لكى يتحول الاقتصاد المصرى من المسار «الريعي» إلى الإنتاجي، فالزراعة والصناعة جناحا الإنتاج لأى دولة، ولكن للأسف فإن كلا الجناحين بمصر فى محنة حقيقية.. لقد تفاقمت محنة الزراعة منذ استبدال زراعة ما أطلق عليه المحاصيل النقدية «الفراولة والكنتالوب» بالمحاصيل الغذائية الاستراتيجية «القمح والذرة ومحاصيل الزيوت», بدعوى أن الأولى تباع بأسعار أعلي، ويمكن من عائداتها استيراد الثانية بأسعار أقل، وهو ما يعكس بجلاء «فقر الفكر» لدى صانعى القرار آنذاك لأن زراعة المحاصيل الغذائية الاستراتيجية قضية أمن قومي، وليس أدل على ذلك من مقولة ثعلب السياسة الأمريكية هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق: «إن أمريكا تزرع القمح ليس كغذاء ولكن كسلاح»، وللأسف فإن مصر تستورد نحو 70% من احتياجاتها الغذائية من الخارج بفاتورة تصل إلى 12 مليار دولار سنوياً، فهل يعقل أن نستورد سلعاً غذائية بدءاً بالقمح ومروراً بالزيوت والفول والعدس والثوم وانتهاء باللحوم والدواجن والأسماك فى الوقت الذى نردد فيه أن مصر بلد زراعي؟. ولم تسلم الصناعة من مصير الزراعة.. انظر إلى ما أصاب الصناعات التقليدية التى تميزت بها مصر، وعلى رأسها صناعة الغزل والنسيج والتداعيات الكارثية عليها نتيجة عمليات الخصخصة وبيع الكثير من المصانع بأبخس الأسعار من خلال صفقات اكتنفها الغموض وشابها الفساد.. إننا نستورد العديد من المنتجات الصناعية بدءًا بالأقلام الرصاص وحتى الطائرات من كثير من دول العالم والتى كنا نسبق بعضها منذ زمن ليس ببعيد، والسؤال الذى يفرض نفسه فى هذا السياق هو: ما الذى لا نستورده من الخارج، وليس ماذا نستورد من الخارج؟! لقد زادت فاتورة الاستيراد وأصبحت تمثل عبئاً ثقيلاً على ميزان المدفوعات، حيث تميل كفة الواردات كثيراً عن كفة الصادرات، ويعتمد الاقتصاد المصرى منذ فترة طويلة على النمط «الريعي» المتمثل فى السياحة وإيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج إلى جانب أعمال السمسرة والوكالة وتجارة الأراضى والمقاولات ومضاربات البورصة .. وهذه كلها مدخلات «ريعية» شديدة التغير بسبب عوامل عديدة منها «تأثر السياحة بسقوط الطائرة الروسية نموذجاً»، ولا يمكن لأى اقتصاد يريد تحقيق طفرة أن يعتمد عليها، ويجب أن تتمحور «روشتة العلاج» حول النقاط الثلاث التالية: أولاً: يجب علينا الأخذ بنظام الزراعة التقليدية مع التوسع الأفقى «زيادة المساحة المزروعة»، والتوسع الرأسى «زيادة إنتاجية الفدان»، وأن يتم تطوير الزراعة التقليدية بإدخال نظم الزراعة المحمية «الصوب الزراعية» والزراعة العضوية، وهو ما تأخذ به مصر حالياً ب «مشروع استصلاح مليون ونصف مليون فدان»، وإنشاء100 ألف صوبة زراعية لأن مثل هذه السياسة ستؤدى إلى خفض الاحتياجات المائية بنحو 60% من المقننات المستخدمة حالياً مع زيادة معدلات الإنتاج من المحاصيل الغذائية، ومن ثم تقليل الفجوة الغذائية الخطيرة. ثانياً: فتح المئات من المصانع المغلقة التى تفاقمت أحوالها بعد تعويم الجنيه المصري، وتشجيع الشباب على إقامة المشروعات الصغيرة التى كانت عماد القوة الاقتصادية للصين، وذلك من خلال منظومة ريادة الأعمال، وهو حل ناجع لمشكلة البطالة، بالإضافة إلى أن هذه المشروعات يمكن أن تكون بمثابة روافد تصب فى نهر التصدير. ثالثاً: إحداث ثورة فى التنمية البشرية لتنمية القدرات وزيادة الخبرة وترسيخ مفهوم الإتقان والحرص على تحقيق أعلى جودة بعيداً عن ثقافة الفهلوة وسد الخانة. د. محمد محمود يوسف أستاذ بجامعة الإسكندرية