القمة التى تشهدها العاصمة الصينيةبكين بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس الصينى شى جين بينج، تعد اللقاء السادس بين الزعيمين، وهى أيضا لقاء القمة السابع عشر بين قادة البلدين منذ أول لقاء بين الزعيم جمال عبد الناصر ورئيس مجلس الدولة الصينى «شو إن لاي» خلال الفترة من 18 حتى 24 أبريل عام 1955، على هامش مشاركتهما فى المؤتمر الأفروآسيوى فى مدينة باندونج بإندونيسيا. كما أن زيارة الرئيس السيسى للصين هى الخامسة له خلال أربع سنوات، إلا أن هذه الزيارة تكتسب أبعادا جديدة بالغة الدلالة فى مسيرة العلاقات بين البلدين، وكذلك فيما تحمله من مؤشرات بشأن المستقبل بالنسبة لمكانة كل من البلدين فى منطقتيهما وفى النظام الدولى بكامله. ويرصد تقرير للهيئة العامة للاستعلامات عن زيارة الرئيس الحالية إلى الصين، القمم الأربع السابقة، وكذلك مايميز هذه القمة ويضاعف من أهمية النتائج المرتقبة لها. فقد اختصت القيادة الصينية مصر والرئيس السيسى بأربع دعوات لحضور مناسبات جماعية دولية كبرى استضافتها الصين، بدءا من مناسبة احتفال الصين بعيد النصر الوطنى فى الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، التى حضرها عدد كبير من قادة دول العالم عام 2015، ثم المشاركة فى قمة مجموعة العشرين التى عقدت بمدينة هانغتشو الصينية سبتمبر 2016، ثم المشاركة فى الدورة التاسعة لقمة مجموعة «البريكس» التى عقدت فى مدينة «شيامن» الصينية عام 2017، ثم الدعوة الحالية لحضور قمة منتدى الصين إفريقيا « الفوكاك». أما القمة الأولى التى جمعت بين الرئيسين فكانت من 22 إلى 25 ديسمبر 2014، وذلك فى أول زيارة للرئيس السيسى للصين عقب انتخابه رئيسا للجمهورية، وقد رحب الرئيس السيسى خلال القمة بمقترح الصين بتطوير العلاقات بين البلدين، ووقع البلدان وثيقة إقامة علاقات شراكة إستراتيجية شاملة تضمنت اتفاقيات فى مجالات الاقتصاد والطاقة الجديدة والمتجددة والفضاء. وكانت القمة الوحيدة التى جمعت رئيسى مصر والصين فى القاهرة، من 20 إلى 22 يناير 2016، وذلك خلال الزيارة التاريخية للرئيس إلى مصر، التى حضر خلالها الرئيسان الاحتفالات المشتركة بمناسبة الذكرى ال60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأعلنا تدشين «عام الثقافة الصينية» فى مصر، و «عام الثقافة المصرية» فى الصين. ويضاعف من أهمية الزيارة الحالية للرئيس السيسى إلى الصين عوامل ذات شقين، فهى زيارة ثنائية إلى جمهورية الصين الشعبية، وهى أيضا مشاركة فى القمة الجماعية لمنتدى الصين إفريقيا «فوكاك». فعلى الصعيد الثنائي، تشهد زيارة الرئيس السيسى إلى بكين عقد قمة ثنائية مع الرئيس الصينى لبحث أوجه التعاون المشترك والشراكة الإستراتيجية القائمة بين الجانبين، كما يلتقى أيضا خلال الزيارة رئيس الوزراء الصيني، بالإضافة إلى عقد لقاء مع ممثلى كبرى الشركات الصينية لمناقشة أوجه التعاون المشترك وسبل زيادة استثماراتهم فى مصر، كما سيجرى الرئيس زيارة إلى الأكاديمية المركزية للحزب الشيوعى الصيني، التى تعد إحدى أهم المؤسسات التعليمية فى الصين والمسئولة عن تدريب المسئولين والقيادات الصينية. ومن المقرر أن يشهد الرئيس السيسى ونظيره الصينى خلال الزيارة مراسم التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بشأن تطوير التعاون المشترك بين الجانبين فى عدد من المجالات، والتى تتضمن قطاع النقل من خلال تنفيذ مشروع القطار الكهربائى للربط بين المدن الجديدة والمناطق الصناعية، لإيجاد المزيد من فرص العمل، وقطاع تطوير التعليم، إلى جانب قطاع الكهرباء من خلال إنشاء محطة لتوليد الكهرباء باستخدام الفحم النظيف بالحمراوين، فضلا عن اتفاقية لتمويل مشروع إنشاء المرحلة الثانية من منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة. أما بالنسبة لمنتدى الصين - إفريقيا « فوكاك»، فيعقد تحت عنوان «الصين وإفريقيا: نحو مجتمع أقوى ذى مستقبل مشترك عن طريق التعاون المربح للجميع»، وهى القمة الثالثة لهذا المنتدي، الذى عقد أيضا أربعة مؤتمرات وزارية من قبل. ويحضر هذه القمة نحو 20 من قادة الدول الإفريقية، فضلا