أثار ما أوضحناه الأسبوع الماضى عن وجود مخاوف من أن يفتح المخطط العمرانى لمدينة العبور الجديدة الباب أمام تغيير نشاط جمعية أحمد عرابى الشهيرة من زراعى إلى سكني، ردود فعل عديدة على مستويات مختلفة. فقد أثار الإعلامى الكبير أسامة كمال الأمر فى برنامجه (مساء DMC)، مشيرا إلى أهمية الحفاظ على الرقعة الزراعية التى أنبتها أعضاء الجمعية بالجهد والعرق وأموالهم الخاصة بالتنسيق مع وزارة الزراعة على مدى سنوات طويلة، واهتمت إحدى الجهات المسئولة بما نشرناه وطلبت بعض التفاصيل وأكدت أنه لن يتم تحويل أراض مزروعة إلى سكنية تحت أى ظرف من الظروف. كما اتصل الفنان محمد ثروت وهو عضو بالجمعية ومجلس إدارتها ووجه لنا الدعوة لزيارة الجمعية، موضحا أن هناك مساحات كبيرة مزروعة بالمانجو والمحاصيل الأخرى إلى جانب الثروة الداجنة والحيوانية، وأن الأعضاء قاموا بعمليات استصلاح الأراضى ومد المرافق على نفقتهم الخاصة، ولا يمكن التضحية بهذه الثروة الزراعية وتحويلها لمشروع سكني. واتصل أيضا الدكتور أحمد زكى عضو مجلس إدارة جمعية أحمد عرابى مؤكدا عدم صحة بعض المعلومات المنشورة، وأهمية إيضاح البعض الآخر لتكتمل الصورة، وقد طلبت منه إرسال ردا مكتوبا إذا شاء فهذا هو حقه القانوني، فقال إنه سيعود إلى المستشار القانونى للجمعية وهو الذى سيقرر هذا الأمر، ولم يصلنى بعدها أى رد رسمى حتى لحظة كتابة هذه السطور. وما أسعدنى فى مكالمة الدكتور أحمد زكى هو تأكيده أنه لا نية على الإطلاق لتحويل نشاط جمعية أحمد عرابى من زراعى إلى سكني، وأن أى مخطط تفصيلى سيلتزم بالحفاظ على الواقع الحالى وأراضى الأعضاء، واتفاقه معى على أنه من غير المعقول التضحية بالرقعة الزراعية التى أنفق عليها أعضاء الجمعية الكثير من الجهد والمال. والحقيقة أن الهدف الوحيد مما طرحناه الأسبوع الماضى كان هو التنبيه لأهمية الحفاظ على النشاط الزراعى لهذه الجمعية المهمة، وعدم جواز تحويل الأراضى المزروعة إلى مشروعات سكنية تحت أى ظرف من الظروف، لأن ذلك أمر غير دستورى ويخالف القانون، ويشكل جريمة وتهديدا للأمن القومي. أما ماعدا ذلك من خلافات داخل الجمعية فأمر لا يعنينا ولسنا طرفا فيه، ونترك أمره للقضاء المصرى الجليل الذى لا يستطيع أحد أن يشكك فى نزاهته. ومشكلة تقلص الرقعة الزراعية فى مصر أكبر وأشمل من هذا الموضوع، وتحتاج إلى عناية خاصة من جميع المسئولين، وقد سبق أن حذر الرئيس عبد الفتاح السيسى من خطورة التعدى على الأراضى الزراعية، قائلًا إن التعدى على الأراضى الزراعية أمر منتشر فى مختلف أنحاء الجمهورية ولابد أن نعى خطورة ذلك. وقال الرئيس خلال حضوره فعاليات افتتاح مشروع الطريق الدائرى الإقليمى وعدد من مشروعات محاور النيل والطرق والكباري: «ادرسوا الوضع لمواجهة النمو العشوائي، وهذا الكلام لجميع الوزارات».. أنا بتكلم عشان بلدنا.. وعشان نوفر الصرف الصحى وشبكة الكهرباء والطرق، ومش هينفع نعيش كدا.. الكلام للدولة والمحافظين والداخلية والقوات المسلحة والإسكان، مش هينفع نعيش وننمو بالشكل مع كل الجهد الذى نقدمه.. ولو الأمر تطلب عمل مبان داخل القري، فلنأخذ المبادرة ونعمل حساب الطرق والمياه ونعرض الأمر على الناس، وأضاف: االتعدى ده موجود على معظم الأراضى الزراعية فى مصر، ولو أى حد خد طيارة ولف على الأرض الزراعية سيجد حجم تعد غير طبيعي، رغم وجود شبكات الرى والصرف التى تصل تكلفتها للمليارات.. نحن نفقد أجود أنواع الأراضي». والخبراء يؤكدون بالفعل أن التعدى على أراضى النيل يفقدنا مساحات كبيرة من أراض ذات خصوبة عالية، واستبدالها بأراض مستصلحة يكلف الدولة قيمة مرتفعة لاستصلاحها ولاتعطى نفس الجودة والإنتاجية للغذاء، فمصر تفقد كل20 عاما مليون فدان أراض زراعية خصبة، بما يعادل50 ألف فدان فى العام الواحد بسبب التعديات على أراضى النيل بالردم والتجريف أو البناء عليها. كما أكدت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى أن الدولة حريصة على المحافظة على الرقعة الزراعية على مستوى الجمهورية من التعدى بالبناء عليها باعتبارها قضية أمن قومي، كما أنها من الدعائم الأساسية لضمان الأمن الغذائى للبلاد، وتخفيف العبء عن كاهل مرافق الدولة، خاصة بعد إصدار القانون رقم 7 لسنة 2018 والخاص بتشديد العقوبة بالحبس على المتعدين بالبناء على الأراضى الزراعية، بعد موافقة مجلس النواب عليه. وكشفت الوزارة عن أن إجمالى التعديات بالبناء على الأراضى الزراعية منذ 25 يناير 2011، وحتى 11 مارس الماضي، وصل إلى 1851674 أى أكثر من مليون و800 ألف حالة بمساحة تصل إلى 82447 فدانا، وهذا حجم عال من التعدى على الرقعة الزراعية على مستوى الجمهورية. كل هذه الأرقام والتصريحات توضح خطورة عمليات تقليص رقعة الأراضى الزراعية التى تجرى بمسميات وأساليب مختلفة، وتصل فى النهاية إلى نتيجة واحدة تهدد الأمن القومى المصري. وإذا كانت الدولة تعمل أقصى الجهود من أجل التوسع فى عمليات استصلاح الأراضى سواء من خلال مشروع المليون ونصف المليون فدان أو غيره، فإننا بحاجة أيضا إلى التوسع فى استخدام تكنولوجيا نظم الرى الحديثة، خاصة فى ظل نقص موارد المياه، وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه النظم لا يؤدى فقط إلى توفير كميات المياه المستخدمة، ولكن يؤدى أيضا إلى تحسين إنتاجية الفدان، مع الاتجاه العام إلى نظام الرى بالتنقيط الذى يتميز بالتقليل من استخدام المياه، وعدم إهدارها عن طريق البخر أو التسرب فى مياه الأرض، والمساعدة فى مقاومة الحشائش الضارة وذلك لتوزيع الماء فى أماكن محدودة حول النبات، وإمكانية إضافة الأسمدة والمخصبات مع مياه الري، وتهيئة الرطوبة المناسبة للنبات فى الوقت المناسب مما يزيد من انتاجية المحصول. إن العمل من أجل زيادة الرقعة الزراعية فى مصر هو السبيل الوحيد لتوفير الأمن الغذائي، وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الخضراوات والفواكه، وزيادة حجم التصدير منه، ولن يتسنى لنا الوصول إلى ذلك إلا عبر سبليين اساسيين هما: مقاومة عمليات التعدى على الأراضى الزراعية وعدم تحويل الأراضى المزروعة إلى سكنية تحت أى ظرف من الظروف، والتوسع فى عمليات استصلاح الأراضى باستخدام تكنولوجيا الرى الحديثة، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من كميات المياه المتاحة. ودون ذلك سيبقى الأمن القومى المصرى معرضا للخطر. لمزيد من مقالات فتحى محمود