام الصادق، وتنوع الاختيارات، والحفاظ على القيمة، وعدم تكرار النشر، خصوصا أن هذه الصفحات –للأسف حقا –لا تمنح الأدباء مقابل ما يبدعونه، وكأنهم يتفضلون عليهم بالنشر، وكأن الأدباء كائنات خرافية لا تأكل ولا تشرب ولا تمرض. ومن وجهة نظرحمزة، فإنه لا يمكن فصل إدارة الصفحات المخصصة للإبداع عن نظرة الصحف والمجلات ذاتها إلى تقديرهم المادى للمبدعين، وبرغم أنها مسألة جانبية إلا فإنها تصب فى عمق النظر للإبداع وكأنه شىء خارج عن الحاجة، مشرفونا مميزون ولو كانوا يعملون فى مطبوعات تنهب حقوق المبدعين. ويعترف عمر شهريار - رئيس القسم الثقافي بمجلة الإذاعة والتليفزيون -قائلا: أن يكون المبدع على رأس صفحة فهو سلاح ذو حدين، فمن ناحية هو يعلم كل خبايا الحياة الثقافية، ولديه حساسية التعامل مع المبدعين وإبداعهم بحيث يستطيع أن يقدر الوزن النسبي للقضايا التي يتناولها وكذا للنصوص التي يتعامل معها، فضلا عن تقدير الأوزان النسبية للمبدعين، أعني أنه يستطيع أن يعطي كلا قدره، دون أن ينساق وراء التيار أو البروباجندا التي يفتعلها بعض المبدعين حولهم وحول أعمالهم، ومن جانب فإن إشراف المبدعين على الصفحات الثقافية له سلبياته وخطورته، التي قد تتمثل في سعي بعضهم لتسخير الصفحة لمصالحهم الخاصة هم وأصدقاؤهم، وأن يحولوها إلى منصة لتصفية الحسابات وتشويه خصومهم، بحيث تنتقل الخصومات الأدبية إلى خصومات على صفحات الجرائد، فضلا عن تحويل هذه الصفحات إلى منبر للترويج لأدباء معينين من أنصاره، لافتا النظر إلي أن الصفحة الثقافية تصبح بذلك صفحة خاصة بالأديب والشلة التي ينتمي لها في مقابل إحداث عملية إقصاء كامل لكل من هم خارج هذه الشلة، فتتحول الصفحة بذلك من منبر تنوير إلى وكر لعصابة منتفعين. وينصح شهريار: على الأديب أو المبدع الذي يتولى مسئولية صفحة ثقافية أن يحترس من هذه المخاطر ويبعد تماما عن الشخصنة وينأى بنفسه عن مواطن الشبهات ويجعلها مفتوحة للجميع أيا كانت علاقته بهم، وألا يجعل خصوماته الشخصية حاكمة لعمله وتوجهاته، ويعطي لمن يختلف معهم مساحة مساوية تماما -وربما أكبر- لتلك التي يمنحها لأصدقائه. ويقول محمود خير الله، ضاحكا لن أسقطَ في فخ سؤالك، بحيث يمكن أن أستخلص النتائج بسرعة مثلكم وهي سرعة لا يمكن احتمالها في الحقيقة، لكنه في الوقت ذاته يعترف: نعم كثير من المبدعين، يعملون مسئولين بشكل أو بآخر عن عدد من الصفحات الثقافية، لكن ذلك لا يعني أبداً أنها كلها محكومة على الإطلاق بالشلليّة، أو شللية بعضها، تلك هي الطامة الكبرى الوحيدة التي تعانيها ثقافتنا، أو أن ثقافتنا العربية باتت مهددة بالخطر لأن مبدعين يعملون مسئولين عن صفحات ثقافية، أولاً: كثير من المبدعين العرب يعملون مسئولين عن صفحات ثقافية، في لبنان والمغرب العربي، على سبيل المثال، لأنها مهام تحتاج إلى اللغة والخيال، وبالطبع، لابد أن كثيرين منهم يفضلون تقديم ذائقتهم للقراء، وأن كثيراً من ذائقتهم يتشكل من معارفهم وأصدقائهم، كل هذا طبيعي، لكن المهنية تشترط تقديم الشخصيات التي في الحدث. وهنا تذكر خير الله قائلا: مثلاً أنا أجريت حواراً مع شاعر مثل أحمد الشهاوي نائب رئيس تحرير “نصف الدنيا”مع أنه لم يكن صديقاً، وإنما