اللغط الدائر الآن بشأن مستشفى 57357 أكبر من أن يترك بلا تدخل. أكبر من الرد الذى تفضلت به إدارة المستشفي. أكبر من بلاغات متبادلة تتقدم بها جهات ما أو أشخاص. خطورته أكبر من مستشفى بحجم وأهمية 57357. اللغط الدائر يطال أموال التبرعات وكل الهيئات والجمعيات التى تجمع أو يصرح لها بتلقى أموال التبرعات. ربما تكون هناك حملة تستهدف المدير المسئول عن المستشفي، لكن يقينا لا يوجد من يستهدف المستشفى أو يشكك فيما أنجزته وفيما وصلت إليه كنقطة مضيئة فى مسيرة العمل الخيرى فى مصر وقبل ذلك المكانة المرموقة التى حازتها فى الوسط الطبي. المسئولون عن المستشفى ليسوا فوق القانون. الإنجازات التى حققها المستشفى لا تمثل حصانة لأى من القائمين عليها ولا تجعلهم فوق النقد والمراجعة. الخلط بين المسئول عن المستشفى والمستشفى نفسه خطيئة لا يجب اقترافها خاصة من قبل القائمين على المستشفي، فالشعب المصرى هو المالك الفعلى والوحيد لها. المستشفى أنشئت باكتتاب عام أقبل عليه المصريون دونما صكوك! ومن ثم فإن كل مصرى تبرع ولو بجنيه واحد لذلك المستشفى ولغيره يحق له أن يعرف مآل تلك التبرعات، ويحق له أن ينزعج وأن يصدم مما طرحه كاتب لم يعرف عنه تورطه فى مثل تلك المسائل لأهداف شخصية هو الكاتب الكبير الأستاذ وحيد حامد. يحق له أن يحصل على إجابات على «دستة الأسئلة» التى طرحها الزملاء فى موقع «فيتو» بل ويحق له أن يطرح المزيد من الأسئلة ويحصل لها على إجابات. ترك الأسئلة بلا إجابات مقنعة من قبل المستشفى يزيد من ريبة وقلق المجتمع ويضع الكثير من علامات الاستفهام والتخوف حول مستقبل العمل الخيرى القائم على التبرعات فى مصر. الأسئلة الموجهة للمستشفى بل والاتهامات ليست إدانة له. إنها محاولة لتصحيح المسار مما قد يشوبه فى ملفات يندرج معظمها فى النواحى الإدارية، وكيفية التصرف فى أموال التبرعات. على الأرجح سيكون لإدارة المستشفى وجهة نظر فى كثير من تلك الأسئلة والاتهامات وإدانة الإدارة فيها ليس أمرا محسوما إذ أن جزءا ليس بسيطا منها يخضع لتقديرات القائمين على المستشفى وهى بالضرورة مختلفة عن تقديرات الكثيرين. ولكن مسألة مشاركة المستشفى فى إنتاج مسلسل تليفزيونى على نحو ما أشار الأستاذ وحيد حامد يبعث على الصدمة والأسي. ذلك أن إدارة المستشفى تتلقى التبرعات للإنفاق على علاج المرضى بكل ما يستدعيه ذلك من أوجه صرف على الإنشاءات والمستلزمات والأجهزة الطبية والأجور والأدوية والأطباء، بل وربما ترى المستشفى أن الإنفاق على الإعلانات الغرض الأساسى منه هو تعظيم إيرادات المستشفى للارتقاء بخدمة. وبكل تأكيد فإن الإعلانات قد انعكست فى زيادة حصيلة المستشفى من التبرعات إلا أن ذلك لا يمنع أيضا من إعمال قواعد الشفافية ليعرف المجتمع كم أنفقت إدارة المستشفى على الإعلانات وكم كان مردودها. أما الدخول فى إنتاج مسلسل تليفزيونى فلا يمكن قبوله حتى ولو كان له مردود مالي. إذ أن تلك الخطوة تعد استخداما صريحا لأموال التبرعات فى غير الغرض المخصص له من قبل المتبرعين. وكما أن الوقف لما أوقف له، أى أنه لا يجوز تغيير الوجهة التى حددها الواقف لوقفه، فإنه أيضا لا يجوز لمتلقى أموال التبرعات أن يفعل بها ما شاء حتى لو كان الاستثمار الذى استخدم فيه تلك الأموال مضمونة نتائجه دون الإعلان عن ذلك. إذن فكرة استثمار أموال التبرعات من إدارة المستشفى غير مقبولة من حيث المبدأ، ومن ثم فإنها لن يثور بشأنها وجهات نظر أو تقديرات مختلفة بين إدارة المستشفى والمجتمع. بتعبير آخر فإن المطلوب من إدارة المستشفى فقط أن تنفى أو تؤكد مشاركتها فى إنتاج المسلسل التليفزيونى بصرف النظر عن حجم مشاركتها وطريقته والمبررات التى دفعتها لذلك. وبما أن بيان المستشفى المقتضب لم يتعرض لأى من الأسئلة المطروحة الواضح منها والشائك، ويبدو أن القائمين عليها سيرفعون شعار اللجوء إلى القضاء، يصبح من المهم بل ومن الواجب على مجلس النواب أن يشكل لجنة لتقصى الحقائق ليس فقط فيما يتعلق بالمستشفى ولكن فيما يتعلق بملف التبرعات برمته. هدف هذه اللجنة معرفة الحقيقة بشأن حجم أموال التبرعات التى تتلقاها كل الجمعيات فى مصر، والتى يصل عددها لما يقرب من خمسين ألف جمعية والوقوف على أوجه صرف تلك التبرعات. وهنا لابد من التساؤل عن الدور الذى تقوم به وزارة التضامن الاجتماعى من إشراف ومراقبة عمل تلك الجمعيات، إذ يبدو أن مظلة ذلك الإشراف ليست شاملة، وليست فعالة بالشكل الكافى الذى يحول دون وضع علامات الاستفهام على الكثير من الجمعيات الأهلية العاملة فى المجال التنموي. وهكذا يصبح دور لجنة تقصى الحقائق هو التأكد أيضا من قيام وزارة التضامن بدورها، تماما كما فعل مجلس النواب فى لجنة تقصى الحقائق بشأن القمح قبل نحو عامين. والأهم من كل ذلك أن التقرير الذى ستخرج به لجنة تقصى الحقائق سيرد على الكثير من الأسئلة التى فرضت نفسها الآن على الرأى العام والتى لا يمكن التعامل معها أو الرد عليها عبر مسار التحقيقات القانونية فى حال وصل الأمر إلى تلك النقطة، ولا يمكن أيضا تركها أكثر من بذلك بدون إجابات. فهناك كثيرون متحفزون لاستخدام مثل تلك القضايا والأسئلة المطروحة بشأنها لإحداث أكبر قدر ممكن من البلبلة والتشويش لدى الرأى العام ، وتكريس صورة سلبية للعمل الخيرى والقائمين عليه ربما تدفع كثيرا من المواطنين للابتعاد عن تلك الجهات والتوجه إلى جهات وجمعيات أخرى يجيد القائمون عليها استغلالها لتحقيق أهداف سياسية. باختصار، فإن إبقاء فكرة التبرع والعمل الخيرى بعيدة عن الفساد أو حتى شبهاته أهم وأكبر بكثير من أى كيان، ومن أى أشخاص مهما تكن إنجازاتهم. وبكل تأكيد فليس لأحد مصلحة فى هدم صرح كان وسيظل عنوانا عريضا لمعنى وقيمة العمل الخيرى فى المجتمع المصرى. لمزيد من مقالات ◀ د. صبحى عسيلة