نصف مليون ناخبًا في السويس يختارون نوابهم.. غداً    النائب علي مهران: المشاركة بالانتخابات واجب وطني.. ودور الهيئة الوطنية أساس نزاهة العملية الديمقراطية    وزير الري الأسبق: إثيوبيا تحتفظ بكميات ضخمة من المياه.. وسد النهضة يهدد دولتي المصب    أزمة امتدت لأكثر من 10 سنوات.. حلول جذرية لطيِّ أزمة أرض الجمعيات بالإسماعيلية    ضبط 130 طن أغذية فاسدة.. وتحصين 131 ألف رأس ماشية بالقليوبية    وزارة النقل تناشد المواطنين دعم جهود التوعية بمخاطر رشق القطارات بالحجارة    إزاى تكسب 5000 جنيه دخل شهرى ثابت    أسعار الحديد في مصر تتراجع بشكل ملحوظ بسبب ركود سوق مواد البناء    محافظ أسوان: لجان حصر أماكن الإيجار القديم مستمرة.. وسيطبق القانون لصالح المواطن    أوربان يغيب عن القمة الطارئة للاتحاد الأوروبي في لواندا حول أوكرانيا    روسيا: دول غير صديقة قدمت عروضا للتعاون خلال قمة العشرين    إصابة قوية لدونجا في لقاء الزمالك وزيسكو    بقيادة رونالدو.. النصر يضرب الخليج برباعية ويبتعد بصدارة الدوري السعودي    خلال يومين.. مباحث الضرائب تكشف 520 قضية تهرب ضريبي    تموين القليوبية يضبط 354 عبوة من المستلزمات طبية منتهية الصلاحية بطوخ    نقابة الموسيقيين تقرر إيقاف المغني إسلام كابونجا 6 أشهر    أحمد شاكر عبد اللطيف: انزل وشارك فى الانتخابات واختر من يمثلك فى مجلس النواب    ثقافة الفيوم تنظم ورشة فنية لذوي الاحتياجات الخاصة    صندوق التنمية الحضرية يطرح محال ومقرات للحرفيين داخل درب اللبانة بالقاهرة    الإفتاء توضح حكم الشرع في الأخ الذي يحرم أخوته من الميراث    الوقاية من الإصابة بالإنفلونزا وطرق الحصول على التطعيم في محافظات الجمهورية    كتب له عمر جديد.. إنقاذ حياة طفل ببنها مصاب بقطع خطير فى الرقبة    واشنطن تستعد ل «عمليات عسكرية» ضد فنزويلا    لليوم ال23.. «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر نوفمبر 2025    «إعدام الأسرى الفلسطينيين».. لماذا الآن؟    هل يجوز جمع الصلاة مع أخرى بسبب الدروس؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة دمنهور تحصد 12 ميدالية في بارالمبياد الجامعات المصرية بالإسكندرية تحت شعار "أنت الحياة"    هل كان السبت الممتاز..حقًا؟    محافظ بورسعيد: عمليات على مدار الساعة خلال يومي الانتخابات    شيرين عبد الوهاب: لن أعتزل أنا قوية    نائب رئيس حزب المؤتمر: مشاركة المواطنين في انتخابات النواب 2025 واجب وطني    ضبط سائق ميكروباص خالف الحمولة القانونية بعد تداول فيديو بالفيوم    عودة النصر للسيارات.. انطلاقة صناعية جديدة تقودها الربحية والتطوير الشامل    وزير الصحة يبحث جهود توطين تكنولوجيا الأجهزة الطبية وتطوير الخدمات التشخيصية    الصحة العالمية تكرم الزميلة أمل علام لفوزها بجائزة AMR Media    تأجيل محاكمة 17 متهما بخلية العجوزة    "تصميم وتشييد وتقييم الفاعلية البيولوجية لمشتقات جديدة من البنزايميدازول" رسالة دكتوراه بجامعة بنى سويف    بأمر النائب العام.. متابعة حالة الطفلة حور ضحية التنمر    تشكيل إنتر ميلان ضد ميلان المتوقع في قمة الدوري الإيطالي    لفصل بعضهم.. زامير يستدعي ضباطا كانوا على رأس عملهم ب7 أكتوبر    مركز المناخ بالزراعة يحذر من أمطار تصل لحد السيول يومي الأحد والاثنين    "القاهرة الإخبارية": الغارة الإسرائيلية ببيروت أسفرت عن عدد كبير من الضحايا شهداء ومصابين    الإفتاء تكرم المفتين السابقين وأسر الراحلين في احتفالها بمرور 130 عامًا على إنشائها    الشروط والمستندات.. وظائف مشروع الضبعة النووي برواتب تصل ل45 ألف جنيه    تعرف على غيابات الزمالك في مواجهة زيسكو الزامبي بالكونفدرالية الليلة    أغنية إيطالية عن "توت عنخ آمون" تشعل المنصات وتعيد وهج الحضارة المصرية للعالم    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    ازدحام غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح وسط استمرار الأزمة بغزة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    انتخابات مجلس النواب 2025.. "القومي للمرأة" يعلن تخصيص غرفة عمليات لمتابعة العملية الانتخابية    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسر رزق يكتب من بودابست: تناغم «الدانوب الأزرق» و«النهر الخالد»
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 06 - 2015

فى ميدان «كوشوت» زعيم ثوار المجر ضد حكم «آل هابسبورغ» النمساويين فى منتصف القرن التاسع عشر، جرت مراسم استقبال للرئيس عبدالفتاح السيسى قلما تحدث لرئيس دولة يزور المجر، وسط حضور لافت خلف الحواجز من جانب مجريين وسياح ومصريين مقيمين فى المجر، تجمعوا أمام قصر «أورساك هاز»، التحفة التاريخية التى أنشئت منذ 140 عاما، وتعد أحد أبرز معالم العاصمة «بودابست».
عزفت الموسيقات العسكرية المجرية مارش «راكوتى» وهو زعيم آخر قاد انتفاضة ضد «آل هابسبورغ» فى مطلع القرن الثامن عشر، ترحيبا بوصول الرئيس السيسى إلى ساحة القصر.
وبين تمثالى «كوشوت» و «راكوتى»، اصطف حرس الشرف مصحوبا بالخيالة، واستعرض السيسى ومضيفه رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان الحرس، بينما عزفت الموسيقات العسكرية جزءا من مقطوعة «الدانوب الأزرق» التى أبدعها الموسيقار النمساوى يوهان شتراوس منذ 150 عاما مضت، تخليدا لنهر الدانوب أطول أنهار أوربا الذى يخترق فيينا وبودابست ومدناً أخرى فى عشر دول أوربية.
نهر الدانوب الذى يطل عليه قصر «أورساك هاز» وهو مقر الحكومة والبرلمان، يفصل شطرى العاصمة بودابست، فتقع «بودا» وهى المدينة الأقدم والأغنى على ضفته الغربية، بينما تقع «بست» وتنطق (بشت) على ضفته الشرقية وهى المدينة الأحدث، وبها يوجد قصر «أورساك» ، وظلت «بودا» و «بست» مدينتين منفصلتين، حتى توحدتا عام 1873 بعد خمس سنوات من تأسيس الإمبراطورية النمساوية المجرية، وأصبحت المدينة الموحدة تجمع اسمى شطريها «بودابست».

استقبال السيسى الرسمى الحافل فى زيارته للمجر، وهى «زيارة دولة» تعد الأرفع شأنا فى زيارات رؤساء الدول، فسره أوربان رئيس وزراء المجر، فى المؤتمر الصحفى الذى عقده والسيسى عقب مباحثات القمة التى جمعت بينهما أمس، بأنه تعبير عن شعور المجر بالشرف العظيم لزيارة رئيس مميز لبلد مميز هو مصر، مهد الحضارة الإنسانية، التى نحترم تاريخها ونحترم حاضرها ونحترم قائدها.
فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر، هو أبرز الشخصيات فى التاريخ السياسى المجرى المعاصر. حينما كان فى الخامسة والعشرين من عمره أسس هذا المحامى الشاب حزب «الديمقراطيين الشبان» بعد تفكك الكتلة الشرقية وانهيار الحكم الشيوعى عام 1990، وبعدها بثمانى سنوات فاز حزبه بالأغلبية وأصبح رئيسا لوزراء المجر وعمره لم يتعد الثالثة والثلاثين، وبعد 4 سنوات، خسر الانتخابات وظل زعيما للمعارضة ثمانى سنوات فى ظل حكم الحزب الاشتراكى، ثم اكتسح انتخابات البرلمان عام 2010، وتسلم البلاد وهى على شفا انهيار اقتصادى، وفى غضون 4 سنوات، حقق معجزة لبلاده التى أصبحت الأعلى فى معدلات النمو فى الاتحاد الأوربى، ورغم الحملات الأوربية ضد أوربان نتيجة سياسته فى التقارب مع روسيا، استطاع أوربان أن يفوز مرة أخرى فى الانتخابات العام الماضى وأن يحتفظ بمنصبه كرئيس للوزراء بفضل الانجازات الاقتصادية الكبرى التى حققها.

