تعيش مصر لحظة حرجة ودقيقة تستوجب من جميع القوي الوطنية تجنيب الوطن ويلات التناحر والشقاق والاستقطاب وتغليب مصالحه العليا والتوافق والانحياز لأهداف الثورة وحقوق الشعب المصري وإقامة شراكة وطنية بين جميع أطيافه وتياراته تتصدي لكل صور الانقلاب علي العملية الديمقراطية. وإذا كانت بدايات هذا التوافق قد تحققت باصطفاف جميع القوي الوطنية لمواجهة إصدار المجلس العسكري للقرارات والإعلانات الدستورية التي تعد انقلاباً علي الشرعية والإرادة الشعبية. ونجاحها في تدشين الجمعية الوطنية لإدارة الثورة وإعلانها عن تمسكها بالمشروع الوطني لصالح كل أبناء الوطن وتحقيق أهداف ثورته المجيدة. ولكن يبقي السؤال: هل تنجح المصالحة الوطنية هذه المرة وتستطيع القوي الوطنية العبور بمصر إلي المستقبل؟ وطالب الدكتور سيف عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة القوي الوطنية بالتحرر من التخوين والتهم الجزافية وفتح صفحة جديدة من المصالحة الوطنية التي تحتاجها مصر في هذه الفترة. وقال إن اجتماع القوي الوطنية واتفاقها علي خطوات مدروسة لتكريس الوفاق الوطني من أجل الانتقال إلي الحكم المدني بداية مهمة لتحقيق أهداف الثورة وآمال الشعب المصري. ويؤكد أن الشراكة الوطنية والمشروع الوطني الجامع هو أمل مصر للخروج من حالة الصراع والتفتت التي اضرت بالعمل الثوري وتسببت في إهدار العديد من الفرص خلال الفترة الماضية. مبيناً أن الجماعة الوطنية أدركت الأخطاء والأخطار واتجهت إلي التوافق بين كافة قوي وأطياف المجتمع المصري. ووضعت صيغة لتشكيل فريق رئاسي وحكومة الإنقاذ الوطني من كافة التيارات يتولي رئاستها شخصية وطنية مستقلة. ويضيف أن استمرار اتفاق القوي الوطنية ونجاحها مرهون بتحقيق الشفافية والوضوح مع الشعب حتي لا يكون هناك مجال للتأويلات والشائعات وأحاديث الفتن التي تتردد عن عقد الصفقات واتفاقات الغرف المغلقة. مشيراً إلي أن اتفاق القوي الوطنية علي تشكيل فريق إدارة أزمة للتعامل مع الوضع الشائك والمعقد الذي ترتب علي الإعلان الدستوري المكمل الذي يؤسس لدولة عسكرية ويسلب الرئيس صلاحياته ويستحوذ علي السلطة التشريعية وقرار تشكيل مجلس الدفاع الوطني بداية حقيقية لتوحد القوي الثورية والوطنية وسعيها من خلال الضغط الشعبي لتحقيق مطالب الثورة والمصريين. أكد عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط ورئيس هيئة البرلمان بمجلس الشعب المنحل أن التحديات الراهنة تفرض علي جميع أبناء الشعب المصري فتح صفحة جديدة قوامها المصالحة والتوافق والتعاون من أجل مصلحة مصر. وقال إنه يجب توحد جميع القوي السياسية والبدء في تنفيذ جميع مطالب الثورة وحماية المكتسبات الشرعية التي تحققت ومقاومة كافة محاولات الالتفاف علي إرادة الشعب وإعادة النظام القديم. وأضاف أن القوي الوطنية بدأت عهداً جديداً بوقوفها جميعاً في خندق واحد ضد الممارسات التي ينتهجها المجلس العسكري التي بدأت بإصدار الضبطية القضائية مشيراً إلي أن الجماعة الوطنية سوف تواصل نضالها ضد تجاوز حيثيات حكم المحكمة الدستورية. لاختصاصها المحدد في بحث عدم دستورية ثلث البرلمان. وما ترتب عليه من أبطال البرلمان كله بغير سند قانوني. وصدور قرار بعدم منع دخول أعضاء اللجنة التشريعية لمجلس الشعب لممارسة عملهم الذي كلفهم به الشعب. كتلة وسطية وأوضح أن أحد أهم عوامل تحرك القوي الوطنية لإنجاح المصالحة هو إدراكها لخطورة السياسات التي يتخذها المجلس العسكري والتي انتهت بإصدار إعلان دستوري هو في الحقيقة انقلاب كامل علي جميع القواعد والأسس الدستورية والمدنية. مشدداً علي ضرورة استفادة جماعة الإخوان المسلمين من الأخطاء وتغيير منهجهم والاعتماد علي الميدان لمعالجة الأخطاء. وكشف عن وجود جهود حثيثة لتشكيل كتلة وسطية معتدلة تضم كافة القوي الثورية التي تهتم بالعمل العام الثوري والأهلي علي أن تقوم هذه الكتلة بالتعامل مع كل القوي