تمر البرازيل بأزمة سياسية عنيفة منذ فترة طويلة على اثر اتهامات بالفساد طالت الجميع من رئيسة الدولة إلى موظف الحسابات مرورا بنائب الرئيس ورئيس مجلس النواب والعديد من رجال السلطة وأيضا المعارضة ومسئولين تنفيذيين محسوبين على الأحزاب الحاكمة وأيضا أحزاب المعارضة على طريقة " يا عزيزى كلنا فاسدون ". كانت كلمة السر فى هذه الأزمة، فضيحة فساد في شركة النفط العملاقة بتروبراس والتى طالت الجميع ومما زاد من حدة الأزمة السياسية ، انكماش اقتصادي قاس وزيادة نسبة البطالة والتضخم وتراجع العملة البرازيلية أمام الدولار الأمريكى . فى هذا الإطار شهدت البلاد مظاهرات ضخمة ومستمرة منذ أكثر من عام بعضها جاء للاحتجاج على بقاء الرئيسة ديلما روسيف فى منصبها وللمطالبة باقالتها على إثر اتهامات مزعومة بالفساد ، وأخرى مؤيدة ترى اتهامات المعارضة مدفوعة من اليمين ومدعومة من إعلام رجال الأعمال الذين يعارضون البرامج الاجتماعية ومكافحة الفقر. على كل حال وكما يقول البرازيليون لا يهم ما فات نحن الآن أمام لحظة الحقيقة خاصة بعد توصية اللجنة النيابية المعنية بالمساءلة القانونية المخصصة لمناقشة الاتهامات الموجهة لرئيسة البرازيل ديلما روسيف والتى تضم (65 عضوا ) بالموافقة على إجراءات مساءلة و إقالة أو عدم إقالة ديلما روسيف، بأغلبية 38 صوتا مقابل 27 ،وتعد توصية اللجنة الخطوة الأولى فى الإجراءات يليها الجلسة العامة لمجلس النواب ثم مجلس الشيوخ. وبالتالى يحبس البرازيليون أنفسهم يوم الأحد القادم 17 إبريل والذى أطلقوا عليه الأحد الكبير أو يوم الحسم، انتظارا للتصويت سواء بإقالة أم استكمال الرئيسة ديلما روسيف لفترة ولايتها الثانية والتى تنتهى أواخر 2018. على امل الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التى تكاد تعصف بالبلاد علاوة على الخوف من تهديد السلم الاجتماعي اذا تجددت الاحتجاجات. وفي حال تم توجيه التهمة اليها بأغلبية الثلثين، يتم استبعادها مؤقتا عن مهامها لفترة 180 يوما كحد اقصى، وبعد ذلك يعود القرار لمجلس الشيوخ ، ويتطلب قرار اقالتها أو عزلها موافقة ثلثي اعضاء مجلس الشيوخ (54 من اصل 81) . يقول خبراء القانون الدستورى انه وفقاً لباب نظام الحكم فى الدستور البرازيلى الجديد انه فى حال اقالة ديلما روسيف، يخلفها نائب الرئيس ميشيل تامر زعيم حزب الحركة الوطنية الديمقراطية حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018 ، ويتم تعيين رئيس مجلس النواب ادواردو كونيه -المتهم بإخفاء حسابات مالية فى البنوك الأجنبية الخارجية - نائبا للرئيس وفقاً للمادة 80 من الدستور البرازيلى. وعلى الرغم من توصية اللجنة بإحالة الرئيسة ديلما روسيف لمحاكمة برلمانية إلا أن معسكر روسيف يرى أن هذه التوصية لا تعد هزيمة بل أن هناك شبه ارتياح داخل صفوف حزب العمال والأحزاب والحركات المؤيدة لبقاء الرئيسة ديلما روسيف حيث يكون التصويت بالأغلبية فى لجنة التحقيق والمساءلة ولم تصل نسبة الأعضاء المؤيدين للمساءلة والعزل إلى ثلثي الأعضاء (65) ، وبالتالى يشير قرار اللجنة إلى أن المعارضة لن يكون لها ما يكفي من الأصوات في البرلمان لإقالة روسيف . وأشار المحللون إلى أن معسكر الرئيسة ديلما روسيف الذى يضم حزب العمال والأحزاب المتحالفة معه خاصة الحزب الشعبى وحزب الجمهورية والحركات اليسارية والعمالية والمنظمات الحقوقية والقانونية ستبذل جهودا مضنية خلال الأيام القادمة على عدة محاور لتفادي إقالة روسيف، تتعلق الاولى بالشق القانوني عبر ادانة اجراء الاقالة وتأكيد عدم شرعيته ووصف مايحدث بالانقلاب على الشرعية الدستورية. وتتمثل الثانية في الشق السياسي بمحاولات الحصول على دعم النواب المترددين مقابل مناصب في التشكيل الحكومى الجديد والمناصب التنفيذية المهمة بالإضافة إلى حملات توعية الشعب بخطورة الانقلاب على الدستور والذى سيدخل البلاد فى دائرة الخطر الاقتصادي والأزمة السياسية الحادة ،وأيضاً المظاهرات المستمرة المؤيدة لاستكمال الرئيسة ديلما روسيف لفترة ولايتها الثانية. كمايستغل المؤيدون لروسيف ماحدث الاثنين الماضى فى الجلسة الأخيرة للجنة المساءلة القانونية والذى ما زالت تداعياته مستمرة حتى الآن، والتى شهدت تسريب خطاب صوتى لميشيل تامر نائب رئيس الجمهورية يحث فيه أعضاء حزبه والنواب المترددين على التصويت لصالح إقالة الرئيسة ومساءلتها ، ووعوده لهم بتشكيل حكومة وطنية حال توليه الرئاسة مما أثار استياء المعارضين قبل المؤيدين وعلى إثر هذا الموقف، اتهم زعيم حزب العمال فى مجلس النواب أفونسو فلورنسا ميشيل تامر بالخيانة العظمى وقال إن القناع قد سقط عن ميشيل تامر ،إنه الرجل الذى يخدع الجميع من أجل مصالح شخصية وليس من أجل البرازيل، مشيراً إلى أن هذا التسريب يشير إلى أنه مشعل الحرائق. ويعد ما فعله ميشيل تامر فى نظر الجميع هنا موقفا غير أخلاقى بالمرة مما سيكون له مفعول السحر فى تقليل عدد النواب وموقف الأحزاب من إقالة الرئيسة حيث يتفق الجميع على أن ديلما روسيف أفضل من ميشيل تامر فى كل الأحوال. أضف إلى ذلك أن معسكر روسيف يعول على الشعبية الجارفة للرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا سواء فى حشد التظاهرات المؤيدة للرئيسة أو فى إقناع النواب المترددين للتصويت ضد الإقالة.