على البعد.. هناك تقدير شخصى يكنه السيسى لأوربان، الذى كان أول زعيم أوربى يعترف بثورة 30 يونيو وبيان 3 يوليو فى مصر، وهناك تقدير شخصى مماثل يكنه أوربان للسيسى، الذى أنقذ بلاده من مصير كان يتهددها وتحمل المسئولية واتخذ أصعب القرارات لتحقيق الاستقرار لبلاده.. وهذه كلمات أوربان التى ألقاها على مسامع رجال الأعمال المصريين والمجريين فى المنتدى الذى عقد عصر أمس بمشاركته والرئيس المصرى.
قال أوربان أيضا أمام المنتدى: فكروا ماذا كان سيحصل لو لم يأت السيسى من بعد مرسى؟!.. ماذا لو لم يكن هناك جيش فى مصر؟! ... ماذا لو لم يكن هناك رئيس شجاع؟!.. ماذا لو عمت الفوضى العالم العربى، وكيف سيصير حينئذ حال أوربا؟! .. وأضاف أوربان ان عبارة «ماذا لو» لانتعامل بها فى السياسة، لكن تلك الأسئلة تحتم علينا التفكير ثم تقييم ماجرى.

«الكيمياء» أعملت تفاعلاتها، بين السيسى وأوربان منذ اللحظة الأولى للقائهما فى الساعة العاشرة من صباح أمس، والذى امتد فى جلسة مباحثات ثنائية، ثم جلسة موسعة بحضور أعضاء الوفدين المصرى والمجرى، ثم على مأدبة غداء تواصل خلالها الحوار والمناقشات بين الزعيمين، ثم خلال حضورهما جلسة افتتاح منتدى الأعمال المصرى المجرى، ليستغرق اللقاء قرابة ست ساعات كاملة.
لايبدو أوربان مجاملا وينظرون إليه فى المجر كزعيم قوى صريح، وفى أوربا كزعيم مثير للجدل، ومع ذلك كال المديح للرئيس السيسى وقيادته لمصر إلى درجة أخجلت الرئيس، فقال له: «المرة القادمة أرجو أن أسبقك فى الحديث».
بدا السيسى أيضا معجبا بشخصية أوربان، ووصفها بأنها رائعة وساحرة، والرئيس كما تعلمون يقول ما يعنى ويشعر.
واضح أن الصراحة سمة تجمع السيسى وأوربان فما قالاه لبعضهما البعض فى جلسة المباحثات الثنائية والموسعة، أعلناه أمام الصحفيين فى المؤتمر الصحفى، وفى منتدى الأعمال.

لخص أوربان نظرة بلاده لمصر فى عبارة موجزة: «لا استقرار فى العالم العربى بدون مصر، ولا استقرار فى أوربا بدون مصر مستقرة»،
وقال: «إن المجر ستسهم فى عملية إعادة بناء الاقتصاد المصرى التى يقودها السيسى ونتمنى لمصر أن تنجح فى ثقافتها كبلد من العالم الاسلامى، ونحن فى المجر اصدقاء للإسلام الدين الذى نعتبره انجازا كبيرا للبشرية، ونتمنى أن تنجح فى معركتها لتحقيق التنمية،ولقد فتحنا اليوم ابوابا جديدة لتعاون فى علاقات اقتصادية عريقة، ونسعى لتعاون عسكرى نضع آلياته، وتعاون علمى وتعليمى وسوف نقدم مائة منحة للطلاب المصريين للدراسة فى المجر».
أما السيسى فقد عرض أوجه التعاون بين البلدين فى مجالات مختلفة منها السكك الحديدية ومعالجة وإدارة المياه، قائلاً إن تقارب الشخصيتين المصرية والمجرية يهيئ فرصاً واسعة للتعاون، موضحاً ماجرى فى مصر من إجراءات وتشريعات لتيسير الاستثمار . وقال السيسى لرجال الأعمال المجريين إننى مواطن مصرى أمد يدى لكل من يريد ان يساعد بلدى، ومكتبى مفتوح لكم.
الرئيس شرح رؤيته للعمل الجارى فى اعادة بناء الاقتصاد واقامة المشروعات الكبرى، قائلاً: اننا نريد الاتفاق بأقل تكلفة مادية، وفى أقصر زمن، فليس عندنا وقت نضيعه. إن أمامنا فترة من 3 إلى 4 سنوات لإضاءة أمل حقيقى لن يتحقق إلا بحجم ضخم من الاستثمارات.
وأضاف: «إن لدينا إرادة حقيقية لكى تقوم بلادنا وتنهض، وتأخذ مكانها الذى تستحق، وإن شاء الله ستنهض وسوف ترون».

على صعيد الوضع الدولى والتطورات بالشرق الأوسط.. كانت رؤية الزعيمين متفقة بل - على حد قول السيسى- متطابقة فى غالبية القضايا.
أوربان حرص - كما قال - على أن يستمع إلى تقييم الرئيس السيسى للوضع فى الشرق الأوسط. وبنص كلماته: تحدثنا عن مستقبل العالم العربى.. عن داعش.. عما تفعله أوربا.. هل هى جزء من الحل أم سبب المشكلة؟!.. هل كان الطريق إلى جهنم محفوفاً بنوايا حسنة أم لا؟!
السيسى شرح بالتفصيل رؤيته لمجريات الأمور فى سوريا وليبيا والعراق، وحرب مصر ضد الارهاب. وأكد له أوربان دعم المجر لمصر فى سعيها للسلام والاستقرار، واستمرار دعمها لها داخل الاتحاد الأوربى.

قبيل المؤتمر الصحفى.. شهد السيسى وأوربان توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين فى المجال الأمنى، واتفاقية لتوريد 700 عربة قطار إلى مصر بتمويل من بنك اكزام المجرى. ثم وقع الزعيمان على بيان مشترك يلخص نتائج المباحثات ويضع اطاراً اوسع للتشاور السياسى والتعاون الاقتصادى بين مصر والمجر.
وإسراعاً بفتح مجالات التعاون.. اتفق السيسى وأوربان على عقد اجتماع للجنة المشتركة بين البلدين فى بودابست الأسبوع المقبل لمناقشة تفاصيل اتفاقات اخرى للتعاون فى مجالات متعددة. واتفقا ايضا على التواصل وتبادل الزيارات.
نتائج المباحثات كانت ناجحة للغاية، وهو مابدا فى كلمات السيسى وأوربان، وماعبر عنه أعضاء الوفد الرسمى المرافق للرئيس الذى ضم سامح شكرى وزير الخارجية، د. محمد شاكر وزير الكهرباء، د. أشرف سالمان وزير الاستثمار، اللواء مصطفى شريف رئيس الديوان، اللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس، السفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية.
كانت النتائج تفوق المتوقع، وكانت الحفاوة بالغة، فقد نال السيسى الدكتوراة الفخرية من الجامعة الوطنية للخدمة العامة، وهى المرة الأولى التى تمنح فيها هذه الجامعة ذلك التكريم لرئيس دولة منذ تأسيسها قبل 103 سنوات مضت.

