لتفادي الغرامة والحبس.. طريقة التصالح في جرائم سرقة التيار بقانون الكهرباء    أسعار اللحوم والأسماك والخضروات والدواجن اليوم الثلاثاء 23 ديسمبر    ترامب يؤكد الاحتفاظ بناقلات النفط المصادرة من فنزويلا    إدارة ترامب توقع اتفاقيات صحية مع 9 دول أفريقية    المخرجة إنعام محمد علي تكشف كواليس زواج أم كلثوم والجدل حول تدخينها    أليك بالدوين في عين العاصفة مجددًا... قضية Rust تعود وتثير قلقًا واسعًا على حالته النفسية    كسر الرقم التاريخي السابق، سعر الذهب يصل إلى مستوى قياسي جديد    عمر مرموش يؤكد: فوز منتخب الفراعنة على زيمبابوي أهم من أي إنجاز فردي    أحمد التهامي يحتفل بفوز منتخب الفراعنة ويُوجه رسالة ل محمد صلاح    ارتفاع صاروخي لأسعار النفط مع تصاعد التوترات الجيوسياسية    الرئيس الفنزويلي: الطاقة يجب ألا تتحول إلى سلاح حرب    "بسبب غاز السخان" النيابة تحقق في وفاة عروسين    أمم أفريقيا 2025| بهذه الطريقة احتفل محمد صلاح ومرموش بالفوز على زيمبابوي    اليوم، بدء إعادة جثامين 14 مصريا ضحايا غرق مركب هجرة غير شرعية باليونان    إلهام شاهين تتصدر جوجل وتخطف قلوب جمهورها برسائل إنسانية وصور عفوية    زينة منصور تدخل سباق رمضان بدور مفصلي في «بيبو»... أمومة على حافة التشويق    أجواء شديدة البرودة والصغرى 12 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بعد ارتدائها البدلة الحمراء.. محامي ضحية ابنتها ببورسعيد يكشف موعد تنفيذ حكم الإعدام في المتهمة (خاص)    استشاري تغذية علاجية بالفيوم ل"أهل مصر": دودة الطماطم خطر صحي وآفة زراعية.. ولا علاقة لها بالقيمة الغذائية    حين تضطر أم لعرض أطفالها للتنازل: ماذا فعلت سياسات السيسي بالمصريين؟    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    مواطن يستغيث من رفض المستشفي الجامعي طفل حرارته عاليه دون شهادة ميلاده بالمنوفية    مشروع قومى للغة العربية    نقابة أطباء الأسنان: أعداد الخريجين ارتفعت من 45 إلى 115 ألفا في 12 عاما فقط    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    رئيس هيئة المستشفيات التعليمية يُكرّم مساعد وزير الصحة للمبادرات الرئاسية    استكمال الاختبار التجريبي لطلاب الصف الأول الثانوي على منصة كيريو في محافظات الجمهورية يوم 23 ديسمبر    المؤبد والمشدد 15 سنة ل 16 متهماً ب «خلية الهيكل الإدارى بالهرم»    أمم إفريقيا - مؤتمر حسام حسن: كنت أحمل هم الجماهير في مصر.. وصلاح يصنع الفارق    أمم أفريقيا 2025| وائل القباني: منتخب الفراعنة قدم أداء جيدًا.. وهناك عيب وحيد    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    بالصور.. مدير محطة حدائق الأهرام بالخط الرابع للمترو: إنجاز 95% من الأعمال المدنية    بالانتشار الميداني والربط الرقمي.. بورسعيد تنجح في إدارة انتخابات النواب    فرقة سوهاج للفنون الشعبية تختتم فعاليات اليوم الثالث للمهرجان القومي للتحطيب بالأقصر    استغاثة عاجلة إلى محافظ جنوب سيناء والنائب العام    شعبة الاتصالات: أسعار الهواتف سترتفع مطلع العام المقبل بسبب عجز الرامات    مصرع شخص صدمته سيارة نقل