جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    سفارة روسيا فى مصر: بوتين يشارك بالفيديو كونفرانس فى احتفال تركيب وعاء ضغط مفاعل الضبعة    النيابة العامة تكشف تفاصيل تحويل مضبوطات ذهبية لاحتياطى استراتيجى للدولة    أخبار مصر اليوم.. الصحة: مصر آمنة تمامًا من فيروس ماربورج، أسماء الفائزين بالجولة الأولى في انتخابات مجلس النواب، النيابة العامة تسلم البنك المركزي 265 كيلو جرام ذهب    حماس: مزاعم إسرائيل لتبرير قصف مخيم عين الحلوة "كذب صريح"    اسكتلندا تنتزع بطاقة التأهل لكأس العالم بفوز درامى على الدنمارك    منتخب بلجيكا يكتسح ليختنشتاين 7-0 ويحجز مقعده بكأس العالم 2026    سويسرا والنمسا يتأهلان لكأس العالم 2026    فضيحة الفساد في كييف تُسقط محادثات ويتكوف ويرماك في تركيا    العدد يصل إلى 39.. تعرف على المتأهلين إلى كأس العالم 2026 وموعد القرعة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    إيطاليا والدنمارك بالتصنيف الأول والسويد في الرابع.. كل ما تريد أن تعرف عن الملحق الأوروبي    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    "النيابة العامة" تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي استراتيجي للدولة بحضور رئيس الوزراء    اليوم، الحكم في قرار منع هدير عبد الرازق من التصرف في أموالها    تقترب من الثلاثين، درجات الحرارة غدا الأربعاء فى مصر    ضربه على رأسه بالشيشة، السجن 5 سنوات للمتهم بقتل والده ليلة العيد ببني سويف    نجوم «بنات الباشا» يحتفلون بالعرض العالمي الأول في مهرجان القاهرة السينمائي.. صور    أبطال فيلم ولنا في الخيال حب يحتفلون بعرضه بالسينمات غدا    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    بدائل صحية للوجبات السريعة داخل البيت، طعم لذيذ بدون سعرات عالية    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    بعد 7 سنوات من الغياب ..ابن سلمان يزور واشنطن ويقدم مزيدا من الرز الخليجي والتطبيع المجاني؟!    وزير المالية: مبادرة جديدة لدعم ريادة الأعمال وتوسيع نظام الضريبة المبسطة وحوافز لأول 100 ألف مسجل    «مصر العليا للكهرباء»: 4.3 مليار جنيه مشروعات للغير وفائض تشغيل كبير    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    محكمة الأسرة ترفض استئناف إبراهيم سعيد وتؤيد إلزامه بسداد نفقة ومصروفات ابنتيه    جامعة دمياط الأهلية تطلق ندوة حيوية حول أخلاقيات الطالب الجامعي    رولا ابنة الراحل محمد صبرى: والدى كان يوقع على بياض للزمالك    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    القادسية الكويتي: كهربا مستمر مع الفريق حتى نهاية الموسم    في غياب بن رمضان والجزيري.. تونس تتعادل مع البرازيل    مديرة وحدة علاج الاضطرابات النفسية تحذر من الآثار السلبية للتنمر على نفسية الطفل    هند الضاوي: إسرائيل لا تحترم إلا القوي.. ودعم السلطة الفلسطينية ضرورة عاجلة    أحمد موسى: الرئيس السيسي استلم البلد وكانت كل حاجة على الأرض    رمضان 2026| انطلاق تصوير «اتنين غيرنا» ل آسر ياسين ودينا الشربيني    إيهاب الخولي: الرئيس السيسي يثمن إرادة المصريين ويؤكد على الشفافية    رئيس جامعة العريش يترأس الملتقى العلمي الثالث لكلية الطب البيطري    حملات لفرض الانضباط في حي العجوزة    هيئة الدواء: نعتزم ضخ 150 ألف عبوة من عقار الديجوكسين لعلاج أمراض القلب خلال الفترة المقبلة    ياسر ثابت: إدارة ترامب لا تسعى لمعركة طويلة الأمد في فنزويلا    إطلاق الموقع الإلكترونى الرسمى المخصص لمؤتمر اتفاقية برشلونة cop24    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    "تعليم القاهرة" تشدد على أهمية تطبيق لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي    حماة وطن ينظم مؤتمر حاشد لدعم مرشحه محمود مرسي بالقليوبية    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    على أنغام الحب كله.. أحمد حلمي يتغزل فى منى زكى بعيد ميلادهما.. فيديو    لقاء تنسيقي بين "الكهرباء" و"الأكاديمية الوطنية للتدريب" لتعزيز التعاون وبناء القدرات    التنسيقية تنظم رابع صالون سياسي للتعريف ببرامج المرشحين بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    الشيخ رمضان عبد المعز يبرز الجمال القرآني في سورة الأنبياء    تفاصيل خطة تطوير المطارات ورفع كفاءة إجراءات دخول السائحين    الكنيسة تحتفل اليوم بتذكار تجليس البابا تواضروس ال13    التحقيق في حادث غموض مصرع ميكانيكي بالشرقية    بث مباشر.. المغرب يواجه أوغندا اليوم في ودية استعدادية لكأس أمم إفريقيا 2025    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زهرة الجنة
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 01 - 2018


اقرأ سورة ابراهيم.
تنظر امى الى الشيخ المعمم بنظرة راجية، ولكن بصوت آمر ناهى. يمتثل الرجل كعادته ويربع قدميه فوق المقعد، ويستعيذ ويبسمل ثم ينطلق الصوت الاجش مموسقا فى ايقاع يؤثر الاسماع، يبدأ الشيخ دورته الأسبوعية من أعلى لأسفل فيبدأ بشقة أم سهير ثم ام يسرى ثم الخواجة مارى ثم ام نادية فشقتنا،
بصره الكليل لا يمنعه من التعرف على الوجوه وألفه الاصوات، ويجتذبنا رنة الأزهرى فيزيد من توتيره فى نفوسنا. نحفظ مكونات غذاء يوم الجمعة عن غيره: الملوخية وصينى البطاطس والحساء والمهلبية.
كفت أمى عن تقديم تفسيرها الثابت:
كان المرحوم خالكم إبراهيم يشتهيها تسللت ذاكرة فى لساننا وانوفنا وامتزجت بكرات دمانا، وتجللت ذاكرة الحوارات اليومية ممزوجة بدموع امى الجاهزة للانطلاق فى أى وقت بمجرد مجيء سيرته..
ربما كنت فى الرابعة او الخامسة من العمر عندما رحل خالى، وقبل أن أعى أن رحيله سيكون قطر دائرة حياتى، وايقاعها الأساسى التى تنضبط معه كل الالحان الاخرى.
يولد الحزن كبيرا فيصغر مع مرور الايام الا موت خالى ابراهيم الذى بدا كبيرا وإستمر كبيرا فى صدر امى لوعة على شقيقها الوحيد..اعود بصحبة ابى او شقيقى الاكبر من المسجد فيشم رائحة البخور من باب العمارة فندرك ان أمى أطلقت طقوسها الجنائزية، والتى يتلوها مجيء الشيخ ابراهيم.
ستتناثر صورة المؤطرة فى غرف المنزل. تولى أبى تكبيرها عند ناجى المصوراتى بأول شارع السكاكينى، ثم صنع إطارا فخما لكل صورة فى مجلة الزجاج بشارع الشرفا كان يهدينا دراجة جديدة ينفجى، أنا واخى الاكبر ننفق جنيها كاملا على مدى شهر بعد عودتنا من هناك، يمتلك خالى ابراهيم الموسر محلات عديدة: محل دراجات، ومحل درجات ناريه، ومقهى، وتوكيل اسمنت.
يدلل امى ويحنو عليها فيحتضنها ويرفعها فى الهواء ويدور بها عده دورات فور وصولنا. نلمح نظرات الغيظ فى عينى زوجته.
