شهدت الفترة الأخيرة (خناقات) كثيرة في برامج التوك شو بين مقدميها وضيوفها في بعض منها, وبين الضيوف في البعض الآخر, وجميعها كشفت عن تجاوزات لا أخلاقية نقلتها الفضائيات علي الهواء في ظاهرة جعلت المشاهد بحق هو الخاسر الوحيد في زمن اختلت فيه موازين العمل الإعلامي, ليطرح السؤال نفسه: لماذا انتقلت (خناقات الشوارع) إلي الفضائيات؟ يقول د.عدلي رضا رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن الفوضي التي يعيشها الإعلام المصري في الوقت الحالي نتجت عن الخروج علي القواعد المهنية للممارسة الإعلامية والتي من المفروض أن يلتزم بها مقدمو البرامج, الذين جعلوا من أنفسهم قادة للرأي فغابت الحيادية عن أدائهم بسبب تبنيهم لوجهات نظر في قضايا الوطن ليحدث حولها الاختلاف مع الضيوف, مما يؤدي لخروج كل من الطرفين عن السلوك اللائق في الحوار ليتحول إلي (خناقة) شوارع سببها الأوحد والمفاجئ للكثيرين أن تلك (الاشتباكات اللفظية) هي في الحقيقة عمدية ومقصودة من عدد كبير من مقدمي تلك البرامج الذين يفتعلونها بهدف الإثارة و(تسخين) الحوارعلي حساب الأداء المهني لجذب مشاهدين أكثر وبالتبعية تزداد الإعلانات التي يليها رفع رواتبهم لملايين أخري من الجنيهات تمثل الثمن الحقيقي للاختلاف المزيف علي أنقاض التقاليد الإعلامية الضائعة علي أيديهم. وتتفق الناقدة ماجدة خيرالله في الرأي وتري أن المقياس الخاطئ لنجاح أي برنامج- كما يعتقد عدد كبير من مقدمي البرامج حاليا- يتمثل في درجة (سخونة) حلقاته التي كلما ارتفعت بالخناقات زاد الإقبال الإعلاني عليه تبعا لمنطق إقبال المشاهدين علي متابعته وهو منطق غير صحيح علي الإطلاق لأن نجوم الحوار من الإعلاميين في الدول المتحضرة مثل أوبرا وينفري ولاري كينج وغيرهما كثيرا ما ناقشوا في برامجهم قضايا شديدة التعقيد والحساسية, ولكن بموضوعية قائمة علي احترام الرأي والرأي الآخر ونجحوا في جذب الإعلانات ليس علي طريقة (الخناقات) التي نشاهدها في كثير من برامج التوك شو علي الفضائيات المصرية وسببها ليس غياب القانون الرادع أو الضوابط التي تنظم عملها من الناحية المهنية وإنما نظرا لحالة عدم الاستقرار الي يعيشها الوطن في الفترة الحالية والتي عند انتهائها سوف يتجه المشاهد لبرامج التوك شو التي سوف تحترمه فقط. ويؤكد د.ممتاز عبدالوهاب رئيس قسم الطب النفسي بطب قصرالعيني جامعة القاهرة أن الإنسان إما أن يكون محكوما من داخله بالأخلاق أو خارجيا بالقهر ولأن كثيرا من المصريين عاشوا في معاناة لسنوات طويلة تحت ضغط القهر فقد انهار تحكمهم الداخلي وأصبحوا معتادين علي القمع الخارجي الذي بزواله انطلقت غريزة العدوان التي ظهرت بوضوح في( خناقات) برامج التوك شو علي الرغم من أن أبطالها شخصيات تبدو في صورة اجتماعية متزنة ولكن المؤكد نفسيا أنها تختلف عن حقيقتها الداخلية, فالإنسان يخفي في نفسه عكس ما يظهره, فكلما كان هادئا علي سبيل المثال فإنه تكون في داخله عصبية شديدة مكبوتة تماما كما تثبت علوم الطب النفسي فإذا انفعل ينكسر الغطاء الخارجي لشخصيته ويكشف عن انفعالاته الطبيعية وأفكاره الحقيقية نظرا لأن لكل انسان نوعين من التفكير: (عقلاني) يمارسه في حالات الهدوء و(انفعالي) عند التعرض للإستفزاز الذي يفقده القدرة علي التحكم في ردود أفعاله وهو الذي تعمل عليه معظم البرامج ولذلك تفضل استضافة من يسهل دفعهم للانفعال مهما تكن النتائج لعدم وجود عقاب من أي نوع علي مقدميها أو ضيوفها علي الرغم من أن الناتج النهائي لها ليس إلا (خناقات شوارع)!