كشفت المصادر المجرية عما حاول مايك بومبيو وزير الخارجية الامريكية ممارسته من ضغوط فى بودابست خلال جولته الاخيرة التى شملت عددا من بلدان شرق اوروبا. وأشارت وكالة «سبوتنيك» الروسية نقلا عن مصادر مجرية وامريكية الى ان بومبيو ناقش مع فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية كيفية مواجهة النفوذ الروسى فى أوروبا، إلى جانب ما وصفه بضرورة التصدى لمحاولات روسيا أدق اسفين بين واشنطن وبلدان الاتحاد الاوروبي. وكان الاعلام الروسى توقف بالكثير من التقريظ والاشادة بما أعلنته القيادة المجرية من اعتراض ضد انتقادات الوزير الامريكى لسياسات بودابست وتقاربها مع موسكو، ونقل عن بيتر سيارتو وزير الخارجية المجرية وصفه للتصريحات الامريكية بانها «منتهى النفاق». وأشارت وكالة «سبوتنيك» الى ان سيارتو توجه فى معرض مؤتمره الصحفى المشترك مع نظيره الامريكي، اليه بقوله : لقد طفح بنا الكيل لانك تقول دائما ان لدينا علاقات وثيقة مع روسيا. واضاف ان الكثير من بلدان الاتحاد الاوروبى تقف من بودابست مثل هذا الموقف، فى نفس الوقت الذى تواصل فيه علاقاتها واستثماراتها مع موسكو. وكان الوزير المجرى أشار كذلك إلى التعاون القائم بين روسيا وألمانيا فى مجال بناء خط أنابيب الغاز «التيار الشمالي- 2» والذى يجمع بين شركة غازبروم الروسية العملاقة والعديد من الشركات الاوروبية.توقف المراقبون فى بودابست وخارجها عند تصريحات بومبيو التى دعا فيها بودابست االى عدم السماح لموسكو «دق اسفين» بين الأصدقاء فى حلف الناتو، وكذلك عند ما قاله حول انه يعتبر اعتماد المجر على الغاز الروسى وصداقتها مع الرئيس فلاديمير بوتين خطراً على الأمن القومي»، فضلا عن انتقاده لسياسات التقارب التى تنتهجها بودابست مع الروس والصينيين بقوله انهم يحققون المزيد من النفوذ فى هذه المنطقة. ونضيف الى ذلك ما اشارت اليه وكالة «فرانس برس» حول ان الصين تشغل موقعا مهما فى الجهود الدبلوماسية لاوربان الذى أعلن عام 2014 «الانفتاح على الشرق». وقالت انه ورغم ان الصينيين لا يزالون بعيدين عن كونهم بين المستثمرين الرئيسيين فى هذا البلد، فإن رئيس الحكومة المجرية اشاد بواقع أن مركز جاذبية الاقتصاد العالمى يتحول من الغرب إلى الشرق... من المحيط الأطلسى إلى المحيط الهادئ. وهو ما رد عليه بومبيو بقوله غالباً ما تكون المساعدة من بكين مصحوبة بشروط تجعل المجر تدين بفضلها اقتصاديا وسياسيا. وتوقف الوزير الامريكى بشكل خاص إلى الاتفاق الأخير مع شركة الاتصالات الصينية العملاقة للجيل الخامس فى المجر، فيما حذر من مغبة احتمالات التجسس على مشروعات التعاون المشتركة بين المجر والولاياتالمتحدة. وعلى الرغم من ان فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية كان من اوائل زعماء بلدان الاتحاد الاوروبى الذين أعلنوا ابتهاجهم بفوز الرئيس دونالد ترامب وبالكثير من مفردات سياساته، ومنها تشدده تجاه قضايا الهجرة وعداؤه للكيانات المتعددة مثل الاتحاد الاوروبي، التى لا تزال تثير انتقادات الكثير من القيادات الغربية، فقد شهدت زيارة وزير الخارجية الامريكية لبودابست كثيرا من اللغط بسبب الجدل الذى احتدم أيضا حول عدد من مواقف وتصريحات أوربان التى انتقد فيها توجهات الجامعة الاوروبية التى اسسها جورج سوروس الملياردير الامريكى المجرى الاصل فى بودابست ، إلى جانب ما أعرب عنه من عدم ارتياح تجاه اجتماعات ضيفه الامريكى مارك بومبيو مع عدد من قيادات منظمات حقوق الانسان المناوئة لسياسات اوربان، والتى تتهمه بانتهاك حرية الصحافة والقضاء والمجتمع المدني. وقالت الوكالة الفرنسية ان بومبيو وعد دون تفاصيل ملموسة بزيادة الدعم