المستشار محمود فوزى يوضح أهم القواعد المنظمة لتشكيل اللجان النوعية بالشيوخ    رئيس جامعة المنيا: «وطن السلام» رسالة مصرية تؤكد دور الدولة في صناعة السلام    منال عوض: تنفيذ 4 برامج تدريبية متخصصة لتأهيل الكوادر المحلية على استخدام الذكاء الاصطناعي    البورصة تستهل تعاملات جلسة اليوم 26 أكتوبر بارتفاع جماعي للمؤشرات    «التضامن»: الخطوط الساخنة استقبلت أكثر من 149 ألف اتصال ما بين استفسارات وطلبات وشكاوى خلال شهر سبتمبر    لأول مرة بعد وقف إطلاق النار، الصحة العالمية تجلي 41 مريضًا من غزة    ترامب: سيكون هناك سلام دائم في الشرق الأوسط بعد اتفاق وقف إطلاق النار بغزة    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 400 شاحنة محملة ب10 آلاف طن مساعدات إلى غزة    بيراميدز يستضيف «التأمين» الإثيوبى في دوري الأبطال    ليفربول للخلف دُر، ترتيب الدوري الإنجليزي قبل ختام الجولة التاسعة    كلاسيكو الأرض| موعد مباراة ريال مدريد وبرشلونة.. والقنوات الناقلة    آخر تطورات حالة إمام عاشور وموعد ظهوره في مباريات الأهلي    ضبط لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي.. وتحرير 300 محضر بأسيوط    عاجل- التضامن تخصص 12 ألف تأشيرة حج لأعضاء الجمعيات الأهلية لعام 2026    «ده أخركم».. ضبط سيدة بتهمة التعدي على أطفالها داخل حمام في الغربية    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    كيف تجهزين "لانش بوكس" صحي لأيام الامتحانات؟    وكيل وزارة الصحة بالقليوبية يتابع الاستعدادات النهائية لافتتاح مستشفى طوخ    صحة الدقهلية تناقش آليات خطة خفض معدلات الزيادة السكانية    مراسم تتويج مصطفى عسل وهانيا الحمامي ببطولة أمريكا المفتوحة للاسكواش    مواعيد مباريات اليوم الأحد 26-10- 2025 والقنوات الناقلة لها    بتروجت: وافقنا مبدئيا على انتقال حامد حمدان للزمالك في يناير    بوتين: قوات الردع النووي الروسية في أعلى مستوى وتتفوق على الدول الأخرى    اعتقالات ومداهمات إسرائيلية فى الضفة الغربية    «واشنطن بوست»: ترامب يصعد التوترات مع كندا برفع الرسوم الجمركية    درجة الحرارة اليوم.. الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس وأهم الظواهر الجوية    عدم إعادة الاختبار للغائب دون عذر.. أبرز تعليمات المدارس للطلاب مع بدء امتحانات أكتوبر    تحريات لكشف ملابسات مصرع شخص خلال مشاجرة فى الحوامدية    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة افتتاح المتحف المصرى الكبير    بعد تصدره التريند.. التفاصيل الكاملة لمسلسل «كارثة طبيعية» بطولة محمد سلام    القومي للترجمة يقيم صالون "الترجمة وتحديات التقنية الحديثة" في دورته الأولى    روزاليوسف.. قرن من الصحافة الحرة وصناعة الوعى    بورصة الدواجن اليوم.. استقرار أسعار الفراخ البيضاء عند 63 جنيها    «مدبولي»: محافظة السويس تحظى بنصيب مهم من أولويات استثمارات الدولة    هل تغير سعر الفائدة على شهادات بنك مصر؟ وما الشهادات المتاحة؟    مسئول أمريكي: الولايات المتحدة والصين تعملان على التفاصيل النهائية لاتفاق تجاري    الدكتور خالد عبدالغفار يتابع اللمسات النهائية للمؤتمر العالمي للسكان والصحة    7 ملايين و180 ألف خدمة طبية خلال حملة 100 يوم صحة بالإسكندرية    وكيل "تعليم الفيوم" يتفقد المدارس لمتابعة انضباط العملية التعليمية    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الأحد 26 أكتوبر    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    بعد قفزته 800 جنيه.. كم سجل سعر الحديد والأسمنت اليوم الأحد 26-10-2025 صباحًا؟    