منذ قيام الثورة لم تهدأ برامج »التوك شو« في رصد الأحداث ومحاولة تحقيق سبق إعلامي حتي لو كان بالترويج لخبر غير مؤكد أو شائعة أو حتي خبر غير مهم.. الصورة في هذه البرامج الحوارية باتت أشبه بصراع محتدم حول كعكة الحرية والأبواق العالية، لكن لم يدرك القائمون علي برامج التوك شو أن خيطا رفيعا يفصل بين الحرية والمهنية الاحترافية وبين المشاركة في خلق حالة من الفوضي والبلبلة لدي الرأي العام الذي ينساق خلف ما تقدمه من مواد إعلامية. آخر ساعة استطلعت آراء المتخصصين ثمة مدرستان في الصحافة الحوارية المعروفة بالتوك شو، الأولي هي ألا يكون المحاور أكثر من وسيط يعطي الفرصة لكل الآراء ثم يسلط الضوء علي نقاط معينة ويترك للمشاهد تكوين رأي خاص به. أما الثانية فتعطي للمذيع الحق في أن يتدخل برأيه وألا يكون مجرد مقدم برنامج بل يتجاوز في بعض الأحيان ليصبح طرفا في الحوار. "أنا من مؤيدي المدرسة الأولي، لأن خطورة أن يكون للمذيع رأي، أن يصبح له موقف معاد لطرف من الأطراف." بتلك الكلمات بدأت د. ليلي عبد المجيد، العميد السابق لكلية الإعلام جامعة القاهرة، حديثها حول رؤيتها للإعلام المرئي اليوم. وأضافت: لا أطالب بأن يكون المذيع بوسطجيا أو تصبح كل مهامه طرح الأسئلة علي ضيوفه فحسب وتلقي إجابات لكن عليه أيضا ألا يتحيز إلي وجهة نظر معينة ويتبناها وبالتالي يعطي إحساسا للمشاهد ولضيوفه بأنه خصم لفريق منهم فيفقد المصداقية. كما أن زيادة عدد برامج التوك شو ليست أمرا إيجابيا لأن المشاهد في النهاية سوف يختار من بينها من يقدم له المعالجة الإعلامية التي يريدها. إن كانت في الوقت ذاته في صالح المشاهد من حيث التنوع والتعدد عندما يصبح لدينا قياس لنسبة مشاهدة هذه البرامج سوف تختفي البرامج التي عليها إقبال ضعيف بمعايير السوق. فسوف يقبل الناس علي مشاهدة ثلاثة أو أربعة برامج. اتفق معها د.عدلي رضا، رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون في كلية الإعلام جامعة القاهرة، في أن الزيادة الملحوظة في برامج التوك شو أدي إلي ضعف الإقبال الجماهيري عليها مقارنة الإقبال الكبير عليها وقت كان هناك برنامجان أو ثلاثة فقط. وانتقد الاتجاه الحالي للمحطات لتقديم برنامج صباحي وآخر مسائي دون البحث عن جديد مع تصور أنها جاذبة للجمهور. ووجود عدد من المقدمين لتلك البرامج يفتقدون أدب الحوار أو استضافتهم لضيوف يفتقرون إلي اللياقة والكياسة مما يؤدي إلي استفزاز الجمهور. و يثبت عدم قدرتهم علي لعب دورهم الذي يبدأ بممارسة الديمقراطية داخل برامجهم قبل محاولة التأثير في الرأي العام. وأضاف: أخطر ما يجري حاليا في تلك البرامج هو عدم ارتباطها بأجندة مجتمعية كتدعيم الممارسة الديمقراطية في مصر وآلياتها لمدة أربعة أشهر ثم طرح موضوع آخر جديد مثل تنمية الاقتصاد في الوقت الراهن، احترام المنتج المصري وقضايا ترتبط بتطور المجتمع، وليس مجرد التركيز علي سلبياته بهدف تحقق مكاسب مادية من وراء الإعلانات. كما أن هذا الأداء يصيب جمهور المشاهدين بالتشاؤم والنظرة السوداوية للحياة يفقدهم الأمل في حياة أفضل، ولكن من المهم أن يشعر الناس بعد الثورة بأن حياتهم ومستقبلهم أفضل ويجب التوقف عن العزف علي وتر الشتيمة وجلد الذات بشكل يومي.
من جانبها تعترض د. مني الحديدي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة علي إفراط برامج التوك شو في التركيز علي أخبار الرئيس المخلوع والحديث عن حجم ثروته وتخصيص مساحات مطولة لهذا الغرض إذ يكفي خبر بسيط في هذا الإطار أو حدث يفيد المشاهدين، . فمن غير المعقول أن نفتح التليفزيون لنفاجأ بأن كل القنوات تناقش ثروة مبارك، فماذا يفيدنا مناقشة ثروة مبارك، علينا ترك هذه المسألة للقضاء ومن غير المعقول أن أتابع صحة الرئيس المخلوع يوميا في أحد البرامج. ومن غير المعقول أن يكون الحدث الواحد علي ثماني أو عشر قنوات في نفس الوقت. واتهمت عددا من مقدمي برامج التوك شو بوجود توجه خاص بهم استخدموا الشاشة من أجل بث فكر معين أو توجيه الرأي العام.. كما أن الإعلام الخاص تجربته تشوبها الكثير من علامات الاستفهام حيث لم تعلن أي قناة صراحة أهدافها وتوجهاتها وحتي الآن مازلنا لا نفرق بين الملكية والإدارة. كما أننا لم نسمع عن مالك لقناة في العالم يعطي لنفسه الحق في ساعتين أو ثلاث يظهر خلالها وكأنه قيادة رأي. لكنها أيضاً أكدت بأن اللوم الملقي علي الإعلام في غير محله لأن الطريق غير واضح في أي مجال. فالتعديلات الدستورية وضعت خطوطا عريضة لما ستكون عليه مصر من مواعيد للانتخابات وغيرها ولكن مصر في مختلف المجالات مازالت مبهمة أو ما يجب أن نركز عليه في تلك المرحلة وبالتالي الإعلام يعيش نفس المرحلة. فإذا ركز الإعلام علي قضايا كالانفلات الأمني، الإصلاح الاقتصادي، العمل علي دفع عجلة الإنتاج في المرحلة القادمة، فسوف يقوم بدوره الحقيقي في توعية المجتمع. الأهم هو أن يتجه الناس إلي قضايا أخري ذات أولوية كبري في هذا الوقت الحرج الذي نمر به كالانتقال الآمن من المرحلة الخطيرة التي يمر بها المجتمع إلي مرحلة إعادة البناء والاستقرار علي أسس جديدة لمجتمع مصري ينهض علي الحرية والديمقراطية والعدالة.