أثناء استقلاله دراجة نارية فى المنوفية    حماية القلب وتعزيز المناعة.. فوائد تناول السبانخ    ما هي أسباب عدم قبول طلب اللجوء إلى مصر؟.. القانون يجيب    القانون يضع ضوابط تقديم طلب اللجوء إلى مصر.. تفاصيل    ليفربول يحتفل بأول أهداف محمد صلاح مع منتخب مصر فى كأس أمم أفريقيا    القصة الكاملة لمفاوضات برشلونة مع الأهلي لضم حمزة عبد الكريم    ليفربول يعلن نجاح جراحة ألكسندر إيزاك وتوقعات بغيابه 4 أشهر    وزير الدفاع الإيطالي: روما مستمرة في دعم استقرار لبنان وتعزيز قدرات جيشه    فرحة أبناء قرية محمد صلاح بهدف التعادل لمنتخبنا الوطني.. فيديو    بعد 5 أيام من الزفاف.. مصرع عروسين اختناقًا بالغاز في حدائق أكتوبر    فولر ينصح شتيجن بمغادرة برشلونة حفاظا على فرصه في مونديال 2026    هيئة الدواء: متابعة يومية لتوافر أدوية نزلات البرد والإنفلونزا خلال موسم الشتاء    ستار بوست| أحمد الفيشاوى ينهار.. ومريم سعيد صالح تتعرض لوعكة صحية    «الشيوخ» يدعم الشباب |الموافقة نهائيًا على تعديلات «نقابة المهن الرياضية»    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    برلمانية الشيوخ ب"الجبهة الوطنية" تؤكد أهمية الترابط بين لجان الحزب والأعضاء    جامعة قناة السويس تعتلي قمة الجامعات المصرية في التحول الرقمي لعام 2025    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب جديد: الإخوان والغرب.. تاريخ العداوة والارتباط
(2)كيف انتهت الأموال البريطانية إلى خزائن الإخوان؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 03 - 2018

* وثيقة سرية : البنا «حذر» و«ماكر» يختفى وراء قناع من البساطة
* الحرب العالمية الثانية كانت حاسمة فى المرحلة التكوينية للجماعة
* شبه البريطانيون الشكل التنظيمى للإخوان بالجماعات النازية الفاشية
* استبعاد استبدال حزب الوفد بتنظيم «ظلامى ضيق الأفق»

يقول مارتن فرامبتون فى كتابه «الإخوان المسلمون والغرب: تاريخ العداوة والإرتباط»، الصادر قبل أيام عن مطبعة جامعة هارفارد الأمريكية، إن سنوات الحرب العالمية الثانية كانت حاسمة فيما يتعلق بالمرحلة التكوينية لتنظيم الإخوان المسلمين. فقد عزز التنظيم وزعيمه حسن البنا اللعب على التناقضات بين القصر والملك فاروق من ناحية، والأحزاب السياسية وعلى رأسها الوفد والسعديين من ناحية ثانية، والسفارة البريطانية فى القاهرة من ناحية ثالثة، والألمان والإيطاليون من ناحية رابعة. وأقام علاقات مع كل هذه الأضداد، بعضها فى العلن وبعضها فى السر، مثل الاتصالات بين البنا ومساعديه مع مسئولين سياسيين أو عناصر مخابرات بريطانية. وفى تحالفاته المتضادة والمتضاربة هذه ضمن التنظيم إبقاؤه بعيداً عن التطويق، و استفاد مالياً وسياسياً من كل هذه الأطراف.
ويلقى فرامبتون، عبر المئات من التقارير والوثائق الجديدة، الضوء على الاستراتيجية التى اتبعتها الحكومات المصرية فى الأربعينيات حيال تنظيم الإخوان والتى يلخصها المسئول الوفدى البارز أمين عثمان ب«قتل الإخوان بالعطف»، أى مواصلة تقديم إعانات للتنظيم وفتح القنوات معهم كوسيلة لمراقبتهم والاستفادة من براجماتية حسن البنا المعروفة.
كما يروى فرامبتون أن أمين عثمان أخبر البريطانيين أن «الإعانات المالية المقدمة من الوفد إلى الإخوان المسلمين سوف تدفعها الحكومة سراً وستطلب بعض المساعدة المالية فى هذا الأمر من السفارة البريطانية».
‎الحرب العالمية الثانية خيمت على التوازنات الداخلية فى مصر
ومع ذلك كان السفير البريطانى فى القاهرة مايلز لامبسون أبعد ما يكون عن الثقة فى الأهداف الحقيقية لتنظيم الإخوان وزادت مخاوفه بسبب التواطؤ العلنى بين التنظيم وحكومة على ماهر باشا، ومقاومة ماهر محاولات تطويق التنظيم الذى كان يستخدمه هو والقصر لضرب حزب الوفد.
ومع استمرار رفض الملك فاروق تعيين حكومة جديدة برئاسة زعيم الوفد مصطفى النحاس، لجأ البريطانيون إلى خيار الحسم وفرضوا النحاس فرضاً على الملك عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين فى أحداث 4 فبراير 1942، اثر تهديد الملك فاروق بالخلع بعدما تمت كتابة خطاب تنحيه وتسليمه للملك فى قصر عابدين بطريقة مسرحية.
وفى مواجهة ذلك، تراجع فاروق ووافق على استدعاء النحاس لتشكيل الوزارة. وهكذا، أصبح 4 فبراير 1942 يوم عار لكل القوميين المصريين.

لكن منذ اللحظة الأولى لتولى المنصب، واجه النحاس صعوبات. فقد وجد رئيس الوزراء الجديدالملك فاروق فى مزاج عدائي. ودخل الطرفان فى مواجهات دائمة وتحدى الملك الشاب النحاس اينما استطاع. وخرج النحاس منتصراً امام الملك فقط فى المسائل التى تدخل فيها البريطانيون لدعمه بشكل مباشر أو غير مباشر. لكن مقابل هذا الدعم، كان البريطانيون يريدون أن يروا تحركاً من النحاس ضد تنظيم الإخوان الذى بات عسكرياً بشكل متزايد، إلى جانب اعلان الحكومة المصرية بشكل واضح وصريح وقوفها مع الحلفاء خلال الحرب، إضافة إلى تحرك النحاس ضد على ماهر الذى وصفه لامبسون بأنه «جذر كل مشكلاتنا».
كانت الحرب العالمية الثانية فى أوجها والقاهرة تشهد تظاهرات مؤيدة لدول المحور،فيما القوات الألمانية بقيادة روميل على مشارف مصر.
وفى اعتقاد السفير البريطانى لامبسون كان الوضع شديد الخطورة لا يحتمل التأجيل.فقد كان يرى أن القصر شكل تحالفاً ضد البريطانيين يستخدم فيه تنظيم الإخوان، وأن البنا وتنظيمه يمكن أن يخرجوا من تحت السيطرة لأن لهم حساباتهم الخاصة.
وما كان يريده السفير البريطانى من النحاس هو مواجهة هذا الخطر.
لكن آمال لامبسون فى النحاس كانت قصيرة الأمد. ففى يومياته قبل أقل من أسبوع من تعيينه رئيساً للحكومة، يصف لامبسون النحاس، فى مذكراته المؤرخة 10 فبراير 1942 ب«العنيد وصعب المراس».
الملك فاروق والنحاس باشا علاقات سادها التوتر

فقد أراد النحاس، إطلاق سراح بعض المعتقلين من بينهم أحمد حسين زعيم حزب «مصر الفتاة»، لكن البريطانيين رفضوا، كما أثار انزعاجهم أن النحاس لم يحبذ اعتقال على ماهر باشا، بل إبقاؤه رهن الإقامة فى مزرعته.
