لم يعد ممكنا في وطن يحلم بمستقبل أفضل، ورفاهة معيشية حقيقية لمواطنيه، أن يقوم علي اقتصاد جريح، يشهد عجزا صارخا في الموازنة العامة، ويئن تحت ضغوط الاقتراض الداخلي والخارجي، وتتراجع موارده، وتتعثر مصانعه، وتتدني معدلات إنتاجه، ويصل الدعم - من خلاله- إلي غير مستحقيه، وتنتعش فيه الاحتكارات، والسوق السوداء لتجارة الدولار، ويرتع فيه الفاسدون، أن يتردد في إجراء الإصلاح الاقتصادي الذي تأخر لسنوات طويلة، أدت بالاقتصاد الوطني إلي هذا الوضع الصعب، والذي أصبح بحاجة لجراحة عاجلة تقوم علي إجراءات فعالة وجادة، تعبر به من عنق الزجاجة من ناحية، وتضمن في الوقت نفسه ، توفير برامج الحماية الاجتماعية اللازمة للتخفيف عن محدودي الدخل، الذين هم يمثلون غالبية الشعب المصري. وهكذا، لم يعد ممكنا أيضا ، في وقت تنطلق فيه مصر بقوة نحو التنمية الشاملة، وتشجيع الاستثمارات، أن يظل الاقتصاد المصري علي حالته الراهنة، فقطار الإصلاح الذي تأخر، ينبغي أن ينطلق بأقصي سرعة، لضمان الوصول لاقتصاد صحي، وقادر علي مواجهة التحديات. الإنفاق الحكومي وحين نتحدث عن ضرورات الإصلاح الاقتصادي كما يقول الدكتور عبد النبي عبد المطلب الخبير الاقتصادي- فإنه ينبغي توجيه الانفاق الحكومي لأغراض مدروسة ومحددة، تعود بالنفع علي الاقتصاد المصري، وتحقق الإشباع المرجو منها للمواطن، فعلي سبيل المثال- كانت الحكومة تدفع ما يقرب من 11 مليار جنيه سنويا دعما لرغيف الخبز، في حين أن المستفيد الأكبر من هذا الدعم كان أصحاب المخابز، ولم يكن يصل للمواطن المستحق للدعم إلا الفتات. وعند الحديث عن الدعم المخصص للوقود، فإن أسطوانة البوتاجاز مثلا- كانت تباع رسميا بسعر 4 جنيهات، تمت زيادتها لثمانية جنيهات، ومع ذلك تصل للمواطن بضعف ثمنها علي الأقل، وعدة أضعاف ثمنها وقت الأزمات، وبالتأكيد لا يمكن وصف هذا الانفاق سوي أنه « سفه» ولا يصل لمستحقيه، وإذا نظرنا للمحروقات الأخري، كالسولار والبنزين، فسنجد أن أصحاب السيارات الفارهة يتحملون نفس التكاليف التي يتحملها سائقو النقل والأجرة، وعن تقييم هذا الإنفاق، لا يمكن القول بأنه إنفاق اجتماعي يهدف لتحقيق أهداف اجتماعية، أو أنه يحمي محدودي الدخل من ارتفاعات الأسعار. وهكذا الحال عند النظر لبقية أشكال الإنفاق، فإذا تحدثنا عن التعليم مثلا- فسنجد أن من يريد أن يعلم أين يذهب الإنفاق الحكومي علي التعليم، فعليه أن يذهب لإحدي المدارس الحكومية أو إحدي الإدارات التعليمية بالمحافظات، ليري بنفسه تكدس الفصول ، وغياب التلاميذ أو الطلاب في مراحل الشهادات المختلفة، وعدم وجود أدوات التعليم المناسبة كالمعامل، وأدوات الموسيقي، والملاعب اللازمة لممارسة النشاط الرياضي. أما في قطاع الصحة، فحدث ولا حرج، حيث نسمع يوميا عما يعانيه منه المواطن المصري البسيط للحصول علي الخدمات الصحية، ومن هنا فإن الإنفاق الاجتماعي يجب أن يكون مدروسا، بحيث يصل بجودة وفعالية وتكاليف مناسبة لمستحقي هذا الدعم أو الإنفاق. هذا من ناحية الإنفاق الحكومي ، فإذا نظرنا إلي ضرورة الإصلاح الاقتصادي، من حيث تعظيم الإيرادات ، والحفاظ علي المال العام، فإن القضايا المرفوعة من مصلحة الضرائب علي عدد غير قليل من أصحاب المال والأعمال والنفوذ، تكشف أن هناك مستحقات للدولة علي هؤلاء، تقدر بمليارات الجنيهات، وأعتقد أن من يتابع عمل لجنة المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء السابق، سيكتشف حجم الفساد الذي أسهم في الاعتداء وسرقة الكثير من ممتلكات الدولة، وأملاكها، وأراضيها. وعندما نتحدث عن الإصلاح الاقتصادي، والبرامج المطلوبة حاليا، فإننا نؤكد ضرورة ترشيد الإنفاق العام كما سبق الحديث عنه، وكذلك رفع كفاءة تحصيل إيرادات الدولة، ومن خلال رفع كفاءة حصيلة مصلحتي الضرائب والجمارك والعاملين بهما، بحيث تتمكن هاتان الجهتان من تعظيم الإيرادات، والحصول علي حقوق الدولة المهدرة والضائعة حتي الآن. تشريعات عاجلة وعلي الجانب الآخر، فإن الدولة بحاجة لدعم جهود المهندس إبراهيم محلب ومعاونيه لاسترداد أموال الدولة، كما ينبغي إصدار تشريعات حقيقية ومدروسة تتم صياغتها بعد إطلاق حوار مجتمعي كامل لتنشيط وجذب الاستثمارات المحلية والأجنية، وبالرغم من الإعلان عن إعداد قانون جديد للاستثمار، ففي اعتقادي أن هذا الأمر غير كاف، لأنه لم يحظ بالحوار المجتمعي بين الدولة ورجال الأعمال والعمال في مصر، كما أن برامج الإصلاح الاقتصادي، تحتاج إلي تشريعات فورية تسهم في البدء الفعلي في استزراع كل الأراضي القابلة للزراعة في مصر، ووقف جميع أشكال الاعتداء علي الأراضي الزراعية بالوادي القديم، كما ينبغي العمل علي إصدار تشريعات غير تقليدية لحل مشكلة المشروعات المتعثرة أو المصانع المتوقفة لإعادة الإنتاج من جديد، خاصة أن التمويل المطلوب لهذه المشروعات، لا يتعدي 1% من التوظيفات الماليه الموجودة بالقطاع المصرفي، مشيرا إلي أن تحويل الدعم من عيني إلي نقدي سيكون له أثر محمود لا غبار عليه، لكنه غير كاف، فالمثل الصيني يقول» لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف اصطاد»، ولذلك فإنه ينبغي البدء بتطبيق حزمة من برامج الحماية الاجتماعية، كمساعدة محدودي الدخل علي زيادة دخولهم، وتشجيعهم للدخول في سوق العمل بشكل رسمي، وتقديم التمويل اللازم لهم لإقامة مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر، تساعدهم علي اكتساب المزيد من الدخل بكرامة والشكل الذي يمكنهم من مجابهة ارتفاع الأسعار المتوقع نتيجة إقدام الحكومة علي تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي . برامج الحماية الاجتماعية ومن ضمن برامج الحماية الاجتماعية ، ينبغي السماح لمنظمات المجتمع المدني بأداء دورها بفاعلية لتقديم الخدمات التي تعجز عنها الحكومة ولكن بشكل أكثر جودة وبدون أو بأقل تكلفة، وكلنا يذكر الدور الذي لعبته جمعية مثل « جمعية المساعي المشكورة» في بدايات القرن الماضي، وكم المستشفيات والمعاهد والمدارس التي أنشأتها وتخرج فيها عدد غير قليل من علماء مصر، وأعتقد أن مصر بحاجة