سؤالان مهمان يسيطران الآن علي الموقف بعد تسلم الرئيس محمد مرسي السلطة من المجلس العسكري. الأول: يتعلق بمدي جدية التزام الرئيس ومعه كل من حزب الحرية والعدالة وجماعة الأخوان المسلمين بما اتفق عليه في البيان الذي أسس لما سمي ب الجبهة الوطنية وتلاه الإعلامي البارز الأستاذ حمدي قنديل في المؤتمر الصحفي بفندق فيرمونت المطار بعد ظهر يوم الجمعة22 يونيو الماضي عقب لقاءين موسعين مساء الخميس21 يونيو وظهر الجمعة22 يونيو في المكان نفسه بين رموز وطنية وشبابية ثورية بارزة وبين المرشح الرئاسي حينئذ الدكتور محمد مرسي ورموز إخوانية مرموقة. أما السؤال الثاني فيتعلق بمدي جدية المجلس العسكري تسليم الرئيس محمد مرسي السلطات الرئاسية كاملة دون نقصان. السؤالان يمكن جمعهما معا في سؤال واحد يقول: إلي أي مدي يمكن المراهنة علي مستقبل مصري واعد تتحقق فيه كل الأهداف التي قامت الثورة من أجلها وفي مقدمتها الإسقاط الكامل لنظام الحكم المخلوع: المؤسسات والقيم والمفاهيم السياسية والممارسات الفاضحة المفعمة بالطغيان والاستبداد والفساد وإقامة نظام حكم بديل يحقق العزة والكرامة لمصر وللمصريين علي قواعد من الحرية والعدالة. أهم ما تضمنه البيان التأسيسي للجبهة الوطنية هو أن الرئيس محمد مرسي لن يحكم باسم الأخوان أو بالمشروع السياسي للأخوان ولكن سيحكم بمشروع وطني جامع يمثل التفاعل لأبرز ما تعتقد به كل التيارات السياسية المصرية: الإسلاميون والليبراليون والقوميون الناصريون واليساريون. ومن هنا كان الإصرار علي التأكيد في ذلك البيان أن نظام الحكم الجديد, أو ما درج الدكتور محمد مرسي علي تسميته ب مصر الجديدة سيكون دولة مدنية تقوم علي قواعد الديمقراطية, والمواطنة الكاملة, والعصرية وكل المعاني التي تضمنتها وثيقة الأزهر الشريف التي شاركت كل القوي الوطنية في إصدارها, ما يؤكد أنها لن تكون لا دولة دينية يترأسها رجل الدين بزعم أنه يحكم نيابة عن الله أو بوحي من الله ولن تكون دولة عسكرية يقودها جنرال تسنده مؤسسة عسكرية لها امتداداتها المدنية. كما تضمن هذا البيان النص علي أن الحكم لن يكون محتكرا في التيار الإسلامي عامة والإخوان المسلمين علي وجه الخصوص, ولكنه سيكون شراكة وطنية شاملة تضم كل القوي والتيارات السياسية. وحيث إن الرئاسة أضحت من نصيب التيار الإسلامي فإن رئاسة الحكومة ونواب الرئيس يجب أن يكونوا من التيارات الثلاثة الأخري, وأن تكون الحكومة الجديدة حكومة تجمع بين الكفاءة المهنية والتعددية السياسية, أي أن الحكومة يجب أن تضم أفضل الكفاءات في تخصصاتها وأن تتوزع الحقائب الوزارية علي كل التيارات والقوي السياسية مع مراعاة التمثيل العادل للشباب والمرأة والمسيحيين. هاتان القاعدتان هما أساس تكوين تلك الجبهة التي جري النص والتأكيد علي أن تكون مفتوحة لكل القوي والأحزاب والرموز الوطنية والثورية, بل إن هذا الأمر اعتبر شرطا لنجاحها, تماما كما اعتبر قيام الأخوان بتقديم مبادرات حسن نوايا للقوي الوطنية الأخري من نوع مراجعة عضوية الجمعية التأسيسية للدستور بسحب من10 الي15 عضوا من المنتمين للتيار الإسلامي وإعطاء مقاعد عضويتهم لشخصيات وطنية بارزة من التيارات السياسية الأخري شرطا آخر للنجاح. هل سيلتزم الرئيس محمد مرسي وحزب الحرية والعدالة وجماعة الأخوان بهذا التوافق والشراكة الوطنية وإلي أي مدي؟ الإجابة تتوقف بالطبع عن ما إذا كان قبول الرئيس محمد مرسي بهذه الشراكة الوطنية الجامعة قبولا اختياريا أم قبولا اضطراريا فرضته ضغوط وتحديات الساعات الصعبة والدقيقة التي سبقت إعلان فوزه برئاسة الجمهورية, وسوف تحسم هذه الإجابة أمورا كثيرة تتعلق بمستقبل الاستقرار السياسي ونجاح الرئيس في الانطلاق نحو مشروع بناء مصر القوية المقتدرة والعصرية, فهذا المشروع لن يبنيه الأخوان وحدهم ولن يستطيع أي تيار سياسي وحده مهما كانت قوته وقدراته أن يقوم به, تماما كما كنا نؤكد ومنذ تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير كفاية أن التغيير الجذري في مصر الذي لن يتحقق إلا بإسقاط رأس نظام حسني مبارك يعتبر مهمة صعبة وشاقة لا يستطيع أي تيار وطني, مهما كانت قوته أن يقوم بها منفردا, ولكن مصر كلها بكل مكوناتها الاجتماعية وبكل قواها السياسية تستطيع إن أرادت. ولقد أرادت مصر, وجاءت ثورة25 يناير تعبيرا عن كل مصر بقواها الاجتماعية والسياسية, وهذه القوي نفسها هي وحدها مجتمعة التي تستطيع أن تقوم بالثورة الثانية التي أضحت حتمية ونعني بها ثورة البناء التي لن يستطيع تيار سياسي أن يقوم بها وحده مهما كانت قدراته, ولكن مصر كلها تستطيع وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الرئيس ويواجه الأخوان المسلمين. الإجابة عن السؤال الثاني لا تقل أهمية, ونعني سؤال تسليم المجلس العسكري السلطة كاملة لرئيس الجمهورية فالإبقاء علي الإعلان الدستوري المكمل يعني أن المجلس العسكري مازال مصرا علي أن يكون شريكا في السلطة, وإصرار المجلس العسكري علي امتلاك سلطة التشريع بدلا من مجلس الشعب الذي أصدر قرارا سياسيا بحله ينفي أن السلطة كاملة جري تسليمها, ويؤكد أيضا هذا النفي, إصدار المجلس العسكري قرارا بتشكيل جديد لمجلس الدفاع الوطني يضم11 شخصية عسكرية و5 شخصيات مدنية مما يعني أن هذا المجلس سيكون سلطة فوق سلطة الرئيس. لقد اعتبر الخبراء والمتخصصون أن الإعلان الدستوري المكمل الذي جاء علي أنقاض حل مجلس الشعب يعتبر اعتداء علي سلطات الرئيس,المعني واضح وهو أن المجلس العسكري لم يسلم السلطة كاملة للرئيس وأنه حريص علي أن يبقي شريكا في السلطة, وأننا أمام ما يمكن اعتباره ب ازدواج السلطة بين ما هو مدني وما هو عسكري, وهذا الازدواج في السلطة هو أخطر ما يتهدد الدولة الآن, ويتفاقم التهديد إذا ما تداعت الشراكة الوطنية, واعتمد الرئيس في إدارته للدولة علي مرجعية دينية من قيادة الأخوان أو ما أخذ يعرف ب حكم المرشد. تحديان يتهددان فرحة المصريين باسترداد ثورتهم والحل في يد الرئيس. المزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس