زكريا عبدالعزيز: كل فرد له آراؤه ومعتقداته ونحن لدينا تحفظات على دخول المرأة القضاء ولابد من احترام رأينا لماذا تخلى قضاة الحريات عن حرية المرأة؟ «خلوة غير شرعية».. هل يعقل أن تترك الزوجة بيتها لأيام؟.. الأمومة شيء مقدس عند المرأة.. القضاء عمل شاق لا تقوي المرأة عليه.. ماذا ترتدي المرأة القاضية؟... كانت هذه المفردات التي استخدمها جانب كبير من القضاة من أجل تبرير رفضهم لتعيين المرأة في القضاء، المفارقة العجيبة التي كشفت عنها الأزمة هي أن معظم القضاة الذين هاجموا دخول المرأة القضاء هم أنفسهم القضاة الذين ينادون بالتقدم والإصلاح وحماية الحقوق والحريات في البلاد، بالفعل الأسماء الكبيرة التي برزت في المجتمع القضائي وكانت لها أعظم المواقف في التصدي للتزوير لجميع القوانين المقيدة للحريات بالشكل الذي أحدث صدمة في المجتمع القضائي الذي كنا ننظر إليه علي أنه مجتمع منغلق ومحافظ أكثر من اللازم، هي نفسها الأسماء الآن أو بعضها التي تعود بنا إلي الانغلاق والتشدد في الرأي، الأمر الذي يطرح تساؤلاً مهماً، كيف يستقيم عند القضاة الدعوة للإصلاح والانفتاح ومحاربة كل ما يقيد الحريات والدعوة للانغلاق في آن واحد؟! لم يكن يعلم المستشار الدكتور عبد الرازق باشا السنهوري أحد أعلام الفقه والقانون في الوطن العربي وصاحب الأحكام الشهيرة بمجلس الدولة المؤيدة للحريات والذي صدر أثناء توليه رئاسة مجلس الدولة حكمان شهيران يؤيدان حق المرأة في التعيين في القضاء عامي 1951 و1953 الأول أصدره المستشار السيد علي في 20 فبراير 1951 في الدعوة الشهيرة التي أقامتها الدكتورة عائشة راتب بعد استبعادها من التعيين بمجلس الدولة، والثاني أصدره عبد الرازق السنهوري نفسه في 22 ديسمبر 1953 والذي أكد في حكمه الشهير أنه لا يوجد مانع شرعي أو دستوري أو قانوني من تولي المرأة القضاء... إنه سيأتي اليوم الذي يجتمع فيه قضاة مجلس الدولة الذي يعرف علي أنه حصن الحقوق والحريات في البلاد وهو الذي يكبح جماح الجهات الإدارية إذا حادت عن الصواب وعن حكم القانون، علي رفض تولي المرأة منصب القضاء، مجلس الدولة الذي طالما كان قلعة للحريات وقضاته حماة للحقوق في وجه النظام الجائر، والذين أصدروا أحكامًا من نوعية إلزام وزارة الداخلية بتغيير خانة الديانة للعائدين للمسيحية ونص في أحكامه علي أنه لا إكراه في الدين وأن للإنسان الحرية الكاملة في اختيار عقيدته، والأحكام التي صدرت لصالح البهائيين بوضع شرطة أمام خانة الديانة، أو الحكم بالإفراج عن مجموعة الإخوان المسلمين الذين أحيلوا للمحاكمة العسكرية وإلغاء قرار رئيس الجمهورية بإحالتهم، وكذا الحكم بطرد الأمن من الجامعات المصرية وعدم أحقيتهم الوجود بداخل الجامعات، وحكم القضاء الإداري بمنع تصدير الغاز لإسرائيل ثم حكم الإدارية العليا بالعدول عن الأسعار المتفق عليها.... القضاة أنفسهم الذين أصدروا تلك الأحكام هم أنفسهم الذين أنكروا حق المرأة في الجلوس علي منصة القضاء، أليست هذه مفارقة غريبة أن يجتمع عند القاضي الشيء ونقيضه أن يدافع في أحكامه عن الحقوق والحريات وفي المقابل ينكر حقًا أصيلاً كفله الدستور والقانون لمواطن لمجرد أنه يخص المرأة، كيف يجتمع عند القضاة الدعوة للإصلاح وحماية الحريات والدفاع عن استقلال القضاء مع الانغلاق الاجتماعي والفكري؟! ما كشفت عنه أزمة تعيين المرأة بالقضاء هو أن شيوخ ورموز القضاة والأسماء البارزة منهم الذين ينتمون إلي التيار الإصلاحي بداخله ويدافعون عن قضية استقلال القضاء ويهاجمون النظام من أجل تطبيق القانون والدفاع عن استقلالهم، حتي تحولت قضيتهم إلي قضية شعبية وليست فئوية يهتم بها الرأي العام، هم أنفسهم من هاجموا تعيين المرأة بالقضاء، وكأن مسألة الحريات عندهم والدفاع عن الحقوق مسألة انتقائية وليست حقًا للجميع، فيتحولون في قضية تعيين المرأة بالقضاء من مدافعين عن الحقوق والحريات إلي عاصفين بتلك الفكرة، بل يظهر عليهم الانغلاق والأفكار الظلامية. يؤكد ذلك المعني ناصر أمين - مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة -قائلا: إن القضاة هم جزء من المجتمع المصري بكل تعقيداته ومعتقداته، ينظرون للحقوق بقدر من الانتقائية يأخذون أشياء وأخري يرفضونها، وهذه الانتقائية هي التي خلقت الأزمة، وأضاف: لقد سبق وواجهنا ذلك الأمر مع مجلس إدارة نادي القضاة السابق برئاسة المستشار زكريا عبد العزيز، رغم أن ذلك المجلس تحديدًا كان صاحب ثورة القضاة ونجح في تحويل نادي القضاة إلي ملجأ وملاذ للمظلومين وقلعة في الدفاع عن الحقوق والحريات، وفي ذروة تصاعد حركتهم المطالبة باستقلال القضاء أخذوا من المواثيق الدولية ما يدعم قضيتهم، لكنهم رفضوا، بل واعتدوا علي الحق في المساواة بين الرجل والمرأة، ففي 2006 كان لنا خلاف مع النادي، حين رفضت الجمعية العمومية للنادي في 17-11-2006 بالإجماع تعيين الإناث بالنيابة العامة، ووقتها أصدر عدد من المنظمات الحقوقية بيانا أدانوا فيه موقف نادي القضاة، وأكدنا أن الموقف الرافض لنادي القضاة لحق المرأة المصرية في التعيين في النيابة العامة والقضاء هو موقف مغاير لمعايير استقلال القضاء الدولية، المعمول والمعترف بها علي نطاق واسع، والتي يتمسك بها نادي قضاة مصر بشأن استقلال القضاء، مما يعد معه موقف النادي بشأن عدم تمكين المرأة المصرية من تولي الوظائف القضائية، كيلاً بمكيالين لذات المعايير. وناشدنا نادي قضاة مصر بإعادة النظر في موقفه الرافض لتمكين المرأة المصرية من حقها الدستوري في تولي الوظائف العامة بما في ذلك الوظائف القضائية. وأكدنا أن قضية الأولويات يجب ألا تكون علي حساب الحقوق، وأن تنظيم ممارسة الحق لا يجب أن تعصف بأساس الحق ذاته. وتابع أمين: الصدمة الكبري كانت في قضاة مجلس الدولة وموقفهم، لأن مجلس الدولة تحديدًا هو حامي الحقوق والحريات، وكون أن يكون هناك إجماع من الجمعية العمومية لمجلس الدولة علي رفض تعيين المرأة قاضية فهذه كارثة أن تكون تلك هي العقلية الذهنية لقضاة مجلس الدولة بما يكشف أن لديهم خللاً عقلي وذهني، فنحن أمام ظاهرة رجعية داخل مجلس الدولة، الأمر الثاني والأخطر هو أن هذا يعني أن كل من صوت في الجمعية العمومية ضد تعيين المرأة قاضية لم يقرأ المواثيق الدولية التي يعتمدون عليها في أحكامهم ويكشف أن قضاة مجلس الدولة، قضاة المشروعية ليس لهم علاقة باتفاقيات حقوق الإنسان، وهذا شيء خطير. وعن التناقض الموجود لدي القضاة من أنهم يدعون للإصلاح ولحماية الحقوق والحريات وينكرون في الوقت نفسه حقًا للمرأة، قال مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة: هذا أمر له علاقة بالثقافة والبيئة التي نشأ فيها القضاة، وكل منهم يعبر عن بيئته القادم منها، هناك تراجع عام لمكانة المرأة في وجهة نظر المجتمع بشكل عام والمجتمع القضائي بشكل خاص، وهذا الموقف كان يمكن أن يكون مقبولا من أي فئة أخري لكنه غير مقبول من القضاة تحديدًا، لأنه مفترض أن يكونوا محايدين أكثر من أي فئة ويقفوا علي مستوي واحد من الحياد. رصدنا بعض الآراء لأبرز القضاة الذين خاضوا معارك عدة في مواجهة السلطة التنفيذية دفاعًا عن قضية استقلال القضاء وتصديًا لعدم التدخل في شئونهم من أجل حماية حقوق وحريات الأفراد، حول تعيين المرأة في القضاء، علي سبيل المثال لا الحصر، المستشار يحيي الدكروري - رئيس مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة ونائب رئيس مجلس الدولة - الذي وقف أمام وزير العدل دفاعا عن قضاة مجلس الدولة وله مواقف مشرفة في الدفاع عن استقلال القضاء، قال في إحدي تصريحاته حول أسباب رفضه لعمل المرأة في القضاء «إن تلك القضية محسومة برأي الشرع وإجماع الفقهاء بعدم جواز تولي المرأة القضاء»، وأوضح دكروري أن رفضه تولي المرأة القضاء مبني ومستند إلي الإجماع الفقهي، ومبادئ الشريعة باعتبارها قضية شرعية بالأساس، خصوصاً أن عمل المرأة في القضاء قد يصطدم بالمسائل الشرعية مثل الخلوة، وقال: «عندما تعمل المرأة قاضية في دوائر المحاكم، يستوجب عملها أن يغلق عليها باب غرفة المداولة مع قاضيين أو أكثر من الرجال، ألا يعتبر اجتماعها معهم لساعات طويلة خلوة غير شرعية، وتساءل: هل هذا يجوز؟». ويري دكروري أن تولي المرأة القضاء يتناقض مع المادة الثانية من الدستور، وأيضاً مع مبادئ المساواة والمواطنة بالنظر إلي الحقوق الدستورية التي تحصل عليها المرأة، ومنها إجازات الوضع ورعاية الطفل وغيرها، والتي لا يتمتع بها القاضي الرجل «... هذه هي وجهة نظر المستشار يحيي الدكروري في عمل المرأة بالقضاء، كيف يمكن لقاض يدافع عن الحقوق والحريات أن يفكر بمثل هذه الطريقة ويطرح مثل وجهة النظر هذه! أليس هذا مؤشرًا خطيرًا يدعو للقلق وعدم الاطمئنان، وماذا إذا ما وقفت أمام القاضي امرأة تتضرر من تعرضها للظلم من جهة عملها أو تأخر ترقيتها مثلا هل سينظر القاضي الدعوي بحياد أم أنه سينكر حقها؟ نائب رئيس محكمة النقض السابق المستشار محمود الخضيري، الذي استقال من وظيفته القضائية احتجاجًا علي عدم استقلال القضاء، والذي يعمل جاهدًا من أجل تحقيق الديمقراطية للبلاد وكان في صفوف القضاة الأولي التي تقف ضد التزوير وتدعم قضايا الحريات، يري أن الظروف الحالية ليست مواتية لكي تصبح المرأة قاضية، وقال إنها مهنة صعبة والقضاة يعملون في ظروف شاقة، مشيرا إلي أن القضاة غير مسموح لهم بالعمل في أماكن إقامتهم باستثناء القاهرة والإسكندرية وحتي في الحالتين الأخيرتين لا يحق للقاضي أن يبقي في مكان واحد أكثر من خمس سنوات، وتساءل الخضيري: «هل يتعين علي المرأة أن تترك زوجها وأبناءها لكي تعمل في مكان آخر؟ وأضاف: «أن الأمومة مقدسة في مجتمعنا ولا يمكن تجاهلها»...