* رؤية المركزى المصرى حصنت الاقتصاد فى مواجهة التطورات العالمية هبطت الليرة التركية بشكل ملحوظ امام الدولار الاميركى يوم الجمعة الماضي، لتخسر مايزيد على 30% من قيمتها مقارنة بالدولار الأمريكى منذ بداية العام وتكبدت 17% من تلك الخسائر خلال الشهر الحالى فقط، وثمة شبه اجماع من جانب خبراء المؤسسات المالية وبنوك الاستثمار على ان المخرج هو رفع الفائدة على الليرة التركية، فى الوقت الذى يكبل فيه الرئيس التركى اردوغان سلطة البنك المركزى ويؤثر على استقلاليته فى اتخاذ هذا القرار المناسب، حيث يضغط بشدة هو ومن حوله فى السلطة التنفيذية لغل يد البنك المركزى على رفع الفائدة ، بل ان مسئولين أتراكا صرحوا بان من يرفع الفائدة هو عدو الوطن! ، وكان البنك المركزى التركى استغل وقت ترشح الرئيس التركى لانتخابات الرئاسة للتحرر من ضغوط أردوغان وقام برفع الفائدة 300نقطة اساس مرة واحدة لتصل الى 17.75% ، وربما هذا الامر هو ما انقذ العملة التركية من مزيد الخسائر، الى ان تأزمت العلاقات مع امريكا مما دعا الرئيس الامريكى الى مضاعفة الرسوم الجمركية امس الاول على واردات الالومنيوم لتصل الى 20% و50% على الصلب بعدما اتخذ قرارات من قبل بتجميد ارصدة وزيرى العدل والداخلية فى تركيا. استقلالية البنك المركزى فى رسم السياسة النقدية وتنفيذها فى اية دولة ، امر ضرورى بل اساسى من اجل القيام بمهامه الاساسية فى الحفاظ على قيمة العملة المحلية وكبح التضخم ، وهى المهام الرئيسية للسياسة النقدية ، وربما من المناسب الاشارة فى هذا الصدد الى استقلالية البنك المركزى المصرى وعدم تدخل الحكومة فى ممارسة اختصاصته، كما ينبغى التأكيد على كفاءة ورشادة السياسة النقدية التى ينتهجا البنك المركزى بقيادة محافظه طارق عامر فى توظيف ادوات السياسة النقدية سواء رفع الفائدة فى الوقت المناسب بالتزامن مع تحرير سعر الصرف مما ادى الى الحفاظ على القوة الادخارية للجنيه، ودفع مكتنزى الدولار الى التنازل عنه للاستفادة من العائد المجزى على العملة المحلية ، كما نجح فى مضاعفة تحويلات المصريين بالخارج داخل الجهاز المصرفى، وزيادة القدرة التنافسية للصادرات وقطاع السياحة، ناهيك عن اعادة ثقة دوائر الاستثمار العالمية ، مما انعكس على تدفقات استثمارات الصناديق العالمية بما يزيد على 37 مليار دولار وطرح 13 مليار دولار سندات فى السوق العالمية تم تغطيتها باكثر من 4 مرات، واعادة تكوين الاحتياطى الاجنبى ليسجل اعلى مستوى له 44.3 مليار دولار بما يكفى تغطية الواردات لمدة 8.6 أشهر اى نحو 3 اضعاف المعدل العالمى الآمن. ووفقا لكثير من المحللين الماليين فى بنوك عالمية فان الاقتصاد التركى مقبل على ازمة اذا استمر الوضع على ماهو عليه دون تدخل البنك المركزى برفع الفائدة، لاسيما ان المناورة بضخ العملات الاجنبية لم يعد قائما حيث ان الاحتياطى الاجنبى لدى البنك المركزى التركى يبلغ 106 مليارات دولار لكن المبلغ الذى يمكن استغلاله فعليا لا يتجاوز 35 مليار دولار ، حيث ان نحو 42 مليار دولار من الاحتياطى يمثل ودائع لبنوك فى تركيا لدى البنك المركزى كنسبة من قروضها بالعملات الاجنبية، كما أن هناك مقياس آخر تتم متابعته فى السوق وهو تكلفة ديون الدولة، فاستدانتها لمدة 10 سنوات من نفس عملتها تكلفها 18% سنوياً، بل وحتى الاقتراض بالدولار يعد باهظاً بالنسبة لتركيا بمعدل يقارب على 7%، وتصل القروض قصيرة الاجل على تركيا والمؤسسات والشركات فى العام المقبل 107 مليارات دولار ، وهو سبب كافى لزيادة التوقعات بان الاقتصاد التركى مقبل على ازمة لاسيما وان العجز فى الموازنة العامة التركية أصبح كبيراً جداً فقد بلغ 5.5% من الدخل القومي، كما ان معدل التضخم ارتفع بشكل ملحوظ ليصل إلى 15% ، والاخطر هو النظرة المستقبلية للمستثمرين حيث انهم غير مقتنعين بقدرة البنك المركزى التركى على ضمان استقرار العملة والسيطرة على التضخم. يبقى ان نشير هنا الى ان اتجاه كثير من البنوك المركزية الى رفع الفائدة لديها لمواجهة انهيار العملة الوطنية من الأرجنتين الى تركيا مرورا بايران، تطور يعكس نجاح السياسة النقدية للبنك المركزى المصرى ورؤيته وسياسته الاستباقية فى تحصين السوق والاقتصاد فى مواجهة الصدمات المحتملة فى الاقتصاد العالمى، سواء من خلال رفع الفائدة على الجنيه فى الوقت المناسب، وبالتالى زيادة العائد على ادوات الدين الحكومى مما ترتب عليه تدفقات كبيرة من استثمارات الصناديق العالمية ، الى جانب التخطيط السليم لطرح السندات الدولارية بالسوق العالمية حيث تم تغطيتها أكثر من 4 مرات، وجمع مبلغ 13 مليار دولار فى الوقت المناسب حيث تراجعت شهية الصناديق والمستثمرين على الاستثمار فى الاسواق الناشئة بل والاوروبية حيث سحبت 17 مليار دولار من تلك الاسواق الناشئة والاوربية فى 3 اشهر فقط حسب بنك اوف امريكا، كما تزايد بشكل كبير العائد على السندات المطروحة من الاسواق الناشئة فى الوقت الراهن بسبب تداعيات الحرب التجارية التى يقودها الرئيس الامريكى وارتفاع الفائدة على الدولار القوى حاليا.