لا اعرف كيف حط الرحال بأمى وشقيقها الى المحلة قادمين من مسقط رأسهما بمدينة المنصورة بعد وفاة الوالدين بعد سنوات بعيدة ستلحظ امى وجه الشبه بين فقيدها والفنان مجدى وهبه الذى مات ممتدا هو الاخر. ستسير حياتنا الهوينى قبل ان يقلبها السر الكبير، كانت فكرتى عن الموت فى طفولتى هى اليد الضخمة التى تهبط من السماء لتخطف انسانا ليعيش بيننا فتخفيه وتنتزعه من دائرته الحيوية التى يتحرك فيها، تكشر الايام عن انيابها فجأة.
كان اخى الاكبر قد جند فى الجبهة بعد انتهاء دراسته، ونشبت الحرب فى السنة التالية.
كانت طاقة اللوعة والحزن على خالى ابراهيم قد خمدت قليلا، حتى داهمنا فقدان اخى فى معارك الحرب، كان مظليا أسقط قبل بداية القتال فى عمق سيناء لنصب الكمائن لقوات العدو التى لتبادر بالهجوم المضاد لم يظهر شقيقى حيا الا بعد شهور طويلة.
تفجر شلال الحزن الثانى مجددا من مسقطه فى خبايا امى، أدركت لحظتها ان المرأة التى تهب الحياة هى اشد حرصا عليها، ولذا لم تشعل النساء الحرب على مر التاريخ، ولم تمارس النساء مهنة القتل والتدمير والاستئصال كما فعل الرجل. الحياة نفسها مفردة انثوية. الذى يحتضن الحياة الوليدة شهورا تسعه، والذى يرعاها عامين يظل متشبثا بكل معانى الخصب والبقاء والاخضرار، ماذا لو تولت النساء حكم العالم بدلا من الرجل، الن يكون السلام أكثر احتمالا.
قبل اختفاء اخى فى لعبة الحرب كنت اترقب نتيجة الثانوية العامة. سألني: علام انتويت:
الهندسة
قبل ان تقرر يجب ان تعرف الحقيقة وتعيد التفكير، صارحنى ابى بالسر المحجوب.
لم يمت خالك فى حادث، بل قتل.
قتل؟
نعم، ولكننا لا نعرف اسم قاتله.
واتعرف امي؟
لا أخفينا الامر عنها، من الصعب ان ترى رأس شقيقها الوحيد مذبوحا؟
كانت الليلة غير قمرية، وثمة شاهد وحيد شاهد القاتل يجلس خلف خالك فوق دراجته النارية، ورأه وهو يذبحه قبل ان يقفز ويختفى فى الظلام خفير بشركة الغزل عند ميدان الساعة. خالك كان يعرف القاتل لأنه نقله معه، كانت الواحدة صباحا فى ليلة باردة مظلمة ولكن الخفير شاهد كل شىء.
ألم يدل بشهادته؟
اختفى بعد استجواب النيابة لم يبح بشىء، وادعى انه لم يشاهد شيئا.
اين ذهب؟
تبخر كان لم يكن موجودا او كان القاتل هدده وامره بالاختفاء.
هل عرفتم اسمه؟
نعم، الخفير نصر على حسن البهلول:
بعد ظهور النتيجة كنت قد اتخذت قرارى. التحقت بالكلية العسكرية
لم يرق سلك الشرطة لى، كنت مفتونا بالجيش فى اجواء حرب العبور المظفرة، واجوائها، لم يغب وجه خالى، ولم أنس اسم شاهد قاتله لحظة، وبدا ان معدة القاهرة العملاقة قد اخفته او ضيعته الخفير الخائف او المرتشى، والذى سمع صرخة خالى اثناء جز رقبته ذاب فى الهواء، وكان فى مكمنه وراء بوابه الشركة المنخفضة كاشفا الميدان الخالى.
يبدو انه خرج على صوت صرخة خالى المغدور، وعلى ارتطام الدراجة بالفريز، وفرار قاتله الذى أنهى مهمته الليلية بنجاح.
