قرر ألا يلعن الظلام، بل جعل منه شمعة تضئ حياته، تمرد على كل شئ، فتفوق فى دراسته، حتى حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وتمرد مرة أخرى على الظلام ليحقق حلمه بتعينه معيدا فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة حلوان .. سنوات كثيرة من عناء مضت منذ أن دخل فى تحد مع نفسه، مسافات طويلة، وتفاصيل أطول تحملها حكاية الدكتور أحمد خاطر الذى ولد كفيفا. الحكاية بدأت كما يرويها الدكتور أحمد خاطر: ولدت كفيفا، وكانت أسرتى تريد إلحاقى بإحدى مدارس اللغات، ولكن هذه المدارس كانت ترفض المكفوفين، فالتحقت بمدرسة النور للمكفوفين، وتعلمت فيها القراءة والكتابة بطريقة برايل، واجتهدت فى الدراسة، وجعلتها هى النور الذى يضئ حياتى، لأحصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية فى المرحلة الابتدائية، لتستمر رحلة التفوق بحصولى على المركز الخامس على مستوى الجمهورية فى المرحلتين الإعدادية والثانوية، وهنا تبدأ رحلة من الصعوبات والتحدى الحقيقى، فبعد حصولى على الثانوية العامة، كانت رغبتى الالتحاق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، ولكن من سوء حظى أن القسم كان لا يقبل المكفوفين به فى هذه الفترة، بالرغم من أنه كان يسمح بالتحاقهم مسبقا، فالموسيقار عمار الشريعى كان خريج كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، ولكن توقف الأمر فى تلك الفترة، وقررت عدم الاستسلام، فذهبت لمقابلة بعض المسئولين، الذين اعطونى وعودا كثيرة لكنها كانت وهمية، وبجفاء كان يعاملنى بعضهم لكونى كفيفا، حتى ذهبت إلى الدكتورة مارى مسعود رئيسة قسم اللغة الإنجليزية بالكلية فى ذلك الوقت، وتحدثت معها بلباقة عن رغبتى فى الالتحاق بالكلية، فتعاطفت معى، لتحصل على موافقة من أساتذة القسم بانضمامى، بشرط كتابة عدة تعهدات، منها عدم تسجيل المحاضرات أو طلب مساعدات خاصة من الأساتذة، لكن عندما وجدوا اهتمامى بالدراسة بدأوا يقدمون لى المساعدة دون أن أطلب منهم، لأحصل على تقدير جيد جدا فى سنوات الدراسة بالكلية، وبدأت بعدها رحلة جديدة من التحدى، حيث اصطدمت رغبتى فى تعينى معيدا فى الكلية بالقوانين التى لا تسمح للمعاقين بالتعيين فى مثل هذه الوظائف، ورفضت عدة جامعات تعيينى بها، ومنها جامعة عين شمس وجامعة بنها، حتى وافقت جامعة حلوان على تعيينى بالرغم من ترددها فى اتخاذ هذا القرار، إلا أن رئيسة القسم آنذاك الدكتورة منى زكرى تحدثت مع إدارة الجامعة عن كفاءتى العلمية، وهذا خير دليل على أن المكفوفين وذوى الإعاقة يحصلون على حقوقهم بمجهودهم الفردى وليس بالقانون، الذى من المفترض أن يمنحهم حقوقهم. بعيدا عن المناصب وأضاف الدكتور خاطر: بعد تعيينى فى جامعة حلوان شعرت أن الدنيا بدأت تبتسم لى، ليتم تعيينى مستشارا لهيئة اليونسكو فى مكتبة الإسكندرية ومتخصصا فى تكنولوجيا القراءة للمكفوفين، وعملت أيضا مستشارا لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عام 2012، لكننى لم استمر فيه طويلا، حيث كانت هناك أمور خاطئة كثيرة حاولت تعديلها، فقدمت خطة للتغلب على هذه المشاكل، إلا أنى لم أجد استجابة من جانب المسئولين، فشعرت أنه لن يمكننى من أداء دورى فى المنصب بالشكل المثالي، خاصة بعد عمل مناقصة لشراء برنامج ناطق يوزع على المدارس والجمعيات. فتم تشكيل لجنة التقييم من 10 استشاريين وكنت الكفيف الوحيد بينهم، وقد اخترت برنامجا، بينما اختاروا هم برنامجا أخر، وبالرغم من بذلى جهودا مضنية لتعريفهم مدى أهمية البرنامج الذى اخترته إلا أنهم لم يهتموا، ولكونهم الأغلبية فقد تم تجاهل اختياري، والكارثة أن البرنامج الذى أجمعوا على اختياره أغلقت شركته، بينما البرنامج الذى اخترته وهو «ويندوز أيز» يوزع حاليا مجانا للمكفوفين على مستوى العالم.. فشعرت أنى اسبح ضد التيار، وليس لدى الصلاحيات التى تمنحنى القدرة على أداء دورى فتركت المنصب. بعد ذلك تم اختيارى استشاريا للتكنولوجيا المساعدة فى إدارة الخدمات المجتمعية، والتى من المفترض أنهم يقدمون الكثير من الخدمات، ولكن شعرت أن خدماتهم لن تغير وضع الكفيف التكنولوجي، حيث تقدمت بالعديد من المشروعات والأجهزة التى ستحسن من الوضع التكنولوجى للكفيف إلا أنهم كانوا يأخذون أجزاء صغيرة من تلك المشروعات وما يروق لهم فقط متجاهلين مجهوداتي، فشعرت أن أحلامى وطموحى بتحسين وضع الكفيف التكنولوجى قد تحطمت. تكنولوجيا المكفوفين أشار الدكتور خاطر: لاشك أن التقدم والتطور التكنولوجى الذى يشهده العالم هذه الأيام للمكفوفين حق أيضا فى التمتع به، فأصبح هناك ما يعرف ب»لوحة مفاتيح برايل»، التى يستخدمها الكفيف للتواصل من خلال الكمبيوتر أو الموبايل، والتى تتيح له التواصل أيضا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك يكون من خلال توصيل لوحة مفاتيح برايل بأجهزة بها برنامج تحويل الكتابة من برايل لكتابة عادية، ولكن المشكلة هى ارتفاع أسعار تلك الأجهزة المتخصصة لهم. وقد أصدرت جامعة «حلوان» قرارا مؤخرا بإلزام أساتذة الجامعة توفير المواد الدراسية الإلكترونية للمكفوفين، لتصبح بذلك أول جامعة على مستوى الجمهورية توفر تلك الخدمة للمكفوفين. موضحا أن جمعيات المكفوفين تقوم بدورها الاجتماعى فقط، حيث أنها توفر لهم الدعم المادى والاجتماعى من أجل حل مشاكلهم الحياتية اليومية والمادية على أعلى مستوى، ولكن فيما يخص الدور التنموى التأهيلى والتجريبى المدروس فيمكننا القول إنه لا توجد جمعية تقوم بهذا الدور. حيث توفر للكفيف معونة مالية إذا طلبها، لكن هذه الجمعيات لا يمكن أن توفر له جهاز برايل، لذلك يجب على رجال الأعمال أن يساعدوا فى التنمية لذوى الإعاقات البصرية، والتى تتمثل فى شراء الأجهزة باهظة الثمن التى تساعدهم على التأقلم مع المجتمع، كما يجب على الدولة تحفيز وتشجيع رجال الأعمال على مساعدة المكفوفين من خلال الاستثمار فى ذوى الإعاقة، إلى جانب التنسيق بين الجهات المانحة والجمعيات والمكفوفين، من خلال عمل شراكة بين الجمعيات ورجال الأعمال تحت إشراف الدولة لتحقيق متطلباتهم واحتياجاتهم المادية التكنولوجية أيضا». الكفيف ليس عبئا على أحد ويرى الدكتور خاطر أن الشخص الكفيف قد لا يكون عبئا إذا تم تأهيله بالشكل المطلوب، لأنه سيكون منتجا ويفيد نفسه والمجتمع. كما أن الأسر عليها دور أيضا فى تأهيل ابنها الكفيف من خلال عدم اليأس والصبر عليه وتحدى اى معوقات حتى يستطيعوا الوصول بأطفالهم إلى بر الأمان، خاصة أنه أمر صعب جدا ومرهق وذلك لأن الجمعيات والهيئات المتخصصة فى تأهيلهم ليس لديها الكوادر المتخصصة والمؤهلة بل إنه مازالت تعمل بالفكر القديم غير المتقدم والمتطور المواكب للعصر الحالي.