لماذا يحكم المستشار الخضيري علي إن عمل المرأة بالقضاء سيكون شاقًا عليها هل استطلع رأي النساء في هذا، وما التعارض الذي يراه في كون المرأة قاضية وأمًا في الوقت ذاته! نفس وجهة نفسها النظر يحملها المستشار أحمد مكي - نائب رئيس محكمة النقض - والملقب بأنه منظر الحركة الإصلاحيه داخل القضاء، الذي يري أيضًا أن عمل القضاء هو عمل شاق علي المرأة، وأنه يجب وضع ضوابط قبل الموافقة علي دخول المرأة القضاء منها ما يتعلق بكيفية دخولها القضاء، وهل سيكون من بداية السلم أي من النيابة العامة؟ والذي يراه مكي أنه أمر صعب علي المرأة، أو بقواعد نقلها وهي القواعد التي يعاني منها رجال القضاء فما بال النساء... هذا بحسب ما يراه المستشار أحمد مكي. مجلس إدارة نادي قضاة مصر السابق برئاسة المستشار زكريا عبد العزيز، ذلك المجلس الذي سيذكره التاريخ بكل ما قام به من أحداث ثورة ضد النظام وضد تزويره وتصدي لكل القوانين المقيدة للحريات من أجل حماية حقوق وحريات الأفراد - كان له موقف مغاير من قضية تعيين المرأة بالقضاء حين طرحت، حيث قوبلت بمزيد من التحفظ والرفض من البعض، رغم أنه حق شرعي ودستوري وقانوني لها كما كفلته جميع المعاهدات والمواثيق الدولية. كثير من الرموز القضائية الشهيرة التي تركت بصمات سواء بأحكامها أو بمواقف مشرفة في مجال الدفاع عن الحقوق والحريات هي التي تهاجم اليوم جلوس المرأة علي منصة القضاء فرأينا المستشار محمد أمين المهدي رئيس مجلس الدولة الأسبق في المؤتمر الصحفي الذي عقده عدد من شيوخ قضاة مجلس الدولة للرد علي الهجوم الذي تعرض له مجلس الدولة بعد قرار الجمعية العمومية التي رفضت دخول المرأة القضاء، والذي له أحكام شهيرة في مجال الحريات - كيف يدافع عن قرار المجلس وقال إن حكم السنهوري باشا بعدم وجود أي مانع شرعي أو قانوني لتعيين المرأة في القضاء ليس قرآنا وغير ملزم في شيء، منتقدًا الهجوم الذي تعرض له مجلس الدولة خلال هذه الأزمة، ومؤكدًا ضرورة إرجاء هذه القضية. فيما تعامل رجل بقيمة المستشار طارق البشري الذي ينطبق عليه مقولة إنه قاض لا يخشي في الحق لومة لائم، ومعروف عنه مواقفه الداعية للإصلاح والتقدم بقدر كبير من التحفظ في هذه المسألة متعللا بأن إرجاء تعيين الإناث بالمجلس شأن داخلي يتعلق بمستشاري مجلس الدولة وحدهم ولا يجوز تدخل أحد فيه. واجهنا بعض شيوخ القضاء عن آرائهم الرافضة أو المتحفظة لتعيين المرأة بالقضاء ، خاصة أنهم مثلوا خلال السنوات القليلة الماضية رموزا للإصلاح سواء داخل القضاء أو علي مستوي الحياة السياسية المستشار أحمد مكي - نائب رئيس محكمة النقض - قال: أنا لا أرفض دخول المرأة القضاء بشكل مطلق، وفي الوقت نفسه لا أطالب به، بمعني أنني لا أستطيع أن أقول إن تعيين المرأة بالقضاء مطلب لرجال القضاء، فنحن لا نطالب ولا نعترض، لأننا مشغولون بمطالب أهم مثل إنهاء حالة الطوارئ وإلغاء القضاء العسكري وتحقيق الاستقلال القضائي الكامل، فلماذا نطالب بتعيين المرأة في القضاء ولدينا علي الأولوية مثل هذه القضايا، وأضاف مكي: مصر مشغولة الآن بقضايا أهم بكثير من دخول المرأة القضاء «قضية الغاز وتصديره لإسرائيل، الجدار الفولاذي، تعديل المادة 76 من «الدستور» أليست هذه قضايا أهم؟ نحن الآن نفتعل قضايا من غير داع وما يحدث من خلال مناقشة تعيين المرأة القضاء «هوجة غوغائية إعلامية»، لقد تم تعيين 42 قاضية في القضاء، ما الذي جري؟ وعن التناقض بين رفضه دخول المرأة القضاء والدعوات للإصلاح والتقدم وكيف يستقيم الأمران؟ أجاب مكي: أنا لا أرفض ولكن أقول إنها قضية ليست في الأولوية، وقبل أن نطالب بتعيين المرأة في القضاء علينا أن نضع الضوابط التي تكفل لها الحماية والأمان كظروف التنقل بين المحافظات وكيفية دخولها القضاء، وهل ستبدأ من النيابة العامة حيث إن عملها شاق، نحن اتفقنا كرجال قضاء مثلا علي زي موحد وهو «البدلة والجرافت»، ماذا ترتدي النساء؟ كلها أمور لابد النظر إليها أولاً قبل التفكير في تعيينها أو عدم تعيينها، وطالما ستكون المرأة مهددة، وطالما لا توجد ضوابط وستكون غير مستقرة فالأمر يصبح خطرًا بالنسبة لها، وأضاف مكي أخيرًا: طبيعة عمل القضاء شاق، فمثلا يمكن أن أترك بيتي وزوجتي وأولادي بالأيام، فهل يجوز أن يحدث العكس، وتترك الزوجة بيتها وزوجها وأولادها لأيام. في حين يقول المستشار زكريا عبد العزيز - رئيس محكمة استئناف القاهرة ورئيس نادي قضاة مصر سابقًا - إنهم حين يدافعون عن الحريات فهم يدافعون عن حرية الرأي، فحين نختلف في مسألة دخول المرأة القضاء سواء بالرفض أو التحفظ، فهذا رأي لابد من احترامه، لأن كل فرد له آراؤه ومعتقداته، وحين تكون هناك أغلبية لابد من احترام رأيها وغالبية القضاة يرون أنه ليس هذا الوقت المناسب في مصر لتولي المرأة منصب القضاء، فالظروف المحيطة بعمل القضاء الآن لا تسمح بهذا، وهذه وجهة نظر لابد من احترامها الرجل؟ من جانبها علقت المستشارة تهاني الجبالي - نائب رئيس المحكمة الدستورية - علي هذه الآراء قائلة: إن هذه الأزمة كاشفة عن عمق المشكل الثقافي في المجتمع المصري، فهذه مصيبة وخيبة أن تصل ثقافتنا لهذا المستوي الخطير، ولا أتخيل أن قضاة يفكرون بهذه الطريقة، جميع المبررات التي سمعتها حول رفض دخول المرأة القضاء من القضاة كلها ليست أمورًا منطقية، فمن الذي يقول إن عمل القضاء شاق علي المرأة؟ ولا أتخيل من يري جلوس المرأة مع القاضي في حجرة المداولة هو «خلوة غير شرعية»! فما حال الطبيبات أو أستاذة الجامعة حين تجتمع مع أستاذ، أو رئيسة شركة أو بنك حين تجتمع في مكتبها مع زميل أو موظف... هذا منطق غريب في التعامل، وتابعت الجبالي: القاض الذي يغازل مراهقته ويفكر في هذا فيعتبر فقد أحد شروط الصلاحية للقضاء وعليه أن يتنحي عن منصة الحكم، وأشارت إلي أن هناك قضاة يختلون بالمتقاضيات في قضايا الأحوال الشخصية للحديث عن أسرار الحياة الزوجية، فلماذا لم نسمع مثل هذا الكلام، هل كانوا غافلين عن صحيح الدين وقتها؟ هذا أمر خطير أن يتبني قاض بالغ رشيد عاقل مثل هذه المقولات، إنه ترد لثقافتنا وتعصب غير محمود، مضيفة: «أننا لو قاعدين في جبال تورا بورا محدش هيقول الكلام ده». وعن ذلك التناقض الغريب بين الدعوات للإصلاح والانفتاح من جانب القضاة وتلك الآراء الرافضة لدخول المرأة القضاء قالت: هذا راجع للثقافة الذكورية والرجعية السائدة في المجتمع المصري وليس المجتمع القضائي فقط، وفي بعض الأحيان مواقف دينية متشددة تستند لأسانيد فقهية عفي عليها الزمن تتغير بتغير الظروف المجتمعية، هذا بالإضافة إلي أن شكلاً من أشكال الرفض هو رفض تغير ما هو سائد بمعني أننا اعتدنا وجود المكان دون نساء، فليبقي كذلك.