يرصد المتابع لأنواع الجدل الدائرة فى مصر أن موضوع النقاب تصدر اهتمامات المواطنين وأن قبوله لم يعد كافيا، بل المفروض الآن حسب الحملة الدائرة بضراوة، أن تلتزم به جميع الإناث، منذ لحظة الميلاد وحتى دخول القبر!!.. ولا يجب الاستهانة باشتعال هذه الحملة الآن، فقد بدأت حملة فرض الحجاب وإقناع الذكور بأن رجولتهم رهن ارتداء كل من يمتون لهم بصلة قرابة، من النساء، الحجاب، الذى تباينت أشكاله وتصميماته، وأصدر أوامره للطرحة المصرية والمنديل أبو أوية المصري، بالانزواء بعيدا إلى حد التلاشي.. وقيل فى البداية، إن ارتداء الحجاب «حرية شخصية»، ثم تبين بعدها أنه فُرض حتى على طفلات الحضانة، وانتقل إلى مؤسسات الدولة.. ولا يخفى على أحد أن الفرز الطائفى بات واضحا فى الشارع المصري، وهو ما فشلت فيه بريطانيا لدى احتلالها مصر، معترفة باستحالة التمييز بين المواطن المسلم والمواطن المسيحي، إلا عندما يدخل هذا المسجد ليصلى ويدخل ذاك الكنيسة للصلاة.. وهو ما يطرح السؤال بصدد ظاهرة النقاب التى لم تكن معروفة فى المدن المصرية وتوقيت إشعالها فى الآونة الأخيرة.. والغريب أن حجة المنتقبات أو المنادين بالتنقب، هى «الحرية الشخصية» بينما فى أرقى جامعات العالم وأعرقها، ومنها جامعة السوربون الفرنسية، يدرس طلبة الحقوق، ان «عدم التعسف فى استعمال الحق» مبدأ استحدثته الشريعة الإسلامية، أى أن حقك ينتهى حيث يبدأ حق الآخر.. فلو أنك تستمع إلى الراديو فى شقتك، فهذا حقك، أما أن ترفع الصوت بحيث تمنع جيرانك من الراحة أو الهدوء أو النوم، فأنت هنا تتعسف فى استخدام هذا الحق.. ولا جدال فى أن المنتقبة تستطيع بسهولة التعرف على كل ما يحيط بها، وهى تمارس هنا حقا، ولكنها تتعسف فى استعمال هذا الحق الذى يمنع الآخرين من معرفة هويتها.. وبغض النظر عن قبول المرأة بهذه الدونية، أى اعتبارها «عورة !» تستوجب الإخفاء لصعوبة الوأد، فإن إخفاء الوجه يعتبر تعديا على القانون الذي، من المفترض، أنه يكفل حقوق الجميع ولا يقبل بالتمييز، وإضافة إلى ذلك فإن الخالق عز وجل قد أودع فى المرأة، الرحم، حيث توهب الحياة.. فهل بعد هذا تكريم؟... ولا أريد الاحتجاج بلجوء بعض المجرمين، ومنهم رجال، لإخفاء الوجه بدعوى الحرية فى ارتداء النقاب، ولكن المسألة مسألة مبدأ قانونى لا بد من تفعيله، خاصة أن التعسف فى استعمال الحق ليس مقبولا، ناهيك عن استشراء آفة التحرش التى لم تعرفها مصر فى الستينيات وبالأزياء الأوروبية الحديثة آنذاك.. فقد ركز الدعاة الجدد على المرأة ولم يقترب أحد فى الأغلب من قيمة العمل والحض على الإنتاج حتى تعود مصر إلى مكانها ومكانتها.. ومن تجليات التعسف فى استخدام الحق، هؤلاء الذين يستخدمون مكبرات الصوت المفزعة، بدعوى حقهم فى استخدام هذه الوسائل المزعجة، وكأن مكبرات الصوت كانت موجودة منذ فجر الإسلام.. فالمايكروفونات تقض مضاجع الأطفال والمرضى وكبار السن، الذين لا يجدون حماية لهم، حيث لا يوجد منطق يبرر كل الممارسات السلبية التى طبعت حياتنا فى العقود الأخيرة، حتى صار المظهر هو المطلوب وبإلحاح، بينما الجوهر توارى تواريا شبه تام.. وكما قلت مرة، أصبح المطلوب أن يكون شكلي مسلما وليس أن يكون «سلوكي» مسلما.. وهو ما يفسر تفشى الفساد الذى استشرى حتى طال رؤساء كبيرة، وحمدا لله أن الرقابة الإدارية بعثت فينا الأمل من جديد بالتطهر منه فعلا وليس قولا، كما سمعنا من قبل مئات المرات،، وكذلك الإهمال المتراكم كما تدل على ذلك شوارعنا وتلال القمامة التى تشوهها. وما يدعو للحزن، «التعايش» مع هذا الوضع.. نحن فى حاجة إلى شجاعة فى مواجهة الغوغائية باسم الدين، فمن يسمون أنفسهم «شيوخا» لا يخرج خطابهم عن العلاقات الجنسية وثقافة «النصف الأسفل من الإنسان» وتجاهل العقل البشرى بإبداعاته فى الدولة التى وُصفت بأنها «فجر الضمير» وتكفير كل من يحاول مناقشتهم فيما يقولون، وقد شاهدنا، كيف شوّه البعض صورة الإسلام، كما فعلت ممارسات التنظيمات التى تنسب نفسها زورا إلى الإسلام، وأشهرها داعش الذى حول مدنا عربية الى أطلال.. احترام حقوق الآخر أكبر ضمان لتتبوأ الدولة المكانة اللائقة. لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى