"المادة المصورة تسلمتها المخابرات العسكرية .. وكل مشاهد المعركة فى الأفلام ليست حقيقية". "أول ما يحصل ضرب .. ارمى نفسك فى أقرب حفرة" .. نصيحة الجنود لنا فى سيناء. "الطريق إلى إيلات" أقرب ما يكون للواقع .. و مازلنا فى إنتظار عمل يليق بحرب أكتوبر". حوار – مارينا ميلاد الصورة أبلغ من ألف كلمة، لكن ربما يكون الواقع أبلغ من آلاف الكلمات و الصور .. هكذا تتلخص تجربته فى تصوير حربى الاستنزاف و السادس من أكتوبر .. سعيد شيمى، المصور السينمائى، الذى حمل كاميراته بين الخنادق و الطرق الضيقة متحدياً المخاطر والرصاص، لتوثيق أهم المشاهد فى تاريخ مصر. تسجيل و توثيق أحداث الحرب .. كان أحد أهداف المركز القومى للسينما، الذى تم إنشاءه عام 1967، برئاسة الكاتب الكبير حسن فؤاد، الأمر الذى جعل بعض المصورين و المخرجين يتطوعون للذهاب إلى أماكن القتال و نقل ما يحدث من خلال أفلام تسجيلية، ومنهم "شيمى" الذى قال ل "اونا" : "خلال 6 سنوات حرب الاستنزاف كنت بسافر ضمن مجموعة من المصورين 5 أيام كل شهر إلى السويس، الإسماعيلية، بورسعيد، الجبهة، ووقتها كان فريق الصاعقة بيقوم بعمليات مفاجئة فى أى لحظة، ولازم نكون مستعدين .. وقت التصوير كنا بنبقى موجودين فى خنادق و طرق تحت الأرض، ومكنش ينفع نرفع رؤسنا لأن القناصة من الناحيتين حوالينا"، موضحاَ أن "بورسعيد 71″ من أهم الأفلام التسجيلية، التى قام بتصويرها عن تهجير أهالى بورسعيد فى تلك الفترة. فجر يوم 13 أكتوبر انتقل "شيمى" و معه المخرج داود عبد السيد إلى الإسماعيلية لتبدأ مهمتهم الشاقة فى تصوير أحداث حرب أكتوبر:"قدمت وزارة الثقافة طلب للقوات المسلحة لأخذ تصريح بالسفر و التصوير، وبالتالى تم توزيعنا أنا و المخرج داود عبد السيد على الجيش الثانى الميدانى من الإسماعيلية حتى منطقة الشجرة بسيناء، والمصور محمود عبد السميع، والمخرج حسام على على الجيش الثالث الميدانى فى السويس، وكان بيرافقنا مندوب عسكرى لتوجهينا للطرق الأمنة، و النصيحة اللى كانوا بيقولوها دائماً أن أول ما يحصل ضرب ارمى نفسك فى أقرب حفرة". ويروى خلال حواره ل "اونا":"كان الخطر حوالينا طول الوقت ومعرضين للموت فى أى لحظة، لكن الروح المعنوية كانت مرتفعة جداً عندنا وعند الجنود، اللى كانوا بيقعدونا فى معسكراتهم و بنفطر مع بعض كل يوم فى رمضان"، ويستكمل:"الدبابات المحترقة والجثث كانت منتشرة فى كل الطرق، خاصة فى منطقة "معركة الدبابات"، وهى منطقة فى القطاع الاوسط من سيناء .. صورت 10 أفلام كل فيلم مدته 4 دقايق، ورجعنا يوم 23 أكتوبر." "جندى تغطى الدماء ملابسه، ذهب لقائده ليؤدى التحية العسكرية له و يبلغه بإصابته، واقفاً على رجليه، رافضاَ أن يترك سلاحه" .. المشهد الذى لا يستطيع "شيمى" أن ينساه، قائلاً :" المواقف اللى شفناها كانت فوق الخيال، و لو كلها اتعملت فى السينما مكنش حد هيصدقها، لكنها كانت حقيقية". ويحكى:"انتقلنا لبورفؤاد بعد الرجوع من سيناء لتصوير نقطة حصينة هناك، لكن معرفناش نصور بسبب ازدياد حدة الضرب، وكل اللى صورناه اتسلم للمخابرات العسكرية، وبعدين خرجوا اللى ينفع يتعرض، وعملنا منه الأفلام التسجيلية والوثائقية على الحرب، منها: أبطال من مصر، صائد الدبابات، جيوش الشمس، مسافر إلى الشمال. مسافر إلى الجنوب، وحكاية من زمن جميل، الذى حصلت عنه على جائزة الدولة التقديرية." "5 أفلام روائية تناولت حرب أكتوبر بشكل مباشر، وكل مشاهد المعركة ليست حقيقية" .. يرى "شيمى" أن فيلم الرصاصة لا تزال فى جيبى، الذى شارك فى تصوير بعض مشاهده، أفضل تلك الافلام لأن تنفيذه يحاكى الواقع تماماً، وتم تصويره فى معسكرات بالإسماعيلية، أما فيلم الطريق إلى إيلات فيعتبره من أفضل الأفلام الروائية عن حرب الاستنزاف، مضيفاً: "تواصلت مع الضفادع البشرية ورجال المخابرات العسكرية، وتم تصوير الفيلم فى جبال سيناء، و جزء آخر فى الأردن؛ فخرج أقرب ما يكون للواقع ". "محمد سعيد شيمى"، المولود فى عابدين عام 1943، بدأ تصوير الأفلام بكاميرا 8 ميللى فى الستينات، ودرس الآداب بجامعة القاهرة لمدة 3 سنوات، ثم التحق بالمعهد العالى للسينما عام 1971 قسم تصوير سينمائى، وحصل على دبلوم متخصص فى التصوير الفوتوغرافى من الولاياتالمتحدةالامريكية عام 1969، إضافة إلى دبلومات دولية فى التصوير السينمائى تحت الماء، وتم إختياره عضواً ورئيس لجنة تحكيم فى عدد من المهرجانات الدولية .. من أفلامه : "جزيرة الشيطان، ضربة شمس، إعدام ميت، ضد الحكومة، كتيبة الاعدام، سلام يا صاحبى، احنا بتوع الاتوبيس". "التصوير السينمائى تحت الماء"، "تاريخ التصوير السينمائى فى مصر"، "سحر الالوان من اللوحة للشاشة"، "الصورة السينمائية من السينما الصامتة إلى الرقمية" .. مجموعة كتب ضمن 18 كتاب قام "شيمى" بتأليفها، ليشرح فيها أسس التصوير السينمائى، فن الخدع و الألوان، التصوير تحت الماء، وتصوير المعارك. يتمنى المصور السينمائى الكبير سعيد شيمى، الذى يقوم بالتدريس فى الجامعة الفرنسية، و معهد التليفزيون، و قصر السينما، إضافة إلى عدد من أكاديميات الإعلام داخل وخارج مصر، أن يرى فى إحتفالات اكتوبر هذا العام أو العام القادم أفلام عن الحرب تكون على المستوى المطلوب، مختتماً:" السينما دورها تخليد هذه الأحداث بالشكل الذى يليق بها، ومازلنا فى إنتظارتحقيق ذلك".