لإجراء حوار مجتمعي لتحديد دور كل مؤسسة أو هيئة أو جهاز لإنجاح برامج الإصلاح الاقتصادي ، والتي من المستحيل أن تتم بنجاح دون أن تشارك فيها كل قطاعات الدولة، ومختلف فئات الجتمع المصري، فالتوقف عن البذخ مثلا- في مواكب الوزراء والمسئولين، وغيره من أوجه الإنفاق غير الضروري، يمكن أن يمثل دفعا وقدوة للشعب ككل، لترشيد معدلات استهلاك الوقود والمياه، والعمل علي زيادة الإنتاج ، وأن يصبر قليلا علي أمل رؤية النور في نهاية النفق. كما ينبغي توفير الإعانات لمحدودي الدخل، وتوفير قاعدة بيانات لمستحقي هذه الإعانات، ويجب أيضا الترويج بشكل مناسب لمبادرة البنك المركزي بشأن تمويل المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر بسعر فائده 5%، أعتقد أنه يمكن تقديم تمويل أكثر- ضمن هذه المبادرة- للمرأة المعيلة ولذوي الاحتياجات الخاصة بسعر فائدة أقل من 5%، وتوفير الاستشارات اللازمة لهم لضمان نجاح مشروعاتهم ، ولاشك أن تلك الاجراءات مجتمعة - حتي لو تحققت بشكل جزئي- ستخفف من وطأة تأثير برامج الإصلاح المزمع تنفيذها بصورة أقل حدة علي المواطن المصري. ولا شك أن أحد أهم برامج الحماية الاجتماعية- كما يقول الدكتور عبد النبي عبد المطلب- هو تشجيع إقامة اتحادات وجمعيات المستهلكين، علي غرار اتحادات الغرف التجارية المصرية، واتحادات رجال الأعمال، ليكون للمواطن المصري، كيانات شعبية توفر له السلع الغذائية الأساسية بأسعار مناسبة. أعباء الدين الداخلي والخارجي ومن أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، ارتفاع فوائد الدين الداخلي والخارجي، والتي تأكل جزءا من مخصصات التنمية في الموازنة العامة للدولة، ويقترب من ثلثها، فإذا كانت الإيرادات تقدر بنحو 635 مليار جنيه في موازنة عام 1016-2017 ، فإن أقساط وفوائد الدين الداخلي والخارجي تقترب من 235 مليار جنيه، ( أي ثلث الإيرادات) تقريبا ، ما يغل أيدي الدولة عن زيادة استثماراتها، والتوسع في الاستثمارات الحالية، أو تحقيق تنمية إنتاجية توفر سلعا وخدمات للمواطنين، والحل هنا يكمن في ضرورة تغيير أو استبدال بعض أدوات الدين الحالية المرتفعة التكاليف أخري منخفضة التكاليف، وكذلك زيادة الاستثمارات، وجذب المزيد منها، مما يزيد الإيرادات، ويوفر للدولة بعض الموارد المالية للاستثمار والتنمية. المهمشون والموازنة العامة ويبدو جليا، اهتمام الدولة بمحدودي الدخل من خلال العديد من البنود داخل الموازنة العامة للدولة، حيث تم إدراج نحو 1٫5 مليار جنيه لدعم صندوق الإسكان الاجتماعي ، بالإضافة إلي مليار جنيه آخر من صندوق التمويل العقاري، إلي جانب 500 مليون جنيه دعما تتحمله الدولة كفرق سعر فائدة علي القروض المخصصة للإسكان الاجتماعي ، كما أن هناك زيادة واضحة في المخصصات المقررة لرعاية الفئات الأقل دخلا بنسبة معقولة، وينبغي العمل علي زيادتها في المستقبل، وكذلك ارتفاع دعم السلع التموينية ليصل إلي نحو 41٫1 مليار جنيه، مقابل 37٫8 في الموازنة السابقة، كما انخفض دعم الوقود