أجريت الحوار قبل أعوام بسبب قضية فجرها وشغلت الرأي العام، وقتها الصحفي المهني يحدد طريقة تعاطيه مع الحدث بغض النظر عن شخص المصدر وكونه من بين الأصدقاء أم من غيرهم. ثانياً: هناك في المقابل حالات صارخة للتجاوزات في النشر، مر بها كثير من الصحف، ومنها الصحيفة الأدبية الوحيدة في مصر مثلاً، التي اكتفت لسنوات بالنشر للصحفيين العاملين فيها، وقلة من أصدقائهم في الوسط الأدبي، لكنها عادت خلال رئاسة تحرير “عبلة الرويني”مثلاً ومثلت قطاعاً واسعا من المثقفين، يزيد على أصدقاء الأدباء العاملين “المثبتين”فيها، وتلك حالة كثير من الصحف المصرية، التي مرت بفترات صعود وفترات ركود، على حسب إمكانات رئيس التحرير وقدرات المعاونين له. ويضيف خير الله: ولدينا تجربة جريدة القاهرة في عهد الزميل سيد محمود، فقد منح بريقاً جديداً للجريدة، بعد أن دخلت في سبات عميق مع رئيس تحريرها السابق الأستاذ والكاتب “المخضرم”صلاح عيسى، ثالثاً - الكلام لخير الله - كل محرر ثقافي يُسأل عن مهنية ما يقدمه، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، أعرف أحدهم في صحيفة “الأهرام”اليومية، كان لا يطيق اسمي أبداً وله كل الاحترام في ذلك، لكن لم يكن مهنياً أبداً أن يجري حواراً مع الناقد الكبير الدكتور شاكر عبدالحميد في الأهرام، والذي امتدح ديواني الأخير خلال الحوار، فيضطر الزميل المحرر الثقافي الهمام إلى تغيير اسم ديواني “كل ما صنع الحداد”ليصبح على صفحات الأهرام “بعض ما صنع الحداد”ويغير الزميل المحرر اسمي أنا شخصياً إلى (محمد) نكاية في شخصي وإمعاناً في تهميشى فهذا بالتأكيد هو الجنون بعينه، ولا علاقة للأمر هنا بالمهنية، ولا يمس أداء صحيفة الأهرام الغراء، لأن منها الصحفي والشاعر الكبير أيضاً بهاء جاهين الذي تم استكتابي مقالاً عن تجربتي الشعرية في صفحته الثقافية بالأهرام أيضاً، دون أن يعرفني الرجل معرفة شخصية. ومن جانبه يرى الشاعر سعيد شحاتة، أن التكتلات والشللية المنتشرة فى الوسط الثقافى، جعلت العديد من الصحف الثقافية مخصصة لأشخاص معينين على سبيل المجاملة دون النظر إلى قيمتهم الأدبية أو إلى ما يقدمون، ما أدى إلى انصراف معظم الكتاب والشعراء الجادين عنها والاستعاضة بصفحاتهم على الفيس بوك لتفادي الصراعات والمضايقات والطوابير الطويلة، هذا بدوره أدى إلى انصراف جمهور هذه الصحافة عنها نظرًا لفقدان المصداقية مع المهتمين. الصحافة الثقافية ساعدت فى تهميش عدد كبير من الكتاب، والشاعر الكبير محمد عفيفى مطر رحمه الله، خير مثال على هذا التهميش المتعمد من قبل البعض–الكلام لشحاتة - فهو شاعر لم يحصل على حقه على المستوى الإعلامى، هو وأسماء كبيرة وكثيرة فى عالم الشعر والكتابة، هذا لا ينفي أن الصحافة كانت لها الريادة في الساحة الثقافية، وفي تقديم معظم أدباء وكتاب مصر قبل سيطرة بعض المنتفعين الذين حولوا معظمها لمصالح شخصية وعلاقات تربطها علاقات أكبر منها، ويؤكد أنها أخفقت إخفاقاً مدوياً ومخيفاً بعد سيطرة شلل المنتفعين عليها، وبرغم ذلك هناك نماذج استثنائية مهمة فى الصحافة الثقافية أدت دورها وما زالت تؤديه دون انتهازية ودون وصولية ودون تحايل. يقول سعيد شحاتة: هذه النماذج برغم