رغم ارتفاع أسعاره.. ما هي الأبراج التى تحب الاستثمار في الذهب؟    الأنبا كيرلس في مؤتمر مجلس الكنائس العالمي: وحدانية الكنيسة راسخة في قداستها وجامعيتها ورسوليتها منذ مجمع نيقية    «التعليم» تعلن أحقية معلمي الحصة في صرف المستحقات المالية 2024/2025    صابر الرباعي يحيي ذكرى محمد رحيم بأغنية «وحشني جدًا» في ختام مهرجان الموسيقى العربية    ميراث الدم يدفع عاملًا لإنهاء حياة سائق بالوراق    أسعار الفضة في مصر اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    النائب خليل: مصر بقيادة السيسي منارة للسلام وصوت للحكمة    هشام عباس وميريهان حسين وياسر إبراهيم يشاركون أحمد جمال وفرح الموجى فرحتهما    مواقيت الصلوات الخمس في مطروح اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    الانتخابات.. تحية للأغلبية وكشفٌ لواقع المعارضة    بداية شهر من الصلابة.. حظ برج الدلو اليوم 26 أكتوبر    محمد الغزاوى: أخدم الأهلى فى جميع المناصب ونمتلك أقوى لاعبى اسكواش بأفريقيا    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صوّر108 أفلام روائية و70 تسجيليا وحاز 37 جائزة..
سعيد شيمى: السينما حببّت إلىّ التاريخ
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 06 - 2018

► والدى كان صديقا لوالد محمد خان واعتادا اصطحابنا إلى السينما وكانت القاهرة مزدحمة بسينمات شتوى وصيفى وكنا نذهب إلى ستراند وأرض شريف وبارادى والكرنك ولوكس وسان جيمس والكورسال
► جدتى تزوجت سعيد شيمى أحد ضباط الجيش المصرى فى زمن الخديو توفيق وبعد وفاته جاء الخديو عباس حلمى وكان مواليا للمصريين وجدى كان ياور عباس حلمى
► كنا نقص إعلانات السينمات من جريدة الأهرام ونلصقها فى كراسة خصصناها للتقييم ونمنح كل فيلم تقديرا «من حلو إلى زفت» حسب سِنّنا وفهمنا
► «على فهمي» أحد قيادات الثورة العرابية والد جدتى وحكم عليه بالإعدام
ثم خُفِّف الحكم بالنفى إلى جزيرة سيلان وكان آخر من عاد مع عرابى إلى مصر بعد19سنة.
تداخل التاريخ والفن فى حياة الفنان «سعيد شيمي» منذ بداياته بلا قصد منه، فجده «على فهمي» أحد قادة الثورة العرابية، وسمع حكايات بطولته مع كبار العرابيين تترد فى بيتهم من صغره، ووُلد فى بيت مجاور مباشرة ل «قصر عابدين»، وشاهد الملك فاروق فى شرفة القصر فى الاحتفال بعيدى الجلوس والميلاد. ورأى حريق القاهرة بعينيه، ثم شاف دبابات ثورة يوليو تحاصر القصر، وتنهى حكم أسرة محمد علي، وتابع جميع التطورات اللاحقة كشاهد عيان. وفى الوقت نفسه كان يذهب مع صديق عمره «محمد خان» إلى «سينمات وسط البلد»، وكانت كثيرة، ليتابعا معا أهم الأفلام العالمية، ويقلدانها، ويقيمانها، وتمكن حب الفن من وجدانهما، وشغفته الأفلام التاريخية، وشغلته بأسئلة كثيرة، بحث عن إجاباتها فى قسم التاريخ بآداب القاهرة، التى درس فيها وعرف أن مصر أعرق، وأقدم بلد فى العالم.
وبالتزامن درس الفن فى معهد السينما، وتخصص فى التصوير، ومنحه شادى عبد السلام أولى فرصه، وتوالت عشرات الأفلام التى صورها بقلبه، وأثمرت خبرته العملية 23 كتابا عن السينما والتصوير. وبعدما أبلى بلاء حسنا فى عمله، آثر أن يلتقط أنفاسه، ويستريح من حمل الكاميرا على كتفه لعدة عقود فى الشوارع، خلف النجوم، ليقدم أكثر من مائة من أهم الأفلام المصرية، ويتفرغ للكتابة المفيدة، ويتأمل رحلته الشاقة الممتعة على مهل يليق بتجربته الثرية.
