«تتباهى بلاد العالم بمئات السنين فى تاريخها، أما أنتم» قاصدا مصر«فمن حقكم أن تفخروا بآلاف السنين منذ ميلاد الحضارة الفرعونية الملهمة فى فجر التاريخ»... هكذا تحدث رئيس البرتغال مع الدكتور مصطفى الفقى عندما زار الأخير لشبونة بوصفه مدير مكتبة الإسكندرية، إنها مصر التى يعشقها القريب والبعيد، والتى تتم دراسة تاريخها فى البلاد المتقدمة بتفصيل أكبر وأكثر عمقا من دراستنا نحن له. مصر كانت وستظل أجمل بلاد الدنيا.. «لحظة من فضلكم» تخيلوا مصر 1925 وهى ترفع يديها إلى السماء فرحة بجائزة أرقى وأنظف عاصمة فى العالم... مصر التى يتمخطر فى قلبها نهر من أنهار الجنة هو نهر «النيل»، وتتباهى بآثارها وكنوزها وتفردها الثرى بامتلاك أهم عجائب الدنيا السبع «الأهرامات»، مصر التى تملك كل مقومات «الصبا والجمال» ولكن.. وآه من لكن!! تم بث روح الخمول والكسل فى نفوسنا من زمان وغاب القانون، فترهلت المؤسسات وضعفت المحاسبة، فتوارى جمالنا وتفردنا وراء تراب الإهمال، حتى الصبايا انحازوا للاتكالية اللعينة التى تغرى بالتمدد على شاطئ اللامبالاة وتوابعه من معوقات تفرمل حماس وإرادة وعمل كل إنسان يبالى بالوطن، والسؤال: ألا نستحق ونحن نملك كل مقومات الجمال أن نتذوقه ونعيشه، أين حديقة الأزبكية، ولماذا أهملت وذبل وردها؟ ألم تكن منارة للفرحة وسماع أحلى الألحان بموسيقى يتم إعدادها بهمة لإسعاد الشعب فى الشوارع والميادين، كيف نترك حديقة الأورمان والأسماك والحيوان للامبالاة ونترك تألقها الذى كان ينطفئ ونكتئب مما أصابها؟.. إن شوارعنا فى الأفلام القديمة هى عنوان رقى شعب يتذوق الجمال ويعيشه.. وبها نظافة مكان ورقى لسان، وحتى الصوت والصورة فى الأفلام القديمة كانا أكثر وضوحا»... ولا خضوع لمبررات واهية عن زيادة السكان.. لقد تركنا المسألة السكانية بلا ضوابط، وفتحنا باب غوغائية زيادة النسل لتتكاثر بلا وعى، ولا إدراك لمسئولية الإنجاب وتربية الأطفال بقوانين تشجع على الزيادة بدعم بلا وعى.. لقد قال د. عمرو حسن مقرر المجلس القومى للسكان إننا نزيد بمقدار «دولة جديدة» كل عام، وأن أعلى عشر محافظات خصوبة هى الأكثر فقرا... هذا كلام خطير، وإذا نظرنا إلى أفراد الدولة سنجد أن الغالبية تفتقد الكفاءة الفكرية واتزان اللياقة الإنسانية، وهذا ينعكس على سلوكيات الشعب، وعدم حرصه على الجمال وتذوقه.. ألا نستحق أن نحيا مرتاحين فخورين، بمصرنا ونتجول فى ربوعها بأريحية وفخر بأم الدنيا.. نريد إعلاما يتم اختيار أفراده بالكفاءة، وليس الواسطة، لبث روح جديدة فى النفوس الناعسة، روح تتمسك بالجمال وتحرص عليه، والاهتمام بالثقافة، فهى نور يضىء البهجة فى النفوس، نفوس تعلى مصلحة الوطن قبل مصلحتها.. فإذا صلح الفرد صلح المجتمع، ولنعلم أن الثقافة ليست معرفة فقط وإنما تعنى أيضا تحسين طرق حياتنا.. كيف نتحدث.. كيف نفكر.. كيف نحترم أعمالنا.. كيف نحل مشكلاتنا.. الثقافة ليست فنونا، بل هى سلوك من سيهتم بإعادة الانضباط ويقضى على «السبهللة» من حياتنا... ثم كيف نستسلم لقيم غريبة علينا... تحرش... إهمال ولا مبالاة بأناقة شوارعنا؟.. أكيد مصر مازالت جميلة، وأكيد شبابها عنوانه مازال «الجدعنة» وأحدثهم الشاب مينا سمير كامل الذى قفز مسرعا لمساعدة فتاة محجبة سرق حقيبتها لص، ولكن اللص الوضيع طعنه وقتله.. إنها الشهامة والكرامة والإنسانية.. فهذا أصلنا.. أما القيم الزاحفة مهلا وخبثا منذ أكثر من ستين عاما من «اللامبالاة» لابد من قطع جذورها بالوعى والمنطق والإعلام والثقافة وعلى «ماسبيرو» أن يهتم ببث رسائل جاذبة هادفة لعلاج كثير من الأفكار والقيم السلبية المقيتة، فبشىء من الوعى والفهم سننجو من هذه الأمراض، وستعود الشخصية المصرية السوية كما كانت دائما. هادية المستكاوى