بمعدل 26٫7 مليار جنيه في إطار الإصلاح وإعادة توجيه الدعم ليصل إلي مستحقيه. استقرار سعر الصرف ويعد استقرار سعر الصرف من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، فهو يؤدي إلي تأجيل قرار المستثمر الأجنبي للقدوم إلي مصر للاستثمار فيها، فضلا عما يتردد عن تعويم الجنيه ، وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، وفي ظل أوضاع كهذه، فإنه يجب تخفيض الواردات وحظر استيراد السلع الكمالية أو الاستفزازية، وخلق موارد جديدة لتوفير العملة الصعبة، كتنشيط الحركة السياحة، وزيادة معدلات الإنتاج والتصدير للخارج، وجذب رءوس الأموال المصرية بالخارج، وتوفير دراسات جدوي جاهزة للمشروعات التي يمكن إقامتها في مصر، وتسويقها لدي رجال الأعمال والمستثمرين. السوق الموازية ومنظومة الضرائب في الوقت الذي تبذل فيه الدولة جهودا كبيرة للبحث عن موارد جديدة لتمويل احتياجاتها سواء للاجور او الخدمات، فقد أصبح من الضروري البحث عن وسائل غير تقليدية، لتوفير الموارد دون تحميل المواطنين أي أعباء جديدة، ويمكن أن يتم ذلك كما يقول محمد البهي عضو هيئة مكتب اتحاد الصناعات ورئيس لجنة الضرائب بالاتحاد من خلال دمج السوق الموازية في منظومة الضرائب، خاصة أن هذه السوق تعمل بصورة غير رسمية علي هامش الاقتصاد المصري، ولا تلتزم بسداد أي رسوم أو ضرائب مستحقة للخزانة العامة للدولة، كما تضم ملايين العاملين في قطاعات الصناعة، والتجارة، والخدمات، ولايخضعون لرقابة الأجهزة المختصة التي تلتزم بها قطاعات الصناعة، والتجارة، والخدمات الشرعية ، كما أن هذه السوق تتعامل بدون مستندات او فواتير ضريبية وبالتالي فإن مجرد إخضاعها لمقتضيات القواعد والقوانين، سيؤدي إلي تحقيق موارد كبيرة من قيمة ضرائب المبيعات، والضرائب العامة المستحقه للدولة . ولمن لا يعرف، فإن حجم السوق الموازية في مصر ، قد تضخم خلال السنوات الماضية ، حيث وصل حجم نشاطه إلي تريليون جنيه أي ألف مليار جنيه، وتقدر قيمة الضرائب المستحقة عليه وغيرالمحصلة، سواء كانت ضرائب مبيعات أوعامة في حدود 150 مليار جنيه علي الأقل طبقا لنسب التحصيل الحالية، وبالتالي فإن حجم نشاط هذا السوق غيرالمرئي علي الخريطة الرسمية يمثل رقما هائلا ، ويعتبر بالفعل جزءا كبيرا من إجمالي النشاط الاقتصادي في مصر، خاصة إذا ما قارناه بحجم السوق الرسمية المنتظمة والطبيعية والملتزمة بالقواعد والقوانين، والتي تبلغ قيمة نشاطها التريليون ونصف التريليون جنيه، أي 1500 مليارجنيه، ولا شك أن دمج السوق الموازية في الاقتصاد الرسمي، سوف يضاعف من إيرادات الدولة، ويحقق العدالة للمجتمع الضريبي، ويغنينا بالفعل عن الاقتراض الخارجي او الداخلي. ضرورات الإصلاح وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية الاستمرار في البرامج الاجتماعية التي تُقدمها الدولة لمحدودي الدخل والفئات الأَوْلَي بالرعاية، لمساعدتهم علي مواجهة التحديات الاقتصادية والتخفيف من آثارها، مع ضرورة مراعاة برنامج الإصلاح الاقتصادي