سعيد شيمى فى أثناء حواره مع الأهرام
درست التاريخ فى آداب القاهرة، فبدا الأمر كأن دراستك مفارقة لعشقك وموهبتك فى التصوير السينمائى الذى برعت فيه، فكيف ترى علاقة التاريخ والسينما، وهل السينما أمينة على التاريخ بظنك، أم أن الآلية والآلة رهن مزاج المنتج؟
التأثير عكسي، فالسينما هى التى حببّتنى فى التاريخ. كنت أدخل السينما فى صغري، مع محمد خان صديق العمر، كنت أفضل أفلام الأكشن والحرب، وأتساءل عن طرفى النزاع: «من الإغريق؟، ومن الفايكنج؟». واهتممت بمعرفة أصول القصص. وكان والدى طبيب أسنان، فاختار لى ولأختى المدرسة الألمانية، لأنها كانت قريبة فى باب اللوق، وانتقلت إلى مدرسة الناصرية فى أرض معروف(المعروفة بقصر شامبليون)، وهى التى بدأت فيها دراسة التاريخ، ومنها كنا نذهب فى رحلات إلى الأماكن الأثرية، وزرت المتحف المصرى فى التحرير، وانبهرت، فالتاريخ ليس فايكنج وإغريق فقط! وزرنا متحف الحضارة، (مكان المركز القومى للترجمة الآن)، وأمامه القبة السماوية، وهذه الرحلات ضاعفت شغفى بالتاريخ. وقصر مدرس الناصرية نفسه كان باعثا على التأمل، فجدرانه مزينة بالتماثيل والزخارف الجصية وواجهات الأبواب بها أعمدة ضخمة. حتى بيتنا، كانت فيه تماثيل وقطع فنية كثيرة، منها مثلا تمثال بوذا. ولوحات فنية رائعة، وتماثيل صغيرة تقتنيها أمي. كل هذا حرضنى على التفكير وحب الفن. إضافة لموقع بيتنا، أمام ميدان وقصر عابدين، أمام «قشلاق الحرس الملكي»، ورأيت الملك فاروق شخصيا، وشاهدت حريق القاهرة أثناء وجودى فى مدرسة الناصرية. وقبل الحريق بيوم رأيت الملك فى شرفة القصر، ورأيته فى عربته الملونة بالأحمر والأسود، و«الأمشجية» الحفاة يحيطون بعربته، ورأيت الاحتفال بعيدى ميلاد الملك وجلوسه على العرش، كما رأيت دبابات ثورة يوليو فى ساحة القصر، لقد ولدت فى قلب أحداث التاريخ، وكانت حرب 1948 (النكبة) أول ما قامت ذاكرتى بتسجيله، وعمتى تقرأ القرآن للتهوين من قع الأخبار.
كيف تداخل التاريخ والفن لاحقا؟
كان والدى صديقا لوالد محمد خان، واعتادا اصطحابنا معهما إلى السينما، وكانت القاهرة مزدحمة بالسينمات الشتوى والصيفي، وكنا نذهب إلى سينمات ستراند، وأرض شريف فى شارع عبد العزيز، وبارادي، والكرنك، ولوكس، وسان جيمس، والكورسال. وكانت السينما الصيفى فسحة الأسر المصرية فى الأربعينيات والخمسينيات! والفن كان لعبا لنا كأطفال، نرجع من السينما نمثل ما رأيناه، نجعل الدولاب جبلا ونقفز، وظهرت ميول محمد خان فى كتابة القصص المأساوية، وكنا نقص إعلانات السينمات من جريدة الأهرام، ونلصقها فى كراسة خصصناها للتقييم، ونمنح كل فيلم تقديرا، «من حلو إلى زفت» حسب سِنّنا وفهمنا، وفى العام الذى حصلت فيه على الثانوية، سافر محمد خان مع والده الذى كان يستورد ويتاجر فى الشاى فى مصر، وبانفصال باكستان عن الهند صار رئيس الجالية الباكستانية، وحين قامت