ليست كل المعرفة نورا. بعض المعارف تحمل معه الشقاء والتعاسة والالم
اخفيت الحقيقة عن امى رحمة بها، والا كان رد فعلها مخيفا. لم يكن شقيقها الوحيد والاكبر، بل كان ابا ثانيا منذ ان ذاقا طعم اليتم والغربة مبكرا:
الذاكرة كالحب تذبل وتشيخ ان لم نقيدها بالاهتمام والحنون والرعاية، عاهدت ابى قبل موته ان ابحث عن قاتل خالى، هذا قتل حدث منذ زمن بعيد، ولكن الميراث انتقل لى بعد ان هاجر شقيقى الاكبر الى كندا. لم يبد متحمسا للبحث عن قاتل خالنا وتعقبه. قال لى مرة ونحن نجلس على مقهى الفيشاوى قبل هجرته
هل تعرف ما اغبى اغنية وطنية سمعتها؟
أى اغنية تقصد؟
اغنية عليا التونسية « ما تقولش ايه ادتنا مصر» لا يجب ان نعرف ماذا نعطى وماذا نأخذ؟ لا تستقيم العلاقة إذا سارت فى اتجاه واحد. هل تعرف كيف مات عبد المعطى صائد الدبابات الشهير فى الحرب. لم يشفع له تدمير ثلاث وثلاثين دبابة ومصفحة ومات فى كشك السجائر الذى تفضلوا به عليه، ولم يجد ثمن دوائه، اشار بإبهامه الى صورة مرشح نيابى كانت تتوسط الميدان.
هذا البك هو اول من استورد النسور الميتة واطعمها للمصريين على انها ديوك رومى صمت طويلا ثم فأجاني:
أليس غريبا ان نحب رئيسا قادنا للهزيمة، وعادينا رئيسا صنع انتصارا، ومع ذلك لم اعترف برئيس سوى عبد الناصر، عشقناه حتى النهاية لأنه حرك فينا شيئا كبيرا، لمس مخزونا تاريخيا بداخلنا من الكبرياء والعدل والكرامة.
ولكنك تهرب الان؟
اسمع، لم ابح لاحد بقصتى، لقد اصبت فى رأسى بشظية، وخبانى بدو سيناء حتى تعافيت. كانت الحرب قد توقفت منذ شهور عندما استعدت ذاكرتى وقدرتى على الكلام، وساعتها أعادونى الى السويس.
لم يبح بشىء من قبل حتى لوالدينا، يبدو انه اختزن ألمه ومأساته داخله.
بعد سنوات، كان العدو الذى حاربنا يتمشى فى شوارعنا، وينام قاتلى فى سريرى. ألست الملهاة بعينها
ولكننا اوقفنا العداء من اجل السلام، والرخاء.. ال قاطعنى مقهقها: والنتيجة لقد تجاوزت الاربعين، ولم أستطع ان اتزوج، او ادخر مؤخر شقة حتى الان
انا ايضا لم اتزوج؟
انت تزوجت العسكرية. هذا قرارك، ولست عاجزا مثلى اتهمه صراحة: انت يائس، وتقفز من السفينة. انت جبان وأنانى، لا يضايقك اتهامى
اسمع يا اخى. انت وصلت الى رتبة العقيد، وتمضى فى طريقك بنجاح، ولكننى قررت مغادرة هذا الوطن وعدم العودة بعد واقعة مسرح الجلاء
لا افهم، ماذا حدث هناك؟
لم يتخل عن ضحكته المستهزئة، ومضى يوضح
كان قائدك الاعلى حاضرا فى مسرح الجلاء، فى حفل اكتوبر السنوى، واراد مدير النادى ومنظم الحفل ان يعد مفاجأة، فأعلن للحضور ان المقاتل محمد اول من رفع العلم موجود فى الصف الاخر. تلعثم عم محمد، ووقف يرد التحية، ودعوه للسلام على مبارك.. وسط تصفيق الحاضرين المدوى
وماذا حدث اذن؟