السياسية الفاعلة من أجل استمرار جذوة الثورة مشتعلة وتحقيق المصالحة الوطنية علي أرض الواقع. ويري الدكتور طارق الزمر عضو المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية أن المصالحة الوطنية أصبحت ضرورة تمليها الظروف التي تمر بها مصر ولحماية الثورة المصرية من مخططات بقايا النظام السابق لإفشالها وإجهاضها. مؤكداً علي أهمية اصطفاف الشعب المصري والتفافه حول أول رئيس لمصر بعد الثورة من أجل استكمال أهدافها. ويضيف أن محاولات تعويق الثورة وإفشال مسارها مازالت مستمرة وهو ما يصعب المهمة علي الرئيس الجديد. لافتاً إلي أنه يجب علي جميع القوي السياسية وأطياف الشعب المصري بكل اتجاهاته أن يقفوا صفاً واحداً لنهضة مصر وإنقاذها من الفقر والاستبداد والقضاء علي كل مظاهر الفساد. وقال إنه يتعين علي الرئيس المنتخب تقوي الله أولاً فهي قوته وعونه. والتأسي بعبقرية الرسول صلي الله عليه وسلم في بناء الدولة بالبدء بالمصالحة الوطنية الشاملة. المبنية علي العفو والصفح والمسامحة والمشاركة في البناء القادم من أجل معالجة آثار وجراح الفترة الانتقالية. مشيراً إلي ضرورة تكوين جبهة سياسية واسعة. تشمل جميع التيارات لحماية الثورة والمشاركة في بناء الدولة. واتخاذ خطوات عاجلة لتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية. وتحسين أوضاع الطبقة الأشد فقراً في المجتمع والوفاء بالعهود التي قطعها الرئيس علي نفسه أمام المجتمع قبل الانتخابات. ودعا حزب النور السلفي إلي مبادرة للمصالحة بين كافة القوي الوطنية تهدف إلي إنهاء حالة الاستقطاب السياسي في مصر. وقال علي لسان الدكتور بسام الزرقا المتحدث باسم الحزب أن مبادرة لم الشمل والمصالحة الوطنية تنطلق من فكرة أساسية هي أن مصر لابد من اجتماع جميع السواعد لنهضتها وهو ما يتعذر حدوثه في ظل حالة الاستقطاب الشديد بين جهات وقوي عدة. وحذر من استمرار حالة الاستقطاب بين القوي السياسية سواء الإسلامية أو الليبرالية. لافتاً إلي أن السبب الرئيسي وراء الأخطاء التي وقعت وحالة الشقاق والتطاحن والفرقة هو عدم استيعاب هذه القوي للمرحلة الثورية بعد. ولذا فهي مطالبة بالكف عن تأجيج الخلافات والصراعات التي تعطل المسيرة وتهدد الثورة. ويقول إنه يجب إنهاء حالة الاستقطاب الحادة في الحياة السياسية المصرية. وعدم تحويل دلالة كلمة فلول التي ترمز إلي أركان النظام السابق وأعضاء الحزب الوطني إلي ما كانت تريده واشنطن من وصم كل ما هو إسلامي بكلمة إرهاب. مشيراً إلي أن المبادرة تستهدف المصالحة مع من لم يتورطوا في فساد وجرائم النظام السابق علي كافة انتمائتهم. إذا أرادوا ويشير الدكتور السعيد كامل رئيس حزب الجبهة الديمقراطي إلي أن الإخوان قادرون إن أرادوا أن يحدثوا حالة من الاصطفاف الوطني غير المسبوق بين مختلف التيارات الدينية بعد حالة الحراك التي شهدها المجتمع خلال الأيام القليلة الماضية وزيادة حجم الضغط من العسكر من منح الضبطية القضائية لرجال الشرطة العسكرية والمخابرات العسكرية ثم حل البرلمان بالكامل رغم شمول حكم الدستورية العليا للطعن علي عضوية ثلث الأعضاء والأخذ في هذا الشأن بأكثر الآراء القانونية تشدداً في توقيت غاية في الخطورة ثم تأخير إعلان نتائج الانتخابات والإعلان الدستوري المكمل الذي بدلاً من أن يدفع نحو توضيح وتحديد سلطات واختصاصات الرئيس القادم جاء ليسلب كافة سلطاته ويجرده من معظم ميزاته القانونية والدستورية لصالح المجلس العسكري الذي جعل لنفسه وكيانه حيثية خاصة في إطار دولة المؤسسات الذي يمارس دوره في الوصاية عليها ادعاءاً بأنه يعيد بناء مؤسسات الدولة وهو في الواقع يعيق استمرار بناء مؤسسات الدولة ويطيل أمد المحاكمات. أضاف: كل هذه الضغوط التي تهدد استمرار كيان الثورة وتسعي لاستئصال مكتسباتها وتقويضها وحدت الصف الوطني وقربت المسافات بين المتناحرين سياسياً ووحدت وجهته في مواجهة العسكر الذين