للأبعاد الاجتماعية، والتوسع في شبكات الحماية والأمان الاجتماعي، مع مواصلة العمل علي ضبط أسعار السلع الأساسية في الأسواق ، وزيادة المنافذ في المحافظات والمناطق النائية. ويقتضي نجاح برامج الإصلاح الاقتصادي- والكلام للدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية عدم المساس بالشريحة الفقيرة ومحدودي الدخل، خصوصا وأنهم يكونون دائما أولي الفئات التي يمسها الإصلاح ويدفعون فاتورته، ومن ثم هناك ضرورة ملحة لتنفيذ برامج الحماية الاجتماعية مثل التمكين الاقتصادي للشباب، والمرأة، والمعاقين ، وضم شرائح جديدة لمعاش الضمان الاجتماعي وكذلك ضبط أسعار السلع الأساسية في الأسواق حتي تكون في متناول الجميع. وبشكل عام، ينطوي الإصلاح الاقتصادي كما يقول د. عادل عامر- علي إجراءات تقوم علي حسم الكثير من الجدال والمناقشات حول هوية النظام الاقتصادي، وحول كثير من التفاصيل، مثل دور الدولة، والعلاقة بينه وبين دور السوق، والبعد الاجتماعي للتنمية ، ولاشك أن الأداء الحالي للاقتصاد المصري لا يتواكب مع التحديات الواجب التصدي لها، ولا يرقي إلي الإمكانات المادية والبشرية وطاقاتها الكامنة. ويفرض قصور أداء الاقتصاد المصري في المرحلة الراهنة، وما تستوجبه متطلبات المستقبل، إجراء إصلاح اقتصادي جذري يغير من الأوضاع القائمة، كما أن الإبطاء في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي له تكلفة باهظة وأعباء هائلة، ولن يزيدها مرور الوقت إلا سوءا، وهناك عدم مرونة في السياسات المالية والنقدية، خاصة ما يتعلق بتصاعد عجز الموازنة نتيجة لسياسات الدعم، وجهود مواجهة انخفاض قيمة العملة، وتشير التحليلات الاقتصادية إلي أن سياسات الدعم التي تفتقد الكفاءة والفاعلية، والتي طبقتها الحكومات المتعاقبة هي أحد أبرز العناصر الضاغطة علي الاقتصاد المصري. إذ تستحوذ فاتورة الدعم علي ثلث الميزانية الحكومية بقيمة 40 مليار دولار، ناهيك عن عدم وصوله إلي مستحقيه، واستفادة الفئات غير المستحقة للدعم منه. ومن ثم، يكون الإصلاح الاقتصادي والخروج من هذه الأزمة الاقتصادية غير ممكن إلا من خلال سياسات واضحة ، تضمن توفير بيئة استثمارية آمنة وجاذبة للمستثمرين الأجانب من جهة، وإعادة النظر في سياسات الدعم، والعمل علي إصلاحها من جهة أخري. حلول جذرية وتحتاج مصر كما يقول د. عادل عامر- إلي خطة شاملة وحلول جذرية للإصلاح الاقتصادي، وليس لسياسات مسكنة تعالج قضايا جزئية، أو تهدف فقط إلي المواءمة السياسية، بل تتعامل مع التحديات الاقتصادية، وتسعي للوصول إلي نتائج طويلة الأمد ومستمرة. ولتحقيق ذلك، لابد أن يعاد تشكيل الحكومة بحيث تتضمن وزراء تكنوقراط، وكوادر تنتمي لخلفيات أيديولوجية متنوعة، ويكون تكليفهم بهذه الوظائف قائما علي معيار الكفاءة. فمن دون وجود إرادة قوية لإدارة الاقتصاد، وخطة محكمة لتحقيق ذلك تنفذها كوادر تتسم بالكفاءة، ستواجه مصر انهيارا اقتصاديا. وينبغي أن تهدف سياسة الإصلاح الهيكلي إلي زيادة الاستثمار الخاص من أجل الوصول