الثقافة السياسية هى فى جوهرها معارف وآراء واتجاهات وقيم الأفراد نحو السياسة والحكم. إنها الجانب من الثقافة العامة للمجتمع الذى يتعلق بمعارف وآراء وقيم واتجاهات أفراده نحو السياسة والحكم. وهى ظاهرة اجتماعية تمثل وحدة التفكير السياسى والممارسة العملية، وهدفها من ثم تربية المناضلين السياسيين. وتفترض الثقافة السياسية فهم المواطن لأسس بناء ووظائف النظام السياسي، وجميع مؤسساته. والعامل المهم فى الثقافة السياسية يتمثل فى الثقافة الحقوقية، ومعرفة المواطنين حقوقهم وحرياتهم وطرق وأساليب ممارستها. وليس فى مقدرة أى نظام سياسى أن ينمو أو يظل فى تكامله ما لم تنتشر بين أعضائه المفاهيم والمعارف المتعلقة بشئون السياسة، فضلا عن مجموعة القيم والاتجاهات السياسية التى يؤمنون بها. وتتحقق علمية الثقافة السياسية عندما يتوافر لها فى البداية القدرة على ضبط المفاهيم، بمعنى الاتفاق على تصور أو تحديد يستخدم للدلالة على شيء أو ظاهرة، مثال ذلك: السلطة، القوة، الطبقة، الحزب السياسي.. إلخ. ويؤدى ضبط المفاهيم عدة وظائف على جانب كبير من الأهمية فى البحث العلمي، فهو أساس للاتصال والتواصل بين أهل العلم والبحث فى مجال معرفى معين، فضلا عن استخدامه فى بناء النظريات، وبالتالى فى التفسير والتنبؤ. ومن جانب آخر تتأكد علمية الثقافة السياسية عندما يستند أصحابها إلى العلم فى تفسير ظواهر الواقع وعلاقاتها، فالعلم- أى علم- هو القوانين التى تحكم وجود وتطور الظاهرة من داخلها وفى علاقاتها بالظواهر الخارجية. ولما كان المجتمع هو المجال الأساسى للثقافة السياسية، فإن العلوم الاجتماعية والسياسية وعلم الاقتصاد السياسى هى الكفيل له بإكساب هذه الثقافة مضمونها العلمي، عندما يستند إليها فى فهم ظواهر المجتمع وعلاقاتها، خاصة أن هذه العلوم هى التى تدرس وتفسر فى الأساس تطور الهيكل الاجتماعى لمجتمع ما، بنيته الطبقية، طبيعتها، وعلاقاتها، والتحولات التى تطرأ عليها، وما يعكس ذلك من ظواهر اجتماعية سلبية أو إيجابية على مجمل جماعات وأفراد المجتمع، بحكم تقدمه أو تطوره تيسيرا أو تعويقا لهذا التطور. كما أنها تدرس ظاهرة الدولة ومؤسساتها والنظم الاقتصادية والاجتماعية وتطورها. وللثقافة السياسية بعد آخر فهى أيضا جزء من التوجه العام للمجتمع، يعكس الماضى والحاضر، وربما تطلعات المستقبل أيضا. وهى متغير مصاحب لعدد كبير من المتغيرات المجتمعية، يظهر فيه التأثير الواضح للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العامة والعقائدية، كما يظهر فيه أيضا نمط الحكم الذى يحدد طبيعة الفعل السياسى، ويؤثر سلبيا أو إيجابيا على مساحة الديمقراطية، وحجم الممارسات ونوعها، وما قد يترتب على ذلك من نوعية محددة للمشاركين فى القرار. وبهذا المعنى فإن الثقافة السياسية موجودة لدى المواطنين سواء كان النظام ديمقراطيا أم سلطويا أم شموليا، غير أن الكشف عنها ورصدها وتحويلها إلى رأى يكون أكثر صعوبة فى المجتمعات غير الديمقراطية. وعندما نتحدث عن دور المجتمع المدنى فى تطوير الثقافة السياسية فإننا نعنى بذلك الثقافة السياسية الديمقراطية، التى يسهم انتشارها وتطويرها فى تمكين الشعب من القيام بدور أساسى فى التأثير على القرار السياسي، وأن يكون بما يتوفر لديه من معارف وآراء وتوجهات قادرا على اختيار حكامه ومحاسبتهم وتغييرهم دوريا من خلال انتخابات حرة ونزيهة باعتبار هذا الحق هو جوهر الديمقراطية. إن تطوير الثقافة السياسية فى المجتمع المصرى لتكون ثقافة ديمقراطية هو شرط أساسى لتقدم هذا المجتمع وتطوره وتمكينه من مواجهة العديد من التحديات التى تواجهه: تحديات التنمية والتحديث والتحول الديمقراطى وإشاعة العقلانية، بالإضافة إلى تحديات ومخاطر الوجود الصهيونى التوسعي، والهيمنة الأمريكية، والتهميش المتزايد لمصر فى ظل العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية المعاصرة التى فرضتها العولمة الرأسمالية تحقيقا لمصالح الرأسمالية العالمية الكبري، ورغم أن طبيعة هذه التحديات والمخاطر تتطلب أوسع تعبئة ممكنة للشعب المصرى باعتباره الطرف الأساسى فى المواجهة، وتحديد أولوياتها، إلا أنه حرم من القيام بهذا الدور. رغم أنه يدفع دائما ثمن الفشل فى مواجهة هذه التحديات. ويشترك الوطن العربى كله فى هذه الظاهرة، فقد دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا وتحملت الأعباء المترتبة على انفراد الحكام بمواجهة هذه المخاطر والتحديات، فقدمت آلاف الشهداء فى حروبها ضد إسرائيل، وتحملت معاناة الحصار الاقتصادى الذى فرضته عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية فى بعض المراحل، كما تحملت المعاناة الاقتصادية والتعسف الذى وصل إلى حد الحرمان من أبسط ضرورات الحياة، علاوة على البطالة والفقر والتهميش المتزايد لفئات واسعة من السكان، فضلا عن القمع السياسى والقهر الطبقى والتضليل الفكرى والإعلامي. ومن الواضح ان معاناة الشعب المصرى فيما يتصل بنضاله من اجل استكمال التحول الديمقراطى ما يزال حتى الآن قاصرا عن الوصول الى نتائج حقيقية تمكنه من تحقيق اهدافه، رغم انه لم يقصر لسنوات طويلة فى دفع ثمن هذا النضال الديمقراطى، وما يزال هناك شوط طويل أمام المصريين للوصول الى التحول الديمقراطى المنشود. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر;