* أولياء أمور : بعض المدارس الخاصة تحصل على ضعف ثمن الجهاز بالمصاريف السنوية * الخبراء : الفصول تحتاج وصلات كهربية وتجهيزات إلكترونية وإنترنت ومسئولى صيانة * الوزارة تعتبر الدراسة بالتابلت أهم من إعداد وتدريب المعلم * فشل تجربة التابلت قبل 4 سنوات وتبديد 340 مليون جنيه على الأجهزة
عندما أعلن الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم منذ نحو أسبوعين خطته لتطوير نظام التعليم، والتى يعتمد فيها على أداة التابلت إجباريا فى الأداء التعليمى بين الطالب والمعلم، كانت الخطة تتضمن توزيعه على جميع طلاب الصف الأول الثانوى العام مجانا بما فيها الخاص، لكن سرعان ما تراجع الوزير عن تصريحه ليقتصر منح الجهاز على طلاب المدارس الحكومية، مما أوقع طلاب المدارس الخاصة واللغات فى مأزق كبير، حيث حددت مدارسهم سعرا للتابلت يضاف للمصروفات المدرسية إجباريا بمعدلات إضافية، مما يمثل عبئا جديدا على أولياء أمور طلاب هذه المدارس الذين صدمتهم بعض المدارس بدفع 3 آلاف جنيه ثمنا للتابلت ووقعوا فى أزمة جديدة تضاف لدفع الشريحة الزائدة فى مصروفات المدرسة، فى الوقت الذى لم تستعد فيه الوزارة لوضع البنية الأساسية بالمدارس الحكومية من سبورات الكترونية أو سماعات مناسبة أو حتى وصلات كهربية للأجهزة وشحنها، وهو مايستحيل معه التنفيذ على الأقل فى الفترة حتى سبتمبر القادم.
وثارت التساؤلات حول قرار وزير التربية والتعليم فى تحديد من سيتحمل تكلفة التابلت لطلاب المدارس الخاصة، فالقرار مفاجئ، وليست هناك مقدمات أو نشرات للإدارات التعليمية لمعرفة خطة الوزارة، والتى اعتمدت لها نحو 37 مليار جنيه بدعم جزئى من البنك الدولي. تجربة سابقة يقول محسن حمدى والد طالب بالثانوى الخاص بالجيزة إن له تجربة سابقة مع مدرسة ابنه التى وفرت التابلت بمبلغ 2500 جنيه رغم أن سعره وقتها كان 1500فقط، وطلبت المدرسة سداد المبلغ مقدما فى بنك معين قبل دفع المصروفات المدرسية التى تبلغ 5 آلاف جنيه أى أن المدرسة حصلت على 50% من قيمة المصروفات، ومع ذلك انتهى العام الدراسى بالكامل ولم يستفد الأولاد من التابلت إلا فى الألعاب، وثبت فعليا أن التابلت ليس هو التطوير والتعليم بل «علامة على الاستغلال والجشع»، وهو الأمرالمتوقع فى العام القادم أيضا، لأن معظم المدارس الخاصة لم تستعد تماما لاستخدامه من حيث توفير المعدات التكنولوجية اللازمة لتشغيله فى الفصل الإلكترونى المفتوح فلا المدرسون يعرفون التكنولوجيا ولم يجدوا من يدربهم، وثبت عمليا أنه لا لزوم له، فهناك الكتاب المدرسى الذى تسلمه الوزارة للطالب وهو اعتراف حقيقى بأن فكرة التابلت فاشلة، فالمنهج محدد بالكتاب الذى يتعامل معه الطالب ويتعامل من خلاله المعلم، إضافة للكتاب الخارجى الذى تفوق على جميع وسائل التحصيل وارتباطه بالدروس الخصوصية التى ستتضاعف مع النظام الجديد لوجود أربعة امتحانات للمادة الواحدة بفروعها فى السنة الدراسية، فلن تكون هناك فائدة عملية من التابلت، خاصة وأن الهيكل التنظيمى للتنفيذ غير واضح حتى الآن . أعباء إضافية بالتابلت