ثورة يوليو ونظمت التجارة، سافر إلى لندن لأن دول الكومنولث تسمح بتنقل رعاياها بسهولة، وسافر في1959، وكان هذا العام فاصلا، سافر محمد، وتُوفى والدي، وفى جريدة الأهرام التى كنت أواظب عليها، قرأت خبرا مفاده أن ثروت عكاشة سيفتتح المعهد العالى للسينما فى 24 أكتوبر 1959، وتعجبت: «هل المجال الذى ألعب فيه هذا له معهد؟!». وذهبت إلى شارع الهرم للاستفسار عن سبل الالتحاق بالمعهد، والمدهش أن محمد خان الذى قرر دراسة الهندسة فى لندن، شاهد أفلاما مختلفة عما كنا نشاهده معا فى مصر، إيطالية وفرنسية، وربما تأثر بوالدته ذات الأصل الطلياني! وبسبب تلك الأفلام قرر دراسة السينما، ما يعنى أننا قررنا دراسة السينما فى الوقت نفسه، وكنا فى السادسة عشرة. وفى المرحلة الإعدادية كانت مدرستى فى شارع مصر والسودان، ووراء المدرسة كانت سينما هونولولو، وهى ملك دولت أبيض. وكانت الحصتان الأخيرتان كل خميس، بالاتفاق مع إدارة المدرسة، مخصصتين لرحلة إلى تلك السينما، وفيها شاهدت أفلاما مسلسلة ومغامرات، وفى مدرسة النقراشى النموذجية الثانوية اخترت الصحافة كهواية، وقمت بعمل مجلة وكتبت فيها نقدا فنيا، كنت أحكى الفيلم فقط، وكان هناك تقليد يغضبنى إذا صادف يوم الخميس، حيث كانوا يخرجون تلاميذ مدرستنا لنصطف مرحبين بضيوف مصر أثناء عبورهم أمام المدرسة فى طريقهم إلى قصر القبة أيام عبد الناصر، لأن ذلك كان يحرمنى من مشاهدة الأفلام.
هل كانت هذه الخبرات مفيدة، محل الحلويات، ودراسة تاريخ؟
كل هذه التفاصيل أفادتني، ففى تلك المرحلة تفتح أفقى أكثر، وعرفت سور الأزبكية القديم، ومجلة الكاتب، التى وجدت فيها تلخيصا للأدب العالمى والتاريخ. وأتذكر رمزها، كان مصباح علاء الدين تخرج منه شعلة، والقراءة قدمت لى موضوعات لم أرها فى السينما، وكان محمد خان يحكى لى فى خطاباته عن أهم الأفلام التى شاهدها، وأحكى له عن الأفلام المصرية الجديدة، واستمرت هذه الخطابات من 1959 إلى 1977، وكانت حوارا متصلا عن السينما العالمية، خاصة أن العدوان الثلاثى كان قد قطع علاقات مصر بفرنسا، ثم عادت عام 1964، وأقاموا أسبوعا للفيلم الفرنسى فى سينما رمسيس، ثم انضممت إلى «جمعية الفيلم» فى متحف العلوم بباب اللوق، مكان مول البستان الآن. وحاولت التقديم فى معهد السينما، وكان مسموحا بالدراسة فى مكانين بالتزامن، وكانت معى مجموعة صور التقطها بنفسي، ورآها مدير المعهد، ولم تعجبه صورة إباحية منها، واستنكر قائلا: هل تحسب السينما دعارة؟ وطردنى من اللجنة، فأسست فريق للسينما فى الجامعة، وأحضرت الممثلين، وصورت فيلما تسجيليا8 ملى عن الحياة داخل الجامعة، وعرضته فى جمعية الفيلم، وأجرى «سامى السلموني» معى حوارا صحفيا، وكان وقتها طالبا فى صحافة بالجامعة، وفى العام الثانى رفضنى مدير المعهد ثانية، وفى المرة الثالثة صار عمري24 سنة وهو ضد لائحة الالتحاق بالمعهد، ومررت بظروف نفسية صعبة، قبل النكسة، وكنت أشترى المجلات الأمريكية، فوجدت مدرسة تُعلّم التصوير الفوتوغرافى بالمراسلة، وبالفعل كتبت إليهم، وأرسلوا إليّ كل أدوات التعلم بالبريد، وأوقفت الحرب هذا المشروع قليلا. وفى الفترة نفسها واظبت على الحضور فى جمعية الفيلم، وكان رئيسها أحمد الحضري، وكان عملى فى محل حلويات خالى قد خلصنى من الانطواء، وأكسبنى قدرة على النقاش والمحاورة، وأكمل نقاش جمعية الفيلم هذه الحالة، وتصادف أن تولى أحمد الحضرى إدارة معهد السينما، وكان يعرف قصتى جيدا، فدعانى لتقديم أوراقي، وحصلت على تقدير جيد جدا فى كل السنوات، بل صرت مديرا للتصوير وأنا فى الصف الثالث، بفضل شادى عبد السلام، وكنت محظوظا لأن معظم أساتذة المعهد كانوا أجانب، إضافة إلى مصريين مميزين كشادى عبد السلام، وفى تلك الفترة افتتح نادى السينما، وصار للثقافة السينمائية منافذ كثيرة، وعندما عرض شادى عبد السلام فيلم المومياء انبهرت بالمشاهد، كان عكس السائد تماما، وبعد الفيلم دعانى لزيارته فى المركز التجريبى للأفلام التسجيلية الذى تم إنشاؤه فى استديو النحاس وأداره شادى عبد السلام، وكنت ضمن من احتضنهم آنذاك، وأوكل لى تصوير فيلم تسجيلي، تخرجت وبدأت تصوير فيلم تسجيلى مع المخرج أحمد راشد اسمه «بورسعيد1971» عن تهجير أهالى بورسعيد، وحصلت على أول جائزة كمحترف عن الفيلم. وهنا أحب أن أتحدث عن دافعى لهذا الفيلم، وهو ثأرى مع الإنجليز، فعندما كبرت عرفت تاريخ أسرتي، وأن «على فهمي» أحد قيادات الثورة العرابية والد جدتي، وحكم على سبعة بالإعدام، ثم خُفِّف الحكم إلى النفى إلى جزيرة سيلان، وكان آخر من عاد مع عرابى إلى مصر، بعد19سنة. وجدتى بنت على فهمى تزوجت سعيد شيمى أحد ضباط الجيش المصرى فى زمن الخديوى توفيق، وبعد وفاته جاء الخديو عباس حلمى وكان مواليا للمصريين، وجدى كان ياور عباس حلمي، وحين قامت الحرب العالمية الأولي، خلع الإنجليز الخديو، وجد سعيد شيمى ومجموعة من الضباط وطردوا خارج مصر، فاتجهوا إلى اسطنبول، وكان والدى عمره وقتذاك تسع سنوات، وعاش هناك ودرس الطب، مات أبى وجدي، لكن ثمة ثأرا أحسه بينى وبين الانجليز.
وكيف بدأ التعاون بينك وبين محمد خان؟
بعد تأميم السينما عام 1962، وجدت إعلانا فى جريدة الأهرام لشركة إنتاج تطلب شبابا من دارسى السينما. وكان محمد خان يعانى فى لندن، ويلتحق بأعمال كثيرة ليعيش، وأرسلت إليه الإعلان، فراسل صلاح أبو سيف، وكان رئيس مجلس الإدارة، فطلب من خان المجيء على حسابه، بالفعل تم تعيينه فى لجنة القراءة مع رأفت الميهى ومصطفى محرم وحورية حبيش وهاشم النحاس، وكانت هذه المجموعة تحضر مع يحيى حقى ندوة الفيلم المختار، التى أقيمت فى حديقة قصر عابدين لعام واحد، بعدما أزالت الثورة سور القصر لتتيح الحديقة للشعب، وعرضت فيها الأفلام الدعائية وجريدة مصر، الناطقة فيما بعد، أو الأفلام الروائية.
