سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محذرا من خطورة وجود فجوة بين التاريخين الرسمى والشعبى.. د. خالد أبو الليل: الأدب الشعبى ملاصق للواقع ويجب الاعتماد عليه عند وضع المشروعات التنموية لخلق نهضة حقيقية
حذر د. خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبى بكلية الآداب جامعة القاهرة من وجود فجوة بين التاريخ الرسمى والتاريخ الشعبي، منتقدا النظرة الفوقية لبعض المؤرخين للمأثورات الشعبية، وعدم اعتدادهم بها كمصدر من مصادر التاريخ . وأضاف د. أبو الليل فى حوار مع «الأهرام» بمناسبة حصوله أخيرا على جائزة الدولة التشجعية فى العلوم الاجتماعية أن الاهتمام بالأدب الشعبى يفرض نفسه الآن شئنا أم أبينا، نافيا أن تكون فى الاحتفاء به خطورة على اللغة العربية الفصحى، والقرآن الكريم، معتبرا كل تلك الأقاويل التى يرددها البعض مجرد ادعاءات لا أساس لها. د.أبو الليل يصف نفسه بأنه نبتة من أرض هذه الثقافة الشعبية الأصيلة، مشيرا الى أن مرد تخصصه فى الأدب الشعبى أنه جزء أساسى من تكوينه. عن حاضر ومستقبل الأدب الشعبى فى مصر، وواقع الدراسات الشعبية بالجامعات المصرية، كان هذا الحوار مع أحد المتيمين بأدب الشعب،الحريصين عليه، المقدرين له. ما سبب تخصصك فى الأدب الشعبى رغم أنه من التخصصات المهمشة؟وبرأيك أين تكمن قيمة الأدب الشعبي؟ أنا من نبت هذه الثقافة الشعبية، فنشأتى وتربيتى فى الأصل أساسها هذا الموروث الشعبى الذى تخصصت فيه، وبقدر ما كنت رافضا فى البداية التخصص فى الأدب الشعبى لأننى ابن هذه الثقافة، ومن ثم كان من باب أولى لي- فى بداية حياتي- أن أذهب لتخصص آخر كى أضيف لمعارفى بعدا جديدا، ولكن مع الوقت أدركت أن نشأتى فى هذه الثقافة الشعبية ربما يكون خادما لى فى تخصصي، لأننى سأكون ملما بأمور ربما لو تخصص شخص آخر غير ملم جيدا بهذه الثقافة، سيحتاج لمزيد من الوقت كى يفهم ويدرك قيمتها، لذلك تراجعت وذهبت للتخصص الذى يمثل جزءا أساسيا من تكويني. كيف ترى واقع دراسة الأدب الشعبى فى الجامعات المصرية؟ واقع الدراسات الشعبية فى الجامعات أنها ثابتة إلى حد كبير، إن لم تكن متراجعة؛ لطغيان تخصصات أخرى عليها؛ ظنا من البعض أن هذا الكلام الموجود فى حياتنا اليومية لا تصل قيمته إلى حد دراسته وتضييع هذه الساعات الدراسية مع تخصص مثل الأدب الشعبي. ولذلك يروج البعض شائعات ومغالطات للتقليل من قيمة التخصص، أو لكى يثيروا الرعب فى نفوس المجتمع، من قبيل أنه أدب مكتوب بالعامية، ومن ثم يمثل خطرا على العربية الفصحى أو أنه يمثل خطرا على القرآن، وفى الحقيقة كل هذه ادعاءات لا محل لها فى الحقيقة، وهو ما يستهلك منا حتى الآن وقتا طويلا فى بداية تدريسنا هذا المقرر لكى ندافع عن أهمية الأدب الشعبى وأهمية تدريسه. وماذا عن المستقبل؟ أما عن المستقبل فإننى أرى أن المستقبل للدراسات الشعبية، فى ضوء ربطها بالعلوم الاجتماعية المرتبطة بها كالاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس والجغرافيا والتاريخ، ولذلك نجد اهتماما غربيا متزايدا بالمناهج النقدية والنظريات المتصلة بالأدب الشعبي، فأحدث نظريات التاريخ مرتبطة بالتاريخ الشعبي، وإعادة الاعتبار إلى المصادر التاريخية الشفاهية، وفى مجال النقد نجد أحدث الصيحات النقدية يتمثل فى منهجية النقد الثقافي، الذى يعد الأدب الشعبى أحد أهم مداخله، ومن قبله نجد نظريات الصيغ الشفاهية وغيرها. فالاهتمام بالأدب الشعبى يفرض نفسه حولنا شئنا أم أبينا. يصف البعض مجتمعاتنا العربية ب «الذكورية»، ترى كيف كانت صورة المرأة فى المردودات الشعبية «الفولكلور»؟ وهل أنصف الأدب الشعبى المرأة؟ هذه قضية مهمة وأساسية انطلقت منها فى عدد من كتاباتى وأبحاثى العلمية المنشورة، وذلك فيما يتعلق بموقف الأدب الشعبى من المرأة. وانتهيت إلى أن الأدب الشعبى مدين فى وجوده وفى المحافظة عليه للمرأة، فالمرأة هى حاملة التراث الشعبي، وهى من حافظت عليه من الضياع. وصورتها صورة إيجابية فى معظم أشكال المأثورات الشعبية، وما يمكن أن نصفه بأنه صورة سلبية فى الحقيقة هى مجرد نماذج إنسانية موجودة فى الواقع عبر عنها الأدب الشعبي. وبالتالى فالأدب الشعبى تعامل مع المرأة بوصفها نموذجا إنسانيا، يشيد بالنماذج الطيبة منها، ويتخذ موقفا رافضا من النماذج النسائية السيئة. فالأدب الشعبى لسان حال الواقع، فهو يعبر عنه كما هو، ولكنه فى الوقت نفسه يرسم صورة مأمولة لما ينبغى أن يكون عليه هذا الواقع. وبالتالى فالأدب الشعبى لا يتوقف عند وصف الواقع، وإنما يتجاوز ذلك محاولا تقديم رؤية نقدية له، من خلال تقديم صورة مأمولة لتحسين هذا الواقع. هل ثمة فرق بين الذاكرة الشعبية المصرية ونظيرتها التاريخية الرسمية؟ بكل أسف البعض ينظر إلى التاريخ الشعبى والرسمى على أنهما متضادان أو متصارعان، وفى الحقيقة ينبغى ألا يتصارع التاريخ الرسمى مع الشعبي، فالدراسات التاريخية الغربية تجاوزت تلك النظرة منذ أكثر من ستين عاما، منذ أن اعتبرت التاريخ الشفاهى مصدرا مهما من مصادر التاريخ، وبالتالى فهما- أى التاريخ الرسمى والشعبي- مكملان لبعضهما البعض، والمفترض ألا يكون هناك رسمى وشعبي، فما يهمنى كمؤرخ الحقيقة التاريخية، هذه الحقيقة قد آخذها من مصدر وثائقى أو شاهد عيان او أعتمد على مصدر شعبي، كرواية شفاهية أو مأثوراتنا الشعبية المتعددة. ولكن المشكلة عندنا أنه لاتزال هناك فجوة بين التاريخ الرسمى والتاريخ الشعبي، نتيجة للنظرة الفوقية التى ينظر بها بعض المؤرخين- وبالطبع ليس كلهم- للمأثورات الشعبية، وعدم الاعتداد بها مصدرا من مصادر المؤرخ. إلى أى مدى تعتبر الأدب الشعبى وثيقة تسجيلية أو أخلاقية، وهل يمكن الاعتماد عليها أوالاستئناس بها؟ الأدب الشعبى ملاصق للواقع، وملازم للإنسان المصرى منذ مولده، بل قبل مولده حتى وفاته، مرورا بكل مراحل حياته، وبالتالى فالأدب الشعبى هو الأقدر على فهم الإنسان المصرى وفهم طبائعه؛ ومن ثم ينبغى الاستئناس به من قبل المسئولين عند اتخاذ القرارات المصيرية، وكذا الاستئناس به عند وضع المشروعات التنموية إذا كنا جادين فى خلق نهضة حقيقية لمجتمعنا المصري.