بعد الحفل عزل رئيسك قائدك الاعلى اللواء مدير النادى لأنه لم يحتمل ان يخطف الاضواء منه اخر حتى لو كان مقاتلا سابقا ودعت اخى، وانصرفنا، ولم اره من يومها، وان كان يهاتفنى من الحين والحين: تسخو الايام بكرمها غير المتوقع، وينفتح صنبور السماء عن عطاء كريم.. لم يكن يضايقنى فى حياتى الرتيبة سوى الحاح متباعد من امى بالزواج، ولم أكن متهيئا لتكوين اسرة بعد، اجلت الموضوع برمته لحين الوصول الى قاتل خالى. الزواج سوف يفتر حماسى فى هذا الصدد : ذات صباح قدم مدير شئون الضباط قائمة بالمجندين الجدد الذين انهوا فترة الأساسى، واذا باسم البهلول يقفز من القائمة الى بؤبؤ العين وراجعت الاسم الكامل فوجدته مشتملا على اسم الخفير الهارب غالبت انفعالى، واستدعيت المجندين الثلاثة حتى يبدو الامر عاديا. الجندى المقصود عرف نفسه: جندى مجند سيد على نصر حسن البهلول مؤهلات متوسطة وينطق اللهجة الصعيدية. سألته بلده فأجاب مسرعا: دير وطط ترك اخى مكتبة الكبيرة، وسمح لى بامتلاكها او التصرف فيها انا لست قارئا نهما، مثله ولا صبر لى على القراءة. مددت يدى الى كتاب ضخم وسحبته. «مائه عام العزلة» لماركيز وبخط اصفر» الحائز على جائزة نوبل فى الآداب» بينما كنت اقلب فيه وجدت مطوية. صوره زهرة غريبة كبيرة الحجم كتب تحتها بالإنجليزية «زهرة الجثة» بدا الاسم غريبا. ما الذى استوقف اخى فى هذه الزهرة. قرات ما كتبت تحت الصورة بالإنجليزية (اروم تيتانك) نبتة عملاقة رائحتها نتنة نجحت زراعتها فى حديقة النباتات بواسطتى بعد نقلها من موطنها الأهلى فى الغابات الاستوائية بإندونيسيا. ارتفاعها 2٫4 متر، وتصدر رائحة قريبة من رائحة اللحم النتن لكى يجتذب الحشرات الملقحة تذبل بعد يوم او يومين « ترددت فى ذاكرتى عبارة اخى الأخيرة:» بعد سفرى يمكنك ان تتزوج وتقيم مع امنا. لا عذر امامك «يقف أمامى الان مرتبكا حفيد الشاهد الوحيد على قاتل خالى. لاحقا سأعلم منه ان اباه يعمل تاجر حبوب، وان جده كان خفيرا خططت للأمر. سأباغت الفتى فى منزله مستقبلا، ربما استدرج جده فى الحديث ليكشف عن سره. سافرت الى ديروا اثناء اجازة الحفيد الدورية. نقلت عنوانه من السجل، سالت جيرانه فعرفت انه فى محل ابيه. لن أنسى دهشته عندما أبصرنى امامه. لا اصدق نفسى يا فندم
اهلا يا وحش. كان لدى مؤتمر هنا، وسألت عن أحد زملائى القدامى، بالكلية الحربية، ولكننى لم اهتد اليه حاول مساعدتى فرا رغبته، وبدا الاب مندهشا وهو يقف امام قائد الكتيبة ولده. تمسكا بدعوتى الى الغداء تظاهرت بالرفض الا انثنى قبلت تحت الحاح الاب لا اعرف ما المفاجأة التى تحملها الدقائق القادمة وانا أقف امام الجد الذى اخفقت الشركة وأعمامى فى الوصول اليه كل هذه السنوات. لم يشاركهم الجد الطعام ولكنه شاركهم شرب الشاى مازال الجد محتفظا بحضوره وان بدا من هيئه جسده انه يعيش ايامه الأخيرة ، حانت لحظة المواجهة ، سأله الجد فى بطء
الباشا من آنى بلد
المحلة الكبرى .
لاحظ انفعاله. تردد ثم باح. عشت فيها سنوات منذ زمن بعيد، خدمت فى شركة النسيج، ولكن الباشا من أى عائله.
عائلة الشرقاوى
هل تقرب للمرحوم الشرقاوى؟
اه خالى، هل تعرفه؟
ضغط الرجل على زر خفى فتدافعت اعترافاته
نعم الله يرحمه. كان من اعيان المحلة؟
ولكنه قتل؟
تردد ثم قذف باعترافه
شاهدت مقتله أمامى.
كنت خفير البوابة وانتبهت على صرخة المرحوم، أطلقت رصاصه من بندقيتى فوق رأس القاتل ولكنه هرب. جرى واختفى.
هل تعرف قاتله؟
صمت الرجل طويلا. مضى دهر كنت فيه اصارع اليأس من الامل. الثوانى القادمة قد تحمل راحتى او شقائى. ستكر السنوات اخيرا عن نقلها لو باح الجد بالإجابة.
اعرفه يا حاج؟
فتح فمه ببطء عن فوهة الجحيم. لم تكن له اسنان، وبدا كأنه يغالب قوة مجهولة
هذا من بعيد فلا تقلبه يا باشا
اعرفه؟
غالب الرجل جبلا من الحذر والتردد
نعم للأسف انه شقيق زوجتى، نسيت اسمه ولكن كنت اراه كثيرا يركب خلفه ليوصله.
لماذا لم تعترف باسمه فى التحقيق.
خفت، عندما عرف اننى شاهدت الجريمة جاء لى فى دوريتى فى الليلة التالية. طلب منى ان الزم الصمت. لمح انه قتل مره ولا مانع ان يكررها. أمرنى ان اختفى. نقدنى عشرين جنيها كاملة. كانت ثروة وقتها. أمرنى ان اعود الى ببلدى فى الصباح واستقل اول قطار. اقسم انه سيجعلنى الحق المرحوم إذا شاهدنى فى المدينة ثانية. خفت، لدى زوجة وصغار. عدت الى ديروا.
تبخرت من المحلة كأننى لم اعش اعواما بها.
عدت مصدوما من معرفه السر الذى ظللنا ننقب عنه سنوات طويلة. قاتل خالى قريب منه. يسهر معه ويأكل معه ويسافران سويا.
استدرج امه للحديث عن اسرة خاله. كان يعرف ان ارملته تزوجت بعد سنوات من مقتل خالى، ولكن لم تأت سيره اخيها كثيرا. ظل القاتل مختبئا عمرا بأكمله بعد ان قتل نسيبه. لعله تمتع بماله التى ورثته زوجته وابناها. كانا كبرا وكانا يترددان عليها كل عدة سنوات.
سأل نفسه مرارا: أى جرم ارتكبه خالى الحنون ليستحق الموت عليه، واى سر حمله معه؟ لماذا يجب ان يموت انسان ليحيا قاتله حرا سالما ينعم بحياته؟ اين العدل فى هذه الحياة، جرب ان يرسم صورا افتراضيا لقاتل خاله ابراهيم. تخيل ملامحه مرارا. احتفظ بهذه الرسوم فى ملف خاص يعود اليه بين الحين والاخر. ضبطته امه وهو يرسم صورة له، وتهرب من الإجابة حين سألته عن صاحب هذه الملامح. انعمى بجهلك يا اماه لان الحقيقة التى تجهلينها مرة المذاق.
لم يعد مفر من مهاجمة الوكر، واقتحام عرين الاسد. سأل نفسه مرارا وان لم يحسم الإجابة
اقاتل انا قاتل خالى الحبيب؟
صحيح انه نفسه عافت فكره القتل ولكن ثمة عقاب يجب ان ينزل بالقاتل يوم يعرفه. ضبط نفسه مرارا يضع مسدسه على مكتبه يحدق فيه. فى أى اتجاه سوف نطلق رصاصة بعد انتهاء المشروع الذى كانوا يعدون له، وانزياح حالة التوتر التى تعترض كل قائد عسكرى فى هذه الايام قصد المحلة الكبرى بعد ان زودته امه بعنوان منزل الخال القديم.
فرض سؤال نفسه عليه بإلحاح دون ان يجد اجابه. اتعرف ارمله خاله بحقيقه قاتله؟ ربما كانت شريكة خائنة، وربما عاشت على جهلها بالحقيقة مثل امى.
عندما هاتفه شقيقه فى مكالماته القليلة المتناثرة اعترف له بالحقيقة:
اخيرا اهتديت الى قاتل خالى؟
يا رجل، الا تزال تحيا فى غيك القديم. هذا تاريخ بعيد لن يفيد التنقيب فيه.