نهج التوفيق والاستمالة
لكن المصدر الأكبر للقلق البريطانى كانت التقارير حول ازدياد الاستياء داخل الجيش المصرى بعد أحداث 4 فبراير.فقد اعتبر لامبسون أن الوضع هناك «خطير للغاية»، خاصة بعد تقارير مفادها أن «رابطة سرية» قد نشأت داخل الجيش المصرى رافضة للاحتلال البريطانى، وسط تلميحات بأن الملك فاروق نفسه قد يكون متورطًا فى تأسيسها. وقد أثار لامبسون الأمر بشكل سرى مع النحاس. وأبقى البريطانيون مراقبة عن كثب لضباط الجيش الأصغر سنا، على وجه الخصوص (ص 75).
كان السفير لامبسون مقتنعاً «بسوء سلوك الإخوان»،وأعرب عن أمله فى أن النحاس سوف يلعب دوراً فى التصدى لهم. لكنه على غرار خلفه، سرى باشا، بدا النحاس متردداً فى اتخاذ إجراءات صارمة ضد البنا وتنظيم الإخوان.
بدلا من ذلك، استقر حزب الوفد على نهج مفاده محاولة التوفيق واستمالة الإخوان. فلم يسمح لحسن البناالبقاء مطلق الحرية فحسب، بل سُمح له فى البداية بالترشح فى الإسماعيلية فى الانتخابات البرلمانية التى جرت فى مارس 1942.
وترشح البنا مع 16 عنصراً من الإخوان، ثم سحبوا ترشيحاتهم بعد تفاهم مع النحاس كجزء من صفقة تتضمن اتخاذ بعض القرارات مثل منع بيع الكحول فى رمضان، مقابل نشر البنا رسالة مفتوحة إلى الحكومة فى صحيفة «الأهرام» يعلن فيها الولاء لكل من الحكومة ومعاهدة 1936 بين بريطانيا والحكومة المصرية، وهو ما فعله البنا.
لكن صفقة البنا مع النحاس والوفد، أدت إلى سحب القصر والملك فاروق دعمه لتنظيم الإخوان. كما تعرض البنا لانتقادات واسعة النطاق من العديد من أعضاء التنظيم الذين اعتبروه «مستسلماً ومخادعاً». وظهرت تقارير باحتمال حدوث انشقاقات فى التنظيم، لكن البنا سرعان ما عزز سيطرته مجدداً على التنظيم. كذلك كان سخط القصر على الإخوان والبنا عابراً. ففى أبريل 1942، علم البريطانيون أن الملك فاروق قد استأنف دعمه للإخوان.وإلى جانب ذلك ظهرت تقارير حول اتفاق بين البنا ومحمود النقراشى (نائب زعيم الحزب السعدي).
وكهذا بحلول أوائل صيف عام 1942 ، بدا أن تنظيم الإخوان قد عزز من تفاهماته مع جميع أطياف المشهد السياسى فى مصر. فقد أقام تفاهمات براجماتية مع الملك والقصر والسعديين وباقى الأحزاب، كما أقامت تفاهمات براجماتية مع البريطانيين والايطاليين والألمان.
وكانت الصفقة مع النحاس بمثابة انتصار آخر لنمط السياسة البراجماتية للبنا. وبات بإمكان التنظيم التركيز الآن على توسعه الخاص بعدما بات يتمتع بدرجة غير مسبوقة من الحماية السياسية من القصر والوفد والسعديين وباقى الأحزاب والبريطانيين.
إدوين تشابمان-أندروز

ويقول فرامبتون إن هذا هو السبب فى أن الإخوان ظلوا محل خلاف بين البريطانيين وحكومة النحاس.
أموال بريطانية للإخوان عبر حكومة النحاس
وفى منتصف أبريل 1942، التقى السفير لامبسون وموظفوه فى السفارة بالمسئول الوفدى البارز أمين عثمان لمناقشة جماعة الإخوان «النشيطة بشكل خطير».
