«نُسْغُ الشجرةِ» juice، هو الهرموناتُ والسُّكّر والمعادنُ المُذابة فى لِحاء الشجرة، يسرى من جذورها العميقة الضاربة فى عمق الأرض، ليغذّى حتى أصغر برعم وليد فى الأعلى، فيمنحه رواءه واخضراره. وبالتدريج، بمرور الزمن، تتكون طبقاتٌ قشرية حول جذعها على هيئة دوائر، تشير إلى السنوات التى عاشتها الشجرةُ منذ ميلادها الأول. وتأتى الكائناتُ الطفيلية الخبيثة والقوارضُ لتحفرَ لنفسها مأوىً فى خشبها القِشرىّ، لكنها لا تصلُ النُّسغَ، إلا إذا ماتتِ الشجرةُ وتحلّلتْ وبادت. وفى عالم المعادن، نعلمُ أن صَهْرَ المعدن يُنتِج شوائبَ تطفو على السطح، نسمّيها: «الخَبَث» slag؛ يتمُّ كشطُها من سطح المعدن المنصهر، ليصفو لنا وجهُ المعدن برّاقًا مصقولاً. ولم أشكُّ يومًا فى رُقىّ الشعب المصرى! وهنا أتكلم عن نُسغ الشعب ومعدنه، وليس عن قشوره السطحية التى طفت على السطح، مثلما يطفو الخَبَثُ الردىء فوق سطح المعدن. وحينما تحتشدُ جريدة «المصرى اليوم»، وكتّابُها، لحملة مستمرة لتوعية الناس بطبيعة هذا الشعب الراقى، فهى إنما تضخُّ مزيدًا من الطاقة فى ذلك النُّسغ العميق، من أجل لَفْظ الشوائب الغريبة، التى تحاول نخْرَ القلب الصحيح الطيب. ويقتربُ عيدُ الحبّ. الحبُّ بمعناه الأشمل الصحيح. الحبُّ كما أرشدنا إليه أفلاطون فى مثلثه المعروف: الحقُّ- الخيرُ- الجمال. وكما أرشدتنا إليه جميعُ الديانات السماوية والوضعية على حدٍّ سواء. ولذلك حينما سُئل الرسول محمد (ص): «أنَهْلَكُ وفينا الصالحون؟» أجابَ: «نعم، إذا كَثُر الخَبَث!» والخَبثُ لم يكثر فى شعب مصر بعدُ، والحمد لله. لايزالُ النسغُ طيبًا رائقًا، وسيظلُّ. فالدول ذات الحضارة، تعرفُ كيف لا تسمح للزمن أن ينال منها، وإن أصابها منه بعضُ الوهن، فتحوّل تجاعيدَ وجهها فتنةً وصِبًا، وتعيد بناء نسْغها الممشوق. وهل أكثرُ حضارةً وعراقة من مصر؟! وهؤلاء، مجموعةٌ من شباب مصر المثقف، قرروا أن يحتفلوا بعيد الحب القادم، الأحد 14 فبراير، على نحو أكثر فاعلية وجمالا. فى تمام السابعة مساءً، ولمدة ساعة، وبالمواكبة مع جلسة محاكمة قتلة نجع حمادى، وفى تزامن مع ذكرى «الأربعين» للقَتلى الشهداء، سيضيئون «شمعةً مصريةً». يقفون على دَرَج نقابة الصحفيين شاهرين علمَ مصر، ثم يُطلقون للفضاء حمامات سلام، على رباعيات صلاح جاهين وصوت محمد منير. فتكون تلك الشمعةُ المصريةُ هديةَ عيد الحب لقلب كل مصرى يعرف أنه خُلق ليكون إنسانا. أدعو كلَّ مصرىٍّ شريف للمشاركة فى هذه الوقفة النبيلة. هى وقفةٌ مثقفةٌ صامتةٌ كما الشموع. فالشمعةُ مثقفةٌ. فى صمتها تقول ما لا تقوله أجملُ قصائد الشعر وأبلغُها. تعرفُ الشمعةُ الضئيلةُ الصامتةُ كيف تمزّقُ سُتُر الظلام الكثيف من حولها. ويعرفُ المصرىّ كيف أن حُبَّ الله يبدأُ بحبِّ مخلوقاته، وأن حبَّ مصرَ يبدأ من حبِّ أبنائها. أما غلاظُ القلوب فليسوا إلا خَبثًا لن يلبث أن يتبددَ، ليصفو لنا وجهُ مصرَ، رائقًا نيّرًا، كما قَدَّرت لها السماءُ أن تكون. [email protected]