وزير خارجية إيران يدين تصريحات ترامب تجاه خامنئي ويصفها بالمهينة    فلسطين.. شهيدان و12 إصابة إثر قصف الاحتلال مدرسة شمال غربي مدينة غزة    استشهاد 11 فلسطينيا في قصف للاحتلال استهدف خيم النازحين بحى الرمال غربى غزة    موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو والقنوات الناقلة مباشر في كأس العالم للأندية    «عنده ميزة واحدة».. أول رد من الزمالك بشأن مفاوضات محمد شريف    رافينيا يتحدث عن مفاوضات برشلونة مع نيكو ويليامز    حبس سائق السيارة 4 أيام وعمل تحليل مخدرات له    «كانت بتجمع عنب».. حزن في جامعة المنوفية لوفاة طالبة كلية الهندسة ب حادث الطريق الإقليمي    مصرع 3 من أسرة واحدة في انقلاب سيارة أعلى كوبري قويسنا ب المنوفية    شيماء ضحية حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية.. حكاية حلم لم يكتمل وفتاة اختارت الكرامة على الراحة    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    دون فلتر.. طريقة تنقية مياه الشرب داخل المنزل    ستوري نجوم كرة القدم.. مناسبة لإمام عاشور.. تهنئة شيكابالا لعضو إدارة الزمالك.. رسائل لعبدالشافي    «ملوش علاقة بأداء الأهلي في كأس العالم للأندية».. إكرامي يكشف مفاجأة عن ريبيرو    استمرار تدريبات خطة النشاط الصيفي بمراكز الشباب في سيناء    شيخ الأزهر ينعي فتيات «كفر السنابسة» ضحايا حادث الطريق الإقليمي    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق بمول شهير في العبور    قانون العمل الجديد يصدر تنظيمات صارمة لأجهزة السلامة والصحة المهنية    حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    أحمد كريمة ينفعل بسبب روبوت يقوم بالحمل ورعاية الطفل خلال ال9 أشهر| فيديو    ماذا نقول عند قول المؤذن في أذان الفجر: «الصلاة خير من النوم»؟.. أمين الفتوى يجيب    عمرها 16 عاماً ووالديها منفصلين.. إحباط زواج قاصر في قنا    جامعة الازهر تشارك في المؤتمر الطبي الأفريقي Africa Health ExCon 2025    البحيرة تستعد للاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالدم    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن عقب آخر تراجع ببداية تعاملات السبت 28 يونيو 2025    فصل الكهرباء عن قرية العلامية بكفر الشيخ وتوابعها اليوم لصيانة المُغذى    تريلات وقلابات الموت.. لماذا ندفع ثمن جشع سماسرة النقل الثقيل؟!    «الزراعة»: ملتزمون بالتعاون مع إفريقيا وأوروبا لبناء سلاسل أكثر كفاءة    عبداللطيف: الزمالك يحتاج إلى التدعيم في هذه المراكز    عمرو أديب: الهلال السعودي شرَّف العرب بمونديال الأندية حقا وصدقا    نجم الزمالك السابق: الأهلي يرفع سقف طموحات الأندية المصرية    مصر تفوز بعضوية مجلس الإدارة ولجنة إدارة المواصفات بالمنظمة الأفريقية للتقييس ARSO    أمانة التجارة والصناعة ب«الجبهة الوطنية» تبحث خططًا لدعم الصناعة الوطنية وتعزيز التصدير    طفرة فى منظومة التعليم العالى خلال 11 عامًا    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    التعليم تكشف تفاصيل جديدة بشأن امتحان الفيزياء بالثانوية العامة    مقتل شاب على يد ابن عمه بسبب الميراث    حزب الجبهة يقدّم 100 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و50 ألفا لكل مصاب بحادث المنوفية    استمرار الأجواء الحارة والرطبة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم والشبورة صباحًا    بعنوان "الحكمة تنادي".. تنظيم لقاء للمرأة في التعليم اللاهوتي 8 يوليو المقبل    عماد الدين حسين: إيران وحدها من تملك الحقيقة الكاملة بشأن ضرب المنشآت النووية    عمرو أديب عن حادث المنوفية: «فقدوا أرواحهم بسبب 130 جنيه يا جدعان» (فيديو)    ستجد نفسك في قلب الأحداث.. توقعات برج الجدي اليوم 28 يونيو    الصحف المصرية: قانون الإيجار القديم يصل إلى محطته الأخيرة أمام «النواب»    لحظة إيثار النفس    «زي النهارده».. وفاة الشاعر محمد عفيفي مطر 28 يونيو 2010    قصة صراع بين الحرية والقيود| ريشة في مهب التغيير.. الفن التشكيلي بإيران بين زمنين    أمانة الحماية الاجتماعية ب«الجبهة الوطنية»: خطة شاملة بأفكار لتعزيز العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    الأردن يعزي مصر في ضحايا حادث الطريق الإقليمي    لماذا صامه النبي؟.. تعرف على قصة يوم عاشوراء    أمطار غزيرة تضرب باكستان وتتسبب في سقوط ضحايا ومفقودين    ترامب: من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بغزة خلال أسبوع    أسعار الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض في الأسواق اليوم السبت 28 يونيو 2025    فنانة شهيرة تصاب ب انقطاع في شبكية العين.. أعراض وأسباب مرض قد ينتهي ب العمى    اعرف فوائد الكركم وطرق إضافتة إلي الطعام    تعرف على موعد وفضل صيام يوم عاشوراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
ليالى العذاب !
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 03 - 2016

أرجو أن يتسع صدرك لقراءة رسالتى فما عانيته طوال حياتى يفوق طاقة البشر
لكنى مازلت أتحمل أقدارى وأحتسب أمرى عند الله، فأنا معلمة فى المرحلة الابتدائية بإحدى محافظات الصعيد، خرجت إلى الدنيا فى أجواء أسرية مضطربة، إذ انفصلت أمى عن أبى بعد ولادتى بأسابيع، ولم يكن عمرى وقتها يتجاوز أربعين يوما، حيث تزوج بأخري، ولم تطق الاستمرار معه، وأخذتنى إلى بيت أهلها، وعشنا لدى جدى لأمى حياة مستقرة، ومريحة، وصار هو كل حياتي، وعوضنى عن والدى الذى لم يسأل عني، ولا أعرف شكله، ولا أى شىء عنه وعن إخوتى منه بالرغم من أننا نعيش جميعا فى قرية واحدة، وقد تستغرب أن يمضى العمر دون أن يخطر لى على بال أو أحاول القرب منهم، لكن إذا كان من أنجبنى بهذه القسوة، وهذا الجفاء. فإن «العين الماية تبقى حجر» وفقا للقول المأثور الشهير، بل إن من غطرسة زوجة أبى أنها أرادت أن تستفيد منى لكى أعيش معهم لخدمة إخوتي، أى أصير خادمة لهم، لكن جدى والد أمى وقف بالمرصاد لكل من يريد اللعب بي، أو إيذائي، ودللنى كثيرا واستمتعت بطفولة جميلة معه، واحتوتنى أمى ورفضت الزواج مرة أخري، وأغلقت حياتها على رعاية أبويها، وكثيرا ما كنت أسمعها فى مجالس الأسرة، وأنا ألهو حولها وهى تقول: «مش هجيب زوج أم لبنتى يتعبها ويؤذيها».. وكانت كلماتها التلقائية تهزنى بشدة، فيسيل الدمع على خدى ولسان حالى يقول: «ليه يا أبى عملت فينا كده» ثم أختفى عن الأنظار عدة دقائق حتى لا تلاحظ أمى دموعى فتحزن أو تشعر بأن هناك شيئا ينقصني.
وبمرور الأيام حاول بعض الأقارب أن يلينوا قلب والدى تجاهي، فيمد جسور التواصل معي، ويعطينى نفقة مثل إخوتى منه، لكنه كان يتعلل بأن جدى لوالدتى مرتاح ماديا، وأننى لست فى حاجة إليه، وكرس ماله ووقته وحياته لتعليم أبنائه من زوجته الثانية، وهم ستة «ثلاثة أولاد». «وثلاث بنات»، وباع ما بحوزته من أراض زراعية وخلافه، لكى يوفر لهم حياة سعيدة، وافتتح مكتب محاماة لأكبرهم، وتوجد معى من أخواتى معلمة بالمدرسة التى أعمل بها، ولك أن تتصور أختين تعملان فى مكان واحد، ولا تجمعهما كلمة واحدة، ولا حتى «تحية الصباح».. ولا أبالغ إذا قلت اننى لا أشعر بوجودها. ولا أعلم عنها شيئا، مع اننا نحمل نفس اسم الأب!
ولم أكن أعبأ بأى شىء من النواحى المادية التى طالما وفرها لى جدى وأغدق عليّ ما يكفينى ويزيد عن حاجتي، إذ إنه كان يمتلك خمسة وعشرين فدانا، وبيتا واسعا جدا، يضم خالى الوحيد وخالاتى الخمس، وقد تزوجن واحدة بعد الأخري، ولم يبق سوى خالى وهو أصغرهم، ومرض جدي، وأشار عليه البعض بأن يكتب أملاكه باسم خالى فاعترض وقال إنه سوف يترك كل شىء على حاله، وأن يتم تقسيم الميراث بعد رحيله وفقا لشرع الله، فالحق أنه كان رجلا نقيا، وأراد أن يقابل ربه راضيا فطابت نفسه، وحينما حان الأجل فارق الدنيا، وهو مرتاح البال، ولم يمض وقت طويل حتى رحلت جدتي، ولم يكن خالى قد تزوج بعد، واجتمعت خالاتى وأمي، وحكمت شقيقتهن الكبرى بأن يستمر الميراث تحت تصرف خالى إلى أن يتزوج وتصبح له أسرة وحياة مستقلة، وبناء على ذلك حررن له توكيلا بإدارة تركة جدي، ولم تطالبه أى واحدة منهن بحقها فى الميراث، وعشت معه أنا وأمى فى ركن بالبيت الكبير، وتزوج وأنجب وحصد أموالا كثيرة من عائد الأرض الزراعية، واجتمعت خالاتى من جديد لمطالبته بالميراث، لكنه فى ذلك اليوم تعرض لحادث ترك أثرا واضحا على ساقيه، فصارت إحداهما أقصر من الأخري، ولم تفلح الجراحات العديدة، التى خضع لها فى تحسين حالته، وأصبح يمشى على عكازين، ولذلك أرجأن مطالبته بالميراث إلى ما بعد انتهاء فترة علاجه.
ثم حانت اللحظة التى لم تكن أى منهن تتوقعها، إذ فاجأهن بقوله: «أبويا كتب لى كل ما يملك». ولا ميراث لكن عندي، وثارت مشكلة كبيرة، واعترفت خالتى الكبرى بخطئها فى أنها جعلت أمى وخالاتى يوقعن له توكيلا بإدارة أملاك جدي، وبالتالى التصرف فيها، وبررت ما فعلته بأنه شقيقهن الوحيد، وكانت تتوقع منه أن يسير على نهج جدي، ولكن هيهات أن يستمع لأحد، أو أن يصحو ضميره، ويتعظ من الحادث الذى وقع له، وواجهنه بأنه خدعهن وباع كل شىء لنفسه بالتوكيل، ولم تتوقف غطرسته عند هذا الحد، بل إنه رفض كل العرسان الذين تقدموا للزواج بي، ولم تجرؤ والدتى على الحديث معه بشأني، فهو يرى أنه «رجل البيت»، ومن حقه أن يتصرف فيما يراه مناسبا حتى فى أدق أمور حياتنا، وليس من حقنا الكلام معه أو مناقشته بأى حال من الأحوال.