حصلت على ثلاثة دبلومات دولية، فى الغوص، لتبدأ التصوير تحت الماء، ما يعكس عشقك للتصوير، ليس كمهنة فقط، بل مضمار لطموح بلا سقف؟
فى سن 21 قررت الانفصال فى شقة بمفردي، حتى لا يتدخل خالى فى دراستي، ولم أكن دخلت معهد السينما، ولم يكن لدى دخل، وبحثت عن ابن عمتي، وكان من أبطال مصر فى التجديف، وكان لديه عدد من «التاكسيات»، وأخبرته برغبتي، فعرض على العمل على معه، مقابل ثمانية جنيهات فى الشهر، ووجدت غرفة ب 5 جنيهات فى بنسيون مدام توسكا أمام سينما ريفولي، تطل على مسرح إسماعيل ياسين (ميامى الصيفي)، وقسّمت باقى أجرى على الأيام، كل يوم عشرة قروش، آكل بقرشين ونصف: طبق فول وسلطة، وأدخل سينما يوميا بالباقي. واستمر هذا الوضع طوال عام كامل. وزارنى أصغر أخوالى عبد الرحيم فى البنسيون، وكان متمردا أكثر مني، ويعلم حبى للتصوير، وعرض على أن أعود للعمل فى محل الحلويات، وكان بالقرب من البنسيون، وبالفعل، وكان راتبى 40 جنيها! المدهش أنه حين تم تعيينى بعد تخرجى كان راتبى 22 جنيها ونصف الجنيه!
شاركت فى لجان التحكيم فى مهرجانات كثيرة، ولجان التحكيم تشبه منصة القضاء، ألم تتهيب صعوبة النزاهة؟
لم أكن فى لجان تحكيم إلا بعدما وثقوا في، بعدما صارت لدى معلومات غزيرة، ونزاهة أحكامي، ابنى نفسه حين اختار برغبته معهد السينما قسم التصوير لم أتدخل فى اختياره، ولم أذهب إلى هناك طوال أربعة أعوام حتى تخرج، وعندما رسب فى إحدى المرات لم أتدخل فى النتيجة! كذلك كنت فى لجنة تحكيم المجلس الأعلي، ووجدت ابنى مشاركا فى المسابقة فاعتذرت عن عدم التحكيم بعد أن أخبرت سمير فريد بوجود فيلم لابني، وبنفس المعايير أقوم بالتحكيم فى المسابقات.
لك مجموعة كتب مثل «التصوير تحت الماء»، و«تاريخ التصوير السينمائي»، و«السينما وحيلها الساحرة»، فمن بتقديرك يؤثر على الآخر أكثر، الثقافة تبلور الخبرة العملية، أم أن الكتب تكون أفضل إزاء نتيجة الخبرة العملية؟
لدى ثلاثة وعشرون كتابا، نشرت معظمها فى سلسلة آفاق السينما فى هيئة قصور الثقافة، وواحد منها صدر عن هيئة الكتاب هو «التصوير السينمائى تحت الماء»، وأكتب منذ كنت فى الثانوي، لكن لم أفكر أثناء عملى كمدير تصوير. صورت 108 فيلما روائيا، و70 فيلما تسجيليا، وحزت 37 جائزة. والحقيقة أن الخبرة تتحكم فى كل خطواتي، فقد حصلت على خبرة من كل عمل قمت به، واستفدت من عمال السينما القدامى الذين عملوا فى الاستوديوهات القديمة، وقلت فى كتبى إن خبرة عمال الكاميرا والإضاءة أكبر مما حصلت عليها من الأكاديميين، لأن الأكاديمى محصور فيما قرأه من كتب. ولم أفكر فى الكتابة عن التصوير تحت الماء على الرغم من إجادتى للغوص إلا بعد تصوير فيلم «الطريق إلى إيلات» أدركت أن لدى معلومات كبيرة، لأن التصوير تحت المياه وقراءاتى أكسبانى الكثير، وكان هذا فى 1996، إذن الخبرة هى ما جعلتنى أكتب.
كيف ترى العلاقة بين المخرج ومدير التصوير، هل هى إيجابية من الطرفين، أم أن أحدهما يجب أن يوجه الآخر، وبما أن البعض يقول إن الفيلم للمخرج، فهل له الكلمة العليا فى التصوير أيضا، أم أن مدير التصوير صاحب الرأى فى اللقطات والمشاهد والإضاءة؟
المخرج صاحب الفيلم بنسبة مائة بالمائة، مثل ريس المركب، لكن العمل السينمائى جماعي، المخرج ليس مصورا، ولا ديكوريست، المخرج يوجه الممثلين، وفى النهاية رأيه هو الأعلي، لكننى كنت محظوظا، عملت مع جيل يسبقني، أغلب أعمالى مع جيلي، ومع أبنائي.
