عرض الدكتور طارق شوقى، وزير التعليم ، رؤية شاملة لتطوير المنظومة التعليمية بمصر، أحد جوانب هذه الرؤية تعلق باستخدام التابلت، أو ما يطلق عليه باللغة العربية الأجهزة اللوحية فى العملية التعليمية، وبدأت الوزارة بالفعل منذ أيام توزيع بعض هذه الأجهزة على المدارس لتسليمها للطلاب، وإدخال شبكة الإنترنت اللازمة لاستخدامها. هذه الخطوة سوف تمثل بالتأكيد ثورة فى العملية التعليمية، ولكن ونحن نبدأ هذه الخطوة علينا أن نعرف طبيعة الجدل الذى يدور فى العالم بين خبراء التعليم حول هذا الموضوع، والذى يمكن تلخيصه فى النقاط الثلاث التالية: أولا: هناك فريق كبير يؤيد بشدة استخدام التابلت فى العملية التعليمية، وذلك للعديد من الأسباب، أهمها أنها أداة تكنولوجية سهلة وتتيح للطالب الاستفادة من آلاف التطبيقات التعليمية ومقاطع الفيديو التى تساعده على التحصيل الدراسى، كما أنها تمثل فى حد ذاتها تدريبا للتلميذ على استخدام الكمبيوتر والتكنولوجيا الحديثة فى سن مبكرة، كما تتماشى مع أسلوب الحياة للكثير من الطلاب الذين يستخدمونه بالفعل حتى قبل سن دخول المدرسة. كذلك يتيح التابلت التواصل ليس فقط بين المدرس والتلميذ ولكن أيضا أولياء الأمور، ويسهل عملية تقييم الطلاب، كما أنه يسهم فى تخفيض تكاليف الانفاق على التعليم سواء المتعلقة بالاستخدام الكثيف للأوراق، أو المرتبطة بطباعة الكتب المدرسية، والتى تستبدل بنسخ الكترونية، يتم تحميلها على هذا التابلت. ثانيا: هناك وجهة نظر أخرى تتحفظ على استخدام التابلت فى العملية التعليمية، ويشير البعض هنا الى عنصر التكلفة المالية الخاصة بشراء التابلت سواء بواسطة الدولة أو أولياء الأمور، أو التحدى المتعلق بتدريب المعلمين وليس فقط الطلاب على الاستخدام الأمثل لإمكاناتها. إلا أن التحفظات الأساسية تتعلق بالتأثير السلبى لاستخدام التابلت على عقول التلاميذ وخاصة فى السنوات المبكرة. وجهة النظر التى يطرحها بعض المتخصصين فى التعليم والعلوم العصبية، ومنهم ماريان وولف، الأستاذة بجامعة كاليفورنيا، والتى أصدرت منذ شهور قليلة كتابا مهما حول هذا الموضوع عنوانه «أيها القارئ عد الى بيتك: العقل والقراءة فى العالم الرقمى» أشارت فيه إلى أن القراءة على الشاشة الإليكترونية (التابلت) وليس من الكتاب المطبوع تؤثر على القدرات العقلية وخاصة فى السنوات الاولى للتعليم، وأن التابلت لا يساعد على التركيز والقراءة المتعمقة لأنه يرتبط بنمط القراءة السريعة، أو قراءة القشور skim ، وبالتالى - وبعكس الكتب المطبوعة - لا يتيح فرصة كافية للتأمل، أو الاستدلال و توليد أفكار أو آراء خاصة بالقارئ، ويجعله عرضة بعد ذلك للمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة. وأشارت بعض الدراسات التطبيقية الى أن القراءة الإلكترونية كانت وراء عدم قدرة بعض الطلاب على التحليل النقدى وفهم تعقيد الأفكار والحجج فى النصوص. وأوضحت دراسة أخرى تجنب بعض الطلاب للكلاسيكيات الأدبية لأنه لم يعد لديهم صبر لقراءة نصوص أطول و أكثر كثافة فى الأفكار (هل سيصبر طلابنا على قراءة العقاد أو طه حسين على التابلت؟). ثالثا: هناك وجهة نظر أخرى تتعاطف مع وجهة النظر الثانية، ولكنها فى نفس الوقت ترفض التخلى عما تقدمه التكنولوجيا الحديثة للعملية التعليمية، وترى أن المسألة ليست القراءة الإلكترونية فى مواجهة أو بديل القراءة المطبوعة، وأن العقل البشرى يمكن أن يتكيف مع الأمرين ويستفيد من مزايا الاثنين فى نفس الوقت، ولكن من المهم تدريبه على هذا الأمر منذ سنوات مبكرة. باختصار فإن الأجيال الكبيرة فى السن تستطيع الانتقال بين القراءة على الشاشات الإلكترونية والقراءة من المصادر المطبوعة بسهولة، وربما بنفس درجة الاستيعاب، والسبب فى ذلك أنها تدربت منذ البداية على القراءة من الكتب المطبوعة. واليوم ونحن ندخل تكنولوجيا التابلت فى العملية التعليمية علينا أيضا أن نتيح للطالب فرصة تدريب عقله على القراءة المطبوعة وخاصة فى سنوات التعليم الأولى وقبل أن يجرفه التيار الإلكترونى، وفى المواد التى تتطلب قدرا من التفكير والتأمل وتكوين وجهات النظر الخاصة. فالعبرة فى النهاية ليست بامتلاك أدوات التكنولوجيا ولكن فى القدرة على تطوير التفكير والمهارات. لمزيد من مقالات محمد كمال