لعل هذه هى المرة الأولى التى يصف فيها مسئولون بريطانيون إلقاء القبض على إثنين من إرهابى تنظيم داعش، يحملان الجنسية البريطانية، بأنه «كنز ثمين» سيتم استخراج معلومات مخابراتية منه حول التنظيم وأنشطته. كانت شهرة هذين الإرهابيين بالتحديد قد ذاعت، لارتكابهما أعمالا وحشية ضد من يقع تحت يد التنظيم، وذكرت الحكومة الأمريكية أنهما شاركا فى قطع رءوس أكثر من 27 شخصا، وكان يطلق عليهما «الخنافس» تشبها بلقب فرقة المغنيين البريطانيين الشهيرة فى السبعينيات من القرن الماضي، وذلك بسبب لهجتهما البريطانية. والاثنان هما ألكسندر كوتى والشفيع الشيخ، وهو من أصل سوداني. نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أخيرا أنباء عن نجاح القوات الديمقراطية السورية الكردية فى إلقاء القبض على كوتى والشيخ أثناء معارك الأكراد ضد تنظيم داعش فى سوريا، بينما ذكرت صحيفة «التايمز» البريطانية أن مسئولين أمريكيين أتيح لهم مقابلة الاثنين، وأن مصدرا رفيع المستوى قال أنهما اعترفا بمعلومات هامة حول أماكن تواجد بقايا قيادة تنظيم داعش. ومن المعروف أن وزارة الخارجية البريطانية قد جردت هذين الإرهابيين من جنسيتهما البريطانية، وأنهما الآن لا يحملان جنسية أى دولة، كما أنهما مطلوبان من قبل الولاياتالمتحدة باعتبارهما عضوين فى تنظيم قتل اثنين من الصحفيين الأمريكيين. وبمقتضى تجريدهما من جنسيتهما البريطانية فإنهما ممنوعان من دخول بريطانيا، وبالتالى هناك تفكير الآن فى تقديمهما إلى المحكمة الجنائية فى لاهاي. ومن جانبها أوضحت الخارجية البريطانية أنها على اتصال مع السوريين لتحديد مصير هذين الإرهابيين ومن المنتظر أن تطلب الولاياتالمتحدة من أكراد سوريا تسليمهما إليها، وهو ما يعنى احتمالا إيداعهما معتقل جوانتانامو أو أى سجن أمريكى أخر. كما ذكرت الخارجية الأمريكية أن هناك احتمالا فى تورطهما فى عمليات تعذيب قاسية بشكل مبالغ فيه ضد من يقوم التنظيم الإرهابى باختطافهم، كما أنهما كانا يقومان بتجنيد أعضاء جدد للانضمام لتنظيم داعش. وحسب المعلومات الشخصية عنهما والتى نشرتها صحيفة «التايمز» البريطانية، فإن الشفيع وعمره 28 عاما، قد ولد فى السودان، وبعدها انتقل إلى بريطانيا وعاش فى وايت سيتى غرب لندن، وقالت والدته إنه قد تم دفعه إلى التطرف محليا عن طريق شخص يدعى أنه رجل دين ويحض على الكراهية، وأن ابنها سافر إلى سوريا عام 2012، أما الثانى وهو ألكسندر كوتى وعمره 33 عاما، فهو من ضاحية شبرد بوش غرب لندن، وفى فبراير 2009 ترك زوجته وطفليه وسافر إلى غزه، ثم ظهر بعد ذلك فى سوريا. ولم تره أسرته منذ ذلك الحين. ويبدو أن قضية كوتى والشفيع دفعت إلى فتح ملفات آخرى عن أشخاص يختفون بعيدا عن عائلاتهم، ولا يعرف عنهم شيء بعد ذلك، ثم يتبين أنهم يعملون لحساب داعش بعد تجنيدهم فى التنظيم، ومن ضمن ما تكشف بعد فتح بعض هذه الملفات، ما جرى خلال محاكمة الجندى البريطانى السابق جيمس ماتيوس بعد ظهوره فى فيلم تسجيلى عن القتال ضد داعش فى سوريا، وكانت المفاجأة أن الجندى البريطانى ظهر فى هذا الفيلم داخل معسكر تدريبى فى داعش، وهو الفيلم الذى أذاعته القناة الرابعة البريطانية عام 2015، فى حين أن ماتيوس كان قد ذهب إلى سوريا تحت حجة التطوع إلى جانب قوات الشعب الكردية. محاكمة ماتيوس ألقت الضوء على مسألة خروج بعض الأشخاص من دولهم بحجة القيام بأعمال إنسانية تطوعية فى دول أخري، ثم يتضح بعد ذلك إنضمامهم إلى تنظيم داعش دون أن يعرف ذويهم أى شيء عنهم، وهو أمر شبيه بما حدث فى مصر من إدعاءات من أن بعض الأشخاص تعرضوا لاختفاء قسري، ثم ظهر بعد ذلك أنهم انضموا إلى هذا التنظيم الإرهابى بظهور بعضهم فى فيديوهات مصورة، أو بإعلان التنظيم نفسه عن أنهم من بين أعضائه. قضية الشفيع وكوتى التى نالت اهتماما واسعا لم تعد تخص السلطات الأمريكية والبريطانية وحدهما، لكنها تتعلق بأمن وسلامة شعوب دول أخرى تتعرض لتهديدات من قبل هذا التنظيم، وهو ما يفرض على الدولتين عدم الاحتفاظ بالمعلومات المخابراتية التى يحصلان عليها لمنفعتهما وحدهما، بل ينبغى إطلاع الدول المعنية التى تكتوى بنار هذا التنظيم الإرهابي، خاصة وأن فاعلية الحرب على الإرهاب تعتمد أساسا على المعلومات عن هذا التنظيم العابر للحدود، والذى تسهل له أطراف دولية التسلل إلى دول أخرى بل وقد يدعمه البعض مخابراتيا وتسليحا وتمويلا.