على أن أهم ماقاله أوربان، هو نصيحته، التى لم يشأ أن يعتبرها نصيحة، لأنها تأتى ممن هو أصغر سناً ومن هو أدنى درجة - على حد قوله - ومن دولة صغيرة بالقياس لمصر، لايتعدى سكانها نصف سكان القاهرة - على حد قوله أيضاً -.
قال أوربان: «لقد حصلنا على نصائح كثيرة من خارجنا ومن جهات مرموقة، ولو اتبعناها لما حدث نمو وماتحسن اقتصادنا.
ولو لم نبحث عن طريقنا بأنفسنا لما حققنا شيئاً. وإننى أثق أن مصر لها مستقبل باهر إذا مضت على طريقها الذى اختارته لنفسها، وأعدكم أنكم ستجدون فى المجريين شركاء حقيقيين.
.. يغادر الرئيس السيسى «بودابست» اليوم بعد زيارة النصب التذكارى لأبطال المجر التاريخيين، مختتماً جولة ناجحة، نجح فيها مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التى كانت أكثر من لم يتفهما ثورة 30 يونيو، فى تدشين صفحة جديدة فى علاقة استراتيجية تحترم الخلاف فى الرأى، ونجح أيضاً مع الزعيم المجرى فيكتور أوربان أول من أدرك حقيقة الثورة واحترم ارادة الشعب المصرى، فى فتح أبواب جديدة لتعاون واسع بين بلدين صديقين.
فى ميدان «كوشوت» زعيم ثوار المجر ضد حكم «آل هابسبورغ» النمساويين فى منتصف القرن التاسع عشر، جرت مراسم استقبال للرئيس عبدالفتاح السيسى قلما تحدث لرئيس دولة يزور المجر، وسط حضور لافت خلف الحواجز من جانب مجريين وسياح ومصريين مقيمين فى المجر، تجمعوا أمام قصر «أورساك هاز»، التحفة التاريخية التى أنشئت منذ 140 عاما، وتعد أحد أبرز معالم العاصمة «بودابست».
عزفت الموسيقات العسكرية المجرية مارش «راكوتى» وهو زعيم آخر قاد انتفاضة ضد «آل هابسبورغ» فى مطلع القرن الثامن عشر، ترحيبا بوصول الرئيس السيسى إلى ساحة القصر.
وبين تمثالى «كوشوت» و «راكوتى»، اصطف حرس الشرف مصحوبا بالخيالة، واستعرض السيسى ومضيفه رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان الحرس، بينما عزفت الموسيقات العسكرية جزءا من مقطوعة «الدانوب الأزرق» التى أبدعها الموسيقار النمساوى يوهان شتراوس منذ 150 عاما مضت، تخليدا لنهر الدانوب أطول أنهار أوربا الذى يخترق فيينا وبودابست ومدناً أخرى فى عشر دول أوربية.
نهر الدانوب الذى يطل عليه قصر «أورساك هاز» وهو مقر الحكومة والبرلمان، يفصل شطرى العاصمة بودابست، فتقع «بودا» وهى المدينة الأقدم والأغنى على ضفته الغربية، بينما تقع «بست» وتنطق (بشت) على ضفته الشرقية وهى المدينة الأحدث، وبها يوجد قصر «أورساك» ، وظلت «بودا» و «بست» مدينتين منفصلتين، حتى توحدتا عام 1873 بعد خمس سنوات من تأسيس الإمبراطورية النمساوية المجرية، وأصبحت المدينة الموحدة تجمع اسمى شطريها «بودابست».

استقبال السيسى الرسمى الحافل فى زيارته للمجر، وهى «زيارة دولة» تعد الأرفع شأنا فى زيارات رؤساء الدول، فسره أوربان رئيس وزراء المجر، فى المؤتمر الصحفى الذى عقده والسيسى عقب مباحثات القمة التى جمعت بينهما أمس، بأنه تعبير عن شعور المجر بالشرف العظيم لزيارة رئيس مميز لبلد مميز هو مصر، مهد الحضارة الإنسانية، التى نحترم تاريخها ونحترم حاضرها ونحترم قائدها.
فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر، هو أبرز الشخصيات فى التاريخ السياسى المجرى المعاصر. حينما كان فى الخامسة والعشرين من عمره أسس هذا المحامى الشاب حزب «الديمقراطيين الشبان» بعد تفكك الكتلة الشرقية وانهيار الحكم الشيوعى عام 1990، وبعدها بثمانى سنوات فاز حزبه بالأغلبية وأصبح رئيسا لوزراء المجر وعمره لم يتعد الثالثة والثلاثين، وبعد 4 سنوات، خسر الانتخابات وظل زعيما للمعارضة ثمانى سنوات فى ظل حكم الحزب الاشتراكى، ثم اكتسح انتخابات البرلمان عام 2010، وتسلم البلاد وهى على شفا انهيار اقتصادى، وفى غضون 4 سنوات، حقق معجزة لبلاده التى أصبحت الأعلى فى معدلات النمو فى الاتحاد الأوربى، ورغم الحملات الأوربية ضد أوربان نتيجة سياسته فى التقارب مع روسيا، استطاع أوربان أن يفوز مرة أخرى فى الانتخابات العام الماضى وأن يحتفظ بمنصبه كرئيس للوزراء بفضل الانجازات الاقتصادية الكبرى التى حققها.

