فى صناعة القرار الاستثمارى تكون هناك رؤية مستقبلية لنوع النشاط وتوقعات السوق والبيئة المحيطة وهى تستند إلى أرقام وإحصاءات لمراحل سابقة وحالية... ومن ثم فان قرار الاستثمار فى السوق المصرى من قبل مستثمرين مصريين أو عرب أو أجانب لا بد وأن يأخذ فى الاعتبار مجمل الظروف التى مر بها الاقتصاد المصرى على مدار الخمس سنوات الماضية وهى بالطبع ظروف شديدة الصعوبة خاصة مع التراجع الحاد فى موارد العملة الصعبة مع ركود القطاع السياحى وتراجع الصادرات وتزايد معدل الواردات وزيادة الإنفاق العام والارتفاعات المتوالية فى الأسعار... هذه الظروف فى مجملها وفى تفصيلاتها لا يمكن أن تصب فى صالح قرار ايجابى بالاستثمار... ورغم ذلك سنجد أن ثمة عناصر يمكن الاستناد إليها من بعض الزوايا منها حقيقة الكتلة البشرية الهائلة فى السوق المصرى وتنوع موارده وتعدد قواعده الإنتاجية بين الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات فهو ليس اقتصاد المنتج الواحد.. أضف إلى ذلك المزايا التى تفرضها الطبيعة الجغرافية والتاريخية وأيضاً حالة الاستقرار السياسى والأمنى التى بدأت تسود فى الشارع المصرى إلى حد كبير.. وحتى بالنظر إلى نسبة النمو الإجمالى والتى كان مستهدف لها أن تصل إلى 5% خلال 2015 إلا أنها لم تتجاوز 3.5% فى أحسن التقديرات فسنجد أن الكثير من الأسواق المتقدمة لم تحقق فى نفس العام نسب نمو تكاد تُذكر وبعضها لم يتجاوز 0.5%.. وبهذا القياس يعتبر معدل النمو العام وان كان متواضعاً بالنسبة لطموحاتنا إلا أنه مرتفع بالنسبة للمستثمرين الباحثين عن فرص جيدة للنمو والربح.. كما أن الظروف الإقليمية والدولية قد يكون لها دور ايجابى فى حالة دعم القرار الاستثمارى فالأسواق المحيطة فى حالة انهيار شبه تام وبعضها أسواق تقليدية منافسة مثل سوريا وليبيا والسودان وتأثيرات وتداعيات الخروج المحتمل لبريطانيا من الاتحاد الأوروبى وآثار الأزمة الروسية الأوروبية والأزمة الروسية التركية كلها عناصر تصب فى صالح الاقتصاد المصرى بصفة عامة وقطاع السياحة على وجه الخصوص... ولكن يظل استثمار هذه الظروف مرتبط بتبنى سياسات اقتصادية نستطيع توظيفها لصالح الاقتصاد المصرى وبأدوات غير تقليدية ولا مانع من استخدام الثقل السياسى والتاريخى المصرى فى بعض الاتجاهات كما هو حال العلاقات الروسية المصرية شديدة المتانة حالياً.. هذا بخلاف إعادة النظر فى الكثير من السياسات بما يتناسب وتوظيف أمثل لكافة المزايا.. ومن هنا لا داعى أن ندفن رءوسنا فى الرمال لأن المشاكل الاقتصادية وطرق علاجها معلومة للجميع فى كافة المستويات ولكنها تحتاج فقط إلى أن يتحلى هؤلاء المسئولون بقدر من الشجاعة الاقتصادية وبعض الشجاعة السياسية فمثلاً مشكلة الدولار يمكن حلها بشجاعة اتخاذ قرار بتعويمه بما يعطى ميزة للصادرات المصرية من ناحية ويخفض الضغط على الجنيه والعملة الصعبة من ناحية ثانية ويحد الاستيراد بطريقة فعالة وآمنة من ناحية ثالثة ويشكل عنصر جذب هائل للمستثمرين من ناحية رابعة على أن يرتبط هذا القرار بالطبع بتبنى برامج اجتماعية لتلافى الآثار السلبية المتوقعة والمؤقتة على بعض القطاعات والشرائح الاجتماعية.. وقد يرى الكثيرون أنى متفائل أكثر من اللازم، ولذلك سوف أذكر مثالاً محدداً فى قطاع تجارة التجزئة ففى هذا القطاع يظهر الكثير من الايجابيات وسط هذه الصورة القاتمة... فرغم كل هذه الظروف ورغم أننا قد نختلف حولها قليلاً أو كثيراً إلا أن الثابت على أرض الواقع فى قطاع تجارة التجزئة أنه لا يزال حتى الآن القطاع الأكثر جذباً للاستثمار الخارجى (عربى أو أجنبي) فعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية تم تدشين أربع سلاسل جديدة لتجارة التجزئة فى مصر منها شركة مصرية والثلاث الأخرى برءوس أموال غير مصرية ونحن هنا أمام استثمارات حقيقية بالمليارات ولها مردود مباشر فى شكل إضافات كاملة للاقتصاد المصرى هذا بخلاف أن معظم الشركات العاملة بالفعل فى السوق المصرى قد شهدت أعمالها توسعات ضخمة.. وبالطبع يمكن اعتبار قطاع تجارة التجزئة وتوسعاته الاستثمارية حالة استثنائية خاصة أنه من ضمن القطاعات الدفاعية التى تتسم بكونها غير مرنة فى الاستجابة للتأثيرات الخارجية حيث يظل تأثرها بالعوامل السلبية محدودا نظراً لكونها ترتبط باحتياجات القاعدة العريضة من المواطنين مثلها فى ذلك مثل قطاع الأدوية والسجائر وفى هذه الحالة نحن نتحدث عن الاحتياجات الغذائية لأكثر من 90 مليون مستهلك يزيد عددهم بأكثر من 2 مليون سنوياً وهو سوق ضخم ومغر لأى قرار استثمارى بكل المقاييس.. ومن خلال هذه الأطروحات السابقة يمكن الوصول لخطة متكاملة تستغل كافة العناصر الايجابية داخلياً وخارجياً فى زيادة معدلات الاستثمار والتى تعتبر الحل الأمثل للقضاء على مشاكل الاقتصاد المصرى وتحقيق حلم دولة مصرية قوية سياسياً وقادرة اقتصادياً.. مهند عدلى