من النادر أن نجد عملًا دراميًا يُعرض في التوقيت نفسه على منصتين تعدان الأكثر تنافسًا في مجال الدراما الرقمية، وهما "Watch It" و"Shahid VIP". وقد تحقق ذلك مع مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو"، وهو عمل ينتمي إلى نوعية الحكايات المنفصلَة المتصِلَة، إذ يتكوّن من سبع قصص مختلفة تمتدّ كلّ منها على خمس حلقات، ويحسب للمسلسل أنه أعاد إحياء فكرة الهوية المشتركة والوحدة الدرامية التي لطالما ميّزت هذا النوع من الأعمال في مراحل سابقة، بخلاف ما شهدناه في السنوات الأخيرة حيث غابت الروابط الجامِعة بين القصص، واقتصر الأمر على عنوان رئيسي فضفاض للعمل يضمّ مجموعة حكايات بها أحداث متناثرَة لا يجمعها إطار موحّد، في هذا العمل استعاد صناعه الفكرة الأصليَّة المتمثِلَة في وجود خيط جامع واحد، أو على الأقل تصور عام، يظلل جميع الحكايات رغم اختلاف أساليب السرد وتنوّع الحبكات، وهي السمة الأبرز في مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو". يرتكز المسلسل على فكرة أساسية واضحة تنعكس في اختيار عنوانه، ليس بالضرورة أن يكون كل ما تراه العين حقيقة مطلقَة، فالحقيقة غالباً نسبيّة، وإدراك الإنسان لما حوله مشروط بزاوية رؤيته وتجربته الخاصّة. وعلى مستوى الكتابة والتنفيذ، اعتمد المسلسل على الغموض والجوانب النفسيَّة المعقّدَة، وعلى أسئلة جوهريّة تتعلّق بالفارق بين الواقع والوهم، مع نهايات مفتوحَة تترك المشاهد في مساحة من التأويل دون إجابات أو تفسيرات مباشرَة. الحكايات السبع تباينت في مستواها الفنّي، إذ امتلكت جميعها مقوّمات النجاح وعانت في الوقت نفسه من ثغرات جوهريَّة. ما يلفت الانتباه أن معظمها انطلقت من بدايات مشوّقَة وقويَّة سرعان ما فقدت زخمها مع تطوّر الأحداث، وصولاً إلى نهايات لم تكن غالباً على قدر قوة الانطلاق. الثلاث حكايات الأولى ارتكزت على العلاقات الإنسانيَّة المعقّدَة الممزوجة بالأسرار والألغاز والتداخل الزمني والمكاني، حيث يتغيّر واقع الأبطال بصورة مفاجئَة وتتبدّل مساراتهم في محاولة لكشف الماضي وتفسير ما يختلط فيه الواقع بالخيال، الأمر الذي يثير تساؤلاً أساسيًّا حول ما إذا كانت الوقائع انعكاساً لأزمات نفسيَّة أم مجرد أوهام. الحكاية الأولى التي حملت عنوان "فلاش باك" تأليف محمد حجاب وإخراج جمال خزيم وبطولة أحمد خالد صالح ومريم الجندي اعتمدت على المزج بين الماضي والحاضر من خلال شخصية "زياد الكردي"، مُصور جنائي يفقد زوجته "مريم" في حادث مفاجئ، ليكتشف لاحقاً أنها تراسله عبر حسابها الشخصي على "فيسبوك"، وهي في الماضي وهو في الحاضر. ورغم أن الفكرة تنتمي إلى أعمال الأنتولوجي التي ترتكز على فكرة الخيال التأملي وبدايتها جاءت مشوّقة، فإن الحبكة لم تُحكم على المستوى الدرامي، وأدى الإفراط في التركيز على تفاصيل العلاقة بين البطل وزوجته إلى فقدان القصة لبريقها الأول. أما القصة الثانية "بتوقيت 2028" من تأليف نسمة سمير وإخراج خالد سعيد وبطولة هنادي مهنا وأحمد جمال سعيد ويوسف عثمان ونانسي هلال، فقدمت معالجة جيدة لفكرة السفر عبر الزمن من خلال شخصية "داليدا" التي تنتقل من عام 2026 إلى عام 2028 لتكتشف خيانة زوجها "مازن" مع صديقتها "ياسمين"، قبل أن تعود محاولة تغيير مسار الأحداث. نجحت هذه القصة في التأسيس الدرامي للشخصيات وعلاقاتها مع بعض حيث أن الرباعي أصدقاء قدامى ويعملون معاً، غير أن داليدا ومازن زوجان، لكن الأحداث توقفت عند ذروة محددَة ولم تتطوّر بالقدر الكافي، ممّا أفقدها حيويتها مع منتصف الحلقات. بداية مشوّقَة في أول حلقتين، أما الحلقة الثالثة والرابعة، وقفت الحكاية عند المبالغة والإفراط في تبادل العلاقات بين الرباعي، داليدا وشريف من جهة، ومازن وياسمين من الناحية