سيسجل عليهم التاريخ هذه الفرصة التي إن اكتملت تكون أول فرصة حقيقية كاملة للإخوان ليصبحوا في مقعد الأغلبية والحكم بعد قرابة ثمانين عاماً من الجهد السياسي مع الأنظمة الملكية والجمهورية ولايزالون يعانون وهو الأمر الذي يضعهم علي المحك أما تواصل مع كافة القوي السياسية والثورية بتجرد وإخلاص لأجل هذا البلد وإما فوضي ومشكلات بلا حدود تطال الجميع وتهدر فرصة الإخوان التاريخية الذين استبقوا نتائج الانتخابات وساهموا في تهييج الشارع ضد العسكر ومناوراته الظاهرة والمكشوفة حتي اللحظات الأخيرة. ويبرز الدكتور رشيد عوض نائب حزب الوسط عن بورسعيد سابقاً أن سيسجل وبكل قوة وفخر وعزة اكتمال التجربة الإخوانية نصرة للفكرة الإسلامية وأنها قادرة علي استيعاب الآخر وتحمل المسئولية الوطنية في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة.. مبيناً أن للإخوان رصيداً كبيراً يسمح لهم بالمضي في تجربتهم وإن كان الاختبار كبيراً ولن يستطيع الإخوان بأي وسيلة النهوض وحدهم بهذه المسئولية ما لم تتعاون معهم بقية القوي الوطنية الساعية لخدمة مصر والأمة في هذا الظرف التاريخي الحرج. مستعدون للتعاون ويوضح العميد نصر عباس وكيل لجنة الأمن القومي بالبرلمان المنحل عن الحرية والعدالة أن الحرية والعدالة مستعد للتعاون مع كافة القوي الوطنية من أجل تحقيق النهضة القوية والحقيقية لأن مصر تحتاج لتعاون الجميع وسبق أن أعلنت قيادات الحزب أنه سيتم تشكيل حكومة ائتلافية وتمثيل كافة القوي السياسية وإشراك شباب الثورة وتمثيل المرأة والأقباط وتعيين أكثر من نائب ورئيس حكومة من خارج الإخوان وكل هذه أمور تؤكد حسن نوايا الجماعة والحزب.. مبيناً أن ما يشاع عن عقد صفقات واتفاقات خفية بين العسكر والإخوان لا مجال لها الآن ولم يعد الموقف يحتمل وإنما كل ما يحدث من تواصل مع قوي وطنية معلن للجميع والأمور الآن لا تحتمل حجم ما يروج من شائعات والمواطن البسيط أصبح الآن يقدم تحليلات سياسية تفوق الخبراء من فرط اهتمام الناس بالقضية. ترجمة الكلام ويبرز العميد أحمد إسماعيل عضو مجلس الشعب المنحل عن الوسط أن ما تحتاجه مصر الآن بحق هو ترجمة كل الرؤي والأطروحات التي سبق وتحدث عنها كل مرشحي الرئاسة الوطنيين وكافة التيارات السياسية الفاعلة في المشهد السياسي إلي أدوات عمل تحول المشهد من مكلمة للجميع واهتمام بالسياسة للجميع بنفس الحرارة والحماس إلي العمل ولو نجحنا في تطبيق هذه المعادلة الصعبة تصبح تلك البداية الحقيقية لمصر الجديدة.. مستدركاً أن ما يحتاجه المصريون الآن ثورة علي الفساد وثورة علي النفس وتحويل هذا القلق علي المستقبل إلي أدوات النجاح وتلك هي المعادلة الصعبة التي يجب أن نسعي حقيقة لحلها. ويطرح محمد الأجرود القيادي بحزب الوفد رؤية مختلفة للمشهد الحالي وهي أن نستشعر جميعاً أن مصر ملك لنا جميعاً وليست ملكاً لفصيل ولا حزب سياسي لأن طبيعة مصر التي أكدها تاريخها المعاصر أنها بلد وشعب يعشق التعايش ويجمع بين المتناقضات بشكل يمثل تركيبة فريدة من نوعها وما نحتاجه الآن هو التأكيد علي ملكية الجميع للمشروع الوطني وقيام كل فصيل بما يري نفسه قادر عليه وبدلاً من التناحر يمكن بذل هذا الجهد في التكامل والبناء. مقومات النجاح ويبين د.أحمد بديع القيادي بحزب النور أن النموذج الإسلامي يملك من مقومات النجاح ما يؤهله لقيادة الأمة نحو الخير للجميع وما تملكه تلك التجربة من زخم تاريخي ورؤي ونظريات مطبقة عملياً في نماذج حاضرة وتمثل غاية الرقي والحضارة والمدنية وما تتبناه من فكر ولا يفرق ويبني ولا يهدم يجمع كل القوي المخلصة لهذا البلد علي كلمة واحدة.. مشيراً إلي أن الإخوان طرحوا مبادرات حسن نوايا تطبق في مجلس رئاسي برئاسة مرسي الرئيس المنتخب وعضوية نائبين أو ثلاثة ورئيس حكومة يمثل تياراً مستقلاً وحكومة ائتلافية تمثل كافة التيارات وهذا التوحد الوطني يمثل الاصطفاف الذي نحلم به جميعاً.