وأوضح عثمان نهج حكومة النحاس فى التعامل مع التنظيم، قائلاً إنها «الطريقة الأكثر حكمة للتعامل مع الإخوان كى لا يعملوا فى الخفاء»، وسعى عثمان لطمأنة البريطانيين بأن الحكومة مستعدة لاعتقال عناصر التنظيم إذا ما تطلب الأمر.
ويقول فرامبتون إن الوثائق البريطانية تظهر أن رئيس المخابرات العسكرية البريطانية، البريجادير كلايتون، الذى حضر الاجتماع، اقتنع بهذه الحجة لكنه حذر من أن النحاس «يجب أن يكون حذرا إزاء تقوية التنظيم، بقصد أو بغير قصد، واتخاذ موقف أكثر قوة حياله».
ورغم دعوة البريطانيين للتضييق على الإخوان، حاجج السياسى الوفدى البارز أمين عثمان أنه يمكن «قتل الإخوان بالعطف». أى مواصلة فتح القنوات بينهم وبين حكومة النحاس كوسيلة لمراقبتهم والاستفادة من براجماتية حسن البنا المعروفة.
وأخبر عثمان البريطانيين أن «الإعانات المالية المقدمة من الوفد إلى الإخوان المسلمين سوف تدفعها الحكومة سراً وستطلب بعض المساعدة المالية فى هذا الأمر من السفارة البريطانية». (ص 78)
ويقول فرامبتون إن هذا الأمر مذهل لأنه مرة أخرى يظهر احتمال الدعم البريطانى الفعلى للإخوان مع تدفق أموال لهم عبر الحكومة المصرية. ومع أنه من الصعوبة معرفة حجم المدفوعات، إلا انه يوضح أنه يبدو من المرجح أن الأموال التى قدمها البريطانيون لحكومة النحاس قد انتهى بها المطاف فى خزائن جماعة الإخوان المسلمين.
وكان السؤال الرئيسى هو ما إذا كان النهج التوفيقى لحكومة النحاس قد ينجح الآن فى كبح جماح الإخوان. لكن بنهاية عام 1942 ومطلع 1943 شهد البريطانيون أدلة قليلة تدعم مثل هذه الفكرة. ففى سبتمبر، استخدم تنظيم الإخوان ثروته الجديدة لإطلاق صحيفة أسبوعية «الإخوان المسلمون» بدعم من حكومة النحاس.
ومع تقدم القائد الألمانى روميل فى صحراء العلمين، شارك طلاب الإخوان فى مظاهرات مؤيدة للألمان.
وتقول أحدى البرقيات البريطانية إنه على الرغم من سعى حسن البنا للتعبير بشكل خاص عن أنه «يرغب فى تجنب الصراع مع الحكومة أو معنا» (البريطانيين) إلا أن أنشطة التنظيم السرية كانت مختلفة.
كانت هناك تقارير تفيد بأن حسن البنا تفاخر أمام أتباعه بخطط الجماعة للقيام «بتخريب للسكك الحديدية واسع النطاق».
وجددت السفارة دعواتها للعمل ضد التنظيم. وكان الدبلوماسيون مسرورين برؤية فرض حظر مؤقت على اجتماعات الإخوان المسلمين والتهديد باتخاذ إجراءات أخري. لكن هذا لم يدم طويلاً.
فبعد فترة قصيرة، التقى النحاس مباشرة بحسن البنا وتم ترتيب «تسوية» جديدة بينهما.
ويقول فرامبتون إن تقريرا بريطانيا خاصا أعد حول هذا الاجتماع رأى أن حسن البنا أصر على أن حركته حركة دينية بحتة، ولا ترغب فى أن تكون سياسية.
ووعد البنا أن الإخوان لن يعقدوا اجتماعات فى القاهرة وتعهد بدعم حكومة النحاس. مقابل ذلك طلب أن يسمح للتنظيم بمواصله ما وصفه ب « العمل الدعوى».