وتضيف سناء الشامى والدة طالبة فى مدرسة خاصة بمصر الجديدة أنها تدفع لابنتها نحو 20 ألف جنيه مصروفات دراسية فى السنة ومشتملاتها، إلا أن القرارات الجديدة جاءت لتلقى عبئا إضافيا على أولياء الأمور، فهى تفضل النظام التقليدى حتى وإن كان قديما لأنه قابل للتطبيق وليس فكرة قريبة من الخيال لعدم وضوح الرؤية، والمشكلة لا ترتبط فقط بثمن التابلت فهناك مشكلات أخرى متعلقة به كالصيانة الدورية، وتعرضه للتلف أو السرقة أو الضياع، فيتعطل الطالب دراسيا، وفى كل تلك الأحوال يتعرض ولى الأمر للاستغلال من كل الأطراف، فى الوقت الذى لم يتخذ الوزير فيه وسيلة للتفاهم مع أولياء الأمور ليعرف الواقع المدرسى على الطبيعة. عبء كبير وأشار سعد مهلل الخبير بالتعليم إلى أن الوزارة أصلا متعهدة بتوفير جهاز التابلت لكل طلاب المدارس الحكومية مجانا، وقد تلتزم بتوفير جهاز للطالب فى كل عام دراسى فى الثانوية العامة الجديدة وفى الوقت ذاته سيلتزم الآباء بدفع قيمة إضافية للمدرسة الحكومية، أو بالتعليم الخاص للمصروفات المدرسية بمسمى التابلت، فالطالب سيحتاج تابلت كل عام وهذا عبء كبير، لن تتحمله الدولة بعد أن اعتمدت 2 مليار دولار للتطوير، لصناعة مليون تابلت توزع منها نصف مليون على طلاب الصف الأول الثانوى والباقى على المدرسين والموجهين والمديرين، ولا نعرف لماذا يحصل كل منهم على جهاز لا علاقة له بما فيه، فالطالب لن يستطيع المحافظة عليه لمدة تزيد على العام.. وكان الوزير قد أكد عدة مرات أن الوزارة ستوفر التابلت هدية للطلاب مرفقا به شريحة الإنترنت، وأن الطلاب لن يدفعوا أى مبالغ إضافية، ثم تراجع عما صرح به تهربا من تحمل تكلفته للمدارس الخاصة، مما يعنى صراحة أن الآباء سيتحملون تكلفة التابلت ومشتملاته كاملة وما يترتب عليه من استغلال المدارس الخاصة تحت مسميات التكلفة والتصليح والصيانة والاستبدال، وبالطبع وحسب مواصفات الوزارة لا بد من إلزام أولياء الأمور بنوع محدد من الأجهزة والسوق تفرض السعر ليكون نظام التشغيل بينها واحدا، وهل يمكن أن يتاح الشراء من أى مكان؟ فالوقت ضيق للتحضير لتطبيق التكنولوجيا، ولا توجد خطة على أرض الواقع لتدريب المدرسين بالمدارس الحكومية والخاصة. الخطأ الفادح من جانبه أكد الدكتور حسنى السيد أستاذ البحوث التربوية أن مشكلة الوزارة أنها لاتهتم بالمدرس وخريج التربية تحديدا وتتجه لمفهوم أن التابلت هو المعجزة، كما لو أن هذا الجهاز سيتولى التعليم والتربية والأنشطة وكل العملية التعليمية، ونضرب للوزير مثلا فيما حدث منذ 4 سنوات، عندما بادر الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم الأسبق بتوزيع جهاز التابلت على طلاب الثانوية العامة والفنية فى 6 محافظات حدودية بديلة للكتاب المدرسي، ومالبث بعد شهرين أن تلقى استغاثات من الإدارات التعليمية بهذه المحافظات بطلب الكتب المدرسية لأنه ثبت فشل استخدام التابلت وبعد مشاحنات اضطر الوزير للموافقة على إرسال الكتب مع استعادة التابلت من الطلاب وهو ما لم يحدث وقيدت قضية تبديد للوزير بضياع 340 مليون جنيه قيمة الأجهزة، لذلك يجب أن تستفيد الوزارة من هذا الخطأ الفادح لأنه فى هذه المرة سيضيع على الدولة أكثر من 35 مليار جنيه، 25% منها دين بقرض من البنك الدولى أما الفكرة الخيالية فى المشروع أن تشغيل التابلت فى الفصل الواحد يحتاج 40 وصلة وفيشة كهرباء، وهى عادة تكون واحدة فقط فى مكتب المدير، فالتابلت الهدية الذى ترصده الوزارة لكل الطلاب مجانا تعتبره الوزارة «معجزة» قبل تدريب المدرس الذى يستخدمه فى الشرح والتدريب والاختبار والعمليات المعقدة الأخري، بينما الفترة المتاحة القادمة لبدء التنفيذ، لو فرض أنها بدأت الآن لن تكفى شيئا فى مقياس التعليم والتعلم، ناهيك عن برامج المادة الدراسية ومحتويات برنامج الوزارة، وأسئلة الامتحانات ومتابعتها من إرسال واستقبال، وهو ما يستدعى الحكمة والتروى فى تنفيذ البرنامج الجديد، لتبدأ الوزارة فى وضع البنية الأساسية لتكنولوجيا التعليم فى كل أركان حجرة الدراسة من وسائل سمعية وبصرية إلكترونية، وإعادة النظر فى قرار إلغاء مادة الكمبيوتر على تلاميذ الصف الثالث الإعدادى . أما الدكتور جمال شيحة رئيس لجنة التعليم بمجلس النواب فيرى أن ما يحدث من تطوير غير منطقى فالتعجل فى خطة التطوير وتطبيق تكنولوجيا التعليم بما فيها نظام التابلت يحتاج إلى حوار مجتمعى وترتيب، وتدريب المعلمين، فكيف نتحدث عن التابلت مع ارتفاع نسبة الفقر واضطرار الأهالى لإلحاق أبنائهم بالتعليم الخاص ومدارس اللغات حتى لو تعرضوا للاستغلال بدفع مصاريف مبالغ فيها بدلا من مدارس متهالكة وبلا خدمات أساسية للعملية التعليمية، فإن عدم الإعداد الجيد يحول العملية إلى تجارة سريعة المكسب فى ظل عدم التكافؤ بين المدارس الحكومية والخاصة فكيف يكون هناك برنامج متكامل للمناهج الجديدة من خلال التابلت؟ الدكتور بهاء حسب الله أستاذ الأدب الحديث بجامعة حلوان يرى أن الكتاب المدرسى سيظل محور العملية التعليمية فلا غنى عنه حتى لو كان التعليم عن بعد مع توظيف الشبكات العلمية والعنكبوتية وخطوط الإنترنت المعاصرة لتحصيل المادة العلمية ودراسة المناهج واستيعابها والاستغناء عن الفكر التقليدى .. ورغم وجاهة الفكرة وواقعيتها ، إلا أنها لا يمكن أن تناسب طبيعة مجتمعاتنا بنسبة كاملة فلا يمكن أن نهمش دور الكتاب باعتباره مرجعا رئيسا وراسخًا من مراجع المعرفة ، وهنا تكتمل الدلالة بقيمة الكلمة المطبوعة إلى حد بعيد ، وقيمة تأثيرها فى الأجيال والمتلقين والمثقفين ، لذلك فإن تنفيذ المشروع التعليمى الجديد ، والمعتمد على طبيعة التعلم التكنولوجى والالكترونى إلى حد كبير بدءا من العام القادم ، لا يمكن أن تعتبر كثير من مواقع المعلومات مثل بنوك المعرفة فى شبكات الإنترنت مصدرا رئيسا ووحيدا من مصادر المعارف والتحصيل والدراسة والتعليم وذلك لانتفاء صلتها إلى حد كبير بالمصادر والأصول المأخوذة منها ، أو المستقاة من أصولها ، خاصة فيما يتعلق بالمعارف التاريخية والإنسانية وكثير من الدراسات النظرية ، ولهذا يجب توخى الحذر من الاعتماد على الشبكة العنكبوتية مصدرا رئيسيا للتعلم، لأنها شبكة فى حاجة ماسة إلى مراجعة أصولها العلمية ، وتنقيتها على درجة من درجات الوعى .كما أن الكتاب الورقى يوثق الصلة بدراسة العربية عبر الشبكات الالكترونية، وقيمة لغتنا الحقيقية فى المشافهة ، وفى مبدأ التأثير والتأثر فى التعليم المتبادل ، كما أن الوزارة مطالبة الآن أكثر من أى فترة سابقة بإعلاء قيمة الكتاب ليس باعتباره مصدرا معرفيا فقط ، ولكن باعتباره مصدرا أدبيًا وذوقيا وفنيا وجماليا من الدرجة الأولى ، تعلقت به الأجيال عبر مئات السنين ، ثم هل ضمنت الوزارة أن شبكات الإنترنت ميسرة لأن تدخل كل مدرسة وبيت فى بلدنا الكبير المترامى الأطراف؟ الوزارة ترد من جانبه أكد خالد عبد المنعم المدير العام بوزارة التربية والتعليم أنه يجرى حاليا على قدم وساق تدريب المعلمين على نظام التعليم الإلكترونى الجديد ومنه تنظيم التعامل فى الأداء التعليمى عن طريق التابلت ليكون محورا فى المنظومة الجديدة ، وأن الخطة تنفذ على مستوى رياض الأطفال والصف الأول الابتدائى بالتوازى مع الصف الأول الثانوى العام وتم بالفعل تدريب نسبة منهم ويستمر التدريب للمعلمين على كل أجهزة التعليم الإلكترونى ومنها السبورة الإلكترونية ونظام الواى فاى وغيرها حسب الخطة التى تنتهى فى أول سبتمبر هذا العام.
تصريحات متناقضة!
إذا لم يكن تعريب التعليم التجريبى «قرارا» لوزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي.. فما السر وراء موقف الوزير من الانتظار طوال أسبوع ليتفاقم الموقف ويثير موجة واسعة من الاحتجاجات ضده، قبل أن يكشف عن أنه لم يصدر قرارا بهذا الشأن فى تطبيق نظام التعليم الجديد؟! وأنه سوف يطبق هذا النظام على الملتحقين برياض الأطفال والصف الأول الابتدائى فى العام الدراسى القادم فى المدارس الحكومية العربية (والمدارس اليابانية) فقط، ولماذا انتظر الوزير حتى يكشف عن أن مجلس التعليم قبل الجامعى سيناقش فى العام القادم تطبيق نظام التعليم الجديد وسيتشاور مع المدارس التجريبية والخاصة لغات بشأن مستقبل تطبيق النظام الجديد؟! وهذه ليست الواقعة الوحيدة التى تكشف تناقض التصريحات، فهناك واقعة سابقة عندما كشف الوزير فى منتصف إبريل الماضى عن وجود اتجاه لضم التعليم العام والأزهري، على أن تكون المواد الدينية اختيارية، وأن الطالب بالتعليم الأزهرى يحصل على المناهج العلمية المقررة لنظيره بالتعليم العادي، مع المواد الدينية، تمهيدا لدمج النظامين معا، واعتبر الوزير أن هذا سيكون إنجازا جيدا، ثم فوجئنا بعدها بنفى الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر وجود أى حوار أو أفكار حول دمج الأزهر بالتعليم العام، وفى اليوم التالى اضطر الوزير إلى نفى تصريحه، بالرغم من أنه قال كلامه هذا أمام لجنة التعليم بمجلس النواب. واقعة ثالثة عندما أكد الوزير أنه سيتم إلغاء تنسيق القبول بالجامعات بالتزامن مع تطبيق النظام الجديد للتعليم، وعندما هاجمه المواطنون باعتبار أن مكتب التنسيق هو «الملاذ العادل لضمان حقوق الطالب» تراجع عما قاله، ولم ينفها إلا بعد أسبوع من البلبلة التى أحدثتها بين المواطنين وأولياء الأمور.