أحاول اتخاذ قرار التراجع والهبوط من منتصف الطريق! لحظة جسدت حياتى، وأنا أقف معلقة على جبل سرابيط الخادم، تسبقنى كل فرق «البنات» التى تتراقص أعمارهن ما بين الشتاء والخريف إلا بعضهن، لكننى مع الأسف فى نهاية الركب الصاعد.. معلقة مثل آخر عنبة فى العنقود! لم ألتفت إلى الورطة التى أوقعت نفسى فيها وأنا أشجع الكل للاستمرار والصعود حتى وجدتنى وحيدة فى نهاية الصف تماما، مثلما حدث فى مشوار العمر.. كانت لحظات الوصل مع السماء وسط موجات من التسبيح والدعاء والاستغفار هى سلوتى وأنا مثل الطفل التائه، إلى أن وجدت بجانبى ابن الشيخ بركات، وهو فى عمر ابنى من شباب صحراء مصر، كان قد لحقنى فى دقائق! سنستمر.. قالها وهو يمد يده ويتخذ القرار! بدأ فى الشرح وكأننا فى رحلة إلى حديقة الزهور! أمامنا جبال التيه التى تاه فيها يهود موسى 40 عاما، ومن ورائنا البحر الأحمر على بعد 80 كيلو مترا، وانتى صعدتى 1400 قدم يا أمي! قالها بفخر تشجيعا!! وباقى مثلهما!.. يا نهار إسود؟؟ قلتها فى سرى حتى لا أصيبه بخيبة أمل.. وقد هبطت المعلومة على رأسى مثل الخابور أو الخازوووق!!.. استكمل حديثه بحماس ولم ينتظرنى حتى لألطم الخدود!!.. فوق.. ستجدين معبد حتحور.. واحد من أهم المعابد.. حتحور رمز الفيروز، حيث يكمن السر والتى سميت سيناء باسمها أرض الفيروز.. اختلط عليَّ الخيال بالواقع لتثبت لى الحياة أن الواقع أحيانا يكون أكثر خيالا من الخيال نفسه!.. استمر ابن «الشيخ بركات» فى الحكى عن شيخ القبيلة، والده الذى تصدى لليهود أيام الاحتلال ليمنعهم من نهب المعبد كله ووقف وقفة مصرى حر «لموشى ديان» كما يقول ليعيد رأس تمثال حتحور التى سرقها من فوق الجبل بطائرة هليكوبتر، بعد أن هددهم الشيخ بالمنع من الاقتراب رغم الاحتلال!. وأنه سيقطع قدم من يجرؤ منهم على القدوم إلى الجبل.. إن هذا الجبل يتصدر جبال سينا ويحوى بداخله كنوزا من الفيروز والنحاس وبداخله العديد من المناجم.. وفى إحدى البرديات كتب أن رمسيس الثانى والثالث كان لا يتوج ولا يمسك الصولجان إلا بعد أن يحج إلى ذلك المعبد ويقدم الهدايا والقرابين لحتحور الجميلة!.. ويبدو أن يهود العالم يريدون الاقتداء برمسيس! قالها ساخرا!.. هنا توقفت وطلبت بعد أن عبرت عدة منحنيات وشعرت أن الهبوط والصعود قد اختلطا عليَّ!.. جرعة ماء وتفسير؟ ما سر اهتمام اليهود بهذا الجبل بالذات؟ رد عليّ ابن الشيخ بركات، شيخ القبيلة التى احتضنت سرابيط الخادم أثناء الحرب ومن بعدها الاستنزاف. السر الحقيقى وراء تمسك اليهود بالجبل، هى مناجم النحاس والفيروز التى يمتلئ بها الجبل والجبال من حوله، لكنهم يدعون: إن هذا هو جبل موسي! لكن الحقيقة أن هذا الجبل يمتلئ بخامات حجر الفيروز، واليهود يرون أنه أولى بالحج من جبل سانت كاترين!.. هنا وبحسم قاطعته وأنا أزداد حماسا فى الصعود. بل نحن المصريين أولى.. ولتكن حجتنا تثقيفية تاريخية لنعرف أرضنا وحبيبنا من عدونا. لمزيد من مقالات دينا ريان