ومع ذلك، وكما أشار البريطانيون، فإن هذا العرض اقترن بتهديد مبطن منه. إذ قال البنا إنه حتى لو رفضت الحكومة الصفقة، فإن تنظيم الإخوان سيواصل أنشطته فى كل الحالات.
وفى ديسمبر 1942، أنتجت المخابرات العسكرية البريطانية تحليلاً مطولاً كاشفاًحول التنظيم تحت عنوان «الإخوان المسلمون...إعادة نظر».
وتقدم هذه الوثيقة، كما يوضح فرامبتون، قدرا كبيرا من التفاصيل حول الطريقة التى نظر بها البريطانيون إلى التنظيم وتطوره خلال الحرب العالمية الثانية.
وتوضح الوثيقة من نواح عديدة، مدى ارتباك تفكيرالبريطانيين حيال التنظيم . كما تتضمن الوثيقة معلومات خاطئة من بينها أن التنظيم تم تأسيسه 1930. وتحتوى أيضاً على أوصاف لاذعة للبنا من بينها أنه «حذر» و«جبان»، و«أولئك الذين التقوا به يكون لديهم انطباع بأنه شخص ماكر طموح يختفى وراء قناع من البساطة».
حسن البنا

ووصفت الوثيقة الإخوان ب«منظمة متطرفة»، ذات «رؤية متشددة». كما كانت هناك إشارات إلى «الدعم المعنوى والمادى» الذى حصلت عليه من على ماهر باشا والقصر. أيضاً قارن المسئولون البريطانيون الشكل التنظيمى للإخوان المسلمين بتنظيم «الجماعات النازية الفاشية».
وكان البريطانيون يعتقدون أن أعضاء الإخوان متورطون فى التخطيط لأعمال تخريبية فى البنية التحتية والاتصالات الحيوية. ولفتت الوثيقة إلى تقارير أن التنظيم طور «فرقا انتحارية»، وذلك بعدما زعم البنا فى سبتمبر 1941، أن لديه 2000 رجل مسلح تحت تصرفه.
كما تحدثت الوثيقة عن استعداد التنظيم للعمل مع الالمان والإيطاليين. وتضمنت احتمال صعود التنظيم كمنافس للوفد على السلطة فى المستقبل. لكن هذه النقطة بالذات كانت محل خلاف عميق بين المسئولين البريطانيين.
فقد عرض السفير لامبسون وجهة نظر أكثر تشككاً فيما يتعلق بالنظرة طويلة المدى للإخوان. ففى رأيه، بينما لم يكن هناك أى شك فى «جاذبية» التنظيم ل«المسلمين المتدينين البسطاء»، فإن رؤيته المتشددة لتنظيم المجتمع والسياسة، لا تتناسب مع تيار التحديث الصاعد فى مصر.
وكان لامبسون يعتقد أن «جاذبية»التنظيم تعتمد أساساً «على كراهية الأجانب»، واعتبر أنه «من غير المحتمل أن يتم استبدال حزب وطنى كبير مثل الوفد بمثل هذه التنظيم الدينى الظلامى ضيق الأفق».
وفى يناير 1943، وتحت ضغط السفير البريطانى أعادت حكومة النحاس فرض حظرها على جميع لقاءات التنظيم فى القاهرة، باستثناء تجمع أسبوعى واحد يمكن من خلاله مناقشة الموضوعات الدينية فقط.
لكن البنا أبدى رغبته فى التوصل إلى تسوية جديدة مع الحكومة. وفى الوقت نفسه أعطى إشارات إلى أنصاره لإعلان مواقف أكثر تشدداً كوسيلة للضغط على النحاس.
