محمد عز الدين لم تكن حرب أكتوبر 1973 مجرد معركة عسكرية استعاد فيها الجيش المصري أرضه وكرامته، بل كانت ملحمة شارك فيها كل أبناء الوطن بمختلف المجالات، ومن بينهم نجوم الفن الذين تركوا الأ ضواء واتجهو إلى الجبهة، حاملين السلاح، حيث اجتمع الفن مع البندقية، والابداع مع التضحية، لتصبح مشاركة الفنانين المصريين في حرب أكتوبر المجيدة صورة حقيقية لوحدة الشعب، لتتحقق أعظم انتصارات الأمة ٫ لطفي لبيب .. مقاتل فى سلاح المشاة الفنان لطفي لبيب من أبناء محافظة بني سويف، وقد شارك كجندي مقاتل في سلاح المشاة خلال حرب أكتوبر 1973، فبعد تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية التحق بالتجنيد بالقوات المسلحة عام 1970 بالجيش الثالث الميداني بإدارة الشؤون المعنوية، وكانت مهمته تجميع الجنود الشاردين بعد النكسة، وكانت كتيبته من أولى الكتائب التي عبرت قناةالسويس يوم السادس من أكتوبر، وقضى لطفي ست سنوات في الجيش، وقام بتأليف كتاب يحمل عنوان "الكتيبة 26" يحكي فيه عن تجربته الشخصية خلال حرب أكتوبر من سبتمبر 1973، وحتى فبراير 1974، ويوثق فيه تجاربه وبطولات سلاح المشاة في عبور القناة، ويروي تفاصيل الحرب منذ بدايتها حتى مفاوضات السلام. وقد كتبه بعد انتهاء حرب أكتوبر بعامين أي في عام 1975. تحدث لبيب في عدة لقاءات سابقة عن تجربته البطولية، مشددًا على تضحيات زملائه واستشهاد العديد منهم أمامه، وكثيرا ما كان يتحدث بحزن وتأثر عن زملائه الذين استشهدوا أمامه في الحرب، وذكر أسماء بعضهم، مثل سيد عبدالرازق الذي تلقى طلقة رشاش في صدره وكان آخر كلامه: "حد ياخد مكاني يا جماعة"، وتذكر كذلك زملائه الذين عبروا سويًا حتى حققوا النصر على جيش الاحتلال الإسرائيلي وحرروا سيناء، وأكد أن الوحدة الوطنية كانت حاضرة بقوة في الجبهة دون تمييز بين الجنود المسلمين والمسيحيين. وقال إنه كان في كتيبة 26 مشاة، وهجموا على النقطة القوية للاحتلال، وكان معهم ضابط اسمه سيد البرعي، وقائد الكتيبة عبدالوهاب الحديدي، والأثنان حصلا على وسام "نجمة سيناء" من بين 27 فقط حصلوا عليها في الجيش المصري. وقد اعتبر لبيب الحرب فصلًا مهمًا في حياته ولا يمكن نسيانه، خاصةً التفاصيل التي عاشها في الخطوط الأمامية، ودائما ما كان يؤكد على أن حرب أكتوبر كانت نصرًا ساحقًا لمصر ضد إسرائيل. وكان الفنان الراحل قد رفض تكريمه من السفارة الإسرائيلية بعد مشاركته في فيلم "السفارة في العمارة"، حيث تمت دعوته لتكريمه من جانب السفارة، لكنه رفض ذلك بشدة، مؤكدًا أن بلده ووطنيته أهم من أي تكريم. محمود الجندي .. ضابط احتياط بالقوات الجوية الفنان محمود الجندي من أبناء محافظة البحيرة، تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية، ويعد من أبرز المشاركين في حرب أكتوبر، فقد اشترك كضابط احتياط خلال فترة تأديته للخدمة العسكرية التي استمرت 7 سنوات بين عامي 1967 و 1974، حيث كان ضمن صفوف القوات الجوية في مطار فايد، وقد شارك مع زملائه لحظة العبور. تحدث الجندي في أحد اللقاءات التليفزيونية عن فترة أداءه الخدمة العسكرية قائلًا: "قضيت 7 سنين في القوات المسلحة، المرحلة دي كانت أحسن فترة في حياتي، رغم إنهم كانوا في البداية فترة حرمان من حلم لأني كنت متخرج من معهد السينما سنة 67 بكل أحلام إني هطلع أكسر الدنيا وأعمل الحاجة اللي بحبها، قامت الحرب فتركت حلمي ودخلت الجيش، ظابط احتياطي". وعن ذكرياته مع الحرب أشار: "وقت حرب أكتوبر كنت في القوات الجوية، ومكناش عارفين هنحارب ولا هنعمل إيه، وكنا في حالة يأس، الحرب كانت مفاجأة بالنسبة لنا إحنا كمان، كنت في وقتها في مطار