قلت له: عرفته وسأواجه
من؟
سليمان شقيق علياء زوجة خالك
شكلت فيه حينا ولكنى ابعدت الفكرة. حذار من تقليب ما فات. انت قائد مسئول ولن تؤمن العواقب
فى اول اجازة سوف احسم الامر. اتصلت بعلاء ابن خالى واخذت عنوانه. عندما كنا نحتسى ثلاثتنا بعد الشاى أى بعد الغداء، وكان المنزل مردوما بالأزواج والابناء.
سألتنى ماجدة:
متى تفكر فى الزواج، العمر يمضى.
كله بأمر الله.
استدرجتها فى الحديث عن امها لأعرف بعض التفاصيل عنها. اقترحت عليها دعوتها للقائى بحجة سؤالها عن بعض الذكريات حول ابيها.
لم تتأخر احتفظت ببعض الاحترام فهى تكبرنا سنا، كان الزمن قد خط سطوره وترك بصماته على حسناء الامس التى اذكر جمالها القديم عندما كنت طفلا. لم يترك الا بعض الظلال، مات زوجها الثانى وترك لها ثلاثة ابناء. سألتها عن اشقائها. كنت اريد ان اقتنص فريستى بهدوء.
لا اذكر الا شقيقك سليمان يا زوجه خالى، ما احواله؟ اجابت
متحسرة: كان الله فى عونه، شل ولم يعد يغادر سريره او مقعده.
اعربت عن رغبتى فى زيارتى. وافقت ولكنها اشترطت ان تتناول الشاى اولا فى منزلها قبل ان نزور شقيقها سليمان فى منزله القريب من منزلها
ما شاء الله ذكرت واصبحت ضابطا كثيرا. لم ارك من ايام المرحوم:
اثرت الى ابناء خالى. اريد الانفراد بأحدكما فى الحديث لأسالها عن بعض التفاصيل القديمة حول خالى ابراهيم
تواجهنا فى مقعدين متقابلين بشرفه منزلها
باغتها بالسؤال:
أكنت تعرفين ان اخاك هو قاتل زوجك، لمحت اضطراب وجهها على الرغم من الضوء الشحيح فى الشرفة.
شهقت وزفرت محاوله المراوغة.
ما الذى تقوله؟
اهتديت الى الشاهد الوحيد الذى رأى الحارث واعترف لى بالحقيقة.
أطرقت خزيانه. بدا ان الما مركبا يعتصرها. قوتان متضادتان تطبقان عليها.
الغيرة يا بنى. كان يغبط المرحوم لثرائه ومحبة الناس له، كان موظفا وكاتب حسابات بسيطا، وكثيرا ما كان يقترض من المرحوم.
لم أقدر ان الامر سيصل للقتل، ولكنه بعد شهور من وفاه المرحوم، بدأ يبتزنى واعترف بانه فعلها لينعم بأمواله التى سأرثها منه. بدأت اخاف منه، واعطيته ما يريد حتى لم يبق الا القليل لم يردعه الا زواجى مجددا.
لماذا لم تخبرى امى بالحقيقة؟
يا بنى هل سمعت عن اخت سلمت اخاها لحبل المشنقة؟
لم يكن اعترافى بالحقيقة سيرجع المرحوم. لم أحب سواه
لن الومك على الزواج بعدها مجددا.
ذهب رجلى، واى امرأة تحتاج الى ظهر تحتمى به
ما فائده مواجهه قاتل خالى وقد فقد الرجل عقله وجسده.
اقتصت الحياة منه قبل ان تقتص السماء منه فى عالم اخر، كنت متوترا ونحن نقف امام باب المسكن المتواضع، لم أكن أدرى ان وراء باب الشقة ستجرفنى صاعقه اخرى سوف تجعل الارض تميد بى.
صاحت زوجة خالى وهى تدق زجاج الباب بكفيها
افتح يا زهرة، معى ضيف.
