قبل أيام، أجرت شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية تحقيقا حول شاب بلجيكى يدعى مايكل ديليفورتى الذى غير اسمه إلى «يونس»، أحد المقاتلين الأجانب الذين اعتنقوا تفكير تنظيم داعش الإرهابي، وسافر إلى سوريا ثم عاد إلى بلجيكا. مايكل أو يونس يؤمن تماما بأفكار داعش، وأكد فى المقابلة أنه «نادم على العودة إلى بلده وترك سوريا، ويؤمن بأفكار داعش»، وأنه «ليس بلجيكيا بل مسلم، ويريد إحلال دولة الخلافة محل الديمقراطية». هذا الشاب أطلق على أحد أبنائه اسم «أسامة بن لادن»، فهو يعتبر زعيم تنظيم القاعدة السابق «بطلا». قضى مايكل أو يونس شهرين فى سوريا، وعند عودته إلى بليجكا تم اعتقاله مع مجموعة تدعى «الشريعة فى بلجيكا» بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية، سجن شهرين حتى حكمت المحكمة عليه بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، كما منحته الحكومة البلجيكية 500 دولار شهريا كإعانة بطالة. ليست بلجيكا، التى هزتها مجموعة من التفجيرات الإرهابية، وحدها فى ذلك، فهناك مدينة «لوند» السويدية التى وضعت إجراءات جدلية تهدف إلى إعادة إدماج التكفيريين العائدين فى المجتمع عبر توفير مسكن وعمل لمنعهم من العودة إلى الإرهاب. حكاية «يونس» ليست حالة فردية، فإنه يمثل الآلاف من العائدين إلى أوروبا أو إلى القارة الأمريكية وغيرها من الدول، حيث أكدت الأممالمتحدة فى تقرير لها أن أكثر من 30 % من الدواعش الأجانب عادوا إلى بلادهم من سوريا والعراق. والأكثر إثارة للدهشة أن منظمة الشرطة الدولية «الإنتربول» لا تملك قواعد بيانات سوى لحوالى 7 آلاف من بين 30 ألف داعشى أجنبي. الغرب يقف عاجزا أمام التعامل مع هذه الأزمة، فهؤلاء العائدون ينتظرون الفرصة لتنفيذ هجمات إرهابية تتسبب فى سقوط أكبر عدد ممكن من الضحايا، ولا توجد دولة آمنة فى العالم، فقد أصبحت ظاهرة «المقاتلين الأجانب»، الذين يحمل بعضهم جنسيات الدول التى يقومون فيها بعملياتهم أضخم، وتم الاستهتار بها أمنيا ومخابراتيا مثلما يحدث فى حالة هذا الشاب الذى ظهر على أكبر شبكة إخبارية فى العالم، يتحدث عن معتقداته الإرهابية. ومع اتساع البؤر التى تحوى هذه «الذئاب» التى ليست وحيدة، أصبحت هناك مناطق معينة فى دول كثيرة تشتهر بتواجد هؤلاء الإرهابيين فيها، مثل برمنجهام البريطانية أو منطقة أوش القيرغيزية، ولهذا أصبحت الظاهرة تحتاج إلى إعادة دراسة ونظر، وتطرح المزيد من الأسئلة حول الكيفية التى يتمكن بها هؤلاء من العودة، والعبور من دولة أوروبية إلى أخرى بمنتهى السهولة؟ ويبدو حجم الفشل الأمنى فى التعامل مع هذه الأزمة فى حالة البريطانى أدريان راسل أو خالد مسعود الذى نفد هجوم البرلمان البريطانى الأخير الذى أسفر عن مقتل 5 وإصابة 50 آخرين، والذى ذكرت الشرطة أن دوافع تنفيذه هذا الهجوم «سر دفن معه»! وهناك قضية عمران خواجة - 29 عاما - الذى يقضى عقوبة السجن 12 عاما بسبب محاولته تزوير هوية جديدة بعد عودته من سوريا، حيث أعلن التنظيم الإرهابى عن وفاته من أجل التسلل إلى العاصمة البريطانية مجددا عبر بلغاريا فى 2014، وما فضح إجرامه دعاية داعش نفسها، حيث تم تصوير عمران إلى جانب رؤوس مقطوعة لجنود سوريين. ومن خلال متابعة المعلومات المتاحة حول منفذى الهجمات، فإنه يتضح أن غالبية المنضمين لداعش يحملون جنسيات هذه الدول، ومن أصحاب السجلات الإجرامية سواء سرقة أو إدمان أو اعتداء، أو من المراهقين والشباب صغير السن، كما أنهم من المنبوذين فى ظل فشل هذه الدول فى إدماج المختلفين أو المهاجرين أو المسلمين، وهنا يأتى دور داعش، الذى تدور دعايته حول أنه «أحيانا بعض الأشخاص الذين لديهم ماض سييء يمكنهم خلق مستقبل أفضل»، وذلك لتجنيد المزيد من التكفيريين الأجانب، هذا بالإضافة إلى دوافع أخرى مثل تسديد الديون وحياة أكثر رفاهية والاندماج فى دولة تبسط قبضتها على العالم. وعلى الرغم من أن هناك عشرات الدراسات التى صدرت عن أسباب ودوافع انضمام المقاتلين الأجانب إلى داعش، وفى مقدمتها الفقر، ذكرت دراسة «المكتب الوطنى للبحوث الاقتصادية» الأمريكى أنه ليس صحيحا أن الظروف الاقتصادية السيئة هى التى تقود إلى الإنضمام إلى داعش، فهناك عدد كبير من المقاتلين الأجانب جاءوا من اقتصاديات متقدمة حيث لا يوجد تفاوت فى الدخول، بالإضافة إلى وجود مؤسسات سياسية ديمقراطية. بينما ذكر المركز الدولى لدراسة التطرف أن «المنظمات الإرهابية والإجرامية فى أوروبا تظهر لصنع علامة تجارية أو ماركة من الإرهابيين الذين ينتهجون العنف ليس فقط تحت شعار الدين من أجل خلق ما يسمونها الخلافة بل كى يصبح العنف طريقة حياة». داعش صنع رابطة بين الإرهاب والجريمة، وهو ما يصعب على الأجهزة الأمنية الأوروبية اكتشاف أن صاحب سجل جنائى من السرقة أو تعاطى المخدرات أو الإتجار بها أو حتى مرتكب بعض حوادث العنف، يمكن أن يجعل أوروبا كلها تستيقظ على كابوس هجوم إرهابى جديد يضرب العواصم الأوروبية من لندن إلى بروكسل إلى باريس وبرلين. أما «الأدلة»، فهى عائق آخر يقف حائلا دون قيام السلطات الأمنية فى أوروبا بمقاضاة هؤلاء العائدين من سوريا والعراق، مثلما تزعم بريطانيا وأمريكا أنهما فى حاجة إلى أدلة على عنف جماعة الإخوان لتصنيفها كجماعة إرهابية. الليفتنانت جنرال مايكل ناجاتا مدير لجنة تخطيط العمليات الاستراتيجية بالمركز الوطنى الأمريكى لمكافحة الإرهاب قال إن عملية وقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى داعش ستتطلب استراتيجية طويلة المدى قد تستغرق سنوات، وأن الاستراتيجية الفعالة لمواجهة هذه الظاهرة يتطلب مشاركة المعلومات المخابرات والتنسيق المحلى والدولى والصير الاستراتيجي. وهكذا، فإن دعاية داعش تنجح فى استقطاب الآلاف، وتقوم بعملة «غسل أدمغة» من أجل تنفيذ أهداف التنظيم الإرهابي، فى حين تقف دول العالم خصوصا الغربية موقف من يفتح ذراعيه لاحتضان الإرهابيين العائدين، أو من يفاجئها مشبوه صاحب سجل إجرامى بهجوم إرهابى يوما ما!