الأخرى. القصة الثالثة "إنت وحدك" بطولة تارا عماد وعمرو جمال وبسمة داوود ووفاء صادق، من تأليف محمد حجاب وإخراج جمال خزيم، قدمت حبكة سيكولوجيَّة تعتمد على الصراع النفسي والهلوسة من خلال شخصية "سارة" التي تتلقّى رسائل غامضَة من رقمها الشخصي على تطبيق "واتس آب" وتشعر أن هناك من يستهدفها. البداية جاءت مشوّقَة تحمل فكرة جديدة، لكن الإيقاع سرعان ما أصابه الجمود في الحلقات الوسطى، قبل أن تنقذ النهاية القصة بما حملته من انعطافَة دراميَّة "تويست" محكمة وموظّف درامياً جيدًا. خارج هذا السياق النفسي والغموض، قدّم المسلسل حكايتَي "هند" و"الوكيل"، لكنهما جاءتا أضعف من حيث المستوى الفنّي. "هند" المقتبسة من وقائع حقيقيّة انزلقت إلى الميلودراما المبالغ فيها رغم بدايتها الواعدة، والحكاية بطولة ليلى أحمد زاهر وحازم إيهاب وهاجر الشرنوبى ومؤمن نور، من تأليف هند عبدالله وإخراج خالد سعيد. بينما اتسمت حكاية "الوكيل" بالطرح المباشر والسطحي لعالم المؤثّرين على مواقع التواصل الاجتماعي، فجاءت معالجة خطابية تفتقر إلى العمق الفنّي. وحكاية "الوكيل" شارك في بطولتها محسن محي الدين ومراد مكرم وأحمد فهيم، من تأليف محمد الدسوقي رشدي وإخراج محمود زهران. عاد العمل ليستعيد مساره مع قصة "ديجافو" التي كتبتها نسمة سمير وأخرجها محمد خضر، وشارك في بطولتها شيري عادل وأحمد الرافعى وعمرو وهبة وهند عبدالحليم، وتناولت شخصية "مسك" المستفيقة من غيبوبة لتجد نفسها فاقدَة جزءًا من ذاكرتها، وتعيش تجربة مربكة ترى فيها ذكريات لم تعشها لكنها تشعر بواقعيتها، لتعيش حالة من التشويش والاضطراب النفسي. وجاء التأسيس والبناء للشخصيات جيدًا، خاصّة علاقة مسك وزوجها "سيف"، وكذلك شريكها في المطعم "موسى" وخطيبته "هبة" التي هي في نفس الوقت شقيقة سيف، ونفس الحال على فكرة التنقل بين شخصيتي "مسك" و"ليلى" بُني بشكل درامي محكم، لكن الاعتماد المفرط على الالتواءات الدرامية أضعف منطقيّتها في نهاية الأحداث، كما أن مشاهد "الفلاش باك" جاءت متكرّرة وغير موظّفة بالشكل المطلوب. أما القصة السابعة والأخيرة "نور مكسور" فكانت الأكثر إحكامًا واتزانًا، إذ قدّمت سردًا متماسكًا بتصاعد درامي سلس خالٍ من التطويل والرتابة، وجاءت الالتواءات موظّفة بدقة رغم إمكانية توقّعها، لتمنح الحكاية تماسكًا قلّما توفّر في بقية القصص. الحكاية بطولة نور إيهاب ويوسف عمر وحازم سمير، من تأليف آدم أبو ذكرى وإخراج محمود زهران. على مستوى الأداء التمثيلي، عكس المسلسل تفاوتًا ملحوظًا بين ممثليه، فقد تميّزت تارا عماد في "إنت وحدك"، وبرز الثنائي نانسي هلال وأحمد جمال سعيد في "بتوقيت 2028"، بينما جاء أداء أحمد خالد صالح ومريم الجندي في "فلاش باك"، وليلى أحمد زاهر وحازم إيهاب في "هند"، وهنادي مهنا في "بتوقيت 2028"، وكذلك معظم أبطال "الوكيل"، ضعيفًا ومتراجعا، في المقابل، تألّق أحمد الرافعي وعمرو وهبة وهند عبدالحليم في "ديجافو"، بينما شكّل أداء شيري عادل نقطة ضعف واضحة في القصة ذاتها، إذ لم ينجح في إظهار الفارق المطلوب بين الشخصيتين اللتين جسدتهما. أما الأداء الأبرز فكان في حكاية "نور مكسور"، حيث قدّمت نور إيهاب دورًا يمثل انتقالَة نوعية في مسيرتها، مثبتة قدرتها على تجاوز أدوار المراهقة إلى أدوار أكثر نضجًا وعمقًا. جاءت الموسيقى التصويرية للموسيقار عمرو أبو ذكري في المسلسل عنصرًا فاعلًا في بناء الأجواء العامة للحكايات، ولعبت دورًا مهمًا في تكثيف أجواء الغموض والقلق، إذ اعتمدت على مقطوعات ذات طابع سريع وعالٍ لتعزيز البعد النفسي للأحداث، مع توظيف نغمات متتالية في لحظات الذروة لتأكيد الإحساس بالارتباك والشك، خاصة في الحكايات التي اعتمدت على الشك بين الحقيقة والوهم. اقرأ أيضا: