ألف من ديدان «باسيفيكس بريستونكس» عندما يتراكم بعضها فوق بعض لا ترتفع لأكثر من سنتيمتر واحد، وهذا الارتفاع يعتبر خارقا بالمقاييس البشرية، فهو يساوى برجا حيا ارتفاعه ثلاثون ضعف طول الواحدة منها، وعلينا أن نتصور مثل هذا البرج الذى يكونه ثلاثون لاعب سيرك خارق المهارة والاحتراف، يقف بعضهم فوق أكتاف بعض فيكون أولهم على الأرض وآخرهم فى مستوى سطح عمارة من 20 طابقا، وهذا مستحيل لدى بنى البشر. تستطيع هذه الديدان الميكروسكوبية المفترسة تحقيق هذا المستحيل، والفضل فى ذلك ليس لمهارة أكروباتية، بل لقدرتها على إفراز مادة دَبِقة تمسك بتلاصقها فى صعود هذا البرج الذى تكوِّنه بأجسادها، وعند قمة ذلك السنتيمتر المعادل لمستوى سطح عمارة من عشرين طابقا بالمقاييس البشرية، لا تكون هناك غير دودة واحدة، أو عدد قليل من الدودات، تصل إلى الهدف: بقعة رخوة من بطن الفريسة التى يتجاوز حجمها حجم عدة آلاف من هذه الطفيليات الدقيقة، خنفساء من نوع الجُعلانات الملونة، تُعتبَر العائل المفضل لتطفل الباسيفكس بريستونكس، ودون أن تشعر الخنفساء بما يدور تحت ذقنها، تقوم دودة أو دودات القمة بنشب كلابات فكيها فى بطن الضحية العملاقة، وتتبادل امتصاص محتواها الداخلى، ولا تتركها إلَّا غلافا يابسا خاويا لخنفساء ملونة ميتة، لكن ذلك لا يخلو من معضلة. ليست كل الديدان الألف المُكوِّنة للبرج يمكنها الوصول إلى الوليمة المفتوحة فى الأعالى، خاصة تلك التى عند القاعدة، وبطريقة ما تدرك هذه الأخيرة أن لا نصيب لها فى نسغ الخنفساء التى كانت، عندئذ يحدث انهيار ذلك البرج مع انحلال دبق التوافق الذى كان، وفى فوضى وقوع مكونات احتشاد البرج الطفيلى المنهار بعضها فوق بعض، تعمد دودات القاعدة الجائعة إلى التوجه نحو بطون دودات القمة الشبعى، وبأبوازها الطويلة المدببة ذات الفكين الشفرتين، تبقر البطون المُتخَمة لبنى برجها مثبتة أفواهها الماصة بهذه البطون، تسحب قوام حياتها حتى آخر قطرة، ولا تتركها إلا أغلفة يابسة لموتى مُفرَغين.