على البعد.. هناك تقدير شخصى يكنه السيسى لأوربان، الذى كان أول زعيم أوربى يعترف بثورة 30 يونيو وبيان 3 يوليو فى مصر، وهناك تقدير شخصى مماثل يكنه أوربان للسيسى، الذى أنقذ بلاده من مصير كان يتهددها وتحمل المسئولية واتخذ أصعب القرارات لتحقيق الاستقرار لبلاده.. وهذه كلمات أوربان التى ألقاها على مسامع رجال الأعمال المصريين والمجريين فى المنتدى الذى عقد عصر أمس بمشاركته والرئيس المصرى.
قال أوربان أيضا أمام المنتدى: فكروا ماذا كان سيحصل لو لم يأت السيسى من بعد مرسى؟!.. ماذا لو لم يكن هناك جيش فى مصر؟! ... ماذا لو لم يكن هناك رئيس شجاع؟!.. ماذا لو عمت الفوضى العالم العربى، وكيف سيصير حينئذ حال أوربا؟! .. وأضاف أوربان ان عبارة «ماذا لو» لانتعامل بها فى السياسة، لكن تلك الأسئلة تحتم علينا التفكير ثم تقييم ماجرى.

«الكيمياء» أعملت تفاعلاتها، بين السيسى وأوربان منذ اللحظة الأولى للقائهما فى الساعة العاشرة من صباح أمس، والذى امتد فى جلسة مباحثات ثنائية، ثم جلسة موسعة بحضور أعضاء الوفدين المصرى والمجرى، ثم على مأدبة غداء تواصل خلالها الحوار والمناقشات بين الزعيمين، ثم خلال حضورهما جلسة افتتاح منتدى الأعمال المصرى المجرى، ليستغرق اللقاء قرابة ست ساعات كاملة.
لايبدو أوربان مجاملا وينظرون إليه فى المجر كزعيم قوى صريح، وفى أوربا كزعيم مثير للجدل، ومع ذلك كال المديح للرئيس السيسى وقيادته لمصر إلى درجة أخجلت الرئيس، فقال له: «المرة القادمة أرجو أن أسبقك فى الحديث».
بدا السيسى أيضا معجبا بشخصية أوربان، ووصفها بأنها رائعة وساحرة، والرئيس كما تعلمون يقول ما يعنى ويشعر.
واضح أن الصراحة سمة تجمع السيسى وأوربان فما قالاه لبعضهما البعض فى جلسة المباحثات الثنائية والموسعة، أعلناه أمام الصحفيين فى المؤتمر الصحفى، وفى منتدى الأعمال.

لخص أوربان نظرة بلاده لمصر فى عبارة موجزة: «لا استقرار فى العالم العربى بدون مصر، ولا استقرار فى أوربا بدون مصر مستقرة»،
وقال: «إن المجر ستسهم فى عملية إعادة بناء الاقتصاد المصرى التى يقودها السيسى ونتمنى لمصر أن تنجح فى ثقافتها كبلد من العالم الاسلامى، ونحن فى المجر اصدقاء للإسلام الدين الذى نعتبره انجازا كبيرا للبشرية، ونتمنى أن تنجح فى معركتها لتحقيق التنمية،ولقد فتحنا اليوم ابوابا جديدة لتعاون فى علاقات اقتصادية عريقة، ونسعى لتعاون عسكرى نضع آلياته، وتعاون علمى وتعليمى وسوف نقدم مائة منحة للطلاب المصريين للدراسة فى المجر».
أما السيسى فقد عرض أوجه التعاون بين البلدين فى مجالات مختلفة منها السكك الحديدية ومعالجة وإدارة المياه، قائلاً إن تقارب الشخصيتين المصرية والمجرية يهيئ فرصاً واسعة للتعاون، موضحاً ماجرى فى مصر من إجراءات وتشريعات لتيسير الاستثمار . وقال السيسى لرجال الأعمال المجريين إننى مواطن مصرى أمد يدى لكل من يريد ان يساعد بلدى، ومكتبى مفتوح لكم.
الرئيس شرح رؤيته للعمل الجارى فى اعادة بناء الاقتصاد واقامة المشروعات الكبرى، قائلاً: اننا نريد الاتفاق بأقل تكلفة مادية، وفى أقصر زمن، فليس عندنا وقت نضيعه. إن أمامنا فترة من 3 إلى 4 سنوات لإضاءة أمل حقيقى لن يتحقق إلا بحجم ضخم من الاستثمارات.
وأضاف: «إن لدينا إرادة حقيقية لكى تقوم بلادنا وتنهض، وتأخذ مكانها الذى تستحق، وإن شاء الله ستنهض وسوف ترون».