فايد". وتابع الجندي: "خلال وجودي في القوات المسلحة لفيت على مطارات مصر كلها، وكنت المطار اللي بروح فيه نطلع طلعة ولسا واكلين مع بعض وتلاقينا راجعين من غير واحد فينا، اتعلمت وقتها إزاي أضغط على أعصابي وأكتم عواطفي في سبيل حلم كبير عايزين نحققه، لأن الحزن وقتها مكنش هيعمل حاجة ومش هيعيد اللي راح، وإزاي الشخص يتجرأ على الحزن واليأس من أجل تحقيق الهدف الأكبر وهو النصر". أحمد فؤاد سليم .. أحد أبطال الدفاع الجوي الفنان أحمد فؤاد سليم من أبناء محافظة الشرقية، فور حصوله على بكالوريوس التجارة التحق بالجيش المصري، وكان من الأبطال الذين شاركوا في حرب التحرير والعزة، وشارك ضمن قوات الدفاع الجوي، وكان من قوات الفرقة الثامنة على جبهة القتال وكان برتبة شاويش آنذاك، وتحدث كثيراً عن بطولات الدفاع الجوي في ردع الطيران الإسرائيلي. تحدث أحمد فؤاد سليم عن مشاركته في حرب أكتوبر 1973 في سلاح الدفاع الجوي، مؤكداً على روح الوحدة الوطنية والتدريب القاسي الذي سبق الحرب، وأن الروح المعنوية كانت أقوى سلاح، حيث روى كواليس اللحظات الحاسمة وحلم النصر الذي راوده قبل الحرب. أكد أن الجيش كان يقوم بمشاريع سنوية تحاكي الحرب، وأن التدريبات كانت قاسية وتجهّز الجنود للحرب الفعلية، حيث كان مشروع "تحرير 23" هو بداية حرب 1973، كما روى حلمه بأنه رأى مسلمين ومسيحيين يصلون معاً في مكان مقدس، وهو حلم رآه تفسيراً لنداء الحرب القادمة. وقد شارك في الضربة الأولى في موقع الجزيرة الخضراء، ثم نُقل إلى سفاجا لتأمين أسطول البحر الأحمر، وذكر واقعة وفاة عسكري زميله "سيد راشد"، يوم السبت 6 أكتوبر، لكن سرعان ما تحول الحزن إلى فرحة بولادة مولوده في نفس الوقت. ولفت إلى أنه عُرض عليه في إحدى المرات، أن يكون هدفا مرئيا للعدو برفقة زميل له، حتى يؤمنوا المنطقة العسكرية التي يتواجدون بها، وخلال تلك المهمة كان يتحدث مع زميله عن أمور عامة في الحياة ويحكون قصصا لبعضهما دون أي خوف من تعرضهما لهجوم في أي وقت من قوات العدو، مضيفا: "ربنا سبحانه وتعالى بيطمن القلوب، بيطبطب عليها ويقولك متخافش". وأكد أن الخدمة العسكرية علمته الانضباط والالتزام، وهي قيم انعكست على حياته الفنية والشخصية، واكتشف معنى الهدف والإيمان بقضية كبرى، وهو ما ساعده في التعامل مع الفن كرسالة ومسؤولية. أحمد بدير .. مهمة رفع الروح المعنوية الفنان الصعيدي أحمد بدير من مواليد محافظة قنا، وهو من الفنانين المشاركين في حرب أكتوبر بحكم وجوده مجندا وقت قيام الحرب، حيث التحق بالجيش بعد حرب الاستنزاف، وشارك في تقديم عروض مسرحية لدعم الجنود ورفع روحهم المعنوية. دائما ما يعبر بدير عن افتخاره بكونه جزءًا من الجيش الذي حقق هذا النصر العظيم، والذي أعاد لمصر هيبتها أمام العالم، وقال في أحد اللقاءات: "مكثت في الجيش 5 سنوات منتظر بفارغ الصبر لحظة استعادة الأرض، والحمد لله قدرنا نعبر وننتصر في يوم السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان عام 1973". وأوضح الفنان: "عشت حرب الاستنزاف كمواطن مدني، والجميع كان يشعر بضيق مما حدث في 1967، وسيطرت حالة إحباط شديدة وقتها، خصوصا مع خط برليف المنيع، وتساؤلات بشأن كيف نستعيد أرضنا؟". وشدد قائلا: "ما حدث في 6 أكتوبر بمثابة معجزة كبيرة، أدت لهذا العبور العظيم، وأتمنى إنتاج أفلام أخرى عن الحرب، في ظل وجود قصص كثيرة وعظيمة، تستحق أن تظهر وتروى بشكل فني للجيل الجديد". كما حكى عن أصعب اللحظات التي عاشها خلال فترة الحرب، هي استشهاد صديقه أمام عينيه، وكانت وصيته له ضرورة عدم تلقي أسرته العزاء إلا بعد تحرير مصر من العدوان، مضيفا: "الحمد لله