ولم نجد أمامنا حلا لما نحن فيه، فامتثلنا للأمر الواقع، وانصب اهتمامى على أبناء خالي، وربيت بناته، وساندتهن فى كل مشوار الدراسة، وقد اضطربت أحوال خالاتي، وندمت الكبرى على موقفها المساند لشقيقها، وحزنت كثيرا ومرضت والدتى مرضا شديدا، وخوفا من أن يتكلف خالى شيئا فى علاجها، طردنا من البيت ومنع أخواته من دخوله، وسجله باسم زوجته حتى لا تفكرن فى اللجوء إلى القضاء، وخرجنا أنا ووالدتى إلى الشارع لا ندرى إلى أين نتجه. ففكرت فى اللجوء إلى زميلة لي، وهى قريبة لنا، وشرحت لها ما فعله خالى بنا، فاستضافتنا فى شقتها، وظللنا معها سبعة أشهر، وطوال هذه الفترة كان ابن خالتى الكبرى على اتصال بيننا واهتم بأمرنا، وظل يبحث دائما عن سكن يؤوينا إلى أن عثر على بيت صغير فى القرية التى نقطن بها عبارة عن حجرة وصالة، فأعطيته مبلغا من المال كنت أدخره من مرتبى وأنا فى منزل جدي، وأخذت قرضا من أحد البنوك، لكن ما أخذه ابن خالتى لم يكن يكفى ثمن البيت، فدفع ما تبقى منه، وأصبح دينا عليّ له، وأغلقنا بابنا على نفسينا، وساءت حالة أمى تماما، وأغمى عليها ذات يوم ، فحملتها إلى الطبيب المجاور لمنزلنا، فقام بتحويلها إلى المستشفى حيث أجريت لها جراحة تم فيها استئصال الطحال والمرارة. فلقد كان الطحال متضخما للغاية وما كادت أمى تفيق من أثر الجراحة حتى أصيبت بالسرطان، وخضعت للعلاج الكيماوى فى مستشفى خاص، حيث لا يتوافر هذا العلاج فى المستشفيات الحكومية البسيطة بالمنطقة التى نعيش فيها، ولم أجد بدا أمام المصاريف الكبيرة، وتكاليف العلاج الباهظة من أن «أقلب» القرض على مرتبى مرة أخرى بمبلغ كبير، ومع توالى جلسات الاشعاع، وعدم امكانية أخذ قروض جديدة، وتخلى الجميع عنا، أخذت قرضا على مرتب زميلة لي، وأدفع لها أربعمائة وأربعين جنيها كل شهر، وهكذا اصبحت انفق مرتبى كله على تسديد الديون، وليس معى ما أغطى به تكاليف علاج والدتى ومصاريف المعيشة، أما هى فمعاشها من التأمينات الاجتماعية مائتان وثمانون جنيها لاغير.
واشتدت بى ليالى العذاب وتلفت حولي، وسرحت بخيالى وأنا جالسة بجوار أمى المريضة، فوجدتنى قد بلغت سن الخامسة والأربعين، ومازلت بنتا، ولم أتزوج مثل كل زميلاتى بسبب خالى الذى وقف فى طريقي، وأبى الذى تخلى عني، وها هو كل منهما برغم ما تعرض له من أحداث لا يأبه لأخطائه، فخالى مازال عنيدا برغم مرضه، وإذلال زوجته له التى صارت هى صاحبة الأمر والنهى فى البيت، أما هو فيقول عن نفسه «أنا بفتكر الحاجة الوحشة بس وأنسى الحاجة الحلوة»، وكذلك هى حال أبي، وذات ليلة حدث لى ما حدث لوالدتى فقد سقطت على الأرض مغشيا علىّ، ووجدتنى أتلوى من الألم، وفحصنى الطبيب وأعطانى بعض المسكنات ثم قال لى أنه لابد من استئصال كلية لى لم تعد تعمل، وبالفعل خضعت للجراحة، فى الوقت الذى لا يوجد فيه ببيتنا مليم واحد!
وأخيرا اكتملت المأساة بإصابة والدتى بجلطة فى الشريان التاجي، ومرت بسلام لكن الفحص الطبى لحالتها أكد ضرورة عمل دعامات لها فى القلب، ولم أجد طريقا أمامى سوى معهد القلب فى القاهرة، وحاولت استخراج قرار علاج لها على نفقة الدولة، ولم يصدر حتى الآن، ومازلنا أنا ووالدتى على سرير المرض، وأعانى ديونا لن أتمكن من تسديدها، وفقا للجدول الزمنى المطلوب للبنك.