على صعيد الوضع الدولى والتطورات بالشرق الأوسط.. كانت رؤية الزعيمين متفقة بل - على حد قول السيسى- متطابقة فى غالبية القضايا.
أوربان حرص - كما قال - على أن يستمع إلى تقييم الرئيس السيسى للوضع فى الشرق الأوسط. وبنص كلماته: تحدثنا عن مستقبل العالم العربى.. عن داعش.. عما تفعله أوربا.. هل هى جزء من الحل أم سبب المشكلة؟!.. هل كان الطريق إلى جهنم محفوفاً بنوايا حسنة أم لا؟!
السيسى شرح بالتفصيل رؤيته لمجريات الأمور فى سوريا وليبيا والعراق، وحرب مصر ضد الارهاب. وأكد له أوربان دعم المجر لمصر فى سعيها للسلام والاستقرار، واستمرار دعمها لها داخل الاتحاد الأوربى.

قبيل المؤتمر الصحفى.. شهد السيسى وأوربان توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين فى المجال الأمنى، واتفاقية لتوريد 700 عربة قطار إلى مصر بتمويل من بنك اكزام المجرى. ثم وقع الزعيمان على بيان مشترك يلخص نتائج المباحثات ويضع اطاراً اوسع للتشاور السياسى والتعاون الاقتصادى بين مصر والمجر.
وإسراعاً بفتح مجالات التعاون.. اتفق السيسى وأوربان على عقد اجتماع للجنة المشتركة بين البلدين فى بودابست الأسبوع المقبل لمناقشة تفاصيل اتفاقات اخرى للتعاون فى مجالات متعددة. واتفقا ايضا على التواصل وتبادل الزيارات.
نتائج المباحثات كانت ناجحة للغاية، وهو مابدا فى كلمات السيسى وأوربان، وماعبر عنه أعضاء الوفد الرسمى المرافق للرئيس الذى ضم سامح شكرى وزير الخارجية، د. محمد شاكر وزير الكهرباء، د. أشرف سالمان وزير الاستثمار، اللواء مصطفى شريف رئيس الديوان، اللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس، السفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية.
كانت النتائج تفوق المتوقع، وكانت الحفاوة بالغة، فقد نال السيسى الدكتوراة الفخرية من الجامعة الوطنية للخدمة العامة، وهى المرة الأولى التى تمنح فيها هذه الجامعة ذلك التكريم لرئيس دولة منذ تأسيسها قبل 103 سنوات مضت.

على أن أهم ماقاله أوربان، هو نصيحته، التى لم يشأ أن يعتبرها نصيحة، لأنها تأتى ممن هو أصغر سناً ومن هو أدنى درجة - على حد قوله - ومن دولة صغيرة بالقياس لمصر، لايتعدى سكانها نصف سكان القاهرة - على حد قوله أيضاً -.
قال أوربان: «لقد حصلنا على نصائح كثيرة من خارجنا ومن جهات مرموقة، ولو اتبعناها لما حدث نمو وماتحسن اقتصادنا.
ولو لم نبحث عن طريقنا بأنفسنا لما حققنا شيئاً. وإننى أثق أن مصر لها مستقبل باهر إذا مضت على طريقها الذى اختارته لنفسها، وأعدكم أنكم ستجدون فى المجريين شركاء حقيقيين.
.. يغادر الرئيس السيسى «بودابست» اليوم بعد زيارة النصب التذكارى لأبطال المجر التاريخيين، مختتماً جولة ناجحة، نجح فيها مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التى كانت أكثر من لم يتفهما ثورة 30 يونيو، فى تدشين صفحة جديدة فى علاقة استراتيجية تحترم الخلاف فى الرأى، ونجح أيضاً مع الزعيم المجرى فيكتور أوربان أول من أدرك حقيقة الثورة واحترم ارادة الشعب المصرى، فى فتح أبواب جديدة لتعاون واسع بين بلدين صديقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.