المراوغة التكتيكية
ومرة أخرى، بدا أن هذا النهج المراوغ من قبل التنظيم يؤتى ثماره. فقد أشار النحاس لاحقاً إلى استعداده لرفع القيود عن الإخوان، شريطة أن يقدم البنا اعتذاراً علنياً عن انتقادات سابقة لحزب الوفد. كما كان مطلوباً من التنظيم المشاركة فى الدعاية الحكومية، وتقديم تنظيمهم وشئونهم المالية إلى إشراف وزارة الداخلية. ولم تكن هذه الشروط واضحة فى ذهن البنا، ولذا سعى إلى المراوغة من جديد على أمل تأمين مقابلة مع النحاس لتحسين شروط التفاهم. لكن مرض النحاس وخلافات داخل التنظيم نفسه، ثم انتقادات مكرم عبيد باشا للنحاس وإصداره «الكتاب الأسود» حول ممارسات الفساد داخل الحكومة، حالت دون ذلك.
ولاحظت المخابرات البريطانية آنذاك أن قادة فروع معينة من تنظيم الإخوان بدوا مستعدين «لأخذ القانون بأيديهم» إذا لم يتم فتح مقارهم.
ورغم قلق لندن من ضعف النحاس فى مواجهة التنظيم، ومتاعب النحاس السياسية، شعر البريطانيون بأنهم «ملزمون» بدعم رئيس الوزراء. وحذروا الملك فاروق من محاولة استغلال أزمة «الكتاب الأسود» للإطاحة بالنحاس.
ويلاحظ فرامبتون أن الأزمة بين النحاس ومكرم عبيد أعطت حسن البنا فرصة ذهبيةلإنقاذ تفاهماته مع النحاس. فقد أصدر التنظيم «نقداً قوياً» لكل من مكرم و«الكتاب الأسود»، وقدم البنا دعمه لرئيس الوزراء المحاصر.
وكان هذا التطور مؤسفاً للغاية بالنسبة للسفير لامبسون. فقد لاحظ أنه من أجل تعزيز موقف حكومة النحاس المدعومة من البريطانيين يجب ان «تسعى الحكومة للحصول على دعم تنظيم رجعى ومعاد للأجانب».
وفى النهاية سمح النحاس بإعادة فتح مقار التنظيم فى مصر وواصل تقديم إعانات مالية لهم.
وفى 16 مايو 1943، حضر أربعة وزراء فى حكومة النحاس اجتماعا مع الإخوان فى مقرهم بالقاهرة. وتكشف الوثائق البريطانية كما يوضح فرامبتون أن من ضمن ما تمت مناقشته عرض منصب رفيع فى وزارة الداخلية على أحمد السكرى أحد رجال البنا الأقوياء. وبحث منح منصب رفيع لحسن البنا نفسه فى وزارة التعليم. (ص85 -86)
وفى لندن، كان البعض صرحاء فى انتقادهم لقرار حكومة النحاس دفع «إعانات مالية» لتنظيم مثل الإخوان. لكن البعض الأخر كان يرى منافع بعيدة المدى فى استمرار الاتصالات مع التنظيم.
ففى يوليو 1943، اقترح تقرير من عميل لجهاز المخابرات البريطانية يعمل فى القاهرة أنه فى حين أن البريطانيين يجب أن يستمروا فى دعم حزب الوفد ، يجب عليهم أيضاً «تأسيس علاقات متعاطفة غير رسمية مع حسن البنا».
أما هدف المبادرة فهو جمع معلومات وفهم التنظيم بطريقة أفضل. ثم ذهب البعض داخل الحكومة، كما يقول فرامبتون، إلى الترويج لفكرة أن تلك القنوات مع التنظيم يمكن أن تساعد فى تحويل الإخوان نحو الليبرالية السياسية والاجتماعية وتشجعهم على أن يصبحوا أكثر حداثة وعصرية.
وبهذه الطريقة، يقدم التقرير مثالاً مبكراً جداً لمفهوم اكتسب قدراًكبيراً جداً من الزخم فى العقود التالية وهو أن الحوار مع الإخوان قد يؤدى إلى تغيير سلوكهم.
وتسببت مذكرة المخابرات فى خلافات داخل الوزارات البريطانية. فقد وصفها إدوين تشابمان-أندروز المسئول فى وزارة الخارجية البريطانية بأنها «مثيرة للاهتمام»، لكن نتائجها «سطحية».
