تواصل بودابست سياساتها الرامية الى تجاوز كل الموانع التي تحول دون انطلاق "قطارها المجرى" على طريق تنويع علاقاتها مع العالم الخارجي، دون اعتراف باية قيود او حدود . من هذا المنظور يمكن تناول زيارة سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية لبودابست الاسبوع الماضي والتي استبقت موعد زيارة فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية المرتقبة للقاهرة . ففيما اعادت زيارة لافروف للعاصمة المجرية طرح ما سبق وتم التوصل اليه في موسكو خلال لقاء فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، تأتي زيارة اوربان للقاهرة امتدادا للقاءاته مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في بودابست وفي نيويورك في العام الماضي. وكان لافروف التقي في بودابست رئيس الحكومة المجرية حيث جرت المناقشات فى اجواء تقول باعلاء الجانبين لمبادئ البراجماتية والتكافؤ ومراعاة المصالح المتبادلة بعيدا عن القيود التي اعلنها الاتحاد الاوروبي على علاقات بلدانه مع روسيا عقب اندلاع الازمة الاوكرانية في 2014. وكشف لافروف في المؤتمر الصحفي الذي عقده في بودابست في ختام مباحثاته مع نظيره المجرى بيتر سيراتو عن انهما ناقشا كل المحاور الرئيسية لعلاقات البلدين على ضوء ما جرى الاتفاق حوله خلال لقاء بوتين- اوربان في الكرملين بموسكو في فبراير من هذا العام، وزيارة الرئيس بوتين لبودابست في العام الماضي. واكد الوزير الروسي اتفاقه مع ما قاله سيارتو وزير الخارجية والتجارة المجري حول ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتجاوز ظاهرة تقلص حجم التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما سوف يجرى بحثه بالمزيد من التفاصيل خلال الجلسة المقبلة للجنة الحكومية المشتركة في بودابست في 21-22 يونيو المقبل. وبهذا الصدد اشار سيارتو الى ان بلاده وروسيا تعقدان العزم على وقف هذه الظاهرة والتحول نحو تسريع علاقاتهما الاقتصادية والتجارية مؤكدا ان السبيل الوحيد لمواجهة كل التحديات القائمة يكمن في التعاون بين روسيا والعالم . اما عن الزيارة التي يبدأها غدا للقاهرة فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية، فيقول المراقبون في بودابست انها تأتي امتدادا لعلاقات تاريخية بلغت اعلى مستوياتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي وفيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية قد توصلا خلال لقائيهما السابقين الاول في بودابست في يونيو من العام الماضي والثاني على هامش اعمال دورة الجمعية العامة للامم المتحدة ، الى اتفاق حول ضرورة استعادة امجاد تاريخ التعاون المشترك، وهو ما قد يكون تفسيرا لاصطحاب رئيس الحكومة المجرية وفدا من ابرز رجالات الاقتصاد والاستثمار في بلاده لبحث آفاق وامكانيات تفعيل التعاون مع مصر. وبهذا الصدد اعربت الاوساط المجرية عن اهتمام كبير بزيارة اوربان للقاهرة، ومن اللافت ان التعاون بين مصر والمجر لا يقتصر على الاطار الثنائي، حيث يتجاوزه الى التجمعات الاقليمية والدولية ومنها تجمع بلدان "فيشجراد" الذي شاركت مصر في دورته الاخيرة في براغ بوفد رفيع المستوى برئاسة السفير حسام زكي مساعد وزير الخارجية المصرية. وبهذا الصدد اشار السفير محمود المغربي سفير مصر في بودابست في تصريحاته الى «الاهرام» الى ان هذا التجمع "يكتسب اهميته بالنسبة الي أعضائه الأربعة جمهوريات المجر- التشيك- بولندا- سلوفاكيا، في الدرجة العالية من تماثل التوجهات السياسية داخل آلية الاتحاد الأوروبي ما يؤدي الي قيامهم بتنسيق المواقف لتشكيل توجهات مؤيدة لمصالح دول المجموعة، وقد بدأ التجمع في الانفتاح علي دول ومناطق مجاورة علي نسق منطقة غرب البلقان باعتبارها حائط صد أماميا يُمكنه التعامل مع تدفقات الهجرة ويُمثل امتدادًا جغرافيًا لمنطقة شنجن". وقال السفير المغربي "ان مصر اهتمت عقب ثورة يونيو 2013 بتوطيد علاقاتها بدول المجموعة في الاطارين الثنائي ومتعدد الاطراف. ويأتي اهتمامنا بالمجموعة في إطار انفتاح السياسة الخارجية المصرية علي مختلف التجمعات تعظيمًا للمصلحة المصرية، وتجد مصر دائمًا تفهمًا من دول المجموعة لسياساتها ولوجود مقومات حقيقية للتعاون سواء في إطار مجموعة الفيشجراد أو في إطار الاتحاد الأوروبي كآلية جماعية، ويتبادل الجانبان الاهتمام في المحافظة علي هذه الآلية للتشاور في مختلف جوانب العلاقات". وكان سفير المجر في القاهرة دكتور بيتر كيفيك اشار في تصريحات نشرتها "الاهرام" الى ان علاقات البلدين في المجالات الاقتصادية ذات آفاق واعدة، مؤكدا ان مصر هي الشريك التجاري الاول لبلاده في العالم العربي، وإن اعتبر الكثيرون انها لا تزال دون المستوى الذي يتناسب مع قدرات البلدين وتاريخهما المشترك حيث لا يزيد حجمها كثيرا عن قرابة الاربعمائة مليون دولار. وكشف السفير المجري عن "أن عددا من الشركات المجرية تقترب من إبرام اتفاقات مع مصر في مجال الطاقة المتجددة، كما يبحث الجانبان المبادرة المجرية الخاصة بمنح بنك الصادرات المجري ضمانات بنحو 20 مليون دولار لمساعدة الشركات المصرية الصغيرة والمتوسطة. وعلي الصعيد الثقافي، تستعد المجر لاستقبال 100 طالب مصري في جامعاتها في منح كاملة تتحملها حكومة بودابست، بدءا من سبتمبر المقبل و علي مدار الأعوام الثلاثة المقبلة".