تلك النبرة المعادية للمرأة التي باتت تعلو وتنتشر لابد أن تجد من يتصدون لها قبل أن تستفحل, يتساءل دعاة الردة ما هذه الضجة حول المرأة وعنها؟ ما كل ذلك الحوار حول حقوق المرأة, وتمكين المرأة, ومشاركة المرأة, ومجلس للمرأة.. ويتندر البعض قائلين: ونحن أيضا نطالب بمجلس للرجل.. ويضحكون وكأن في الأمر مجالا للمزاح!! هؤلاء جانبهم الصواب وفاتهم القطار. يقولون إن الاهتمام بالمرأة فيه بعض المبالغة, وهذا التقييم في تقديري ليس موضوعيا ويعكس تحيزا لا مجال له. فهناك قضايا أخري أصبحت اليوم تحظي بنفس الاهتمام ويقبلها المجتمع دون جدال حولها مثل الاهتمام بالأطفال أو المسنين ولم يتساءل أحد لماذا مجلس للطفولة أو لماذا جمعية للمسنين؟ صحيح أن بعض الهيئات النسائية تبدو أحيانا وكأنها تبالغ في المطالب والحقوق دون تأكيد المسئوليات والواجبات لكن أليس هذا شأن كل فئة أو جماعة طال حرمانها وأصبحت حقوقها محل شك أو تعاني من التمييز في المعاملة؟ وقد شهدت الفترة الأخيرة إضرابات ومظاهرات لفئات متعددة عمالية ومهنية وسياسية لا يتسع المجال لحصرها ولم يتندر أحد حول مطالبها. إن الإنسان الذي تكتمل عناصر إنسانيته يري في الآخر إنسانا مثله ولا يعتبره جمادا دونه أو أدني منه يمكنه أن يتحكم فيه, وأن يفكر له وينقله من مكانه, ويغير أوضاعه, ثم يتصور أن له أن يبيعه ويشتريه أو يستعمله لأغراضه بطريقته أو يستغني عنه, والمرأة لا غني عنها وهي شخص وليست شيئا. إن انخفاض أو تدني مكانة المرأة أصبح يقترن بالعصور المظلمة أو أحقاب التعصب الديني البغيض, وتغليب النظرة البدنية للمرأة مع تجاهل قدراتها الفكرية والعقلية ومشاعرها الإنسانية ومكانتها الكريمة التي تعترف بها أدياننا السماوية, لقد أصبح الصراع بين الرجل والمرأة في أي مجتمع دليل علي تخلف ذلك المجتمع وهبوط مستواه الفكري والإنساني. وقد حاولنا توضيح ضرورة الاهتمام بأحوال المرأة لارتباطها بقضية التنمية ولا يقتصر الاهتمام بأحوال المرأة وتفعيل مشاركتها علي ارتباطها بالتنمية في الساحة الوطنية بل يعبر حدود الدول ليشمل أبعادا دولية نشير إلي بعضها: * إن العالم أصبح يقيم الدول حسب معايير التنمية البشرية ومدي الاهتمام بالإنسان وأصبحت الدول ترتب دوليا في قائمة التقدم والتخلف حسب هذه المعايير بعد أن كانت ترتب حسب معيار اقتصادي بحت هو إجمالي الناتج المحلي. ومن المعايير التي تستخدم في قياس تقدم المجتمع, ومدي اهتمامه بالتنمية البشرية, معياران أساسيان هما مشاركة المرأةWomenParticipation وتمكين المرأةWomenEmpowerment أصبحت نظرة العالم لأي مجتمع تتأثر كثيرا بمكانة المرأة وهو أمر يتجاوز التمسك بالمبادئ وحقوق الإنسان له نتائج عملية اقتصادية فالمعونات والهبات والمساعدات الفنية, بل والأفواج السياحية وعقد المؤتمرات والدورات الرياضية أمورا تعطي الأولوية فيها للمجتمعات التي تطبق مبادئ المساواة وتهتم بتنمية البشر بلا تفرقة. * إن المرأة الكفء ثروة بشرية اقتصادية, وطنيا وعلي الساحة الدولية, وقد ثبت أن أحد أسباب اتجاه كثير من الصناعات الغربية إلي دول جنوب شرق آسيا هو قدرة الفتيات