شكلت زيارة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان لمصر أهمية كبيرة، سواء فى توقيتها ودلالتها وتداعياتها على تطوير العلاقات بين البلدين ومواجهة التحديات الكبيرة أمام العالم العربى. ففى ظل حالة السيولة والهلامية التى تعيشها المنطقة العربية منذ أكثر من سبع سنوات, يعيش العالم العربى أسوأ مراحله نتيجة لانتشار الصراعات والحروب والأزمات فى العديد من دوله, والأخطر تزايد الدور الخارجى من جانب الدول الكبرى والإقليمية فى إدارة تلك الأزمات والقضايا وتوجيه تفاعلاتها بما يخدم مصالحها على حساب المصلحة العربية, وأسهمت التدخلات الخارجية فى تعقيد وإطالة أمد تلك الصراعات وتغذية الاستقطابات داخلها, وأصبحت المنطقة ساحة للحرب الباردة الجديدة بين القوى الكبرى, وساحة لتعظيم النفوذ من جانب الدول الإقليمية مثل تركياوإيران, فقد استغلت الأخيرة حالة الفراغ التى تركها غياب الدور العربى فى إدارة أزمات المنطقة لتسعى إلى تعظيم نفوذها ودورها عبر التدخل المباشر وغير المباشر فى الدول العربية عبر أذرعها العسكرية الإرهابية مثل حزب الله اللبنانى وميليشيا الحوثى الانقلابية فى اليمن وعشرات التنظيمات والميليشيات المسلحة فى سورياوالعراق, حتى جاهرت طهران أكثر من مرة بأنها تتحكم فى أربع عواصم عربية, كما استغلت تركيا حالة الهشاشة فى العراقوسوريا لتسعى لتوسيع نفوذها وتدخلها فى المنطقة عبر التدخل المباشر كما يحدث فى عفرين السورية الآن، أو عبر توظيف جماعات الإسلام السياسى فى العديد من الدول العربية, وتنافست كل من روسيا وأمريكا على اقتسام مناطق النفوذ فى الشرق الأوسط. ورغم تعارض أجندات ومصالح تلك الدول فإنها تلاقت على اقتسام النفوذ فى المنطقة العربية, وهو ما يشكل أكبر تحدى يواجهه العالم العربى, من هنا فإن التعاون والتنسيق المصرى السعودى يمثل الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك العربى، وتعظيم الدور العربى فى إدارة أزمات وقضايا المنطقة, ومجابهة التغلغل التركى والإيرانى فيها. فالبلدان بما يمتلكان من ثقل سياسى واقتصادى وعسكرى كبير أصبحا بمثابة رمانة الميزان وصمام الأمان ضد انفراط العقد العربى بشكل كامل, ولهذا جاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان لتعزيز الرؤية المشتركة بين البلدين فى كيفية التعاطى مع تلك التحديات، خاصة أنها تأتى قبل عقد القمة العربية بالرياض نهاية هذا الشهر, وسعيهما لبلورة إستراتيجيات وآليات محددة للتعاطى مع الأزمات فى سوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية, والتى ترتكز على حتمية الحل السلمى لتلك الأزمات والمحافظة على سيادة واستقرار تلك الدول، وتقوية مؤسساتها الوطنية, ورفض كل أشكال التدخل الخارجي, باعتباره المخرج الوحيد لإعادة بناء الأمة العربية. كما أن اللقاء يأتى قبل زيارة ولى العهد السعودى للولايات المتحدة واتفاق مصر والسعودية على دعم حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين, ورفض أية إجراءات تتخذها الولاياتالمتحدة وإسرائيل لتغيير وضع القدس وفرض سياسة الأمر الواقع, وهو ما يمثل دعما قويا للقضية الفلسطينية, خاصة فى ظل العلاقات الحليفة بين كل من مصر والسعودية من ناحية، والولاياتالمتحدة من ناحية أخرى والتى تمكنهما من إيصال الرسالة العربية الواضحة إلى الإدارة الأمريكية بخطورة تداعيات قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ومخاطر غياب حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية على أساس المرجعيات الدولية، وفى مقدمتها قرارات مجلس الأمن الدولى. التعاون المصرى السعودى يمثل ركيزة مهمة فى مجال مكافحة الإرهاب التى عانت منها الدولتان حيث تتبنى الدولتان إستراتيجية شاملة عسكرية وسياسية وفكرية وتنموية, تستهدف استئصال شجرة الإرهاب من جذورها، سواء عبر القضاء على التنظيمات المسلحة الإرهابية, وهو ما يحدث فى السعودية, وفى مصر عبر العملية الشاملة سيناء 2018, أو مواجهة الدول التى تدعم الإرهاب مثل إيران وقطر وتركيا وقطع أذرعها العسكرية, أو عبر تجديد الخطاب الدينى الذى يكرس الإسلام الوسطى المعتدل الذى يمثله البلدان. تسير مصر والسعودية وفقا لإستراتيجية المسارات المتوازية, أى محاربة الإرهاب لتحقيق الأمن والاستقرار إلى جانب المسار التنموى، وتعزيز التعاون الاقتصادى بين البلدين اللذين تتقارب فلسفتهما الاقتصادية فى إحداث نقلة نوعية فى هيكل اقتصادهما ضمن رؤية المملكة 2030 ورؤية مصر 2030 أيضا لتحقيق التنمية الشاملة، وتوظيف الاستثمارات، وتقديم نموذج البناء والتنمية والتعمير مقابل نموذج الهدم والدمار الذى تشهده العديد من الدول العربية. وفى ظل تعثر مسيرة العمل العربى المشترك, فإن التعاون السعودى المصرى فى مجال الاستثمار والاقتصاد والمشروعات العملاقة يمثل قاطرة التنمية والنمو فى العالم العربى يمكن أن يتسع مع مرور الوقت ليشمل دولا عربية أخرى, بما يسهم فى نهاية المطاف فى استعادة العالم العربى لعافيته الاقتصادية, إلى جانب حل أزماته ليستعيد عافيته السياسية، ويصبح رقما قويا فى المعادلة الدولية السياسية والاقتصادية, ومن هنا أسست زيارة ولى العهد السعودى محمد بن سلمان لمصر مرحلة جديدة فى مسيرة العالم العربى وإعادة توجيهها صوب التقدم والتطور، وترميم الشروخات الكبيرة التى نجمت عن تفاعلات السنوات السابقة ونتائجها الكارثية على المنطقة. لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد