ظلت روسيا الحاضر الغائب في كافة المؤتمرات الصحفية التى حضرتها " الأهرام " للأمين العام لحلف شمال الأطلسي " ناتو " يانس ستولنبرج بمقر الحلف على طريق المطار بالعاصمة البلجيكية بروكسل ، بصرف النظر عن نوعية المناسبة و سواء كان الرجل بمفرده أم بصحبة ضيوف من أعضاء الحلف على مدار الأسابيع القليلة الماضية . وتؤكد كل المؤشرات أن هذا الوضع سوف يستمر فى الفترة القادمة كذلك . انها ليست تصريحات عدائية لكنها بالوقت ذاته تعلق دوما جرس الكوارث فى رقبة الدب الروسى ، فموسكو هى العائق الحقيقى أمام تسوية سياسية منشودة تنهى الصراع بسوريا وهى التى تقصف ما يسمى بالمعارضة المسلحة المعتدلة بدلا من من مواقع الإرهابيين وهى التى تنتهك الأجواء التركية ، إلى آخر قائمة الاتهامات الغربية المعتادة للروس . و ليس من قبيل المفاجأة أن المكتب الصحفى للحلف كان يحرص فى كل مؤتمر على منح الفرصة كاملة للزملاء من ممثلى الاعلام والصحافة من الدول التى تدخل على خط التوتر المباشر مع الكرملين مثل أوكرانياوتركيا ، فيكون لهم الأولوية فى طرح الأسئلة مرة واثنين بينما لا يتاح نصف ذلك لأصحاب تساؤلات أخرى . الروس من ناحيتهم لم يسكتوا وحرصوا على تفنيد ادعاءات المعسكر الآخر أولا بأول ، واعتادت وزارة الدفاع الروسية على التذكير من آن لآخر بأن " رعونة الناتو " هى سبب تدهور الأوضاع فى الشرق الأوسط عموما وسوريا بشكل خاص . المثير للقلق والذى لا يمكن أن تخطئه عين المراقب أن المواجهة انتقلت من خانة " التراشق الاعلامى " الى التلويح العسكرى من خلال رفع درجة الاستعداد فى صفوف القوات على الجانبين والتصعيد غير المسبوق فى حجم التدريبات والمناورات ردا على تهديدات محتملة يتبادل الطرفان الاتهامات بالمسئولية عنها . كارمن رومير المتحدثة باسم الحلف عادت للتذكير بأن الجيش الروسى أجرى عددا هائلا من التدريبات العسكرية فى عام واحد فقط بلغ اربعة آلاف تدريب وهو عشرة أضعاف العدد الذى سبق للحلف أن خطط له فى نفس المدة ، مما يؤشر على " نوايا غير ودية " تجاه أوروبا من وجهة نظر الحلف الذى يرى أن تلك التدريبات تندرج تحت بند واحد : الاستعداد للمواجهة القادمة مع أعضاء الأطلسى . ورد جنرالات موسكو بالكشف عن " سلوك شبه عدائى " تنتهجه القيادة العسكرية للناتو تمثل فى زيادة عدد تدريبات الحلف من خمس وتسعين الى مئة وأربعين وكذلك مضاعفة طلعات طائرات الاستطلاع تسعة أضعاف ، علما بأن كل ذلك يجرى على الحدود الروسية مما يمثل " استفزازا واضحا " فى حين أن التدريبات الروسية تبقى داخل أراضى الدولة . ومع ارتفاع درجة حرارة فى الصراع بسوريا وتصاعد نذر المواجهة بين تركيا - العضو بحلف شمال الأطلسى - وروسيا ، تتزايد مخاطر اندلاع مواجهة شاملة بين الحلف وموسكو ليس فقط بسبب عقيدة الحلف التى تعتبر أن أى هجوم على دولة عضو هو هجوم على التحالف لابد من الرد عليه و لكن لأن الأوضاع بين الطرفين - الدب الروسى والناتو - معقدة ومأزومة أصلا بما يكفى كما رأينا . ومع اتباع واشنطن سياسة " النأى بالنفس " بعيدا عن أى مواجهة عسكرية مع الروس سواء فى أوكرانيا كما حدث بالماضى أو سوريا كما يحدث حاليا عبر زيادة حجم التنسيق العسكرى بين البنتاجون وجنرالات الكرملين لمنع أى استهداف لقوات الجانب الآخر بالخطأ ، فإن قادة الناتو بات عليهم أن يتحملوا بمفردهم ضريبة الحرب الكلامية التى يشنها أردوغان بين الحين والآخر ضد موسكو . ورغم أن الولاياتالمتحدة هى القائد الحقيقى للناتو تاريخيا و عسكريا ويحظى السفير الأمريكى لدى الحلف باهتمام غير عادى لدى زيارته لبروكسل ، إلا أن البيت الأبيض لا يزال مصرا على التهدئة مع الروس عبر الرفض الصريح لمبررات التصعيد التركى ضد المقاتلين الأكراد بسوريا .