بمعدلات النمو الإقتصادي إلي ثلاثة أمثال معدلات نمو السكان علي الأقل لمدة طويلة تضمن أن يصبح النمو تلقائياً ومتصلاً. ولا يقاس نجاح برامج الإصلاح الاقتصادي وفقا للدكتور عادل عامر- بمجرد تنفيذ السياسات والإجراءات. إذ أن الأهداف الحقيقية للإصلاح الاقتصادي تكمن في تحسين المناخ الكلي، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية، من خلال توسيع دائرة المستفيدين من النمو الاقتصادي لتشمل كل فرد في المجتمع بصورة أو بأخري، وتحقيق الاستقرار في الأسعار وفي الموازين الداخلية والخارجية لحماية عمليات النمو من الانتكاس علي المدي الطويل، ولحماية دخول الفئات الاجتماعية محدودة الدخل من التدهور بفعل معدلات التضخم المرتفعة، مشيرا إلي أن السلطات العامة ينبغي أن تقوم بإحكام المراقبة من أجل الصالح العام، واتخاذ السياسات المالية ووضع التشريعات والخطط اللازمة لضمان توفير تلك الحقوق للمواطنين ، وعلي المواطنين تنظيم أنفسهم سواء كمقدمين للخدمات أو منتجين للسلع أو كمستفيدين منها ومستهلكين لها عبر النظام التعاوني، وعلي النقابات و الجمعيات الأهلية أن تشارك في حدود وظيفتها الاجتماعية في توفير تلك الحقوق والدفاع عنها ضد أي انتهاك، ويبقي دور المؤسسات الرأسمالية عبر تشجيعها بالسياسات المالية المختلفة ومنها الإعفاءات الضريبية المختلفة من أجل تقديم الدعم المادي للتعاونيات الخدمية في إطار تلك العملية، والعمل علي إعداد الإنسان باعتباره هدف التنمية ووسيلتها. تعظيم الموارد وإذا أردنا إنقاذ الاقتصاد المصري، - والكلام مازال للدكتور عادل عامر ، فلابد من رفع كفاءة أداء القطاعات الإنتاجية، وهذا يتم من خلال إعادة تنظيم هذه القطاعات ووضع سياسة واضحة المعالم لاستثمار جميع الموارد الاستغلال الأمثل، فضلاً عن ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص ورفع الكفاءة الإدارية وخلق فرص عمل منتجة، وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة، وبالرغم من صعوبة الوضع الاقتصادي لمصر حاليا - إلا أن هناك بارقة أمل يمكن أن تتحقق، إذا ماعادت عجلة الإنتاج للدوران بالسرعة المطلوبة ، وإذا ما بدأت الحكومة التحرك نحو الإدارة السليمة والرشيدة للموارد، وتفعيل دور القطاع الخاص في النهوض بالاقتصاد من خلال الدعم الحكومي عبر توفير البيئة والتشريعات اللازمة لذلك، ومن ثم يجب علي الحكومة العمل علي تقليص العجز، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي، ومساعدة القطاع الخاص علي زيادة مساهمته في التوظيف والتشغيل. ومن الضروري العمل علي وضع خطة لإنقاذ المصانع المتعثرة، لزيادة الإنتاج، وكذلك ينبغي بحث عقبات التصدير للخارج، والعمل علي حلها، لضخ المزيد من العملة الصعبة، وكذلك توفير إيرادات للمشروعات التنموية القادمة، وكذلك أن تدير الدولة المشروعات الحكومية بنفس طريقة إدارة مشروعات القطاع الخاص، لضمان نجاحها، ووقف نزيف استيراد السلع الاستفزازية ، لتوفير المزيد من العملة الصعبة. [email protected]