يعتبر الملف الاقتصادي من أهم تحديات الحكومة الجديدة. ويزيد من حرج هذا التحدي أن رئيس مجلس الوزراء الجديد يأتي من خلفية فنية ليس لها علاقة بالإقتصاد الكلي. وإن اشتهر عنه قدراته الإدارية والتنظيمية, وتعرضه في السابق, لقضايا ترشيد استغلال الموارد المائية, وتعظيم العائد من الاستثمار, وهي كلها قضايا اقتصادية وإن كانت علي المستوي القطاعي, أو علي مستوي المشروع الواحد. ويثور التساؤل هل ستكون الوزارة الجديدة قادرة علي تقديم حلول سريعة ومبتكرة للكثير من المشاكل الاقتصادية الكبري التي لم تفلح حكومة الجنزوري في علاجها بالرغم من خبرة أعضائها في مجالات الاقتصاد والتخطيط, واتساع أفقهم التخطيطي. برغم جنوح بعض المحللين الي اعتبار أن كل التحديات تستأهل معالجة سريعة, إلا أن علم التخطيط يتطلب أن نرتب أولوياتنا حسب حدتها, حتي يمكن لنا توفير الموارد المادية والمالية الكفيلة بحلها. و نعتقد أن معالجة البطالة هي التحدي الأكبر للحكومة الجديدة. ومن المناسب أن تتوحد الجهود نحو هدف واحد ألا وهو خلق فرص عمل وزيادة تنافسية الاقتصاد المصري عن طريق برنامج سريع لخلق فرص العمل بإزالة عقبات الانتاج والتصنيع, ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويعتبر هدف إيجاد والحفاظ علي فرص العمل من أهم أولويات الثورة المصرية التي نادت بتوفير العيش الكريم والعدالة الاجتماعية, ويعني هذا ببساطة إتاحة فرص العمل المنتج والمجزي للجميع وتوفير وظائف تقوم علي الاحتياج الحقيقي للعمل بدون واسطة أو زلفي. وهو ما يعني زيادة إنتاجية العاملين الحاليين وامتصاص نسبة من العاطلين, مع إيجاد فرص عمل للداخلين الجدد الي سوق العمل. نظرا لحدة أزمة البطالة وما تمثله من تحد سياسي واجتماعي نضعها علي قمة اهتمامات الحكومة, وتحتاج الي برنامج سريع يتصف بالمبادرة والهمة. ويجب أن يتصف البرنامج المقترح بالواقعية والتكامل. فهذا ليس وقت بداية مشروعات عملاقة جديدة تحتاج الي مليارات الجنيهات, وإنما الهدف هو تشغيل الطاقات الإنتاجية القائمة, واستكمال النواقص البسيطة التي تحرك الإنتاج, تماما مثل إضافة إطارات جديدة لسيارة مهملة بدلا من شراء سيارة جديدة. والغرض من هذا البرنامج القضاء علي الهدر واستغلال الطاقات العاطلة, واستخدام ما لمصر من خبرة وقدرة في تشغيل عقولها وسواعدها. ونقترح العناصر التالية لهذا البرنامج: الحفاظ علي الصناعات القائمة عالية الاستخدام للعمالة, وسرعة عودتها للتشغيل الكامل, وأولها صناعة المنسوجات, السياحة, والبناء, والتشييد. ويجب التشاور مع أهل المهنة في اتحاد الصناعات والاتحادات النوعية الأخري نحو وضع البرامج المناسبة لتحقيق هذه الغاية. وتحتاج بعض هذه الصناعات المعطلة الي استثمارات إضافية, أو تدبير تمويل من البنوك لشراء مواد خام, أو الحصول علي إعفاءات ضريبية مؤقتة. ومن ذلك ما استفاد به قطاع السياحة من تأجيل لفوائد الديون, أو إعادة جدولة القروض. وكذلك يجب علي الدولة أن تظهر الكثير من الحزم تجاه كل القوي التي تعطل الإنتاج أو تقطع الطرقات. فهذا ليس وقت هزل أو ترف. بل إن القضية بالنسبة للاقتصاد المصري هي قضية حياة أو موت. ومع تفاقم الاعتصامات الفئوية يجب علي الدولة أن تتدخل كوسيط مؤتمن يساعد علي تسوية النزاعات وفض الاعتصام; بأقل تكلفة, وأسرع وقت. زيادة الإنفاق الحكومي علي المرافق الأساسية التي تولد فرص عمل وزيادة تنافسية الاقتصاد المصري. ومن ضمن المشروعات المقترحة تحسين خدمات النقل العام, والبنية الأساسية في الريف وبالذات من صرف صحي وطرق فرعية. وتشجيع الصناعات الصغيرة وتخفيف عبئها الضريبي وتوفير التمويل اللازم لها. وتعتبر الصناعات الصغيرة من أنجح سبل تشغيل الشباب. ويحتاج هذا القطاع الي اهتمام أوسع من المحاولات المتواضعة التي تبناها الصندوق الاجتماعي. فتح مجالات الهجرة والعمل في الخارج بناء علي استراتيجية مبتكرة تستفيد من علاقات مصر الجديدة. ولعل زيارة الرئيس محمد مرسي لكل من السعودية وإثيوبيا تعطي مؤشرا لمثل هذا التوجه. فالسوق السعودية تستوعب ما يزيد علي مليون ونصف المليون عامل مصري. ومن الممكن ترقية فرص العمل في هذه السوق عن طريق التدريب والتأهيل, وتوفير ظروف تشغيلية أفضل بتنظيم عمالة الأطباء والمحاسبين والمهندسين وهي الفئات الأكثر قبولا في أسواق الخليج. وكذلك شجع الرئيس رجال الأعمال بالانطلاق في الأسواق الإفريقية وإيجاد فرص عمل إضافية للشباب.