لقد ضاق الخناق علينا تماما فى الوقت الذى ابتعد فيه عنا الجميع، فهل انعدم الخير فى هذه الدنيا؟ وأين صلة الرحم، وصلة الدم؟ وما هذه الغابة التى نعيش فيها، فيأكل القوى الضعيف لحما، ويرميه عظما؟.. إننى على استعداد لكتابة ايصالات الأمانة والتعهدات اللازمة لمن يساعدنى فى تسديد القرض والحصول عليه منى فى أقساط مناسبة، فكل ما أسعى اليه هو أن تجرى الجراحة التى تحتاجها والدتي، وأن أشترى لها العلاج الشهرى بانتظام لكى لا تتدهور حالتها، أما أنا فليس لى فى الدنيا مطمع، ولا أمل، ولا هدف بعد كل ما فعله بنا أبى وخالي، وليعلم الجميع أن غدا لناظره قريب، ومن يدرى فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالي.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
يا الله، ما هذا الذى يحدث؟.. أب يتخلى عن ابنته، ولا يسأل عنها أو يطلب مجرد رؤيتها وليس القيام بمسئولياته تجاهها طوال هذا العمر، ولا تعرف إخوتها منه لدرجة أن لها أختا تعمل بالمدرسة نفسها معلمة، ولا تربطهما أى صلة برغم أنهما تحملان اسم أب واحد. كل ذلك وهى تعيش على بعد خطوات منهم، ثم أى أخ هذا الذى يأكل أموال أخواته بالباطل، فيستخدم التوكيل الذى حررنه له فى بيع كل أملاك أبيه لنفسه، ولم يتعظ بالحادث الذى تعرض له،وهو أول القصاص منه على قيد الحياة قبل أن يلقى الجزاء الأكبر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟
يا الله، إن الخطب جلل، والأحداث جسام، فليس لنا سواك، ونسألك أن تكشف الضر وتزيل الغمة عن هذه المعذبة التى لا سند لها ولا معين:
ولقد ذكرتك والخطوب كوالح
سود ووجه الدهر أغبر قاتم
فهتفت فى الأسحار باسمك صارخا
فإذا محيا كل فجر باسم
نعم، فما تتعرضين له من ابتلاءات فى الحياة، من قدر الله، إذ يقول تعالي: «ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير»، فلا تأسفى على ما ابتليت به، فالذى قدره هو المولى عز وجل، وعنده لك ثواب وأجر عظيم، والمبتلون من أمثالك ينوه بهم فى الفردوس «سلام عليكم بما صبرتم. فنعم عقبى الدار»، وإذا كان خالك قد رأى أن الأرض التى أستولى عليها، والبيت الكبير الذى انتزعه من أخواته، وطردكما أنت ووالدتك منه، سوف يوفران له الغني، فإنه فى الحقيقة مفلس، وربما يكون قد أدرك ذلك الآن، نعم هو مفلس من كنوز الايمان واليقين بالله، وسيظل حتى لو استمرت أحواله المادية متيسرة، فى تعاسة وغضب ومهانة، وليس أدل على ذلك من المعاملة السيئة التى تعامله بها زوجته الثانية بعد أن سجل بيت العائلة باسمها، لكى يهرب من الملاحقات القضائية إن لجأت أخواته إليها.
وأننى أسأل أباك: ألم تخطر ابنتك وهى من لحمك ودمك على بالك، فتسأل عنها، وتطمئن عليها، وتحرص على أن تنشأ فى كنفك ورعايتك، إذ انها تحمل اسمك وأنت مسئول عنها مادمت على قيد الحياة؟ وهل يرضيك ما قاسته من آلام ومتاعب حتى إنها بلغت هذه السن، بلا زواج ولا استمتاع بمباهج الحياة، فى الوقت الذى يرفل فيه اخوتها فى سعادة حرمت منها نتيجة تجاهلك لها؟، وأسأل خالك: هل من شيم الرجال أن يطرد الأخ أخته إلى الشارع؟، وكيف يتخلى عنها وهى تصارع الموت وليس لها سند ولا معين، فحتى لو أنها ليس لها الميراث الذى أكلته حراما، فهى فى النهاية أختك، ولا أدرى كيف طاوعك قلبك أن تقسو عليها إلى هذه الدرجة؟.. إن الإنسان السوى يتأثر لمجرد أن يرى فى طريقه مريضا، أو طالبا للمساعدة، ولا يتوانى عن تقديم العون لمن يراه فى حاجة إليه. لكن قلبك الحجرى لا يأبه لذلك، فأنت لا تتذكر إلا «الحاجة الوحشة»، ومن يكن هذا ديدنه، فلا ينتظر منه أن يأتى بحاجة حلوة أبدا.
وعلى كل حال فعلى كل منكما أيها الأب والخال، أن يدرك أن وقت الحساب قد اقترب، فليلحق من يريد النجاة بتصحيح أوضاعه طالبا الصفح والغفران من الأخت والابنة ضحيتكما فى الحياة. أما أنت أيها المعلمة المكافحة وأمك الصابرة. فتكفيكما نفساكما الطيبتان جزاء لعملكما الصالح، فبرغم ما تعرضت له من متاعب منذ خروجك إلى الدنيا، فإنك لم تحملى ضغينة، ولا حقدا لأحد، وصدق فيك قول الحق تبارك وتعالى «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون»، وهذه الحياة الطيبة هى استقرار النفس لحسن موعود ربها وطهارة الضمير، وسكينة القلب، والرضا بالقدر، فبقدر إيمان المرء تكون سعادته وراحته، وطمأنينته، وانى أراك مؤمنة بالله، وراضية بقضائه، ولذلك لن يضيعك أبدا، وستجدين فى كل الأوقات من يعينك على نوائب الدهر. فلقد ساعدك جدك لوالدتك، ثم خالك إلى أن غيَّره الطمع والجشع، ثم زميلتك، وبعدها ابن خالتك، وسوف يتوالى من يرسلهم الله إليكما أنت ووالدتك إلى أن تهدأ نفسك وتستقر أوضاعك. فلا تلقى بالا للعقبات، ولا تتوقفى عند من لا يفكرون إلا فى أنفسهم، فلقد أراد سبحانه وتعالى للدنيا أن تكون جامعة للضدين والنوعين، والفريقين، والرأيين، وهى صلاح وفساد، وخير وشر، وسرور وحزن، وعلينا دائما أن نأخذ منها ما يتيسر ونذر ما يتعسر، ونتغافل عن بعض الأمور، فتجاوزى الماضى بكل مآسيه، ودعى أباك وخالك إلى المولى عز وجل، وليتهما يفكران وهما فى سن الجلال والاحترام، وبعد كل ما مرا به من تجارب ودروس ومحن فى اصلاح ما أفسداه، ويهبان إلى مساعدتكما فى الأزمة التى تواجهكما، فيعملان على توفير ما يلزم من أدوية لوالدتك ويسددان بعض الديون التى تثقل كاهلك، وإن لم يستجيبا فأحسب أن الفضلاء كثيرون، ولعل من يقرضك قرضا حسنا بالضمانات الكافية لاسترداده، يدرك أن الله سوف يخلفه عليه خيرا مضاعفا مصداقا لوعده لمن يسارعون إلى فعل الخيرات، فلا تتركى نفسك أسيرة لليالى العذاب والأحزان التى لا تنتهي، فمن لا يعيش فى حدود يومه، يتشتت ذهنه، وتضطرب أموره، وتكثر همومه ومن هذا المنطلق أرجو أن تنسى الماضى بما فيه، ولا تشغلى بالك بالمستقبل، وعليك دائما بذكر الله، وتوطين نفسك على تلقى أسوأ الفروض. وأن تكونى على يقين من أن مع العسر يسرا، وتذكرى دائما قوله تعالى «وفى السماء رزقكم وما توعدون». فأنت ووالدتك سوف تحصلان على نصيبكما العادل من السعادة حين يأذن الله.
إن الشدائد تكون أحيانا أكثر فائدة للإنسان من الحياة المرفهة، وعنها يقول أفلاطون من واقع ما عايشه من مواقف وتجارب «الشدائد تصلح من النفس بمقدار ما تفسد من العيش، والتترّف أى الترف والترفه يفسد من النفس بمقدار ما يصلح من العيش»، وزاد على ذلك «أزد شير» بقوله، الشدة كُحل ترى به ما لا تراه بالنعمة»، فأنت بكل ما واجهته من متاعب سوف تحصدين ثمارا حلوة قريبا، فالفرج بعد الكرب سنة ماضية، وقضية مسلمة، كالصبح بعد الليل لاشك فيه، ولا ريب، وليدبر الله أمرا كان مفعولا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.