بين جيلنا انتشرت أفكار مثل قتل الأب والتمرد على الأم والخروج على العائلة، أفكار أعتقد بكونها مسمومة نجحت في تشويه الصورة الاجتماعية إلى حد جعلنا نستيقظ على حوادث قتل الأبناء للآباء. وأتذكر أعمالا أدبية تبادلناها بإعجاب مثل الأخوة الأعداء، اللامنتمي، لا شيء يهم؛ وغيرها من أعمال مازالت ماكينة الأدب تنتجها إلى هذه اللحظة. وأنا كمستهلك شره للأفكار وقعت أسيرة هذا الفكر لبعض الوقت... بل لوقت طويل لست هنا بصدد الحديث عن نفسي لكنني سأحكي عن أمي أم هاشم إمام محمد الشويحي ما الذي أعرفه عن أمي؟ أعرف أنها كانت امرأة فائقة الجمال، هي وخالاتي كن حين يجتمعن يشكلن لوحة بديعة الملامح خاصة إذا ما دققنا في الحوارات والضحكات أمي بيضاء وأنا سمراء كان ذلك هو الاختلاف الأول بيني وبين أمي' فأنا كنت دائما ابنة أبي لأنني أحمل لون بشرته والكثير من جيناته' لعلها كانت تتوقع ابنة شقراء مثل بنات الأخوال. المهم أن ذلك صنع أرضية لخلاف عميق بيني وبين أمي واستمر لسنوات. وانتهي بجملة صغيرة قالتها لي أمي منذ شهور قليلة... أنا أحبك يا أمينة قالتها هكذا ببساطة وبوضوح وبإيقاع ثابت وعينيها في عيني. وأنا بحبك يا ماما قلت ثم انتهزت أول فرصة للاختلاء والبكاء بكاءً كان حارقا وموجعا ومكتوما حد الشعور بالرغبة في الانفجار. أمي تحبني مكتوب في شهادة ميلادي أنني ولدت بمستشفى السويس العام قبل النكسة بعام' في وقت لم تكن الولادة بحاجه إلى مشافي. لذلك أعتقد الآن بأنني تسببت لأمي بآلام إضافية. خاصة وأنها سبق وولدت قبلي ولدين ولادة طبيعية وبالبيت أمي كانت تحب السينما حتى أن أبي كان ينتظرها على المقهى المقابل لأنه كان لا يحب السينما. وأذكر هنا فساتين أمي ثم البنطلون الواسع والجاكت الطويل ثم الفستان ومن فوقه جاكت ثم جلابيب البيت حين عزفت عن الخروج بسبب اشتداد المرض على أخوي الكبيرين... ثم العباءة السوداء بعد موت أخوي وموت جدتي وانتحار خالي... خالي ذلك كان المحبب اليّ، سببت له مشاهد الحرب اليهودية على المدنيين بالسويس اكتئابا لم يفارقه وكان الأقرب إلى أمي أستطيع القول بأنهما كانا صديقين يا مسكر هكذا كان يناديني خالي غريب الذي عاش يحمل أحزانا لم يدركها أحد، وأمي أيضا كانت تحمل أحزانا لم أدركها كولي للعهد بعد موت أخوي تباعا. أصبحت أنا الإبنه الكبري وكنت أشعر دائما بأنهما كانا الأولى بالبقاء لو لم أصبح أما لما عرفت أمي. وما اقتربت من همومها. ولما أدزكت حجم قلقهاى حين تلح بالاتصال في الخامسة صباحا مثلا لأنها فقط وبهلع أرادت أن تطمئن عليّ أنا أحب أمي أفكر كثيرا وعلي مدى اليوم فيما كانت تفعله أمي وفيم تفكر في أوقات صمتها الطويل. سألت ابنتي أبوي يوما ما إن عاد الزمن فهل يتزوجان ثانية فأجابا معا بلا ما استدعي الضحك أمي آبنة لتاجر جمال من عرب الشام مات في البيت الكبير الذي اشتراه لزوجته الثانية ياسمين أخذتني أمي في زمن بعيد ومازلت أتذكر ذلك البيت المحاط بالسور ومن خلفه الأشجار والذي فيه ضاع حق جدتي وحق صغارها ماضطرها لآخراج البنات من المدرسة وتزويجهن مبكرا جدتي لأبي كانت ابنه لشيخ أزهري وكان شغل جدي الشاغل تجميع ماأضاعه أبوه آبراهيم بطيشه من ميزاث العائلة ولكي يتخلص من شقاوة أبي إبراهيم الثاني ومغامراته في البر والبحر ألحقه قسرا بالبوليس واختار له أمي زوجة لا أعرف كيف كنت سأكون بدون أبوي بدون أخي وأخواتي بقي شئ عرفته عن أمي أمي إخوانية، وأبي يكره الإخوان لكنني أحبهما معا وأدين لهما بوجودي