قلّتها فإنها لصدقها ومحبتها للغير أجبرت الجميع على احترامها، نحن لدينا أكثر من 100جريدة تصدر يومياً، ليس بها صفحة للثقافة باستثناء أربع صحف مثلاً، وأحياناً لا تجدها بسبب الحدث السياسى الذى يفضله القائمون على الصحيفة، وكانت هذه الصحف تستعين بشعراء وكتاب، يتم اختيارهم بعناية، وتقديمهم بشكل رائع للجمهور، أما الصحف المتخصصة فأكدت أنها تراجعت للوراء ولم تصبح قادرة على تقديم شاعر حقيقى، لأن الكثير ممن أشرفوا على هذه الصحف همشوا الكثيرين، لمجاملة القلّة القليلة، ما أدى إلى تضاؤل بعضها، وانحسار بعضها وتلاشي بعضها تمامًا. ومن وجهة نظر د. سهير المصادفة، فإن الصفحات الثقافية والمنابر الثقافية الإعلامية أسهمت بالفعل طوال ربع القرن في تكريس الشللية والاحتفاء أحيانًا بظواهر أدبية وثقافية غير حقيقية، لمجرد عملها أو درجة قرابتها من المسئول عن هذا المنبر، رأينا كُتابًا صِغارًا يحصدون الشهرة والجوائز ورأينا أعمالاً كبرى لكُتاب كبار يتم دفنها مع سبق الإصرار والترصد، ويموت أصحابها كمدًا من جميع الأجيال ابتداء من جيل الستينيات وحتى أصغر الأجيال. وأشارت أن هذا أفسد الواقع الأدبي وجعل أرفف المكتبات المصرية تمتلئ بكل أشكال الكتب الرديئة التي من المستحيل قراءتها، وجعل الكُتّاب المبتدئين يتجرأون على نشر خواطرهم الأولى الركيكة على مستوى الشكل أو المضمون وهذا مشروع في بداية مشوارهم لكنهم وجدوا مَن يفرد لهم صفحات في الجرائد، ويدير معهم حوارات، فقطع عليهم طريق التقدم بالقراءة والاجتهاد. في الواقع–تقول المصادفة - افتقدنا في مصر كبار المسئولين عن صفحات ثقافية تجردوا من ميولهم الشخصية وشللهم ومريديهم الصغار، وعملوا من أجل رفع قدر الأدب المصري والثقافة المصرية، وتقول: أتذكر أنني قرأت ذات مرة كيف جمع محمد حسنين هيكل كل الكُتاب الحقيقيين في مبنى الأهرام، وكانوا توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وآخرين، لم نر بعده هذا النموذج بل رأينا رؤساء تحرير جرائد أدبية يتبعون أهواءهم ويقسمون الواقع الأدبي إلى نصفين.. نصف يحصد كل شيء ونصف محروم من نزول خبر عن عمله الذي يحقق في الشارع، ولدى النقاد والقراء أصداء جيدة. حتى إن المثقفين والكتّاب يتندرون على بعض الجرائد القومية وصفحاتها الثقافية بأنها مؤجرة مفروش لإحدى الشلل الأدبية المعروفة، الآن مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية تهدد بشكل فعلي الصحافة الثقافية، وترى أن المبدع الحقيقي الذي يمتلك موهبة حقيقية لم يعد بحاجة إلى الصحافة الورقية قبل أن تتعافى من مشاكلها وتربيطاتها المشينة. أما الشاعر حسن النجار، فيرى أن الصحفي المبدع يلتزم بالموضوعية في كل الحالات، قائلا: كنت مسئولا عن الصفحات الثقافية في مجلة عراقية وخرجت جيلا من الأدباء العرب عبر هذه الصفحات، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أن الشللية تفقد الصفحات بريقها ومصداقيتها، ويرى أنه لا بد أن تكون مساحة الثقافة العربية علي امتداد الوطن العريب حاضرة بقوة الأدباء في أقاليم مصر وإبراز المواهب المدفونة، شبعنا كلاما في السياسة كل يوم.. التركيز علي الثقافة والاقتصاد هما عنصرا المرحلة المقبلة.