ووصف محاولات إقامة علاقات مع التنظيم بالمثيرة للسخرية، ناعتاً أعضاء التنظيم ب«الجاهلين» و«المتزمتين»، و«مجموعة من التعساء» و«ليس هناك «وزن ثقيل واحد» داخل الإخوان.
وفى رأيه، كانت الأهمية الحقيقية الوحيدة للإخوان هى أنهم كانوا يصنعون «قتلة جاهزين»، ومن هنا كانت الحاجة لمراقبتهم .
وفوق ذلك، استمر تشابمان-أندروز فى رفض فكرة أن التنظيم سوف يصل يوماً ليكون قوة سياسية كبيرة، موضحاً «من الخطورة أن نتنبأ فى السياسة، لكننى أشعر بأن الإخوان لن يكونوا أبداً فى السياسة المصرية كحزب، مثل حزب الوفد».
تربية «ثعبان الإخوان»
ومع طرد القوات الألمانية من العلمين، أصبحت القاهرة فى منطقة «المياه الراكدة «خلال بقية الحرب العالمية. وفى هذا السياق، بدأ العديد من المسئولين البريطانيين فى التساؤل عما إذا كان ينبغى عليهم مواصلة دعم حكومة النحاس. فعلى سبيل المثال، جادل تشابمان-أندروز بأن على البريطانيين أن يحاولوا التراجع مرة أخرى عن أى تدخل مباشر فى السياسة الداخلية المصرية.
لكن السفير لامبسون أصر على أن المصالح البريطانية تُخدم بشكل أفضل من خلال الحفاظ على التحالف مع النحاس لأنه «ليس هناك بديل عملى للحكومة الحالية». وسادت هذه النظرة لبعض الوقت بعد تأييد وزير الخارجية البريطانى أنتونى إيدن ورئيس الوزراء وينستون تشرشل لتقييم لامبسون.
وهكذا قيدت يد الملك فاروق مجدداً فيما يتعلق بإقالة النحاس.
لكن فى أواخر 1944، جاء التغيير. ففى أكتوبر حانت اللحظة التى طال انتظارها. كان لامبسون فى عطلة فى جنوب إفريقيا، فقام الملك فاروق بطرد النحاس وحكومته. وتم تشكيل حكومة جديدة من قبل زعيم الأقلية السعدية، أحمد ماهر باشا (شقيق على ماهر باشا)، فى خطوة ذكية من جانب القصر بالنظر إلى آراء ماهر المؤيدة لبريطانيا.
وكان غياب السفير البريطانى فى إجازة مجرد حجة شكلية لسكوت البريطانيين على إقالة النحاس كما يخلص فرامبتون. فقد رجحت كفة التيار داخل الحكومة البريطانية الذى بات يرى النحاس مسئولاً عن «تربية ثعبان الإخوان» خلال السنوات الأربع الماضية.
ويقول فرامبتون إن البرقيات بين الخارجية البريطانية والسفارة فى القاهرة والوثائق تكشف أن سنوات الحرب العالمية الثانية كانت حاسمة فيما يتعلق بتأسيس تنظيم الإخوان.
فقد جلبت الحرب أشكالا للمواجهة ضد الإخوان تشمل الاعتقالات وتعطيل الأنشطة والمراقبة، لكن مصاعب الإخوان لم تدم طويلاً. فقد أظهر البنا تكتيكا سياسيا منفعيا بارعا للغاية. وفتح قنوات مع القصر والوفد والسعديين والبريطانيين والألمان والإيطاليين وحافظ على هامش مناورة أعطاه حماية مؤكدة تحت أعين البريطانيين والقصر والحكومة.
وفى الوقت الذى تمت فيه إقالة النحاس، كان تنظيم الإخوان المسلمين أقوى من أى وقت مضى باعتراف الدبلوماسيين والمخابرات البريطانية.

الحلقة الأخيرة:
الإمبراطورية فى أيامها الأخيرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.