الأمريكى لمحاربة الفساد وللإعلام المستقل، وهما موضوعان يتم التشكيك بالتزام حكومة أوربان حيالهما. وأشارت إلى ان ثلاثا من المنظمات غير الحكومية الرئيسية فى المجر، ضمنها فرع لجنة هلسنكى فى المجر، رحبت فى بيان أصدرته فى هذا الشأن بالالتزام بالدفاع عن قيم سيادة القانون ودور المجتمع المدني. على ان ذلك كله لم يحل دون توصل الجانبين الى العديد من نقاط الاتفاق ومنها ما كشف عنه الوزير الامريكى بومبيو حول توقيع اتفاقية دفاعية بين المجر والولاياتالمتحدة تكفل زيادة وجودها فى منطقة وسط أوروبا خلال الفترة المقبلة. ونقلت وكالة «سبوتنيك» عنه ما قاله حول غياب الولاياتالمتحدة عن منطقة وسط أوروبا، وهو ما جعل منافسيها يملأون الفراغ، على حد قوله، فى إشارة مباشرة الى روسيا. واذ قال بومبيو « ان ذلك امر غير مقبول»، اضاف انه سوف يسعى لزيادة وجود بلاده فى وسط أوروبا فى الفترة المقبلة، وانها سوف تغير ذلك من خلال العلاقات الدبلوماسية. ورغم ان وزير الخارجية المجرية سيارتو وحسب «فرانس برس» قال ان بلاده ستزيد مشترياتها من الأسلحة الأمريكية، فقد اشارت إلى أن التعاون مع موسكو لن يضر بودابست، ولا يمنع من أن تكون حليفا موثوقا لواشنطن وبروكسل، وهو ما حرصت على نقله وكالة «سبوتنيك» الروسية شبه الرسمية. ومن بودابست نمضى مع بومبيو فى جولته التى شملت كلا من سلوفاكيا وبولندا المجاورتين، لنستشهد بما نقلت عنه وكالة «نوفوستي» من تصريحات تعهد فيها بدعم سلوفاكيا فى مجالات الامن والاقتصاد، فضلا عن تحذيراتها من تزايد نفوذ موسكووبكين. وكان الوزير الامريكى واصل ايضا فى لقائه مع طلبة كلية الصحافة فى العاصمة براتيسلافا اتهاماته للرئيس الروسى فلاديمير بوتين بانه يشكل تهديدا على الديمقراطية فى كل أنحاء العالم، الى جانب تحذيراته لمواطنى سلوفاكيا حول ضرورة حماية أنفسهم من الجهود الصينية الاقتصادية وغيرها من الجهود، الرامية إلى التلاعب بنظامهم السياسي. وعلى ذات النحو وفى السياق نفسه، استأنف بومبيو حملاته ضد روسيا وزعيمها خلال لقاءاته فى وارسو مع القيادات البولندية، مشيرا إلى ما وصفه بالأخطار الامنية والاقتصادية التى تهدد بولندا وبلدان الاتحاد الاوروبى من جراء الاستمرار فى تنفيذ مشروع بناء انابيب نقل الغاز «التيار الشمالي-2». ونقل عن الرئيس الامريكى ترامب تصريحاته حول ان أمريكا ستبذل كل ما فى وسعها ضمن حدود قوتها لمعرفة ان الامن الاوروبى هو الاهم عندما يتعلق الأمر بقرارات الطاقة، وهو ما لقى استحسان مضيفه وزير الخارجية البولندية ياسيك تشابوتوفيتش الذى اكد انه يشاركه الرأى القائل إن مشروع االتيار الشمالي- 2 لا يخدم أمن الطاقة فى أوروبا، بل يعتبره مشروعًا فاشلاً، ويلحق أضرارا بأمن الطاقة فى القارة. وتقول المصادر الروسية فى موسكو ان بومبيو كشف فى ختام جولته عن حقيقة توجهات بلاده المعادية لروسيا فى مؤتمر وارسو «مستقبل السلام والأمن فى الشرق الأوسط»، الذى رفضت موسكو المشاركة فيه لاسباب عزتها إلى انه يُعقد تحت «رعاية أمريكية»، ويستهدف بالدرجة الاولى التحالف ضد إيران، وليس البحث عن الامن والسلام فى الشرق الاوسط.ومن اللافت فى هذا الصدد انه فى الوقت الذى كانت تجرى فيه مداولات وارسو بمشاركة اسرائيلية، كان الرئيس بوتين يعقد قمة ثلاثية مع نظيره التركى رجب طيب اردوغان والايرانى حسن روحانى فى سوتشى بحثا عن الحلول المنشودة لتحقيق التسوية السياسية فى سوريا والعمل من اجل القضاء على ما بقى من جيوب الارهاب فى منطقة ادلب وشمال سوريا، ومستقبل المنطقة بعد الانسحاب المنتظر للقوات الامريكية من سوريا. وذلك ما تصفه مصادر روسية قريبة من الكرملين بانه «أمر بالغ الدلالة»