كيف تعمل مع المخرج؟
كل مخرج له تفكيره وطريقته، وما يربطنى به السيناريو، الفيلم على الورق، القصة والحوار. والترجمة البصرية مسئولية المخرج ومدير التصوير ويشترك معها فى أجزاء من الفيلم مهندس الديكور. وعادة أقرأ السيناريو، وأُعمل خيالى بترجمة الكلام إلى صورة، التقنية التى لدى كل المصورين، الإضاءة والعدسات والحركة والتكوين والألوان. المخرج يعرف هذه التقنية نفسها لكنه ليس متخصصا، وعملت مع مخرجين يفهمون التقنية جيدا، المخرج يختار من يثق بأنه قادر على ترجمة السيناريو إلى صورة، أما المنتج فاختياره لمدير التصوير له علاقة بالفلوس، هذا المصور سيأخذ وقتا كبيرا فى التصوير؟ هل سيطلب معدات كثيرة؟ هذه قضية يحلها المخرج عادة مع المنتج! وفى مرحلة الإعداد أناقش المخرج، فإذا كان بيننا تفاهم على شكل الفيلم، واقعى أو أكشن أم رعب أم كوميدي، ويحدث أثناء التصوير أن نغير الحالة لصالح العمل، والقرار فى النهاية للمخرج، أنا مسئول عن الصورة، أما المخرج فيحكى الفيلم، ويقطعه حسب السيناريو، ويختلف كل مخرج عن الآخر فى اختيار زاوية التصوير، وكمدير تصوير يجب أن يكون لديك القابلية لاستيعاب وتقبل أفكار المخرج، ومع الوقت والتكرار عرفت طريقة تفكير كل واحد منهم.
أنت مصور فيلم «سواق الأتوبيس» وفيه لقطة للأب عماد حمدى المأزوم وهو يرفض طلب تاجر مخدرات للزواج من ابنته، من اختار الزاوية؟.
هذه هى الأدوات، لغة التصوير، كنت أريد تعظيم موقف الأب الذى يرفض أن يبيع ابنته، واتفقت مع عاطف الطيب، على صياغة مشهد نزول نور الشريف السلالم، على أن يكون هذا المشهد حاملا زمنه الآني، وزمنا مسترجعا من طفولته، وبالرغم من قلة الإمكانيات، والبيت كان حقيقيا وليس «بلاتوها»، وبعد تفكير بالتوصل إلى أن استخدام بضعة فلاتر «زجاج مرشوش» لتوحى بالضبابية، واستعنا بخلفية بيضاء، وأعجبت الفكرة عاطف الطيب وبالفعل تم التصوير هكذا وظهر المشهد كما رآه المشاهدين.
هل يختار النجوم المصورين كما سمعنا أن فاتن حمامة كانت تفضل «وحيد فريد» طوال حياته، وهل وجود مصور بعينه يحسم موافقة بعض الفنانين على الأفلام؟
نعم، هذه حقيقة، سعاد حسنى أيضا، فى موعد على العشاء اشترطت أن يقوم «محسن نصر» بالتصوير، وهى حالة نفسية، فمن ضمن وظائف المصور تجميل النجم، لأنه فاترينة السينما والمسئول عن دخل الشباك، لكن السينما تطورت، وفكرة النجم فى الستينيات وما تلاها انكسرت تماما فى السينما العالمية وليس مصر فقط، فى السبعينات تم إنتاج فيلم كليوباترا بنجمة كبيرة هى «إليزابيث تيلور» بميزانية ضخمة وإمكانيات هائلة، وفى الوقت نفسه تم إنتاج فيلم «قصة حب» (love story) بميزانية صغيرة للغاية، وكليوباترا كان سببا فى إفلاس شركة فوكس، أما «قصة حب» ف«كسر الدنيا»، ومن وقتها والسينما الأمريكية تغيرت، وسبقتها موجة الأفلام الأوروبية الأقرب إلى الناس، وفى مصر تحدث الأمور متأخرة كثيرا.
هل على المصور إخفاء تجاعيد السن أو الشيب أو العيوب الخلقية لدى النجوم؟
بالطبع، كثير من الممثلات يردن الظهور بأجمل وجه حتى لو كانت تمثل دور محتجزة فى كراكون، ثمة كوارث حدثت مع ممثلين وممثلات فى هذا الأمر، كثيرون لا يريدون هذا إلا إذا الدور تطلب هذا، ولدينا تقنيات إضاءة تساعد على إظهار ما إذا كانت الغرفة حارة أو رطبة باردة، كان لدى هدف واحد، هل هذا يخدم الدراما أم لا، وهل يوافق المخرج على ما أفعله أم لا.
