إن بعضنا لاسيما الذين تجاوزوا سن ال06 أو56 عاما لطالما تساءلوا عن الشعور الذي يخالج المرء عندما يعيش في حقبة تاريخية مثل تلك التي كانوا يقرأون عنها في الكتب, نحن نعيش هذه الحقبة الآن, إذن كان مهما أن نري وبأعيننا المشهد الثوري الذي خرج فيه الشعب وللمرة الثانية ليحتفل بالرئيس الذي انتخبه, والذي أعاد إليه الإحساس بنشوة الثورة والزخم الثوري بعد أن وضع الشعب بنفسه في الصندوق بطاقة الخلاص من آخر العنقود سكر معقود في سلسال مبارك. الشعب هو الذي غير مسار التاريخ حينما اختار رئيسا من خارج المؤسسة العسكرية لأول مرة منذ06 عاما.. رئيسا لم يحصل علي نسبة9.99%, وانما فاز بفارق ضئيل جعل من الفريق أحمد شفيق رمزا للهزيمة الديمقراطية المشرفة.. والفضل للثورة التي تجاوزت كل الحدود في التسامح, حينما سمحت لعدوها الأول أن يكون مرشحا منافسا لمرشحها في الرئاسة.. الشعب غير مسار التاريخ فعلا حينما حطم التقاليد الراسخة في كيفية حكم المصريين.. فالرئيس المصري علي مدي التاريخ كان لايمكن أن ينتخب إلا في ظل تزوير, والشعب يمكن أن ينتخب أي شيء إلا الرئيس.. فهو شعب اعتاد علي أن من يحكمه ليس بالضرورة أن يكون معبرا عنه, بل الأفضل ألا يكون, وعلي وجه الخصوص في ظل تيارات شربت من إناء واحد والتزمت بالرأي الواحد, وتري أن من حقها أن تحصل علي ميزة الرجل الواحد.. خاب ظن المؤرخين الذين كانوا يرددون: صحيح أن مصر أمة قامت علي الثورة إلا أنها دولة مصممة أساسا كي لا يتولي الثوريون رئاسة الأمور فيها.. وأخيرا تحطمت الأسطورة التي تصف المصريين بأنهم شعب بلا سلطة وسلطة بلا شعب.. هي لحظة تحول حقيقية تتخطي المرحلة الانتقالية.. ربما يكون لنا بعض العذر حينما أسأنا الظن بالمجلس العسكري.. لكن التاريخ سوف يسجل أن المجلس العسكري أطفأ نيران ثورة ثانية لم يكن أحد يستطيع أن يقدر عواقبها, أن فوز مرشح الثورة علي مرشح مبارك سابقة ديمقراطية غير مسبوقة.. وسوف يسجلها التاريخ للعسكر الذين أثبتوا رغم كل شيء أنهم في النهاية يضعون الشعب المصري موضع الاعتبار.. علمتنا التجارب, أن عبقرية نظريات المؤامرة تكمن في أنه لايمكن إثبات أنها خاطئة.. لكن انتخابات الإعادة أثبتت فشل نظرية المؤامرة.. فقد تبين أن انتخاب رئيس الجمهورية من الاخوان المسلمين هو خط أخضر وليس خط أحمر, كما كنا نتوهم.. أما المعني الجديد الذي كشفت عنه انتخابات الإعادة, فهي أنها أظهرت قوة الشعب وليس قوة الدولة, عميقة أو غير عميقة, فالخوف لم يعد الوسيلة السهلة للحصول علي الأصوات لصالح مرشح يتأسف لنجاح الثورة التي طاردته في رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية.. من حسن حظ الثورة والثوار أن القوي الخفية استخدمت أساليب تقليدية لإجهاض الثورة فطن لها الشباب الذين رفعوا شعار التوحد ضد الفلول.. وانتقل الشباب من مرحلة التأييد الي مرحلة التصويت, حتي الشباب الذي ليس له حق التصويت شارك برفع صور الشهداء الذين حلقت أرواحهم فوق اللجان الانتخابية لتنافس وبقوة اللافتات الانتخابية, الشباب لم يسمع الكلام وقام بالتصويت ضد إرادة الآباء, ولو سمع الشباب نصائح الآباء ما كان شفيق قد سقط.. الذين سقطوا هم القوي التي استخدمت وسائل مستنسخة من زمن مبارك لإجهاض الثورة, وقد فشلت فشلا ذريعا في وقف الزخم الثوري, خاصة بين الشباب النقي الذي دخل الحلبة السياسية وحقق أعظم انتصار له في معركة الاعادة.. توهموا