عن عدد كبير من ممثلى دولها على مستوى رؤساء الحكومات والوزراء، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى وعدد من رؤساء المنظمات الدولية والإفريقية. لذلك، فإن مشاركة الرئيس السيسى فى منتدى الصين - إفريقيا سوف تشمل عقد مجموعة من اللقاءات الثنائية مع القادة والزعماء الأفارقة المشاركين فى المنتدي، يبحث خلالها تعزيز التعاون بين مصر وتلك الدول فى المجالات الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك. ويعد منتدى الصين - إفريقيا أحد أهم التجمعات الاقتصادية والسياسية التى تعكس الاهتمام الصينى بالقارة الإفريقية، وتهدف إلى تكثيف ودفع العلاقات الصينية مع الدول الإفريقية، كما يعد انعقاد هذه القمة فرصة سانحة لتبادل الرؤى فى عدد من القضايا الإفريقية، والبحث عن حلول لها بالجهود المشتركة لأعضاء المنتدي. على جانب آخر، يرى تقرير هيئة الاستعلامات أن زيارة الرئيس السيسى إلى الصين فى هذا التوقيت تختلف عن كل اللقاءات السابقة، فالرئيس يزور العاصمة الصينية فى بداية فترته الرئاسية الثانية، وبين يديه إنجازات كبيرة حققتها مصر، ووضع جديد أصبحت فيه الآن تختلف عن ظروف القمم والزيارات السابقة، سواء على الصعيد الداخلي، بتحقيق الاستقرار وهزيمة الإرهاب، وترسيخ أركان الدولة المصرية واستعادة مكانة وقدرة مؤسسات الدولة المختلفة، أو على الصعيد الخارجى بعد أن استعادت مصر بفضل سياسة خارجية متوازنة وشجاعة، مكانتها فى منطقتها وقارتها والعالم. وعلى الصعيد الإفريقى الذى تستضيف الصين قمته، فإن مصر ستترأس الاتحاد الإفريقى من بداية العام القادم 2019، وهذا يعنى أن مصر طرف رئيسى معنى بمتابعة كل مايصدر عن هذا المنتدى بالتعاون مع أشقائها من الدول الإفريقية. وبالنسبة للأوضاع فى الجانب الصيني، فمكانة الصين ودورها فى العالم سياسيا واقتصاديا تغيرت إلى الأفضل عما كان عليه الوضع قبل أربع سنوات، بفضل السياسة الحكيمة والشجاعة للرئيس جين بينج، وانفتاحه العالمي، خاصة من خلال مبادرة «طريق واحد.. حزام واحد» التى أطلقها عام 2013، فأعطت للسياسة الخارجية الصينية ديناميكية وأبعادا واسعة على الصعيد الدولي، فضلا عن تعاظم قدرات الصين فى كل المجالات بسرعة كبيرة. وتحتفل مصر والصين هذا العام بمرور 62 عاما من الصداقة القوية الراسخة منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ويقول تقرير هيئة الاستعلامات إن هذه العلاقات تشهد تطورات إيجابية سريعة منذ القمة المصرية - الصينية عام 2014، وأثمر التعاون بين البلدين عن خطوات سريعة فى جميع المجالات. فعلى مستوى العلاقات الاقتصادية، تطور التبادل التجارى بين البلدين، وكذلك الاستثمارات، فضلا عن التعاون العلمى والتكنولوجي. وبلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والصين 11 مليار دولار فى 2017، كما ارتفع بنسبة 25٫86% خلال الربع الأول من العام الحالى ليبلغ 2٫835 مليار دولار مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. من جانبها، أعلنت المصلحة العامة للجمارك الصينية أن حجم التجارة الثنائية بين الصين ومصر نما بنسبة 24% على أساس سنوى خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، ليصل إلى 7.5 مليار دولار أمريكي، وبلغت الصادرات الصينية إلى مصر 6.5 مليار دولار أمريكى فى هذه الأشهر السبعة بزيادة 22.6% على أساس سنوي، فى حين بلغت الواردات الصينية من مصر مليار دولار أمريكى بزيادة 34.1% على أساس سنوي، وهو استمرار للمسار المتزايد للصادرات المصرية إلى الصين، حيث كانت الصادرات المصرية السلعية للسوق الصينى قد ارتفعت خلال عام 2017 إلى 408 ملايين دولار بالمقارنة بنحو 255 مليون دولار خلال عام 2016 بنسبة زيادة تبلغ 60%. وقد احتلت الصين المركز الأول كأكبر شريك تجارى لمصر عام 2016، قبل أن تنافسها علاقات مصر التجارية مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة عام 2017، بفارق ضئيل. وقد شهدت الاستثمارات الصينية المباشرة فى مصر ارتفاعا يقدر ب106 ملايين دولار فى النصف الأول من عام 2017، بزيادة تقدر ب 75 بالمائة على نفس الفترة من العام السابق.