قلت إن فكرة فيلم «الطريق إلى إيلات» تنسب لك مائة بالمائة، بعد أن قرات خبرا فى جريدة الأهرام عن تفجير الضفادع البشرية ل «بيت شيفع» و«بيت يام»، وتمنيت حينها توثيق الفكرة وظللت تحلم بتقديم الفيلم فما الذى جعلك تقبض عليها كل هذه السنين؟
هو نفس إصرارى على دخول معهد السينما الذى حدثتك عنه، ودعنى أذكرك بشركة «مترو جولدن ماير» حين قدمت بطلة السباحة «استر وليامز» فى أفلامها الشهيرة، وجعلتها نجمة تقدم أفلاما استعراضية فى المياه، وبخصوص التصوير تحت المياه، وكنت أتمنى معرفة طريقته، إلى أن رأيت فيلم «طوربيد الموت» الذى يجسد هجوم الطليان على ميناء اسكندرية وتفجير قطع بحرية. وبعد النكسة حدثت خمس عمليات فى إيلات، التى دمجناها فى عملية واحدة بالفيلم، وكانت فى 1968/ 1969، وكنت قد قدمت لاحقا إلى وزارة الحربية برغبتى فى عمل فيلم عن تلك العمليات، وبالفعل أحضروا لى «نبيل عبد الوهاب» الذى درب الضفادع على العملية، ومن هول التفاصيل تصورت أن ما يحكيه خيالا لا يمكن أن يكون حدث فعلا. واستهولت ما قاله عن غوص الضفادع فى ظلام الأعماق ولا شيء معهم غير البوصلة! والمسافة الطويلة إلى النقاط المراد تفجيرها، وكذلك مهمات نقل الملابس والمعدات إلى الأردن والعراق! تفاصيل بمثابة المعجزة.
من الممثل أو الممثلة الذى يجعلك سعيدا وأنت تقوم بتصوير أفلامه؟
الممثلون الجيدون الذين عملت معهم، محمود المليجى من الجيل القديم، هو ممثل عظيم، كان يحكى معك قبل التصوير وبمجرد بدء التصوير يجعلك تنبهر وتبكي، كذلك أحمد زكي، وحالفنى الحظ بالعمل معه، إمبراطور، مريح وغير مريح، يمتلك شخصيتين، فى الحياة العادية شخص مريح، لكن مع بدء التصوير يتحول إلى الشخصية التى يمثلها، لا تقدر على الحديث معه! لكنه ممثل يفوق الجميع. وهناك ممثلين تتحسب لهم ألف مرة، مثل سناء جميل. فى مشهد من فيلم المجهول، كان من المفترض أن نجلاء فتحى تصفعها بشكل متوال وبقوة، طلبت سناء جميل منها أن تضربها بشكل حقيقي، المشهد صعب، والمخرج سعيد بحقيقية الضرب، بدأ المشهد وبدأ الضرب، كنت أصور وأتمنى أن ينتهى الأمر من قوته! لكنه لن يتوقف إلا بأمر المخرج، وبمجرد التوقف انهارت كلتاهما «سناء جميل» و«نجلاء فتحي» لكننى بكيت فى فيلمين، الأول فى فيلم تسجيلى اسمه «أبطال من مصر» عن أسرة من بنى سويف، ابنها «فتحى عبادة» كان متفوقا فى كلية التجارة وتم تجنيده واستشهد فى الحرب، أمه ممرضة وأبوه عامل بسيط، وهى تقرأ خطابات ابنها أثناء التصوير قالت إن ابنها لم يطلب منها الدعاء له أبدا، بل كان يقول: «ادع لمصر» والأم تعقب باللهجة الصعيدية وتقول: «الفراق صعيب» المرة الثانية التى بكيت فيها كانت أثناء تصوير فيلم «الطريق إلى إيلات» تحديدا وأنا أصور مشهد سحب «البرقوقي»، الضفدع الذى مات أثناء العملية، وسحبه صديقه مسافة 11 كيلو متر، حتى لا يترك جثته للعدو الإسرائيلي!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.