هناك علي الأعمال الدقيقة مثل التعامل مع أجزاء الكمبيوتر إنتاجا وتجميعا وصيانة, والقيام بالتجارب المعملية وغير ذلك. مما كان له مردود اقتصادي هائل علي هذه الدول, فأنشأت عددا كبيرا من المصانع التي توظف الإناث فوق سن معينة وأنشئت معها مراكز التدريب والتنمية مما عاد بالخير الاقتصادي والاجتماعي علي مجتمعات تقدمت بعد أن كانت فقيرة بل ومن الأكثر فقرا. ولدينا هنا في مصر مثلا آخر فقد تعاقدت شركة أجنبية مع مزرعة مصرية علي شراء أحد أنواع الفاكهة لتصديرها إلي أوروبا. وهي تصدر إلي أوروبا فاكهة بملايين الجنيهات سنويا. ووضعت الشركة شروطا للزراعة والري وغيرهما.. ومن بينها أسلوب قطف ثمار هذه الفاكهة.. هذه المهمة يقوم بها عدد من الفتيات فوق سن معينة يبلغ عددهن نحو ثلاثة آلاف فتاة بإشراف الشركة المستوردة التي وضعت لهن برنامجا يوميا منضبطا يبدأ بالاستحمام يوميا وارتداء ملابس بيضاء وقفاز( جونتي) ووضع كمامة علي الوجه وقطف الفاكهة بأسلوب معين ثم النقل والتغليف حسب أكثر الطرق حداثة ونظافة ونجحت الفتاة المصرية نجاحا كبيرا. وكان لمساهمتها عائد كبير في غرس سلوك النظافة والإتقان ورفع الحالة الاقتصادية في المنطقة بأكملها. إن المرأة ثروة لو أحسن استثمارها لكان العائد منها كبيرا. وهناك أعداد كبيرة من المدرسات والطبيبات والممرضات المصريات يعملن في دول عربية وإفريقية وآسيوية ويساهمن في إعالة أسرهن وهن ثروة لابد من دعمها ومساندتها. * إننا نعيش عصر حقوق الإنسان. العالم أصبح مستقرا علي أنه لا يجوز التفرقة بين الأفراد بسبب الجنس أو اللون أو الدين. أصبحت حقوق المرأة والرجل والطفل والشيخ والمريض والسليم والجاني والمجني عليه والأسري في الحروب كلها حقوق مقننة تحاسب عليها الحكومات دوليا. * نحن اليوم في أحوج ما نكون إلي تصحيح صورتنا في العالم شرقا و غربا وفي القارات الست وقد تطورت المرأة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تطورا كبيرا وتحسنت أوضاعها وكان لابد أن يثبت المجتمع المصري صاحب الحضارة الأصيلة والتراث العتيد أنه ليس أقل تحضرا أو احتراما للمرأة عن غيره. أعود فأقول إن مشاركة المرأة ضرورة لا غني عنها وأنه لو أضربت المرأة لتوقف التدريس وخوت المدارس والمعاهد والجامعات لو أضربت فسوف يحرم المرضي من مئات الطبيبات ويتوقف التمريض ويضطرب العمل في المعامل ومراكز الأبحاث.. لو أضربت المرأة فسوف تتعطل الاتصالات السلكية واللاسلكية وإرسال الراديو ويتوقف بث التليفزيون( ولا أعرف إن كان ذلك خيرا أم شرا), ولأقفلت بعض السفارات والمكاتب أبوابها, وافتقد المجتمع خدمات الجمعيات الأهلية بأنواعها لو أضربت النساء عن العمل فسوف تغلق المتاجر وينفض البيع والشراء, وضاع الرجل وضاع الأطفال. باختصار لو أنها أضربت لتوقفت الحياة ولم تستمر. بعد كل ذلك العطاء, والأدوار المتعددة التي تؤديها المرأة وطنيا ودوليا في أناة وصبر, هل من المنطق, والعقل, وكريم الخلق, أن يصبح حصولها علي مكانتها وحقوقها وفرصة قيامها بالتزاماتها كاملة قضية محل جدل وحوار وأن يكون هناك شك في عدالتها أو تردد حول جدواها ؟!