أن الثورة ماتت في قلوب الناس.. فرفعوا شعار الثورة انتهت, وقالوا إننا يجب أن نضع الثورة خلف ظهورنا, نحن نتصارع فقط علي السلطة, الأخطر أن الأمور وصلت الي حد محاولة انتزاع الأصوات المؤيدة لشفيق من معاقل كراهية الشعب لنظام مبارك.. ورفعوا شعار: أنا أكرهك لكنني سوف انتخبك لحاجة في نفس يعقوب ولم لا.. فإن كرسي الرئاسة كان يتوطن بالكراهية وليس بالحب والدليل هو أن كراهية الشعب لمبارك كانت أحد أسباب استمراره03 عاما.. هكذا يقولون. سيناريو الأحداث السياسية الدرامية صدم الناس صدمتين.. الصدمة الأولي أن المرشح الاحتياطي للاخوان الأستبن هو الذي أنقذ الثورة.. الصدمة الثانية وكانت ثقيلة علي الفهم والاستيعاب.. صدمة دخول شفيق معركة الاعادة كما جعلتنا نتنبأ علي الفور بأن شفيق هو الرئيس.. لأننا تعودنا علي أن الإعادة ابادة.. وليست إفادة.. الإنجاز الأكبر في نظري هو تحرك شباب الثورة في الشوارع والميادين والحواري.. تحدوا التحذيرات, وقد ألقي القبض علي بعضهم في أغرب تهمة في التاريخ وهي تهمة رفع صور الشهداء أمام اللجان الانتخابية.. تصدوا للشائعات التي هي في الحقيقة وكالات أنباء الضعفاء, وأثبت الشباب أنه يمتلك حسا وطنيا فطريا يعكس إحساسه بقيمة ووزن ومكانة مصر التي تتحمل المسئولية التاريخية في قيادة الشعوب العربية الي الخلاص من حكامها المستبدين.. فالصمود كما قال لي أحد شباب6 ابريل في ميدان التحرير ليس له سوي معني واحد وهو أنه لا بديل عن ارادة الشعب.. ما لفت نظري وأنا أقف تائها وسط الأمواج البشرية التي تدافعت عقب اعلان فوز مرشح الثورة.. أن الثورة شكلت فسيفساء شبابية جديدة ذابت خلالها الفوارق والملامح الطبقية.. أبناء الطبقة الوسطي العليا وهم علي قلب رجل واحد يرفعون علما واحدا مع شباب الشوارع والحارات من أبناء الطبقة الدنيا السفلي من المهمشين العاطلين وغير العاطلين ينتفضون انتفاضة الشعور بالنصر يهتفون للثورة مستمرة.. طبقتان فصلت بينهما العشوائيات لكنهما يلتقيان في قلب القاهرة في ميدان للتعبير عن فرحة الانتصار ورد الاعتبار لثورتهم, واذا كانت الثورة المضادة قد نجحت في أن ينقسم الشعب علي نفسه لكنها فشلت في أن ينقلب الشعب علي ثورته. الناس تترقب وتنتظر لمعرفة الفرق بين الرئيس مرسي والرئيس مبارك والرئيس المشير.. في الوقت الذي يتطلع فيه الميدان الي قصر الرئاسة.. وبصراحة نحن نشفق علي الرئيس الجديد الذي لا نريده أن يفشل, لأن ذلك يعني أننا فشلنا جميعا.. لكن يتحتم علي الرئيس الجديد اذا كان يريد النجاة من الفخ الرئاسي أن يعتمد علي المكاشفة فهي السلاح الوحيد الذي سيقبله الثوار والشعب كله.. آخر خبر وهو من الأخبار الوطنية السارة.. أنه لأول مرة يقوم الشباب المصري في تجربة تؤكد أن الشعب المصري شعب ديمقراطي بالفطرة بفتح صفحة علي الفيس بوك تحمل اسم مرسي ويتر مهمتها متابعة مرسي في تنفيذ وعوده خلال ال001 يوم الأولي.. صفحة للحساب والمحاكمة.. وفي أول يوم خرجت الصفحة لتقول إن النتيجة صفر في اليوم الأول.. فهو الرئيس الذي ذهب الي القصر من أجل أن يحاسب فهو رئيس للحساب العسير. ملحوظة: الثورة خسرت الزعيم الأصيل الطبيب عبدالمنعم أبوالفتوح الذي تضامن وفاء للثورة مع خصومه الألداء, وكان أول من أطلق لقب مرشح الثورة علي الدكتور محمد مرسي الذي فاز, بل ورجحت كفته بأصوات الثوريين الأصلاء وليس بأصوات الإخوان فقط.. المزيد من مقالات محمود معوض