اطل قمر او عاصفه بها، شلال ضوء كان ينسال خلف الباب المفتوح. لم اصادف هذا الجمال من قبل. اخفى هذا المسكن المتواضع كل هذا الحسن. من اين تأتى الفرحة ويعم السلام والسكينة و«زهرة» بنت اخى.
لم تخف ارتباكها مثلما لاحظت عدم توازنى. لم تتوقع زيارة عمتها، شعرها الحريرى منسدل كأنه موجة عبير تحوطنى غمازات الوجه تحرسان ثغرا مستديرا صغيرا، تحت انف وعينين واسعتين.
أقف الان امام قاتل خالى. مجرم ضلت عنه العدالة وسلب من امى حضنها الحانى. شعور مركب غلبنى. شهوة الانتقام والرثاء لبقايا انسان. كونه من اللحم والعجز والبلاهة.
كان يجلس مكوما فوق مقعد قديم. لم اتبين شيئا من كلماته المكسورة
قدمتنى شقيقته اليه. لم اجدد رد فعله اكان يستوعب الامر ام يحلق فى مدار قصى فى القضاء، أقف امام القاتل عاجزا عن جسم المسالة، مجرد بقايا انسان مر بفعلته ولعله نسى ما اقترفت يداه، راقبت علياء رد فعلى، وبدا انها متحيرة تترقب انتقاما ما، ارتدت زهرة خمارها، ازدادت توهجا. أهذا حور اللؤلؤ المنثور.
زهره خريجة أداب
أى قسم؟
أطرقت برأسها وكأنها تهرب من عينى.
قدمت كأسين من مشروب الليمون وجلست متحيرة، تدلت براس ابيها، طريدتى الملعونة، وبدا حاجباه الغليظان بشعرهما الابيض متنافرين.
قسم اللغة الإنجليزية.
استأذنت وعدلت هيبه ابيها الذى بدا متضايقا فى جلسته ضبطت الحشايا حوله. كان يجلس كجثه عديمة النفع مدلى الرأس، مخدرا. كيف تشع زهرة كدرة منيرة وسط هذا الغض أرهق كفه الايمن الذى ذبح به عنق خالى. أزالت البقايا الماء عالقة به. لم تتحرك عن علياء عنى.
زهره ليست ابنه اخى ولكنها الاعز الى قلبى، تمنيت ان تفرح الزهرة برائحتها. ان تنطق. كان صوتها مموسقا وبذات رأس يدور من طغيان جمالها وفيضها الاخاذ، لم يهدأ الصراع بداخلى، ايمكن ان تقع فى الحب بتلك السهولة.
ومن تكون؟ ابنه عدوك، قاتل خالك.
أنكرتنى. بدوت انسانا اخر مفعما بالحنين، متقد الاشواق. كان طيف زهرة يكبر ولكن كانت تقف بجوار ابيها القاتل مقترنة به، وحانية عليه.
لم يكن القرار سهلا، واحتد صراع ضار داخلى. لاحظ قائد اللواء شرودى، وسألنى برفق عن حالى. تحججت بصداع مؤلم، اسير طويلا على قدمى فى ارض الكتيبة ليلا، أتأمل السماء. بدأت ارى خريطة العالم بعين جديده. سألت نفسى عن المهندس الاكبر الذى يديرها فى إجازتى الاعتيادية القريبة حاولت مفاتحة امى.
قبل ان تتناول الافطار معا لاح لى ان أرتب أفكارى فى غرفه مكتبه اخى. مددت يدى الى نفسى الكتاب، والى نفس الصورة ورددت مجددا: اروم تيتانك. زهرة الجثة.
استجمعت شجاعتى اخيرا وانا ارتشف فنجان الشاى:
سألبى رغبتك يا امى، سأتزوج.
بدت غير مصدقة. تمهلت لتستوعب العبارة.
هداك الله اخيرا. مبارك يا حبيبى. هل اخترت بعد؟
نعم، أعجبتنى زهرة ابنة شقيق زوجة المرحوم خالى ابراهيم، قبل ان اسمع رد فعلها كانت جملة مأ لوفة بصوت اخى تتردد فى أذنى تلك اللحظة: «وينام قاتلى فى سريرى»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.