مصر دائما قوية باسلة لا تقهر، حرب أكتوبر وثقت قوة وبسالة الجيش المصري، الذي سعى بروحه ودمه أن يحافظ على أرضه ووطنه". سامى عبد الحليم .. سلاح اللواء 11 مشاة ميكانيكا يعد الفنان سامي عبد الحليم أحد الفنانين المشاركين في حرب 6 أكتوبر عام 1973، وله العديد من الذكريات مع هذه الحرب، كشف عن الكثير منها في تصريحاته، حيث قال: "التحقت بسلاح اللواء 11 مشاه ميكانيكا، وكنا نقوم بالتدريب ليلاً ونهاراً استعداداً للحرب، التي لم نكن نعرف موعدها بالضبط، ولكن كل ما نعرفه أنها ستقوم في أي لحظة وعلينا الاستعداد والتأهب التام، حتى جاءت اللحظة الحاسمة وهزمنا العدو هزيمة ساحقة ونحن نردد (الله أكبر) التي خرجت منا جميعاً بطريقة عفوية وكانت تهز الأرض". وأكد عبد الحليم أن حرب أكتوبر بالنسبة له ذكريات جميلة يعيش بها إلى يومنا هذا، وكله اعتزاز بما حدث، وأضاف: "في وقت الحرب كانت هناك العديد من الأغاني والبرامج التي تعزز بداخلنا إحساس الانتماء بالوطن، حتى أننا كنا على استعداد تام للشهادة من أجل الوطن، وكنا نبكي بمجرد سماعنا لتلك الأغاني، ومن أكثر الأغاني التي كنت أعشقها كانت أغنية (مصر التي في خاطري وفي فمي أحبها من كل روحي ودمي)". وأضاف عبد الحليم: "كان ضباطنا وقادتنا قد وضعوا خططا للحرب في منتهى الذكاء وكانت قائمة على الحيل والخدع التي كان يصدقها العدو وتسهل علينا الكثير، فأتذكر من ضمن الخداع الذي قمنا به عندما كنا علي دبابتنا متجهيين لأرض الجفرة، وهي منطقة عسكرية، وفجأة قبل وصولنا أمرونا بفتح الزخيرة، وهنا توقعت أننا سنحارب وأن هذه هي اللحظة التي ننتظرها جميعاً، وفي النهاية وجدناها خدعة من ضمن الخدع حتى يظن العدو أننا سنحارب فيرتبك". حسن العدل .. كتيبة 39 فهد صاعقة حصل الفنان حسن على بكالوريوس معهد الكفاية الإنتاجية، ثم قام بالدراسة في معهد الفنون المسرحية، بعدها انضم للقوات المسلحة والتحق بسلاح الصاعقة المصرية قبل حرب 1973 بعام واحد، مؤكدًا أنه تلقى الكثير من التدريبات الشاقة من أجل التجهيز للنصر العظيم. فجاء التحاقه بصفوف القوات المسلحة كجندي مقاتل عام 1972 ضمن سلاح المدفعية الخاص بالتدريب على صواريخ "الموليتكا" الروسية المضادة للدبابات. وقال في أحد التصريحات: "ذهبت لمركز تدريب في بني سويف؛ وجدت مسرحا والآلاف من الجنود كانوا يعدونا في مركز التدريب"، لافتا إلى تخلل فترة إقامته بالمركز أوقات لكتابة المسرحيات الوطنية والرسم على جدران الحوائط، قائلا: "عملنا في ليلة مسرحية في أرض كلها متساوية ومفيش غير السماء طابقه وراء الجبال ورانا". وأشار إلى التحاقه بعد ذلك بفرقة الصاعقة "39 فهد" بمنطقة الكيلو 4.5 بوادي المنسيين الشهير بعزبة الهجانة، معقبا: "أخذنا فرقة صاعقة وشكلنا كتيبة في مدرسة المدفعية على يد القادة المصريين الذين تعلموا من الخبراء الروس بعد رحيلهم". وذكر أيضا يوم العبور، حيث قال: "كان يوم عادي ناس بتلعب كورة وناس بتعمل سلالم من الحبال، والساعة1:30 ظهرا كان في هدوء قاتل على الجبهة، لدرجة تسمع صوت العصافير، والساعة 2.05 قائد الكتيبة قال (هنعبر)". وأضاف العدل: "أصبت في الحرب تحديداً يوم 16 أكتوبر، فقبل ذلك اليوم كنا في موقف قوة وتكاتف بين الجنود كبير جداً، وكان الكل يعرف جيداً ما عليه فعله، حتى تفاجأنا يوم 16 بإمدادات كبيرة جاءت لإسرائيل ودبابات رهيبة، فعندما كنت بالعربة الخاصة بي إذ وجدت نفسي أطير من العربة لمسافة كبيرة جدا ولم أشعر بشيء إلا وأنا بمستشفى القصاصين، وبعدها تحولت لأكثر من مستشفى وظللت كذلك لمدة ثلاثة أشهر". اقرأ أيضا: أحمد فؤاد سليم: الجيش شكّل وجداني.. وكنت إنسانًا بلا اتجاه