طبقا للتعريف العلمي للثورات فإن ما حدث في يناير وفبراير 2011 هو نصف ثورة حيث أطاحت بمبارك وأبرز أعوانه لكنها لم تأت بزعامات أو قيادات جديدة لتحل محل النظام المنهار. ومن المؤكد أن هناك قوي محافظة سعت إلي تحجيم الثورة ومنعها من أن تصل إلي أهدافها النهائية. وانطلاقا من هذه الحقيقة فإن انتخابات الرئاسة القادمة ستجري بين شخصيات كان لها وجود سياسي بشكل أو بآخر خلال حكم مبارك لأنه لا توجد شخصية واحدة بارزة علي الساحة تتمتع بالعذرية السياسية الكاملة تستطيع أن تجسد الثورة وتتبرأ تماما من النظام السابق. وإذا قمنا بقراءة موضوعية سريعة لما حدث في مصر منذ 11 فبراير 2011 يتضح لنا أن هناك قطبين أو قوتين رئيسيتين تسيطران فعليا علي الساحة وهما المجلس العسكري الذي يضطلع بمهام رئيس الجمهورية والتيار الإسلامي الذي صار مسيطرا علي السلطة التشريعية أي مجلسي الشعب والشوري.
فهل يعني ذلك أن الرئيس القادم لابد أن يخرج من صفوف إحدي هاتين القوتين: المجلس العسكري الذي يمتلك الآن السلطة الفعلية والتيار الإسلامي الذي يدعي أنه يحظي بتأييد الشعب وإن كانت الشهور القليلة الماضية قد أثبتت أنه استنزف جزءا كبيرا من رصيده؟ وإذا كان المجلس العسكري يؤكد أنه ليس لديه مرشح مفضل في سباق الرئاسة فإن واقع الأمر أن الفريق أحمد شفيق يمثل الجناح العسكري ويجمع حوله من يؤمنون بأن مصر لا ينفعها في الفترة المقبلة سوي رجل عسكري يتميز بالحزم وقوة الشكيمة ليعيد لها الأمن والاستقرار. أما التيار الديني فلديه أكثر من مرشح أصروا علي خوض التجربة ورفضوا فكرة التنازل وهو انعكاس لسمة الفرقة والاختلاف التي يتميز بها هذا التيار. فالإخوان المسلمون لديهم مرشح رسمي هو د. محمد مرسي الذي انتقل من صفوف الاحتياط إلي أرض الملعب بعد استبعاد خيرت الشاطر وإن كان د. مرسي لا يحظي بإجماع كامل من أنصار الإخوان المسلمين خاصة مع وجود د.عبد المنعم أبو الفتوح الذي يمثل الوجه المعدل للإخوان وإن كان ينتمي إليهم قلبا وقالبا. وكما لو كان انقساما واحدا لا يكفي لتفتيت الأصوات فهناك مرشح إسلامي ثالث يحظي ببعض المصداقية ولديه مجموعة من الأنصار هو د. سليم العوا. فهل يكون محكوما علي الشعب المصري أن يختار بين رجل عسكري وآخر من رحم التيار الديني؟
هنا يظهر في الأفق رجل ثالث لا ينتمي لأي من الجناحين هو عمرو موسي وهو مرشح مدني بما تحمل الكلمة من معنيين مختلفين. فالمدني عكس العسكري وعمرو موسي لم يخدم في القوات المسلحة يوما واحدا كما أن تكوينه كدبلوماسي يبعده عن الفكر العسكري القائم علي الطاعة وتنفيذ الأوامر.
أما المعني الآخر لكلمة مدني فهي أنه من المتمسكين بالدولة المدنية وليس من أنصار قيام دولة إسلامية بالمفهوم الشائع في مصر والعالم العربي أي دولة منغلقة علي نفسها تقمع من يختلف حول مفهومها للشريعة وهو مفهوم قاصر وإقصائي وضيق الأفق ويخلط عمدا بين الدين والسياسة.
وعند التفكير في معايير اختيار الرئيس الجديد لا بد من محاولة فهم العالم الذي يحيط بنا وهو عالم لا تستطيع فيه دولة واحدة أيا كانت أن تعيش بمعزل عن الدنيا وتستن قوانين خاصة بها وتنتهج سياسات وشرائع تتناقض مع ما وصلت إليه الإنسانية والمتمثلة في مجموعة من المواثيق الدولية علي رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لم يعد من الممكن أن تعيش دولة تخرج عن الإجماع العالمي وترفض تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة وتضطهد الأقليات الدينية بأي شكل من الأشكال حتي وإن كان إحراق الكنائس والمنازل وطرد المواطنين من ديارهم وإطلاق النار عليهم أمام دور عبادتهم.
ورئيس مصر القادم لا بد أن يكون واعيا لهذه الحقائق ومنفتحا علي العالم وقابلا بقواعد اللعبة السياسية الدولية. أما من يقول إن لدينا ثقافتنا الخاصة فأنا أوافقه علي ذلك لكن التميز يكون بأن نصنع أفضل مما يصنعه الآخرون لا أن نكون عالة علي المجتمع العالمي وبسبب ابتعاده عن قطبي السلطة الحالية فإن عمرو موسي يبدو وكأنه الوحيد القادر علي صياغة سياسة توافقية تخرج مصر من حالة الاستقطاب والتطرف. وعندما قرأت برنامجه الانتخابي اقتنعت بأنه من القلائل الذين يفهمون معني الدولة العصرية وشروط النهوض بمصر كما أنه أكثر رجال السياسة شعبية في مصر بسبب مواقفه الوطنية المعروفة. وفي كل الأحوال فإن الرئيس القادم سيكون رئيسا انتقاليا لديه رسالة عليا هي أن يرسم معالم طريق جديد لم تعرفه مصر من قبل وهو طريق الديمقراطية وحكم الشعب وأن يمثل حكمه قطيعة حاسمة مع النظام السابق. المزيد من مقالات شريف الشوباشي